- شرح خطبه شقشقيه
- علّامه ميرزا ابوالمعالى كلباسى (1315 هـ .ق)
- تحقيق: مجيد هادىزاده
نوشته حاضر، رسالهاى است ميانه كوتاه، كه علّامه ميرزا ابوالمعالىِ كرباسىِ اصفهانى، آن را با هدف گزارش خطبه معروف شقشقيه سرور دين باوران، حضرت علىّ بن ابيطالب علیهالسلام به دست داده است. مؤلّف اين رساله ميرزا ابوالمعالى محمّد، فرزند علّامه عظيمالقدر شيخ محمّد ابراهيم كلباسىِ اصفهانى؛ در شعبان سال 1247 هـ .ق در اصفهان به دنيا آمد. در همين شهر به تحصيل علم پرداخت و محضر نامورانى همچون پدر علّامه، فقيه بزرگ سيّد محمّد شهشهانى، و استاد مؤسّس سيّد حسن مدرّس مطلق را درك كرد. علّامه امين عاملى ]أعيان الشيعة 2: 433، ستون 1[. او را با عبارت «لم يكن في عصره أشدّ انكباباً منه على الاشتغال» ستوده است. ميرزا ابوالمعالى نه تنها در دانشهاىِ رسمى كه در شمارى از ديگر علومِ آن روزگار نيز به مرتبه استادى رسيد؛ ريختههاى گونهگون قلم او كه در حوزههای دانشهاى قرآنى، فقهى، اصولى، رجالى، حِكْمى، كلامى، رياضى و جز آن پديد آمدهاند، نشان از قدرت والاى او در دو حيطه دانشاندوزى و تأليف دارند. امين عاملى ]أعيان الشيعة 2: 433، ستون 1.[ 65 رساله از رسائل او را نام برده است. كلباسى سرانجام در روز چهارشنبه 27 صفر سال 1315 هـ .ق درگذشت و در تختپولاد اصفهان آرام گرفت. فرزند دانشمند او، ميرزا ابوالهدى در رساله «البدر التمام في أحوال الوالد القمقام» ]اين رساله، در نهايت مجموعه رسائل اصولىِ پدر، عرضه شده است.[ به تفصيل به گزارش زندگانىِ پدر و نيز نياى خويش پرداخته است.
در ميان آثار كرباسى، رساله شرح خطبه شقشقيّه ـ كه گويا مؤلّف آن را به نام خاصّى نخوانده است ـ ، نشان از دلبستگىهاىِ حديث پژوهانه او دارد. اين رساله ـ كه در ريحانة الأدب ]ريحانة الأدب 7: 269 شماره 11[ به اشتباه آن را «شرح الخطبة الدمشقيّة» خواندهاند ـ در شمارى از مصادر كتابشناسى و تراجم نگارى ياد شده است. رساله بر اساس ديدگاههاى زبان شناسانه تنظيم شده، و توضيحات لغوى و گاه دستورى بيشترين درونمايه آن را تشكيل مىدهد. در اين ميان، آثار واژه شناسانى همچون جوهرى، فيروزآبادى، و فيّومى بيشترين توجّه مؤلّف را به خود جلب كرده، و دست افزار اصلىِ او در نگارش اين گزارش بوده است.
كتابى «نهاية» نام، كه در يک مورد به روشنى «النهاية الأثيريّة» خوانده شده نيز در شمار همين دست افزارها است؛ امّا افسوس كه راقم اين سطور به چيستىِ آن كتاب پى نبرد. چه آنچه به نقل از النهاية به جاى جاى رساله حاضر راه يافته است، به هيچ روى با آنچه بر برگهاى النهايه نامبردار ابناثير جزري مضبوط است، يكسان نمىنمايد.
و درود بر پيامبر ما و خاندان برگزيدهاش
] 3[
وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِالسَّلاَمُ الْمَعْرُوفَةِ
بِالشِّقْشِقِيَّةِ وَ الْمُقَمَّصِيَّةُ
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ، وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا، مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ.
فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً. وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ؛ يَهْرَمُ فِيْهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُوْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى؛ فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذَىً وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا. أَرى تُرَاثِي نَهْباً.
حَتَّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ.
ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الأَعْشَى:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا
وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا.
فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ: يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَ الأِعْتِذَارُ مِنْهَا؛ فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ؛ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَآعْتِرَاضٍ؛ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الاِمحْنَةِ.
حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ. فَيَالَلَّهِ وَ لِلشُّورَى. مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ. لكِنَّنِي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا؛ فَصَغَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ الاْخَرُ لِصِهْرِهِ، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ.
إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ.
وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعُ، إلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.
فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ النَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبَيضَةِ الْغَنَمِ. فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ آخَرُونَ. كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَ لاَ فَسَاداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ؟ بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا.
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ: لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لْأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَلْأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدُ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ.
قَالُوا: وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ عَلَيْهِالسَّلاَمُ، إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً، فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَالَ لَهُ إِبْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللّهُ. يَا أَمِيرَالْمُوْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدْتَ مَقَالَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ.
فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاسٍ، تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ.
قَالَ آبْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَسِفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى ذلِكَ الْكَلاَمِ أَلاَّ يَكُونَ أَمِيرُاَلْمُوْمِنِينَ عَلَيْهِالسَّلاَمُ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ.
]قال الشريف، رضياللّه عنه[: قَوله عَلَيْهِالسَّلاَمُ في هذه الخطبة «كراكبِ الصَّعْبَةِ إنْ أشنق لَها خَرَمَ وَ إنْ أَسْلَسَ لَها تَقَحَّم» يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزّمام و هي تنازعه رأسها خرم أنفها، و إن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها؛ يقال:
أَشْنَقَ النَّاقة إذا جذب رأسها بالزّمام فرفعه. و شَنَقَها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق». و إنّما قال عَلَيْهِالسَّلاَمُ «أَشْنَقَ لَهَا» و لَم يقل «أشنقها»، لأنّه جعله في مقابلة قوله: «أسْلَسَ لَهَا»، فكأنّه عَلَيْهِالسَّلاَمُ قال: إنْ رَفع لها رأسها بالزّمام يعني أمسكه عليها.
]و أضيفت في بعض النسخ المخطوطة من النهج، بعد تفسير السيّد، العبارة التالية:[
وفي الحديث أنَّ رسولاللّه صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلهِ، خطب على ناقته و قد شنق لها وهي تقصع بجرّتها. و من الشّاهد على أنّ «شَنَقَ» بمعنى «أشْنَقَ» قول عدّي بن زيدٍ العباديّ:
سَاءَهَا مَابِهَا تَبَيَّنَ فِي الايـْ
ـدِي وَإِشْنَاقُهَا إلَى الاعْنَاقِ
أي تعليقها. يقول: ساءَ هذه الناقةُ مابسببنا ظهر في أيديها و رفع رأسها إلى الأعناق و هو ممّا يصعب عليها.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ
قوله علیهالسلام: «أمَا» ـ بالفتح و التخفيف ـ: حرف التنبيه، نحو ألاَ. و المعربون يعبّرون عنها على ما يظهر من «المغني» ]مغنی اللبیب 1: 78[ بـ : حرف الاستفتاح. و تكثر قبل القسم على ما صرّح به فيه. ]نفس المصدر[
قوله علیهالسلام «لقد تقمّصها». «اللام» لام جواب القسم، نحو قوله ـ سبحانه ـ : (تَاللَّهِ لَقَدْ اثَرَکَ آللَّهُ عَلَينَا) ]فصلت: 91[، و قوله ـ سبحانه ـ : (تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصنَامَكُمْ). ]الأنبیاء: 57[
و الضمير راجعٌ إلى الخلافة. و لم يذكرها لظهورها، كما في قوله ـ سبحانه ـ : (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) ]ص: 32[ حيث رجع الضمير إلى الشمس. فالمرجع من باب المتقدّم ذكره حكماً بناءً على تعميمه لصورة عدم تعقّب الضمير بالمرجع كما هو الأوجه لوكان ]کذا[. الخطبة غير مسبوقةٍ بشيءٍ في كلام سائلٍ أو غير سائلٍ؛ أو كانت مسبوقةً بما لايرتبط بالخلافة في كلام سائلٍ أو غير سائلٍ.
و يمكن أن يكون من باب المتقدّم ذكره معنىً بدلالة سياق الكلام بناءً على تعميم السياق في المتقدّم المعنويّ لسياق كلام غير المتكلّم كما هو الأوجه ، بناءً على إحدي الروايتين في إنشاء الخطبة من أنّه لمّا بويع أميرالمؤمنين بالخلافة ناداه رجلٌ من أهل الصفّ و هو على المنبر: «ما الّذي أبطأ بک إلى الآن؟»؛ فقال علیهالسلام «أمَا و اللّه … إلى آخره».
و يمكن أن يكون من باب المتقدّم ذكره لفظاً تحقيقاً، بناءً على الرواية الأخرى ]سيأتي الروايتان ]منه[[ من أنّه ذكر الخلافة عنده علیهالسلام، فقال علیهالسلام: «أمَا و اللّه» … إلى آخره؛ أو بناءً على عمومه لصورة تقدّم اللفظ في كلام غير المتكلّم كما هو الأوجه.
و قد حرّرنا الكلام في أقسام مرجع الضمير في الأصول.
و هو علیهالسلام قد استعار للخلافة «القميص»، و كنّى عن تلبّسه بها بـ «التقمّص» كما يقال: تدرّع و تردّى و تمندل.
قال في المجمع ]مجمع البحرین 3: 548[: «القميص: الثوب الّذي يلبس، و الجمع: القمصان و الأقمصة. و تقمّص القميص: لبسه؛ و تقمّص الخلافة: لبسها كالقميص».
و من استعمال القميص في الثوب الملبوس قوله سبحانه: (وَ جَاؤُا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ]یوسف: 18[، و كذا قوله سبحانه: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ … * وَ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ). ]یوسف: 26 ـ 27[.
قوله علیهالسلام «فلانٌ». المقصود به: أبوبكر. و عدم التصريح به إمّا من جهة نوع تقيّةٍ كما قيل؛ أو عدم الإعتناء، كما هو المتعارف كما يقال: و بعضٌ قال كذا.
و في بعض النسخ: «ابن أبي قحافة»؛ و في آخر: «أخوتميمٍ».
قوله علیهالسلام «محلّ القطب من الرحى». «قطب الرحى» كقفل على ما في المصباح ]المصباح المنير: 696 [و مثلّثةً على ما في الصحاح ]صحاح اللغة 1: 204، القائمة 1[. و كعنقٍ أيضاً على ما في القاموس]القاموس المحیط: 130، القائمة 2[: حديدةٌ تدور الرحى عليها. و ما في القاموس: «تدور على الرحى» ]الظاهر أنّ نسخة المصنّف تختلف مع ما بأیدینا الآن من القاموس، إذ فیه صریحاً: «حدیدةٌ تدور علیها الرحی»[، سهوٌ.
و «القُطب» ـ بالضمّ، على ما أعرب في الصحاح ]صحاح اللغة 1: 204، القائمة 1[: «كوكبٌ بين الجَدْي و الفرقدين يدور عليه الفلک»؛ قال: «و فلانٌ قطب بني فلانٍ أي: سيّدهم الّذي يدور عليه أمرهم». فذكر انّه يقال لصاحب الجيش: قطب رحى الحرب.
و في القاموس ]القاموس المحيط: 130، القائمة 1[: «و بالضمّ: نجمٌ تبنى عليه القبلة؛ و: سيّد القوم؛ و: ملاک الشيء و مداره»، انتهى.
و لعلّ الظاهر كون القطب مطلق المدار و الملاک.
و أمّا «الرَّحى»، فقال في الصحاح ]صحاح اللغة 6: 2353، القائمة 2[: «الرَّحى: معروفةٌ، مؤنثةٌ. و الألف منقلبةٌ من الياء، تقول: هما رحيان».
ثمّ قال: «و كلّ من مدّ قال: رحاءٌ و رحاءانِ و أرحيةٌ، مثل عطاء و عطاءان و أعطية، جعلها منقلبةً من الواو، و لاأدري ما حجّته و ما صحّته؟».
و في المجمع ]مجمع البحرين 2: 161[: «و الرحى: معروفةٌ، مؤنّثةٌ مقصورةٌ. و الأصل فيها على ما قالوه: رحى، قلبت الياء ألفاً و حذفت لإلتقاء الساكنين بين الألف و التنوين. و المنقلبة عن الياء تكتب بالياء فرقاً بينها و بين المنقلبة عن الواو. و تقول في تصريفها: رحى، رحيان».
و المعنى: تدور الخلافة عليَّ كما يدور الرحى على قطبها. و الغرض استحقاقه للخلافة دون غيره.
قوله علیهالسلام «ينحدر عنّي السيل و لايرقى إليَّ الطير». «الانحدار»: الإنحطاط من علوٍ إلى سفلٍ. و «الحدر»: الحطّ، و منه المحادر في تحديد الوجه في طائفةٍ من عبارات الفقهاء ]فانظر مثلاً: المبسوط 1: 20؛ السرائر 1: 100؛ تذكرة الفقهاء 1: 156[
بكونه من شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن. و الفعل: حدر؛ و هو على ما في القاموس ]القاموس المحيط: 349، القائمة 1[ من باب نصر و كرم.
و قال في القاموس ]نفس المصدر: 936، القائمة 1[: «سال يسيل سيلاً و سيلاناً: جرى»؛ ثمّ قال: «و السيل: الماء الكثير السائل، جمعه: سيول».
و في المصباح ]المصباح المنير: 407[: «السيل معروفٌ، جمعه: سيول. و هو مصدرٌ في الأصل من سال الماء يسيل من باب باع سيلاً و سيلاناً: إذا طغى و جرى؛ ثمّ قلب السيل في المجتمع من الماء الجاري في الأودية».
و في القاموس ]القاموس المحيط: 1185، القائمة 2[: «رقى إليه كرضى: صعد، كارتقى و ترقّى».
و بالجملة، فقد شبّه نفسه بالجبل الكامل في الرفعة، فأثبت انحدار السيل عن نفسه و عدم ارتقاء الطير إليها. و كمال الارتفاع يستفاد من الثاني، إذ ليس كلّ ما ينحدر عنه السيل في الارتفاع على حدٍّ لايرتقى إليه الطير.
و الغرض من «السيل» هو العلوم و الكمالات.
قوله علیهالسلام «فسدلت دونها ثوباً». أي: أعرضت عنها؛ من سدل الثوب يسدُل بالضمّ أي: أرخاه و أرسله.
و في الصحاح ]صحاح اللغة 5: 2115، القائمة 1[: «يقال: هذا دون ذاک أي: أقرب منه».
و في المصباح ]المصباح المنير: 278[: «و هذا دون ذلک على الظرف أي: أقرب منه»؛ و الظاهر انّ المقصود بالأقرب هو القريب.
قوله علیهالسلام «و طويت عنها كشحاً». يقال: طويته طيّاً من باب رمى.
و «الكشح» على ما في الصحاح ]صحاح اللغة :1 399، القائمة 1[: «ما بين الخاصرة إلى الضِلَعِ الخَلْفِ».
قال في المجمع ]مجمع البحرين 4: 44[: «قاله الجوهريّ». و ظاهره التعريض.
و «الخاصرة» بالخاء المعجمة و الصاد المهملة المكسورة: ما بين رأس الورک و أسفل الأضلاع على ما في المجمع ]نفس المصدر 1: 653[؛ و: الضلع من الحيوان بكسر الضاد المعجمة و فتح اللام كما عن لغة الحجاز، و سكونها كما عن لغة بن يتميم. و هي أنثى؛ و الجمع: أضلع و أضلاع و ضلوع.
و «الخلف» على ما في المجمع ]نفس المصدر أيضاً 1: 688[: أقصر أضلاع الجنب. و هو بالفتح، و قد صرّح به بعضٌ أيضاً؛ و الضلع الأقصر هو أسفل الأضلاع.
فعلى ما ذكر منتهى كلٍّ من الخاصرة و الكشح متّحدٌ، فلامعنى لجعل الكشح ما بين الخاصرة و الضلع الخلف؛ إذ لاواسطة في البين فرضاً؛ فتعريض المجمع في الموقع.
و فسّر الخاصرة في الصحاح ]صحاح اللغة 2: 646، القائمة 1[ بـ : الشاكلة؛ و الشاكلة بـ : الطفطفة ]نفس المصدر 5: 1736، القائمة 1[؛ و الطفطفة بـ :
الخاصرة ]نفس المصدر أيضاً 4: 1396، القائمة 1[؛ و تفسيره كما ترى لايسمن و لايغني من جوعٍ.
و بما سمعت يظهر الحال في تفسير الكشح بـ : ما بين الخاصرة و الجنب كما عن النهاية الأثيريّة، و به فسّر ابن أبی الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 151[، إذ الضلع الخلف من الجنب حيث إنّه أقصر أضلاعه، فالخاصرة تنتهي بالجنب و الجنب خارجٌ عن الخاصرة و الكشح؛ فلامعنى لـ «ما بين الخاصرة و الجنب»، لعدم توسّط الواسطة فرضاً.
و فسّر ابن ميثمٍ ]شرح إبنميثم 1: 253 [بـ «الخاصرة»، و كذا السيّد السند الجزائريّ في الأنوار النعمانيّة؛ و لابأس به.. و بالجملة فالغرض الإعراض.
قيل: إنّه تنزيلٌ لها منزلة المأكول الّذي يمتنع من أكله فلم يشتمل عليه كشحه.
أقول : فاستعير إخلاء الكشح عن المأكول عن الإعراض عن الخلافة؛ و ربّما يرشد إلى ذلک قوله علیهالسلام في بعض الخطب ]نهجالبلاغة الخطبة 160: 228 [في صفة النبيّ صلی الله علیه و آله: «أهضم اهل الدنيا كشحاً و أخمصهم من الدنيا بطناً»، أراد التفاته كما يفعل المعرض عمّن في جانبه كما قال:
طَوَى كَشحَهُ عَنِّي وَ أَعْرَضَ جَانِباً ]كما أورده ابن ميثم في شرحه 1: 255، و الطريحي في مجمع البحرين 4: 44. [
أقول: فاستعير طيّ الكشح عمّن في الجانب إعراضاً عن الإعراض عن الخلافة. و على ذلک يمكن أن يكون الكشح المطويّ هو الكشح الّذي في جانب المعرض عنه؛ و يمكن أن يكون هو الكشح المقابل.
لكن مقتضى ما قاله ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 151[: «و هو مثلٌ؛ قالوا: لأنّ من كان إلى جانبک الأيمن مثلاً فطويت كشحک الأيسر فقد ملت عنه»؛ هو الأخير؛ و هو الأظهر.
قوله علیهالسلام «و طفقت». «طفق» من أفعال المقاربة. و هي على ثلاثة أنواع:
ما وضع للدلالة على قرب الخبر للمسمّى باسمه، و هو ثلاثةٌ: كاد و كرب و أوشک.
و ما وضع للدلالة على رجاء المتكلّم الخبر في الإستقبال، و هو ثلاثةٌ أيضاً: عسى و حرى و اخلولق.
و ما وضع للدلالة على شروع المسمّى باسمه في خبره، نحو: أنشأ و طفق و طبق بالموحّدة و علق و أخذ و قام و جعل، و عن بعضهم إنهائه إلى اثنين و عشرين.
فقوله: «طفقت» بمعنى: أخذت و قمت و شرعت.
قال في المجمع ]مجمع البحرين 3: 52[: «قوله تعالى: (وَ طَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) ]الأعراف22؛ طه: 133[ أي: جعلا يلصقان عليهما من ورق الجنّة؛ من قولهم: طفق يفعل كذا يطفق طفقاً أي: جعل يفعل كذا، و بعضهم يقول: طفَق بالفتح طفوقاً».
و الظاهر أنّه إلى قوله: «فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى» من باب تفصيل إجمال سدل الثوب و طيّ الكشح، و إلّا فلامعنى لذلک بعدهما.
قوله علیهالسلام «أَرتَئِي». بفتح الأوّل و كسر الهمزة بين التاء و الياء، افتعالٌ من الرأي، و هو من باب المتكلّم وحده. و لايمكن أن يكون من الرويّة بتشديد الياء بقلب الواو همزةً، بعد صحّة القلب؛ إذ الرويّة اسم المصدر من باب «روى في الأمر ترويةً»، و لم يستعمل روى مجرّداً بمعنى التفكّر.
و في بعض فقرات كلامه في صفة من يتصدّر للحكم بين الأمّة ]نهجالبلاغة، الكلمة 17، 59[: «و ليس لذلک بأهلٍ حتّى إذا ارتوى من آجنٍ».
و عنه علیهالسلام «من عمل بالرأي و المقائيس قد ارتوى من آجنٍ»؛ و هو من: روى من الماء ريّاً كما صرّح به في المجمع ]مجمع البحرين 2: 254 [.
قوله علیهالسلام «أَصُولُ». يقال: صال أي: حمل نفسه على الأمر بقوّةٍ؛ فالغرض القيام على إقامة الخلافة.
قوله علیهالسلام «بيدٍ جذّاء». بالجيم المعجمة، و الدال المعجمة أو المهملة، أي: يدٍ مقطوعةٍ.
قيل: «أو مكسورة»؛ و هو كنايةٌ عن عدم المعين و الناصر.
قوله علیهالسلام «على طَخْيَةٍ». «الطخية» بالطاء المهملة و الخاء المعجمة: الظلمة؛ و منه: الليلة الطخيآء بالمدّ؛ و الغرض التباس أمر الخلافة. و من هذا القبيل: كلمةٌ طخياء: لما لايهتدى إلى المقصود بها.
و استعارة الطخية عن الالتباس من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، و وجه المشابهة عدم الإهتداء إلى الحقّ في الالتباس، كما لايهتدى في الظلمة إلى المطلوب.
قوله علیهالسلام «عَمياء». تأكيدٌ للظلمة. و توصيف «الطخية» بها على وجه الاستعارة بملاحظة أنّ الأعمى لمّا لم يكن يهتدي إلى مطالبه كذلک هذه الظلمة لايُهتدى فيها للحقّ؛ فالغرض شدّة عدم الإهتداء إلى الحقّ في التباس أمر الخلافة.
و هي بالفتح: مؤنّث أعمى.
و الظاهر بل بلاإشكالٍ، على ما تقضي به ملاحظة القاموس ]القاموس المحيط: 1208، القائمة 1 [و المصباح ]المصباح المنير: 589[ و المجمع ]مجمع البحرين 3: 256[: انّها بالقصر.
و الحاصل: إنّي شرعت في التفكّر بين الصولة و الحملة على من حاز الخلافة و غصبها، و الصبر على ظلمة خلافتهم و ظلالة الخلق فيها و عماهم عن الحقّ.
قوله علیهالسلام «يَهرَم». بالفتح من باب فرح. و في المجمع ]نفس المصدر 4: 423[: «الهَرَم بالتحريک: كبر السن».
لكن فسّره ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 253 [بـ : «شدّة كبر السن».
و الظاهر أنّه مطلق الكبر، إلّا أنّ المقصود به هنا شدّة الكبر من باب إطلاق الكلّيّ على الفرد، بقرينة الإسناد إلى الكبير.
قوله علیهالسلام: «و يشيب فيها الصغير». من باب باع يبيع. و دعوى الشيب كالهرم إمّا من جهة طول مدّة الطخية أي: الخلافة الباطلة، أو من جهة شدّة المحنة، أو من الجهتين؛ كما يرشد إليه قوله علیهالسلام بعد ذلک: «فصبرت على طول المدّة و شدّة المحنة».
إلّا أن يقال: انّه بالنسبة إلى زمان عمر، و لايطّرد في زمان أبي بكرٍ فلاإرشاد فيه، لكون الدعوى المذكورة من الجهتين.
بل نقول: إنّ مقتضى ما ذكر من انّ مدّة خلافة أبي بكرٍ سنتان و ستّة أشهر و أيّامٍ، هو كون الغرض هو الجهة الثانية.
قوله علیهالسلام: «و يكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربّه». «الكدح»: السعي بالمشقّة. و المقصود هنا: أنّ المؤمن يتحمّل المشاقّ و الشدائد في ملازمة الحقّ الّذي عرفه و تعلّق بذيله، أو يجتهد و يكدّ في طلب الحقّ، و لايصل إليه حتّى يموت. إلّا أنّ الأظهر الأوّل، لعدم صدق المؤمن و فرض عدم حصول الايمان لأحدٍ على الثاني؛ مع أنّ الثاني إنّما يتمّ لو لم يتّبع أميرالمؤمنين علیهالسلام أحدٌ، و ليس كذلک، لاتّباع سلمان و أبيذر و مقداد له علیهالسلام.
و يمكن أن يكون المقصود بـ «المؤمن» هو نفسه الشريفة؛ و الغرض تحمّل المشقّة في ملازمة الحقّ.
قوله علیهالسلام: «فرأيت الصبر على هاتا». أي: الطخية. و «تا» اسمٌ للإشارة.
و «الهاء» للتنبيه كما في «هذا».
و في بعض النسخ: «هاتي»، و هو صحيحٌ أيضاً حيث أنّ «تي» اسم الإشارة أيضاً، و «الهاء» للتنبيه.
قوله علیهالسلام: «أحجى». أي: أوفق بالعقل. «الحِجى» بالكسر و القصر: العقل.
قوله علیهالسلام: «و في العين قذى». «القَذى » بالفتح و القصر: ما يقع في العين و الشراب من ترابٍ أو تبنٍ أو وسخٍ أو غير ذلک. ذكره في المجمع ]مجمع البحرين 1: 335 [في مادّة قذى، كالقاموس ]القاموس المحيط: 1215، القائمة 1 [.
قال في المجمع ]مجمع البحرين 1: 243 [في مادّة شجى: «القذى: مايقع في العين فيؤذيها، كالغبار و نحوه».
و في المصباح ]المصباح المنير: 679[: «قذيت العين قذىً من باب تعب: صار فيها الوسخ».
و في دعاء الخلاء: «ألّلهمّ اذهب عنّي القذى و الأذى» ]منتهى المطلب 1: 42، ذخيرة المعاد: 21، كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري 1: 447 [.
و هي من أوزان المقصور النادرة، حيث إنّ أوزانه المشهورة اثنى عشر وزناً و ليس هذا الوزن منها.
قوله علیهالسلام: «و في الخلق شجى». «الشَجى» بالفتح و القصر أيضاً: ما يعترض في الحلق من عظمٍ أو غيره فيعضّ به. و الغرض من هذه الفقرة و الفقرة السابقة مرارة الصبر.
قوله علیهالسلام: «أرى تراثي نهباً». «التُراث» بالضمّ: ما يخلفه الرجل لورثته. و اصله الواو أي: الوراث، فقلبت الواو تاءً، كما في تترى حيث إنّ اصله وترى؛ قال اللّه ـ سبحانه ـ : (وَ تَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمّآ) ]الفجر: 19[.
و أمّا «النهب» فهو مصدر نهب؛ و هو من باب جعَل و سمِع و كتَب على ما في القاموس ]القاموس المحيط: 142، القائمة 2[، و من باب جعَل على ما يقتضيه ما في المصباح ]المصباح المنير: 861 [و المجمع ]مجمع البحرين 1: 178[.
و الظاهر أنّه أعني: النهب: أخذ المال بالقهر و الغلبة، إلّا أنّ المقصود به هنا هو المنهوب. و كيف كان فالظاهر أنّه إشارةٌ إلى منع الفدک حيث أنّ مال المرأة و ما ترثه في حكم مال الرجل و مايرثه.
و ربّما يرشد إليه قوله علیهالسلام في بعض كلماته الآتية: «إنّ بنيأميّة لَيُفَوِّقُونَنِي تراث محمّدٍ صلی الله علیه و آله تفويقاً» ]نهجالبلاغة الخطبة 77: 104[؛ قال السيّد الرضيّ: «أي: يعطونني من المال قليلاً قليلاً كفُواق الناقة» ]نفس المصدر[.
و عن قائلٍ: «إنّ الغرض منصب الخلافة؛ و يصدّق لفظ الإرث، كما قال اللّه ـ سبحانه ـ : ]يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ الِيَعقُوبَ[ ]مريم: 6[، فإنّه أراد: يرث علمي و منصبي في النبوّة».
و ربّما ينصرح من بعضٍ كونه تعليلاً لاشتداد الطخية و مرارة الصبر عليها.
أقول : إنّ الدلالة على العلّيّة انّما يتمّ من باب دلالة التنبيه، بناءً على تعميمها لكلام المتكلّم، على ما هو الأظهر كما حرّرناه في الأصول؛ إلّا أنّ تعليل اشتداد الطخية و مرارة الصبر عليها بنهب المال المستفادّ من ذلک بناءً على ظهورها في نهب المال بعيدٌ.
نعم، لابأس به على تقدير كون الغرض غصب الخلافة، إلّا أنّه خلاف الظاهر كما يظهر ممّا مرّ؛ فمقتضى ما قاله في خطبةٍ خطب بها بعد فتح مصر و قتل محمّد بن أبيبكر و قد رواها ابن أبي الحديد ]و انظر: الغارات 1: 308 [من قوله علیهالسلام: فقال قائلهم: يابن أبیطالب! إنّک على هذا الأمر لحريصٌ.
فقلت: أنتم أحرص منّي و أبعد، أيّنا أحرص؟، أنا الّذي طلبت تراثي و حقّي الّذي جعلني اللّه و رسوله أولى به أم أنتم؟»، هو كون الغرض من «التراث» هنا هو الخلافة.
قوله علیهالسلام: «حتّى مضى الأوّل لسبيله». «اللام» بمعنى: «على» أي: على سبيله، كما في قوله ـ سبحانه ـ : ]يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ[ ]الإسراء: 109 ـ 107[، و قول الشاعر:
فَخَرَّ صَرِيعاً لِليَدَينِ وَ لِلفَمِ ]قبله: ضَمَمتُ إِلَيهِ بِالسِّنَانِ قَمِيصَهُ انظر: مغني اللبيب 1: 280[
و الغرض الإنتقال إلى دارالآخرة، إلّا أنّ المقصود المشارفة على المضيّ، إذ الإدلاء كان بعد المشارفة. و لامعنى لكونه بعد المضيّ.
و مفهوم الغاية هنا لايكون حجّةً، لاطّراد الصبر المغيّا، و هو ما كان من جهة طول المدّة أو شدّة المحنة أو كليهما بعد المضيّ في زمان عمر أيضاً كما يصرّح به قوله: «فصبرت على طول المدّة و شدّة المحنة»؛ بل اطّرد الصبر على شدّة المحنة في زمان عثمان أيضاً.
قوله علیهالسلام: «فأدلى بها إلى فلانٍ بعده». قال في النهاية نقلاً: «أصله من أدليت الحبل في البئر، أي: أرسلتها؛ قال اللّه ـ تعالى ـ : (وَ تَدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) ]البقرة: 188[ أي: تدفعوها إليهم رشوةً».
و قال في المجمع ]مجمع البحرين 2: 52[: «الإدلاء: الإلقاء».
و قيل: الإدلاء إلقاء الدلو في البئر، ثمّ جعل لكلّ إلقاءٍ يفرض قولاً أو فعلاً.
و «الباء» زائدةٌ مع المفعول؛ و قد ذكر في المغني ]مغني اللبيب1: 147 [له أمثلةً.
فالغرض إلقاء الخلافة و تفويضها.
قوله علیهالسلام:
«شَتَّانَ مَا يَومِي عَلَى كُورِهَا
وَ يَومُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ» ]من قصيدةٍ طويلةٍ لأبي بصير ميمون بن قيس المشتهر بالأعشى الكبير، ديوانه: 108/104 [.
«شتّان» ]قال الشاعر: جَاوَرتُ أَعدَائِي وَ جَاوَرَ رَبَّهُشَتَّانِ بَينَ جِوَارِهِ وَ جِوَارِي منه، عفي عنه.[ اسم فعلٍ بمعنى افترق كما صرّح به في التصريح. ]شرح التصريح على التوضيح 2: 196 [.
و «ما» زائدةٌ. و قد عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 391[ من موارد زيادة «ما» غير العوض من غير ما الكافّة:
«شتّان ما زيد و عمرو».
و قال ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 167[: «تقول: شتّان ماهما، و شتّان هما؛ و لايجوز شتّان مابينهما إلّا علی قولٍ ضعيفٍ».
و قال في الصحاح ]صحاح اللغة 1: 255، القائمة 1[: «و شتّان ما هما و شتّان ما عمروٌ و أخوه، أي: بَعُدَ ما بينهما. فحكي عن الأصعميّ انّه لايقال: شتّان بينهما؛ و قول الشاعر:
لَشَتَّانَ مَا بَينَ اليَزِيدَينِ فِي النَّدَى
ليس بحجّةٍ، إنّما هو مولّدٌ؛ و الحجّة قول الأعشى:
«شَتَّانَ مَا يَومِي عَلَى كَورِهَا
وَ يَومُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر»
و «كور» الناقة: رحلها بأداته، و هو كالسرج للفرس.
و «يومُ» بالرفع عطفٌ على «يومي».
و الظاهر أنّ «حيّان» غير منصرفٍ، للعلميّة و الألف و النون الزائدتين كمروان و عثمان، حيث إنّ الظاهر انّه فعلان من الحيوة ضدّ الممات؛ فأصله حيوان، اجتمعت الياء و الواو في كلمةٍ و كانت أوليهما ساكنةً، فقلبت الواو ياءً و أدغمت الياء في الياء و حصل «حيّان» بالتشديد. فالألف و النون فيه زائدتان اجتمعت مع العلميّة، و صارت الكلمة لأجلها غير منصرفةٍ.
و يمكن أن يكون فعالاً من الحين و هو الهلاكة. فأصله: حييان بيائين ابتداءً، و الألف زائدةٌ دون النون، فلاسبب فيه يمنع عن الصرف غير العلميّة، و هي بوحدتها لاتصير سبباً للمنع. إلّا أنّ الظاهر أنّه منقولٌ من الحيان من الحياة، إذ الظاهر أنّ التسمية به من باب التفؤّل كما في باب الكنى غالباً.
و في باب انصراف «حيّان» و عدم انصرافه حكايةٌ ظريفةٌ؛ حيث حكي: «انّه جاء ملكاً رجلٌ اسمه حيّان، فقيل للملک: أ ينصرف حيّان أو لاينصرف؟
فقال الملک: إن أكرمته فلاينصرف، و إلّا ينصرف».
و وجّه قوله بـ : أنّه إن أكرمه فكأنّه أحياه، فيكون من الحيّ، فلاينصرف للعلميّة و الألف و النون؛ و إن لم يكرمه فكأنّه أهلكه، فيكون من الحين، فينصرف.
و قيل:
حَيَّان إِنْ أَكرَمتَهُ لاَيَنصَرِف
وَ العَكسُ بِالْعَكسِ فَعُريَان صُرِف
و هو إشارةٌ إلى ما ذكر من حديث الإكرام و عدمه.
قوله: «و العكس بالعكس» بمعنى أنّه إن لم تكرمه فلاينصرف.
قوله: «فعريان صرف» لفقد العلميّة. و أمّا الوصفيّة فهو و إن كان من باب الصفة المشبهة لاالمصدر لانحصار مصدر عرى كرضى في عرُية و عُريا، بالضمّ فيهما.
قال في الصحاح ]صحاح اللغة 6 : 2424، القائمة 2[: «فهو عارٍ و عريانٌ، و المرأة عريانةٌ»، و ما كان على فعلان فمؤنّثه بالهاء، لكن الوصفيّة بوحدتها غير كافيةٍ في المنع عن الصرف؛ بل لابدّ من علّةٍ أخرى أيضاً. و أمّا الألف و النون فيشترط منعه عن الصرف في الوصف بعدم قبول الوصف للتاء بكون المؤنّث فعلى كسكران اتّفاقاً على منع الصرف فيه؛ أو بكونه لامؤنّث له كلحيان لكبير اللحية، على الخلاف في منع الصرف فيه.
و بما سمعت يظهر انصراف «رحمن»، إذ لامانع من دخول التاء فيه بحسب المعنى الوصفيّ و إن لم يستعمل في غير اللّه ـ سبحانه ـ رأساً أو غالباً.
و أمّا «لحيان» فلامعنى لدخول التاء فيه، لأنّه للرجل الكبير اللحية.
و بعد؛ فالتفريع ليس في محلّه، إذ لامجال لتفريع انصراف عريان على انصراف حيّان أعني قوله: و العكس بالعكس، حيث أنّ الإنصراف في حيّان بواسطة عدم زيادة الألف و النون و عدم كفاية العلميّة في المنع عن الصرف؛ و الإنصراف في العريان بواسطة عدم كفاية الوصفيّة مع زيادة الألف و النون لانتفاء شرط ممانعة الزيادة؛ فشتّان بين المتفرّع و المتفرّع عليه.
و لامجال أيضاً للتفريع على مجموع عدم الإنصراف بواسطة إناطة عدم الانصراف بالعلميّة و زيادة الألف و النون، و انتفاء العلميّة في العريان لقيام الوصفيّة و إن انتفى العلميّة.
و بما سمعت يظهر فساد التفريع لو كان عرف بدل صرف؛ كما ربّما حكي.
و حكي أنّ حيّان و جابر كانا ابني السمين من بني حنيفة، و كان حيّان صاحب الحصن باليمامة و كان حيّان أكبر من جابر. و كان سيّداً مطاعاً يصله كسرى ]قال في الصحاح: «و كَسرى لقب ملوک الفرس، بفتح الكاف و كسرها، و هو معرّب خسرو». و في القاموس: «و كسرى و يفتح: ملک الفرس معرّب خسرو، أي: واسع الملک». و في المصباح: «و كسرى ملک الفرس. قال أبوعمرو بن العلا: بكسر الكاف لا غير، و قال ابن السرّاج كما رواه عنه الفارسيّ و اختاره ثعلب و جماعةٌ: الكسر أفصح». و نظير ذلک انّ قيصر ملک الروم كما في الصحاح و فرعون ملک المصر على ما احتمله في القاموس حيث ذكر انّ فرعون لقب الوليد بن مصعب صاحب موسى علیهالسلام، و والد الخضر أو ابنه فيما حكاه النقّاش وتاج القرّاء في تفسيريهما. و لقب كلّ من ملک مصر أو كلّ عاتٍ متمرّدٍ». و حكي في المصباح و المجمع عن ابن الجوزيّ: «انّ الفراعن ثلاثةٌ: فرعون الخليل و اسمه سنان، و فرعون يوسف و اسمه الريّان بن الوليد، و فرعون موسى و اسمه الوليد بن مصعب». و ربّما قيل: إنّ فرعون موسی هو فرعون يوسف، و كان بين اليوم الّذي دخل يوسف مصر و اليوم الّذي دخلها موسى رسولاً أربعمأة عام. و حكى البيضاويّ في تفسيرسورة يوسف: «انّ المشهور انّ فرعون موسى كان من أولاد فرعون يوسف». و ربما احتمل في تفسير قوله سبحانه في سورة المؤمن: )وَ لَقَدْجَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبلُ بِالْبَيِّنَاتِ) كون يوسف فرعون موسى سبط يوسف بن يعقوب، لانفسه. و هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف. ففی فرعون موسى و فرعون يوسف قولٌ بالتعدّد و قولٌ بالإتحاد. و على الأخير قولٌ بكون يوسف هو يوسف بن يعقوب و احتمال كونه سبطه. فعلی الأخير قولٌ باتّحاد يوسف و احتمال التعدّد. و بعد؛ يسمّى ملک الروم أيضاً بهِرقِلَ بكسر الهاء و سكون الراء المهلمة و كسر القاف، أو كسر الأوّل و فتح الأخير. و في القاموس: «انّه أوّل من ضرب الدنانير و أوّل من أحدث البيعة». و يسمّى ملک الترک بـ : خاقان. قال في القاموس: «خاقان اسمٌ لكلّ ملکٍ خقَّنه الترک على أنفسهم أي: ملّكوه و راسوه». و قيل: «يسمّى ملک الحبشة النجاشي. و أصحمة علمٌ لهذا الملک الّذي كان في زمان النبي صلی الله علیه و آله». و في الصحاح: «و النجاشي بالفتح اسم ملک الحبشة»؛ و في القاموس: «و النجاشي بتشديد الياء، و بتخفيفها أفصح؛ و بكسر نونها أو هوؤأأفصح: أصحمة ملک الحبشة». و في المصباح: «و النجاشي ملک الحبشة، مخفّفٌ عند الأكثر. و اسمه أصحمة». و قد يقال: «إنّ ملک الحميريسمّى بـ : قَيْلْ». و في الصحاح: «و ألقيل ملکٌ من ملوک حمير دون الملک الأعظم. و المرأة: قيلة. و أصله: قَيِّل بالتشديد كأنّه الّذي له قولٌ، أي: ينفذ»؛ و في القاموس: «القيل ملکٌ من ملوک حمير يقول ما شاء فينفذ، أو هو دون الملک الأعلى. و أصله: قيّل كفيعل، سمّي لأنّه يقول ما يشاء فينفذ». منه عفي عنه.[ في كلّ سنةٍ و كان في نعمةٍ و رفاهيةٍ مصوناً من محن السفر، لأنّه كان لايسافر أبداً. ٌو كان الأعشى ينادمه.
و حكي أيضاً أنّ حيّان عاب على الأعشى في تعريفه بنسبته إلى أخيه الأصغر منه. فاعتذر الأعشى بأنّ القافية قادته إلى ذلک؛ و لميقبل العذر.
و بالجملة، غرض الأعشى بُعد البون بين حالته في تحمّل مشاقّ السفر و حالة حيّان في النعمة و الرفاهيّة.
و ربّما يقال: إنّ الغرض البُعد بين حالته في مشاقّ السفر و حالته في منادمة حيّان.
و هو خلاف الظاهر بلاإشكالٍ، بل لاتساعده العبارة بوجهٍ.
و إن قلت: إنّه لابأس بملاحظة حالةٍ منه بالنسبة إلى حالةٍ أخرى؛ لكن لايناسب ملاحظة الشخص حالته بالنسبة إلى حالةٍ غيره. ألاَ ترى أنّه لايناسب أن يقال: ما أبعد البون بين حالي و حال السلطان.
قلت: لابأس بملاحظة الشخص حالته بالنسبة إلى حالةٍ غيره لو كان بينهما مرافقةٌ أو عنادٌ أو ارتباطٌ في الجملة، أو الاشتراک في الحرفة و الصناعة؛ و كثيراً مّا يلاحظ الشخص حالته و حالة غيره في العرف في بعض الصور المسطورة.
و مع ذلک التمثيل منه بالشعر ينافي كون الغرض ملاحظة الأعشى حالتي نفسه، حيث أنّ الغرض من التمثيل بعد البون بين حالتهم في العزّ و الجاه مع عدم الاستحقاق و حالته في الانخمال و الانخماد مع الاستحقاق.
و لعلّ الأظهر كون الغرض بعد البون بين حالته و حالة الثاني بملاحظة كون التمثيل في مقام ذكر خلافته.
و منه يستفاد كون الثاني أعزّ من الوترين، و كون زمان خلافته أشقّ عليه من زمان خلافتهما.
و ربّما احتمل كون الغرض من التمثيل هو البعد بين حالته مع النبي صلی الله علیه و آله و هو في كمال السرور، و حالته في زمان الخلفاء و هو بمكانٍ من الهمّ و الغمّ.
و هو بعيدٌ لايتمّ إلّا على بعيدٍ؛ حيث أنّه خلاف الظاهر في نفسه و لايتمّ إلّا علي كون الغرض من الشعر إظهار الأعشى البعد بين حالتيه؛ و هو خلاف الظاهر كما مرّ.
مع ما سمعت من أنّه لعلّ الأظهر كون الغرض ملاحظة حاله مع حال الثاني، بل هو علیهالسلام كان في زمان النبيّ صلی الله علیه و آله على وجوهٍ أخرى من الهمّ و الغمّ؛ كيف و «الدنيا سجن المؤمن»، ]الإعتقادات للمفيد: 52، الأمالي للطوسيّ: 346، مكارم الأخلاق: 439، مستطرفات السرائر: 647[ فكيف بأميرالمؤمنين.
قوله علیهالسلام: «فيا عجباً». عن النهاية: «أصله: فيا عجبي كقولک: يا غلامي، ثمّ قلّبوا الياء ألفاً؛ فإن وقفت قلت: ياعجباه، و يا غلاماه».
أقول: و مثله: يا حسرتا و ياويلتا. و قد ذكر في النحو في بحث المنادى في مثله من المنادى المضاف ستّة لغات ]فانظر: شرح التصريح على التوضيح 2: 177[.
قوله علیهالسلام: «بينا هو يستقيلها في حيوته إذ عقدها لآخر بعد وفاته». قال في القاموس ]القاموس المحيط: 1089، القائمة 2[: «بينا نحن كذا، هي: بين، أشبعت فتحتها فحدثت ألفٌ».
و قال في المجمع ]مجمع البحرين 6 : 220[: «و في الحديث: بينا أميرالمؤمنين علیهالسلام جالسٌ مع محمّد بن الحنفيّة إذ قال كذا و كذا.
قال بعض الشارحين و وافقه غيره من اللغويّين: «بينا»: فَعلَى من البين، أشبعت الفتحة فصارت ألفاً، تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، أي: أتانا بين أوقات رقبتنا إيّاه؛ و تضاف إلى جملةٍ من فعلٍ و فاعلٍ أو مبتدءٍ و خبرٍ. و يستدعي في الصورتين جواباً يتمّ به المعنى كما تستدعي إذا و لمّا. و تقع بعدها «إذ» الفجائيّة غالباً، تقول: بينا أنا في عسرٍ إذ جاء الفرج، و عامله محذوفٌ يفسّره الفعل بعد إذ أي: بين أوقات إعساري مجيء الفرج»، انتهى.
و من استعمال بينا قول الشاعر: هـ ق
فَبَينَا نَسُوسُ آلنَّاسَ وَ الاَمرُ أَمرُنَا
إِذَا نَحنُ فِيهِم سُوقَةٌ ]الرعيّة] من هامش الأصل[[. لَيسَ نُنصَفُ ]من الإنصاف ]من هامش الأصل[[. ]البيت للحرقة بنت النعمان بن منذر، انظر: لسان العرب 9: 333.[
و مثل «بينا»: «بينما»، كما صرّح به في المجمع ]مجمع البحرين 6: 220[؛ قال الشاعر:
بَينَما نَحنُ بِالاَرَاکِ مَعاً
إِذ أَتَى رَاكِبٌ عَلَى جَمَلِهِ ]كما أورده الزبيديّ، تاج العروس10: 448[.
و ربّما حكي عن بعضٍ إنكار وقوع إذ بعد بينا خاصّةً دون بينما.
و عن درّة الغوّاص جعله من أوهام الخواصّ.
و عن إبن مالک ]الحدائقالنديّة ـ الطبعة الرحليّة: 246؛ همع الهوامع 1: 205[: «إنّ ترک إذ بعد بينا و بينما أقيس من ذكرها، و كلاهما عربيٌّ».
و عن الأصمعيّ: «إنّ وقوع إذ بعد بينا و بينما عربيٌّ»؛ و ظاهره خلوّ الوقوع عن الفصاحة. لكن يكفي في الفصاحة الوقوع في كلام أميرالمؤمنين علیهالسلام.
نعم، عن الفاضل الرضيّ ]شرح الرضيّ على الكافية 3: 200[ دعوى كثرة الترک، إلّا أنّ القلّة لاتوجب الخلوّ عن الفصاحة كما اعترف به.
و عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 115[ رابع وجوه إذ: كونها للمفاجاة، و حكى التنصيص عليه من سيبويه.
فقال: «و هي الواقعة بعد بينا أو بينما، كقوله:
اسْتَقدِرِ آللَّهَ خَيْراً وَ ارْضِيَنَّ بِهِ
فَيَنَما الْعُسرُ إِذ دَارَتْ مَيَاسِيرُ
فقال: «و هل هي ظرف مكانٍ؟ أو زمانٍ؟ أو حرفٌ بمعنى المفاجاة؟، أو حرفٌ مؤكّدٌ أي : زائدٌ؟ على أقوالٍ.
و على القول بالظرفيّة فقال ابن جنّيّ: عاملها الفعل الّذي بعدها، لأنّها غير مضافةٍ إليه، و عامل بينا و بينما محذوفٌ يفسّره الفعل المذكور.
و قال الشلّوبين: إذ مضافة إلى الجملة فلايعمل فيها الفعل، و لا في بينا و بينما، لأنّ المضاف إليه لايعمل في المضاف و لا فيما قبله. و إنّما عامله محذوفٌ يدلّ عليه الكلام، و إذ بدلٌ منهما.
و قيل: العامل مايلي بين بناءً على أنّها مكفوفةٌ عن الإضافة إليه كما يعمل تالي اسم الشرط فيه.
و قيل: بين خبرٌ لمحذوفٍ، و تقدير «بينما أنا قائمٌ إذ جاء عمروٌ»: بين أوقات قيامي مجيء عمروٍ، ثمّ حذف المبتدء مدلولاً عليه بـ «جاء».
و قيل: مبتدءٌ و إذ خبره؛ و المعنى: حين أنا قائمٌ حين جاء عمروٌ».
و بما سمعت من كلامه يظهر لک فساد ما صنعه في المجمع ]مجمع البحرين 6: 220[ حيث فسّر كون العامل في بينا محذوفاً مفسّراً بالفعل الواقع بعد إذ في «بينا أنا في عسرٍ إذ جاء الفرج» بـ : بين أوقات إعساري مجيء الفرج؛ حيث إنّه ينطبق على كون بينا خبرآ لمحذوفٍ مفسَّرٍ بالفعل المذكور.
و أمّا على تقدير كون العامل محذوفاً مفسّراً بالفعل المذكور، فالظاهر انّ عامل إذ حينئذٍ هو المحذوف أيضاً و إذ بدلٌ من بينا حينئذٍ. إذ الباعث على عدم عمل الفعل المذكور في بينا هو إضافة إذ إليه، و إذا لم يعمل الفعل المذكور فيما تقدّم على إذ لإضافتها إليه فلايعمل فيها بالفحوى.
و من ذلک أنّ الشلّوبين جرى على كون العامل في بينا و بينما و إذ معاً هو المحذوف، و إذ بدلٌ من بينا؛ فالتقدير في المثال المذكور: جاء الفرج بينا أنا في عسرٍ.
و للفاضل السيّد عليخان كلامٌ مبسوطٌ ]الحدائقالنديّة: 483 [في باب بينا و بينما.
و بعد؛ فجعل ألف بينا من إشباع الفتحة في بين من القواعد الصرفيّة، و كثيرٌ منها ككثيرٍ من القواعد النحويّة محلّ الكلام.
و لامانع من كون بينا موضوعاً برأسه كما أنّ بين موضوعٌ برأسه.
و «الاستقالة»: طلب الإقالة. و «الإقالة»: فسخ البيع و نحوه.
و قوله علیهالسلام: «يستقيلها» إشارةٌ إلى ما عن أبي بكرٍ من قوله ]الروضة في المعجزات و الفضائل: 137[: «أقيلوني فلست بخيركم و عليٌّ فيكم». و ربّما روي هذا بدون قوله: «و عليٌّ فيكم».
و «آخَر» في الآخر بالفتح بمعنى: المغائر؛ لا بالكسر المقابل للأوّل، لأنّ المعقود له الخلافة و هو عمر هو الثاني، و الآخِر بالكسر هو عثمان؛ الّذي يأتي التعرّض لحاله.
و ذلک أعني: الآخَر، بالفتح غير منصرفٍ، للوصفيّة و وزن الفعل. و ربّما اشتهر كونه اسم التفضيل بملاحظة انّ أصله أَءْخر بهمزتين، مفتوحةٍ فساكنةٍ أبدلت الساكنة ألفاً.
لكن استشكل فيه في التصريح ]شرح التصريح على التوضيح 2: 101 ـ 100 [تعليلاً بأنّه لايدلّ على المشاركة و الزيادة في المغايرة.
بل حكي عن ابنهشامٍ في حواشي التسهيل ]لم أعثر على هذا الكتاب، و أظنّه لم يطبع بعد.[ المصير إلى العدم؛ و هو الأظهر. لكن عدم كونه من باب اسم التفصيل لايضرّ بالوصفيّة، فهو غير منصرفٍ مطلقاً.
و كيف كان؛ فالغرض أنّه عقد الخلافة لآخر بعد وفاته بين أوقات استقالته. و بعبارةٍ أخرى: كنّا في أوقات استقالته فتفجّأ عقد الخلافة منه لآخر بعد وفاته.
و وجه التعجّب على تقدير ذكر قوله: «و عليٌّ فيكم» فيما قال ظاهرٌ، حيث إنّه تبرّء عن الخلافة لوجود أميرالمؤمنين علیهالسلام و فوّض الخلافة بعد وفاته إلى من هو أدنى منه؛ فهو قد جعل الخلافة لنفسه في تفويضها إلى آخر بعد وفاته.
بل لميغمض العين عنها بعد وفاته حيث فوّضها إلى من كان مائلاً إلى انتقالها إليه؛ بل جرى على الإنتقال إلى من هو أدنى منه، فهو قد ارتكب أموراً ثلاثةً ينافي دعوى استحقاق أميرالمؤمنين علیهالسلام للخلافة بالنسبة إلى نفسه.
فليس هذه الدعوى من جهة الإنصاف و العدالة، بل لابدّ و أن يكون لغرضٍ نفساني.
و أمّا على تقدير عدم ذكر ذلک فوجه التعجّب هو منافاة الاستقالة المقتضية لدعوى عدم استحقاقه للخلافة لعقدها لآخر بعد وفاته، حيث أنّ من يريد ترک الخلافة لعدم استحقاقه كيف يجعلها لنفسه مادام الحياة في ضمن تفويضها بعد الوفاة لآخر؟، و كيف يجوز له تعيين الغير؟ فلابدّ أن يكون دعوى عدم الإستحقاق من جهة داعٍ نفسانيٍّ، لاالعدالة و الانصاف.
فههنا يتأتّى الوجهان الأوّلان من الوجوه المذكورة على تقدير الذكر؛ و أمّا عدم مجيء الأخير فلعدم منافاة أخسّيّة الآخر عن نفسه لعقد الخلافة له بعد وفاته، و أن ينافي هذا مع دعوى استحقاق أميرالمؤمنين علیهالسلام حتّى بالنسبة إلى نفسه.
أقول : و لعمري أمثال المناقضات المذكورة في حركات الإنسان التابع للهوى كما هو الأغلب و أقواله و أفعاله في كمال الكثرة ]قوله: «في كمال الكثرة»؛ و انظر إلى ما حكي من أنّ جماعةً كان يزني كلٌّ منهم مع امراةٍ، فقال أحدهم للمرأة: انّي لا أزني و أخاف اللّه ـ سبحانه ـ فأعطاه خمسة دراهم و قال: أخبري الرفقاء بأنّي زنيت؛ فقالت المرأة: انّي لا أكذب لخمسة دراهم. و انّ شخصاً رأى أحداً يأتي باللواط في المسجد، فألقى ماءً من فمه إليه، فقال الشخص اللاطي: ألم تسمع انّ إلقاء الماء من الفم في المسجد مكروهٌ. و انّ شخصاً يزني في المسجد، فقال: ما هذا العمل؟، فربّما ينعقد نطفةً و يصير ولد الزناء؛ فقال الزاني: لولا كراهيّة العزل ما جريت على الإنزال. و لعمري إنّ ورع كثيرٍ من المتورّعين من قبيل ما ذكر… و من أمثال المقام أنّ بعضاً كان في صورة الصلاح كان كتب الكلام ]كذا[ في مسألةٍ، و قد سألت منه مطلباً متعلّقاً بتلک المسألة؛ فلم يتمكّن من الجواب فقال: لم يكن تعميق النظر إلى هذا الحدّ متعارفآ في أعصارؤأالحضور. و يا لَلّه من أمثاله. منه عفي عنه[.
و أيم اللّه مثل الشيخين فيمن يتصدّى لحكومة الشرع غير عزيزٍ في عموم الأعصار؛ فيا لَلّه منه.
قوله علیهالسلام: «لشدّ ما تشطّرا ضرعيها». هذه الفقرة موزونةٌ، و هي على زنة ثلاث مستفعلات.
و «اللام» للتأكيد.
و «شدّ» نحو مدّ أي: صار شديداً و محكماً.
و «ما» مصدريّةٌ، كما في قوله ـ سبحانه ـ : (لِيَجْزِيَکَ أَجرَ مَا سَقَيتَ لَنَا) ]القصص: 25[، أي: أجر سقيک لنا.
و «الشطر» هنا بمعنى: البعض.
و «الضرع» لكلّ ذات ظلفٍ أو خفٍّ كالثدى للمرأة.
و المعنى: لصار محكماً تشطيرهما لضرعي الخلافة.
و الغرض تقسيمهما منافع الخلافة في الزمان الواحد كتقسيم الحالبين أخلاف الناقة.
لكن لمّا كان الغرض تقسيم تمام منافع الخلافة و للناقة أخلافٌ أربعة قادمين و آخرين فلابدّ أن يكون الأمر على ماذكره ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 170[ من كون الغرض كلّاً من القادمين و الآخرين؛ و إنّما جعل كلّاً من القادمين و الآخرين ضرعاً لكونهما كالشيء الواحد لتجاوزهما، و كونهما لايحلبان إلّا معاً.
و كون المشبّه به هو الناقة بواسطة كون المتداول في العرب التشبيه بالناقة، لكثرتها عندهم. و من هذا جعل خلقها من كمال القدرة، بل مساوقاً لخلق السماء و الأرض، بل مقدّماً عليه ]إشارةٌ إلى كريمات الغاشية: 19 ـ 18 ـ 17[؛ مضافاً إلى ما يأتي في كلامه من التشبيه بالصعبة.
قوله علیهالسلام: «فصيّرها». عطفٌ على قوله علیهالسلام: «إذ عقدها»، من باب عطف المفصّل على المجمل؛ نحو قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) ]البقرة: 36[؛ و قوله ـ سبحانه ـ : (وَ نَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ آبْنِي مِنْ أَهْلِي) ]هود: 45[؛ و نحو: «توضّأ، فغسل وجهه و يديه، و مسح رأسه و رجليه». و قد جعل في المغني ]مغني اللبيب 1: 213[ الترتيب في مثله ذكريّاً.
قوله علیهالسلام: «في حوزةٍ خشناء». «الحوزة»: الناحية، قال في النهاية نقلاً: «أي: لاينال ما عندها و لايرام؛ يقال: إنّ فلاناً لخشن الجانب، و: وعر الجانب».
قوله علیهالسلام: «يغلظ كلمها». «الكلم»: الجرح؛ قال في المجمع ]مجمع البحرين 6: 157[: «يقال: كلمته كلماً من باب قتل: جرحته؛ و من باب ضرب لغةٌ».
و الغرض من غلظة الكلم هو إمعانه و كونه عميقاً، يعني: انّ الجرح الحاصل منه غليظٌ؛ فهو استعارةٌ لشدّة تأثير أقواله من جهة شدّة سؤلها.
قوله علیهالسلام: «و يخشن مسّها». أي: مسّها يؤذي و يضرّ. و ربما دفع في النهاية ما لوقيل بوقوع التكرار في ذكر الخشونة بما حاصله: «إنّ الغرض من الخشونة في توصيف الحوزة هو عدم الإنتفاع» و الغرض منها هنا هو الإضرار.
قوله علیهالسلام: «و يكثر العثار و الإعتذار منها». «العثار» بالثاء المثلّثة بعد عينٍ مهملةٍ مكسورةٍ، يقال: عثر الرجل في ثوبه و الدابّة أيضاً، من باب ضرب و نصر و علم و كرم عثراً و عثاراً: إذا كبا؛ قاله في المجمع ]مجمع البحرين 3: 396 [.
و عن مختصر العين ]كما حكاه الفيّوميّ، أنظر: التعليقة الآتية. و مختصرالعين لمأعثر عليه، و انظر: ترتيب كتاب العين 2: 1138 القائمة 1[: «عثر الرجل عثوراً، و عثر الفرس عِثاراً».
و في المصباح ]المصباح المنير: 536[: «عثر عليه عثراً و عثوراً من باب قتل: اطّلع عليه».
و عدّ منه في المجمع قوله ـ سبحانه ـ : (وَ كَذَلِکَ أَعْثَرنَا عَلَيهِمْ) ]الكهف: 21[، و قوله ـ سبحانه ـ : (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) ]المائدة: 107 [.
و الضمير المؤنّث راجعٌ إلى «الحوزة». و الغرض كثرة الزلل.
و «الإعتذار» منه إشارةٌ إلى كثرة خطائه في الأحكام و الإعتذار من خطاياه و الرجوع عمّا أفتى به؛ كما يرشد إليه قوله نقلاً: «كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحجال» ]عوالي اللئالي 1: 229، السنن الكبرى 7: 232، الأربعين للطاهر القمي: 342[؛ و كذا قوله: «لولا عليٌّ لهلک عمر» ]الإستيعاب 3: 39، الرياض النضرة 2: 194، فيض القدير 4: 357[. في سبعين موضعاً كما اشتهر.
هذا بناءً على كون «من» نشويةً بكون الغرض إعتذاره بنفسه، فيتّحد فاعل «العثار» و «الإعتذار».
و يمكن أن يكون الغرض اعتذار الناس لأجله في موارد عثاره، فيختلف فاعل «العثار» و «الإعتذار»، و يكون من للتعليل؛ نحو قوله ـ سبحانه ـ : (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أَغْرِقُوا) ]نوح: 25[ أي: لأجل خطاياهم اغرقوا؛ و قول الفرزدق:
يُغْضِي حَيَاءً وَ يُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ]ديوان الفرزدق 2: 179.[
أي: يُغضى منه لأجل مهابته؛ لكنّه خلاف الأظهر.
و في بعض النسخ: «فيها» بعد «العثار»؛ و المعنى واضحٌ.
قوله علیهالسلام: «فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، و إن أسلس لها تقحّم». «الصاحِب» بالكسر؛ و هو يستعمل في المعاشر مع الشخص، و في المستولي على الشيء. و الظاهر انّه لغةٌ بمعنى مطلق الملازم له؛ و كذا الصحبة للشيء هي الملازمة له إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً. و الأصل أن يكون في البدن، و هو الأكثر؛ و يكون بالهمّة و العناية، و منه الحديث ]وسائل الشيعة 6: 191 الحديث 7703؛ مسند احمد 2: 192؛ سنن أبي داود 1: 330، الحديث 1464[: «يقال لصاحب القرآن: إقرء و ارق» و يكون تارةً بالحفظ، و تارةً بالتلاوة، و تارةً بالتدبّر له، و تارةً بالعمل به.
و الغرض من «الصعبة»: الناقة الّتي لم تليّن بالركوب و لا بالحمل.
قال في المجمع ]مجمع البحرين 2: 100[: «الناقة الصعبة: خلاف الذلول».
و «شنقت» البعير شنقاً من باب قتل: رفعت رأسه بزمامه؛ و «اشنق» بعيره: لغةٌ في شنق.
و حكى السيّد السند الرضيّ ]نهج البلاغة: 50[ عن ابن السكّيت في اصلاح المنطق و ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 171 [عن الفاضل الرضيّ: «انّه قال: أشنق لها و لم يقل: أشنقها، لأنّه جعل ذلک في مقابلة قوله: أسلس لها». و استحسنه ابن أبي الحديد تعليلاً بأنّهم إذا قصدوا الإزدواج في الخطابة فعلوا مثل ذلک، قالوا: الغدايا و العشايا، و الأصل: الغدوات؛ و قال صلی الله و علیه و آله ]وسائل الشيعة 3: 240، الحديث 3513؛ جواهر الكلام 4: 272؛ المجموع للنوي 5 : 277[: «إرجعي مأجورات غير مأزورات» و أصله: موزورات بالواو، لأنّه من الوزر.
و «خرمت» الشيء خرماً من باب قتل: بعثته. و الغرض خرم أنفها، لأنّ زمام البعير يقع في الأنف. لكن المقصود بـ «الخرم» هنا: التشقيق مجازاً لو لم نقل بعموم الخرم له حقيقةً.
و المقصود من قوله: «إن أشنق له خرم»: انّه إذا جذب الراكب الزمام ليرفع رأسها إلى نفسه فيميلها عن الحركة العنيفة فتنازعه فينشقّ أنفها فقد أحدث الراكب الشقّ في أنفها.
و «سلس» سلساً من باب تعب: إذا سهل و لانَ.
و «أسلس» هنا بمعنى: سلس، إذ لامعنى للتعدّي في المقام؛ بل الظاهر انّه بمعناه مطلقاً.
و «تقحّم» في الأمر: إذا ألقى نفسه فيه بقوّةٍ.
و المقصود من قوله: «و إن أسلس لها تقحّم»: إنّه إن أرخى الزمام ألقى نفسه في المهالک، لأنّها تطغى حينئذٍ؛ فتوقع الراكب في الماء و النار أو غيرهما، فيهلک. فإسناد الإيقاع في المهلكة إلى الراكب من باب الإسناد إلى السبب، و إلّا فالمباشر هو الصعبة.
قال السيّد السند الرضيّ ]نهج البلاغة: 50[: «يريد انّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام و هي تنازعه رأسها
أي: جذب الزمام رأسها خرم أنفها، و إن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحّمت به، فلم يملكها».
قوله: «تقحّمت به»، فيه: انّ ظاهر العبارة بمقتضى تذكير الضمير رجوع الضمير إلى «الراكب»، كما انّ الضمير في «خرم» بمقتضى التذكير يرجع أيضاً إلى «الراكب»؛ فالغرض إقحام الراكب نفسه في التهلكة؛ إلّا انّه بواسطة الإقحام من الناقة.
فالغرض و إن يرجع إلى اقحامها إلّا أنّ ما صنعه لايناسب ظاهر العبارة.
و بالجملة، حاصل ما قيل في التشبيه المذكور: انّ المراد بـ «الصاحب»: هو مطلق المعاشر، أو خصوص أميرالمؤمنين علیهالسلام، فالضمير المؤنّث المجرور بإضافة «الصاحب» راجعٌ إلى «الحوزة»، كما في الضمائر المجرورة في «كلمها» و «مسّها» و «فيها» و «منها».
أو المراد: هو المستولي، فالضمير راجعٌ إلى «الخلافة» كما في الضمائر المؤنّثة السابقة على الضمير في «كلمها».
و الغرض على الأوّل: انّ معاشر عمر إن شدّد عليه فيما كان يصدر منه ممّا لايرضى به اللّه ـ سبحانه ـ ، فكان يؤذيه فيتحقّق بينهما النقار و الإنكدار.
و إن وافق معه فكان يلزم ترک النهي عن المنكر، فعلى ذلک شبّه عمر بالصعبة، و صاحبه براكب الصعبة، و إيذاءه بخرم أنفها.
و على الثاني يكون الغرض: انّ أميرالمؤمنين علیهالسلام إن شدّد عليه الأمر فكان يختلّ أمور المسلمين و يتفرّقوا، و يتطرّق الحيرة على بعضهم؛ و إن وافق معه فكان يقع في الذلّ و المهانة.
و الظاهر انّه على ذلک شبّه أمور المسلمين بـ «الصعبة».
و الغرض من «تشديد الأمر» على عمر هو ما يستلزم التشديد على المسلمين، بناءً على تشبيه أمور المسلمين بالصعبة كما هو المفروض، و إلّا فلايساعد الكلام لفرض التشديد على عمر. و الغرض من خرم الأنف هو إيراث الإختلال في أمور المسلمين.
و على الثالث يكون الغرض: انّ المتولّي لأمر الخلافة إن جرى على الشدّة معها أي: بالشدّة مع الناس فيتنفّرون و يشمئزّون، فيختلّ انفاذ الشريعة.
و إن جرى بالرفق معها أي: بالرفق معهم فيهلكون بارتكاب المحرّمات و ترک الواجبات، فيهلک لاستناد هلاكتهم إليه. فعلى ذلک شبّه الخلافة بـ «الصعبة»، و المتولّي لها بـ «راكب الصعبة». و الغرض من «خرم» الأنف هو تضييع الخلافة بعدم إنفاذ الشريعة.
قوله علیهالسلام: «فمُنِيَ الناس». بالضمّ من باب المجهول، أي: بُلِي. قال في القاموس ]القاموس المحيط: 1226، القائمة 2[: «مُنِيت به بالضمّ منياً: بُلِيت به»؛ و قال فيه أيضاً: «مُنيَ بكذا كَعُنِيَ: ابتلى به»؛ إلّا أنّ المقصود به الإختبار، كما هو مقتضى قوله سابقاً على ذلک: «مناه اللّه يمنيه: قدّره، أو ابتلاه و اختبره».
و قال ]نفس المصدر: 1163، القائمة 1 [في مادّة بلي: «و ابتليته: اختبرته».
و في صدر بعض خطبه علیهالسلام ]نهج البلاغة الخطبة 39، 81[: «مُنِيت بمن لايطيع إذا أمرت و لايجيب إذا دعوت».
قوله علیهالسلام: «بخبطٍ و شماسٍ و تلوّنٍ و اعتراضٍ ]قال السيّد السند الجزائريّ: الاعتراض: المنع. و الأصل فيه: انّ الطريق إذا اعترض فيه بناءٌ أو غيره منع الناس من السلوک؛ و هو قد اعترض لهم في طريق الحقّ فمنعهم عن سلوكه. منه عفي عنه[». قال ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 253[: «الخبط: الحركة على غير استقامةٍ.
و «الشِماس» بكسر الشين: كثرة النقار و الإضطراب.
و «التلوّن»: اختلاف الأحوال.
و «الإعتراض»: ضربٌ من التلوّن. و أصله المشي في عرض الطريق».
ثمّ جعله: إشارةً إلى ما ابتلوا به من اضطراب الرجل و حركاته الّتي كان ينقمها عليه؛ فكنّى بالخبط عنها؛ و بالشماس عن جفاوة طبعه و خشونته؛ و بالتلوّن و الاعتراض عن انتقاله عن حالةٍ إلى أخرى في أخلاقه.
قال: ]نفس المصدر 1: 260[ «و هي استعاراتٌ. و وجه المشابهة فيها: انّ خبط البعير و شماس الفرس و اعتراضهما في الطريق حركاتٌ غير منظومةٍ، فأشبهها ما لم يكن منظوماً من حركات الرجل الّذي ابتلى به الناس من اضطراب الأمر و تفرّق الكلمة و جري أمورهم على غير نظامٍ بسبب تفرّق كلمتهم».
قوله علیهالسلام: «فصبرت على طول المدّة و شدّة المحنة». يرشد إلى طول المدّة ما ذكر من أنّ مدّة خلافة عمر عشر سنين.
قوله علیهالسلام: «حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعم أنّي أحدهم». الغرض هنا أيضاً المشارفة على المضيّ، إذ لامجال لكون الجعل بعد المضيّ، و انّما هو بعد المشارفة.
و يمكن أن يقال بكون مفهوم الغاية هنا حجّةً، إذ الصبر المغيّا و هو ما كان من جهة طول المدّة و شدّة المحنة ما لم يطّرد في زمان الجعل و هو مقطع الصبر المغيّا؛ و كذا فيما بعده لفرض مشارفة زمان عمر على الإنقضاء و عدم طول زمان عثمان و إن اطّرد الصبر على شدّة المحنة في زمان عمر و عثمان أيضاً؛ لشدّة المحنة في الجعل و ما بعده من زمان عمر و عثمان؛ و الصبر عليها كما يظهر كلٌّ من الشدة و الصبر ممّا ذكره بعد ذلک.
و قوله: «زعم» إشارةٌ إلى عدم المناسبة بينه و بين الجماعة؛ كيف و لامناسبة بين الأشقياء و رأس السعادة.
و المقصود بـ «الجماعة»: هو أهل الشورى.
و خلاصة حديث الشورى على ما حكي ]فانظر: تأريخ الطبريّ 4: 227؛ الكامل في التأريخ 3: 65[: انّ عمر لمّا طعنه أبولؤلؤ فدخل عليه وجوهٌ من الصحابة و قالوا له: ينبغي أن تستخلف رجلاً ترضاه.
فقال ما قال، … إلى أن قال: الصالحون لهذا الأمر سبعة نفرٍ سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله يقول: إنّهم من أهل الجنّة. أحدهم: سعد بن زيدٍ و أنا مخرجه منهم، لأنّه من أهل بيتي؛ و سعد بن أبي وقّاص، و عبدالرحمن بن عوف، و طلحة، و زبير، و عثمان، و عليّ.
فأمّا سعد فلايمنعني منه إلّا عنفه و فظاظته؛ و أمّا عبدالرحمن فيمنعني منه كونه قارون هذه الأمّة؛ و أمّا طلحة فتكبّره و نخوته؛ و أمّا زبير فشحّه، و لقد رأيته يقاتل على صاعٍ من شعيرٍ؛ و أمّا عثمان فحبّه لقومه و عصبيّته لهم؛ و أمّا عليّ فحرصه على هذا الأمر و دعابةٌ فيه.
ثمّ قال: يصلّي صهيبٌ بالناس ثلاثة أيّام و يخلو الستّة في بيتٍ ثلاثة أيّامٍ ليتفقّهوا على رجلٍ منهم، فإن استقام أمر خمسةٍ و أبى رجلٌ فاقتلوه، و إن استقرّ أمر ثلاثةٍ و أبى ثلاثةٌ فكونوا مع الثلاثة الّذين فيهم عبدالرحمن بن عوف.
فلمّا خرجوا عنه و اجتمعوا لهذا الأمر قال عبدالرحمن: إنّ لي و لإبن عمّي سعد من هذا الأمر الثُلث، فنحن نخرج أنفسنا منه على أن نختار رجلاً هو خيركم للأمّة؛ فقال القوم: رضينا؛ غير عليٍّ، فانّه متّهمٌ في ذلک.
فقال: أرى و أنظر.
فلمّا آيس من الرضاء بعليٍّ رجع إلى سعدٍ و قال: هلمّ نبايع عليّاً، فإن بايعنا معه بايع الناس معه.
فقال سعدٌ: إن بايعه عثمان فأنا ثالثٌ، و إن أردت أن تولّي عثمان فهو أحبّ إليّ من عليٍّ.
فلمّا آيس من مطاوعة سعدٍ ذهب مع طلحة و خمسين رجلاً من الأنصار إلى أميرالمؤمنين علیهالسلام و أخذ بيده و قال: أبايعک على أن تعمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و سيرة الخليفتين: أبي بكرٍ و عمر،
فقال عليٌّ علیهالسلام: «أبايعک على أن أعمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و أجتهد برأيي».
فترک يده. ثمّ أقبل على عثمان فأخذ يده و قال مثل مقالته لعليٍّ علیهالسلام؛ فقال: نعم.
فكرّر القول على كلٍّ منهما ثلاثاً، فأجاب بما أجاب به أوّلاً. فبعد ذلک قال: هي لک يا عثمان، و بايعه؛ ثمّ بايعه الناس.
و عن بعض النسخ: «زعمني سادسهم».
قوله علیهالسلام: «فيا لَلّه و يا لِلشورى». «اللام» الأولى هي اللام الّتي تدخل على المستغاث، و اللام الداخلة على المستغاث مفتوحةٌ لوكانت مباشرةً للياء.
و اللام الثانية مكسورةٌ، و هي الّتي تدخل على المستغاث لأجله. قالوا: و إمّا ان يكون زائدةً؛ و لعلّه الأظهر كما في قول الشاعر:
وَ لَقَدْ رَمقتکَ فِي المَجَالِسِ كُلِّهَا
فَإِذَا وَ أَنتَ تُعِينُ مَن يَبْغِينِي ]لم يذكر قائله، و انظر: التعليقة الآتية .[
و قد عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 473[.
من أقسام الواو ما كانت زائدةً.
و إمّا أن يكون عاطفةً لمستغاثٍ لأجله آخر محذوف، أي: يا لَلّه و لي؛ أو: لعمر و للشورى؛ أو لما أصابني من عمر عموماً؛ أو لنوائب الدهر عامّةً و للشورى بالخصوص.
إن قلت : إنّه لامجال لكون الشورى بل الأخيرين ممّا ذكر كونه محذوفاً، فضلاً عن الثاني من المستغاث لأجله، إذ المستغاث لأجله هو من وقع مظلوماً، أو كان محتاجاً إلى الغياث و لو من غير جهة الظلم كالفقر و المرض. نعم، لابأس بكون المحذوف هو.
قلت: المستغاث لأجله هو من وقع الإستغاثة لأجله باستدعاء وقوع الغياث في حقّه كما هو الغالب أو حقّ غيره؛ و من الأخير قول الشاعر:
يَا لَلرِّجَالِ لِيَومِ آلأَربِعَاءِ أَمَا
يَنفَکُّ يُحْدِثُ لِي بَعْدَ النُّهَى طَرَبَا ]البيت لحارث بن حلّزة، لسان العرب 12: 561[.
و قول آخر:
يَا لَلكُهُولِ وَ لِلشُّبَّانِ لِلعَجَبِ ]و قبله: يَبْكِيکَ نَاءٍ بَعِيدُ الدَّارِ مُغْتَرِبُانظر: نفس المصدر. [
فيصحّ أن يقال: يا لَزيدٍ لِعمرو مع كون عمرو ظالماً.
و في بعض النسخ: «فيا لَلّه و يا لِلشورى» بإعادة حرف النداء؛ و على هذا اللام الأولى مفتوحةٌ كما مرّ و اللام الثانية مكسورةٌ، و الظاهر انّها للتعجّب. و قد عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 284[ من معاني «اللام»: التعجّب كما في «يا لَلماء» في حال التعجّب.
و أمّا المستغاث لأجله فهو هنا محذوفٌ لامحالة، أي: لي؛ أو: لعمر؛ أو: لما أصابني من عمر؛ أو: لنوائب الدهر. و يمكن أن يكون المحذوف هو الشورى. و لابأس بالتعجّب من الشورى ثانياً في الكلام، فالأمر بمنزلة أن يقال: فيا لَلّه للشورى، و و اعجباً من الشورى.
و كيف كان فالظاهر أنّ الاستغاثة منه علیهالسلام من جهة عدم مناسبته مع أهل الشورى كما مرّ. و هي جهة التعجّب من الشورى على تقدير إعادة حرف النداء؛ فمرجع الندائين على هذا التقدير إلى أمرٍ واحدٍ.
فما عن النهاية من أنّ الغرض من الإستغاثة هو أنّ عمر قد أهّلني للخلافة و كان قبل يقول: إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال: «النبوّة و الإمامة لايجتمعان في بيتٍ»، فانّي أدخل في ذلک لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته»؛ ليس على ما ينبغي.
و «الشورى» كالفتيا بمعنى: التشاور، على ما ذكره البيضاويّ ]حيث قال: و هي مصدرٌ كالفتيا بمعنى التشاور؛ تفسير البيضاويّ: 644[ في تفسير قوله سبحانه:
(وَ أَمرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ). ]الشورى: 38 [
و في المصباح ]المصباح المنير: 446[: «و تشاور القوم و اشتوروا، و الشورى اسمٌ منه».
و في المجمع ]مجمع البحرين 3: 354[: «يقال: صار هذا الشيء شورىً بين القوم: إذا تشاوروا فيه. و هو فعلى من المشاورة، و هو المفاوضة في الكلام ليظهر الحقّ»، انتهى.
و مرجع كلامه إلى كونه اسم المصدر، كما هو صريح المصباح. ]المصباح المنير: 446[.
قوله علیهالسلام: «متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟». «متى» استفهاميّةٌ نحو: (مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)؟ ]البقرة: 214 [. إلّا انّ الإستفهام هنا إنكاريٌّ؛ و قد عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 440[ أوّل معانيها: الإستفهام.
و المقصود بـ «الأوّل» هو أبوبكرٍ، كما صرّح به ابن أبي الحديد. ]شرح ابن أبي الحديد 1: 184 [.
و ربّما قيل: انّ المقصود هو سعد بن أبي وقّاص؛ و ليس بشيءٍ، حيث أنّ مقتضى قرب الجماعة و رجوع ضمير أحدهم إليها و إن كان هو رجوع الضمير المجرور في «منهم» إلى «الجماعة»، إلّا أنّ السعد من النظائر المشار إليه بقوله: «هذه النظائر»، و ليس له أوّليّةٌ و لا طول زمانٍ و لا ظهور زيادة مزيّةٍ فيه بالنسبة إلى الباقين؛ فلاوجه للمقالة المزبورة بوجهٍ.
و الغرض أنّه لم يكن مساوياً في الرتبة لرأس الخلفاء و قريناً له، فضلاً عن الجماعة.
قوله علیهالسلام: «لكنّني أسففت إذا أسفّوا و طرت إذ طاروا». «أسف» الطائر: إذا دنى من الأرض. و الظاهر إنّ الغرض الصبر و المماشاة مع الكلّ، من الأوّل و الثاني و الجماعة.
قوله علیهالسلام: «فصغا رجلٌ لضغنه». «صغى» بالصاد المهملة و الغين المعجمة أي: مال، من: صغى يصغى من باب تعب ، أو: صغى يصغو؛ و الأوّل أشهر على ما يقتضيه ما في المصباح ]المصباح المنير: 466[ و المجمع ]مجمع البحرين 1: 263[ من عدّ الثاني لغةً، لكن قدّمه في الصحاح ]صحاح اللغة 6: 2400، القائمة 2[ و القاموس ]القاموس المحيط: 1197، القائمة 2[؛ قال اللّه ـ سبحانه ـ : (وَ لِتَصْغَى إِلَيهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَيُؤمِنُونَ بِالاْخِرَةِ) ]الأنعام: 113[، أي: يميل إليه؛ و قولهم:
لايُصغى إليه بمعنى: لايمال إليه بالسمع.
و متعلّق «صغى» هنا محذوفٌ أي: عنّي.
و «الضَغْن» ـ بالفتح فالسكون ـ : اسم المصدر، و أمّا المصدر فهو الضَغَن بالفتحتين.
قال في المصباح ]المصباح المنير: 495[: «ضغن صدره ضغناً من باب تعب: حقد، و الاسم: ضِغْن، و الجمع: أضغان، مثل حمل و أحمال»، انتهى.
قال اللّه ـ سبحانه ـ : (يُخرِجْ أَضْغَانَكُمْ) ]محمّد: 37 [.
و كيف كان، فقد جعله ابن ميثم ]شرح إبن ميثم 1: 262[ إشارةً إلى سعد بن أبي وقّاصٍ، تعليلاً بأنّه كان منحرفاً عنه؛ قال: «و هو أحد المتخلّفين عن بيعته بعد قتل عثمان» أي: عند انتقال الخلافة إليه.
و حكى ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 189 [عن القطب الراونديّ القول بذلک، لكن تعليلاً بأنّ عليّاً قتل أبا سعدٍ يوم بدرٍ؛ إلّا أنّه جعله خطأً، تعليلاً بأنّه مات في الجاهلية.
قوله علیهالسلام: «و مال الآخر لصهره».
قد حكى في المصباح ]المصباح المنير: 477[ في «الصهر» أقوالاً، فحكى عن الخليل القول بكونه أهل بيت المرأة أي: بالنسبة إلى الرجل، فيختصّ الصهر بالأختان.
و عن الأزهريّ القول بكونه قرابات المرأة من المحارم و غيرها أي: بالنسبة إلى الرجل و المحارم من قرابات الرجل، أي: بالنسبة إلى المرأة. فالمدار على عموم الصهر للأختان و محارم الأحماء.
و عن ابن السكّيت القول بعمومه لقرابات الرجال و النساء أي: الأحماء و الأختان؛ و حكاه الخليل نقلاً عن بعض العرب.
و قال في القاموس ]القاموس المحيط: 398، القائمة 2[: «الصِهر بالكسر: القرابة، و حرمة الختونة، جمعه: أصهار و صهراء.
و: القبر. و: زوج بنت الرجل و زوج أخته، و الأختان أصهارٌ أيضاً».
و الظاهر انّ مقصوده من حرمة الختوتة هو محارم الأختان أي: المحارم من قرابات المرأة، إلّا انّه لم يقل أحدٌ باختصاصه بها كما يظهر من الأقوال المتقدّم حكايتها من المصباح. فلعلّه غلط عن حرمة الأحماء، أي: المحارم من قرابات الرجل بالنسبة إلى المرأة، كما جرى عليه الأزهريّ في جانب قرابات الرجل. إلّا انّه عمّمه لعموم قرابة المرأة أي: الاختان.
مع أنّه ينافي تفسيره بمطلق القرابة أوّلاً، و قوله: «و الأختان أصهار» أيضاً بالأخرة؛ إلّا أن يقال: انّ غرضه بيان المستعمل فيه.
و لابأس بدعوى الإستعمال في مطلق القرابة تارةً؛ و مطلق الأختان أخرى؛ و محارم الأختان ثالثةً. لكن دعوى الإستعمال في مطلق القرابة محلّ الإشكال، إذ لم يقل أحدٌ بعموم الصهر لقرابة الرجل بالنسبة إليه و قرابة المرأة بالنسبة إليها، و لم يعهد استعماله في شيءٍ منهما. لكن عن إبن الأعرابي ]بل المنقول منه عند ابنمنظورٍ شيءٌ آخر، انظر: لسان العرب 4: 471، القائمة 2[: «انّ الصهر هو المحرّم بجوارٍ أو نسبٍ أو تزوّجٍ»؛ قال: «و أصهرت بهم: إذا اتّصلت إليهم و تحرّمت بجوارٍ أو نسبٍ أو تزوّجٍ». و هو قد تجاوز في العموم عمّا بلغ إليه عموم القاموس.
هذا و ليت القاموس قال: «و زوج البنت و زوج الأخت» بدل قوله: «و زوج بنت الرجل و زوج أخت الرجل» لكي يشمل زوج البنت بالنسبة إلى أمّها، و لايختصّ به بالنسبة إلى أبيها كما هو ظاهر العبارة لعدم الفرق في العرف قطعاً، و يشمل زوج الأخت بالنسبة إلى أختها؛ و لايختصّ به بالنسبة إلى أخيها كما هو ظاهر العبارة لعدم الفرق في العرف قطعاً أيضاً.
و كيف كان، إطلاق الصهر على زوج بنت الرجل معروفٌ متكثّرٌ في الإستعمالات العرفيّة، بل متكرّرٌ في كلمات أرباب الرجال. لكن لايتناوله أحدٌ من الأقوال المذكورة في المصباح، كما لايتناول زوج أخت الرجل و إطلاق الصهر عليه متعارفٌ في العرف. فقد أجاد القاموس حيث عدّ من إطلاقاته إطلاقه على الزوجين.
و بالجملة؛ فهذه الفقرة على ما ذكره ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 262 [و ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 189[ إشارةٌ إلى عبدالرحمن بن عوف، حيث أنّه مال إلى عثمان لمصاهرةٍ كانت بينهما، و هي أنّ عبدالرحمن كان زوجاً لأمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، و هي أخت عثمان لأمّه.
فالمقصود بـ «الصهر» هنا هو القريب بالسبب، و لايتمّ كونه حقيقةً إلّا على القول بعموم الصهر للقريب السببيّ.
و بعد؛ فالظاهر بمقتضى سوق الفقرة السابقة انّ متعلّق «مال» محذوفٌ، أي: مال الآخر عنّي من أجل صهره، و إن أمكن كون «اللام» بمعنى «إلى» نحو قوله سبحانه: (بِأَنَّ رَبَّکَ أَوحَى لَهَا) ]الزلزلة: 5[، و قوله سبحانه: (يَجْرِي لاَجَلٍ مُسَمىً) ]الرعد: 2؛ فاطر: 13؛ الزمر: 5[، و قوله سبحانه: (وَ لَو رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) ]الأنعام: 28[. فالمعنى: و مال الآخر إلى صهره.
قوله علیهالسلام: «مع هنٍ و هنٍ». قال في المصباح ]المصباح المنير: 883[: «الهن بتخفيف النون: كنايةٌ عن كلّ اسم جنسٍ، و الأنثى: هنة. و لامها محذوفةٌ، ففي لغةٍ هي «هاءٌ»، فصغّر على هنيهة و منه يقال : مكث هنيهةً أي: ساعةً لطيفةً، و في لغةٍ هي «واو»، فصغّر في المؤنّث على «هنيّة». و الهمزة خطأٌ، إذ لاوجه له» … إلى أن قال: «و كني بهذا الإسم عن الفرج»؛ ثمّ قال: «و قيل: المحذوف نونٌ و الأصل بالتثقيل، فيصغّر على هنين».
و في البهجة المرضيّة ]البهجة المرضيّة طبعة السيّد الشيرازيّ 1: 36 [كما عن شرح القطر ]شرح قطر الندى و بلّ الصدى: 62[: «إنّ هن اسمٌ يكنّى به عن أسماء الأجناس كرجل و فرس و غيرهما؛ و قيل: عمّا يقبح التصريح بذكره؛ و قيل: عن الفرج خاصّةً»، انتهى.
و لوكان كنايةً عن أسماء الأجناس فهو مثل الشيء و الأمر.
و بالجملة، لا إشكال في كون إعرابه بالحركة، و يعبّر عنه بالنقص في حالة الإفراد أي: عدم الإضافة، و هو الأفصح في حالة الإضافة. لكن قد يعرب بالحروف و يعبّر عنه بالقصر في حالة الإضافة، فيقال: هو هنوها و هناها و هنيها مثل أخوها و أخاها و أخيها.
و كيف كان، فغرضه علیهالسلام: انّ ميله إليه لم يكن لمجرّد المصاهرة، بل لحبّ المال و العزّ حيث إنّه كان أراد أن يكتسب المال و يكتسب العزّ بواسطة خلافة عثمان.
قوله علیهالسلام: «نافجاً» ـ بالنون و الفاء و الجيم ـ «حضنيه». «الحِضن» بالحاء المهملة المكسورة و الضاد، يقال: شربت الدابّة فانتفجت: إذا شربت حتّى خرج جنباها.
و الحضن مادون الإبط إلى الكشح. و قد كنّى بذلک عن استعداده و تصميم عزمه للتوسّع ببيت مال المسلمين و صرفه في دنياه بالوسعة؛ و يقال للمتكبّر أيضاً: نافجاً حضنيه.
و قد جرى ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 262 [و ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 197[ على كون الغرض هنا هو الأوّل، و هو الأظهر.
و يمكن أن يكون الغرض: الإستعداد لإملاء البطن، فقوله: «بين نثيله و معتلفه» يؤكّد ذلک مع زيادة إفادة الترجيع.
قوله علیهالسلام: «بين نثيله و معتلفه». متعلّقٌ بـ «قام». و «النثيل»: الروث.
و «المعتلف» على زنة اسم المفعول: اسم المكان، أي: موضع الإعتلاف من الفم، أو البطن، أو محلّ العلف و هو بعيدٌ و إن صحّ إطلاق المعتلف عليه، أو اسم المصدر أي: ما يعتلف به من المأكول، و هو الأنسب بمقابلة الروث.
و كيف كان، فالغرض أنّ فعله دائرٌ بين الأكل و الترجيع، و حاله حال البهائم حيث لاهمّ له ماعدا الأمرين.
قوله علیهالسلام: «و قام معه بنو أبيه». الأظهر أنّ الغرض بنوأميّة؛ و يحتمل أن يكون الغرض أقرباءه مطلقاً، و خصّ بنو أبيه تغليباً.
قوله علیهالسلام: «يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع». قال في الصحاح ]صحاح اللغة 5: 1913، القائمة 2[ : «خضِمت الشيء بالكسر أخضمه خضماً؛ قال الأصمعيّ: و هو الأكل بجميع الفم».
و قال في القاموس ]القاموس المحيط: 1017، القائمة 2[: «الخضم: الأكل، أو بأقصى الأضراس، أو ملءُ الفم بالمأكول، أو خاصٌّ بالشيء الرطب، كالقثاء، و الفعل كضرب و نصر». ]كذا، و الصحيح ما في المطبوع من القاموس .[
و في المجمع ]مجمع البحرين 6: 59[: «الفرق بين الخضم و القضم: انّ القضم: الأكل بأطراف الأسنان، و الخضم:
بالفم: كلّه؛ و ذلک بالأشياء الليّنة الرطبة»، انتهى.
و ربّما قيل: الخضم أكل الشيء الرطب، و القضم: أكل الشيء اليابس.
و «النبتة» بالكسر، يقال: نبت نباتاً و نبتةً، فهي من باب المصدر. لكن المقصود هنا هو مانبت.
و المقصود من «مال اللّه»: إمّا هو ما يملكه اللّه ـ سبحانه ـ ممّا يأكل، فالغرض إنّهم يأكلون و يتنعّمون أكل الإبل نبتة الربيع حيث إنّه يتلذّذ بنبتة الربيع و يملأ منه أحناكها، فهمّهم الأكل و إملاء البطن؛ أو المقصود من «مال اللّه»: هو أموال بيت المسلمين، فالغرض التوسّع من بيت مال المسلمين، أو الأكل و إملاء البطن منه.
قوله علیهالسلام: «إلى أن انتكث فتله». «النكث»: النفض، قال اللّه ـ سبحانه ـ : (نَكَثُوا أَيمَانَهُمْ) ]التوبة: 13 ـ 12 [أي: ينقضون عهدهم. و الإنتكاث: الإنتقاض.
و «الفتل»: برم الحبل و غيره؛ مصدر فتل من باب ضرب. و قد جعل ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 263[ الفتل استعارةً لما كان يرمه من الرأي و التدبير و يستبد به؛ و الإنتكاث استعارةً لانتقاض ذلک التدبير و رجوعها بالفساد و الهلاک.
و يمكن أن يكون الغرض من الفتل هو الخلافة؛ فالغرض من انتكاث الفتل هو زوال الخلافة بموت الخليفة.
قوله علیهالسلام: «و أجهز عليه عمله». يقال: جهزت على الجريح من باب نفع و أجهزت إجهازاً: إذا تمّمت عليه و أسرعت قتله؛ أي: أسرع عمله في قتله. يعني: إنّ عمله صار سبباً للمسارعة إلى قتله و نفض عمره. و قد يقال: انّ فيه إيماءٌ إلى ما أصابه قبل القتل من أسنّة الألسنة و سقوطه عن أعين الناس.
قوله علیهالسلام: «و كبت به بطنه». يقال: كببت الإناء كبّاً من باب قتل: قلّبته على رأسه؛ و : كببت زيداً كبّاً: ألقيته على وجهه؛ و: أكبّ هو بالألف قال في المصباح ]المصباح المنير: 717 [و المجمع ]مجمع البحرين 2: 151[: «إنّه من النوادر الّتي تعدّى ثلاثيّاً و قصر رباعيّاً».
و «الباء» زائدةٌ مع المفعول.
و «البِطنة» بالكسر: الإمتلاء الشديد.
و الغرض أنّه أهلكه توسّعه ببيت مال المسلمين و أكله و امتلائه البطن من بيت المال، و صرفه الهمّ في الأكل و لو من غير بيت المال. و الإسناد في هذه الفقرة كالفقرة السابقة من باب الإسناد المجازيّ؛ و لاخفاء.
هذا؛ و قد حكى السيّد السند الجزائريّ: أنّه وصل أمر عثمان إلى أن قال له المهاجرون و الأنصار: إمّا أن تخلع نفسک من الخلافة أو نقتلک.
فاختار القتل على خلع نفسه، فقتلوه. و كان مطروحاً في خندق اليهود إلى ثلاثة أيّامٍ. فلايستحلّ أحدٌ دفنه و لايقدر أحدٌ على ذلک خوفاً من المهاجرين و الأنصار، حتّى نهبه بنو أميّة و دفنوه».
قال: «و قيل: كان مطروحاً في مزبلة اليهود ثلاثة أيّام حتّى أكلت الكلاب إحدى رجليه، فاستأذنوا عليها فأذن في دفنه.
و هذا الّذي في المدينة هو عثمان بن مظعون، لا عثمان بن عفّان، فانّ قبره إلى الآن غير معلومٍ».
قوله علیهالسلام: «فما راعني إلّا و الناس إليَّ كعرف الضبع». «الرَوع» بالفتح فالسكون : الفزع، يقال: راعني الشيء من باب قال أي: أفزعني، قاله في المجمع ]مجمع البحرين 4: 340 [إلى أن قال: «و يجيء الروع للإعجاب، يقال: راعني الشيء: أعجبني».
و «عُرف» الدابّة و الظاهر انّه بالضمّ: الشعر النابت في محدّب رقبته. و «العرفاء»: الضبع، لكثرة عرف رقبتها.
و «الضبع» كما في المجمع ]نفس المصدر: 4، 363[: «بضمّ الباء في لغة قيس، و تسكينها في لغة تميم: حيوانٌ معروفٌ. و هي أنثى، و قيل: تقع على الذكر و الأنثى».
قال ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 200[: «عرف الضبع ثخينٌ، و يضرب به المثل في الإزدحام»؛ و قال ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 264[: «الضبع ذات عرفٍ كثيرٍ قائم الشعر، و العرب يسمّى الضبع عرفاء لعظم عرفها».
فقد دريت أنّ جهة التشبيه بالعرف في المقام هي كثرته.
و ربّما يقتضي كلام بعضٍ كون الجهة كثرته و غلظته؛ و ليس بشيءٍ.
و بالجملة؛ الإستثناء مفرّغٌ، و المستثنى منه محذوفٌ أي: فما راعني شيءٌ، إلّا أنّ الإستثناء لمّا كان مفرّغاً فما بعد «إلّا» في حكم الفاعل حيث إنّ حكم ما بعد إلّا في الإستثناء المفرّغ هو الحكم عند فقدها، و لذا حكم ابن ميثمٍ ]نفس المصدر [بأنّ فاعل «راعني» إمّا الجملة الإسميّة و هو مقتضى قول الكوفيّين، إذ جوّزوا كون الجملة فاعلاً.
أو: ما دلّت عليه هذه الجملة و كانت مفسّرةً له من المصدر؛ أي: فما راعني إلّا إقبال الناس إليَّ. و هو فرع مذهب البصريّين إذ منعوا كون الجملة فاعلاً. إلّا أنّ الظاهر أنّ البصريّين لايقنعون بمثل التأويل المذكور في المقام، حيث إنّ صريح التصريح ]شرح التصريح على التوضيح 1: 268 [أنّهم يخصّون كون الجملة فاعلاً بما لوكانت مؤوّلةً بالمصدر بواسطة أنْ المفتوحة المخفّفة، أو أنَّ المشدّدة المفتوحة، أو ما على تقدير الذكر نحو: (أَوَ لَمْيَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلنَا) ]العنكبوت: 51[ أي: إنزالنا؛ و: (أَ لَمْيَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُمْ) ]الحديد: 16[ أي: خشوع قلوبهم، و: يَسُرُّ آلمرَءَ مَا ذَهَبَ اللَّيَالِي
أي: ذهابها؛ أو أنْ المخفّفة و لو على تقدير التقدير نحو: ما راعني إلّا يسير، أي: إلّا أن يسير. إلّا أن يكون مداقّة البصريّين في تأويل الجملة إلى المصدر في الفاعل الحقيقيّ لا الفاعل الحكميّ، كما في باب الإستثناء المفرّغ حيث إنّ ما بعد إلّا في حكم الفاعل؛ و إلّا فالفاعل الحقيقيّ هو المستثنى منه المحذوف.
و كيف كان؛ فقد يقال: «انّ «الواو» حاليّةٌ، و خبر «الناس» محذوفٌ يتعلّق به قوله: «إليَّ». و فاعل «راعني» محذوفٌ أيضاً يفسّره الجملة الحالية أي: ما راعني إلّا إقبال الناس حال كونهم يقبلون إليَّ».
و يمكن أن يقال: انّ «الواو» زائدةٌ؛ و قوله «إليَّ» متعلّقٌ بمحذوفٍ هو خبر «الناس» أي: الناس يقبلون إليَّ، فلو أوّل بالمصدر يكون المعنى: إقبال الناس.
و هذا المقال أقلّ محذوراً من المقالة السابقة، لكون المحذوف فيه أقلّ. إلّا انّ انتهاضه على مذهب البصريّين يبتني على ما ذكر من إمكان عدم اطّراد مداقّتهم في المستثنى في باب الإستثناء المفرّغ؛ بخلاف المقالة السابقة، حيث إنّ انتهاضة على مذهب البصريّين خالٍ عن الإشكال.
و قوله: «كعرف الضبع» خبرٌ لمبتدءٍ محذوفٍ أي: هم كعرف الضبع؛ أو متعلّقٌ بمقدّرٍ و خبرٌ ثان.
و بالجملة؛ فالمعنى: أنّه ما خافني عن الخلافة إلّا ازدحام الناس بواسطة تفرّق كلمتهم و انطماس الدين على تقدير التجافي عنها؛ كما يرشد إليه قوله ـ علیهالسلام ـ في خطبةٍ رواها ابن أبي الحديد: «فاستخلف الناس أبابكرٍ، ثمّ استخلف أبوبكرٍ عمر» … إلى أن قال: «ثمّ ولّى عثمان أمر الناس فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فسارع إليه ناسٌ فقتلوه. ثمّ أتاني الناس و أنا معتزلٌ أمرهم، فقالوا لي: بايع فانّ الأمّة لاترضى إلّا بک، و إنّا نخاف إن لم تفعل أن يفرّق الناس؛ فبايعتهم».
هذا إن كان الغرض من «الروع»: الخوف كما جرى عليه بعضٌ.
و يمكن أن يكون الغرض الإعجاب، أي: ما أعجبني بعد قتل عثمان شيءٌ إلّا شدّة ازدحام الناس إليٍّ. و الأمر من حيث المحذوف و المذكور كما مرّ.
و مقتضاه: انّه لم يكن الإزدحام على الخلفاء المتقدّمين عليه بالنسبة إلى الإزدحام عليه إلّا قليلاً. و لابدّ أن يكون الأمر كذلک حيث إنّه لورغب الناس إليهم لرغبوا إليه بمراتب شتّى في صورة فقد المانع.
و التعجّب من شدّة الازدحام كثيرٌ في العرفيّات، فلامانع عن حمل «الروع» على الإعجاب في المقام.
لكن يمكن أن يكون الإعجاب المذكور في معنى الروع بمعنى: ملائمة النفس و الإستحسان، بل لعلّه الظاهر، لا التعجّب، كما قد يطلق الإعجاب على ذلک بل هو غير عزيزٍ، و منه تفسير الروق بالإعجاب، كما يأتي. و كذا ما لوقيل: أعجبتهم زهرة الحياة الدنيا. فلامجال لحمل الروع على الإعجاب في الباب.
قوله علیهالسلام: «ينثالون عليَّ». من باب الانفعال نحو ينقادون، أي: يتتابعون و يتزاحمون. و الظاهر أنّه خبر ثانٍ للناس لوكان قوله «كعرف الضبع» خبراً لمبتدءٍ محذوفٍ؛ و خبرٌ ثالثٌ لوكان قوله «هذا» خبرآ ثانياً له.
و ما قيل من «احتمال كونه حالاً عن راعني، أو العامل في إليَّ»؛ ليس بشيءٍ.
قوله علیهالسلام: «من كلّ وِجهٍ». الظاهر أنّ «الوِجه» بالضمّ أو الكسر: الجانب و الناحية؛
قال في القاموس]القاموس المحيط: 1155، القائمة 1[: «الوُجه بالضمّ و الكسر: الجانب و الناحية»، ثمّ قال: «الجِهة بالضمّ و الكسر: الجانب و الناحية، كالوجه، و الوِجهة بالكسر».
قوله علیهالسلام: «حتّى لقد وطىء الحسنان». يقال: وَطِئت الشيء برجلي من باب علم وَطئآ بفتح الواو: إذا علوته.
و الظاهر أنّ المقصود بـ «الحسنين» هو: نجلاه و شبلاه. لكن حكى ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 200[ عن القطب الراونديّ: «انّ الحسنين إبهاما الرجل»؛ إلّا أنّه قال: «و هذا لاأعرفه». و الظاهر أنّ الغرض: عدم معرفة استعمال الحسن في الإبهام. و لم أعرفه أيضاً، حيث لم أظفر بذكره في اللغة. و ربّما روي عن بعض الرواة تفسيره «الحسنين» بالإبهامين.
فقوله: «وطيء» من الوَطآء بالفتح و المدّ، و هي بمعنى الإيجاع و الاضرار؛ كما في المجمع ]مجمع البحرين 1: 443[.
قوله علیهالسلام: «و شقّ عطفاي». «عطفا» الرجل: جانباه من المنكب إلى الورک؛ و كذا عطفا كلّ شيءٍ: جانباه. و المراد دائرٌ بين التجوّز في الشقّ و كون العطف من باب الحقيقة بكون الغرض الأذى الحاصل في الصدر و المنكبين من شدّة الإزدحام، و كون الغرض الشقّ الحاصل في جانبي القميص؛ فالشقّ من باب الحقيقة لكن التجوّز في إضافة العطف إلى نفسه لكون محل الشقّ هو عطفا القميص.
و ربّما توهّم كون المجاز في الكلمة؛ و ليس بشيءٍ.
و ربّما روي: «عِطَافي» بدل: «عطفاي». و «العِطاف» بالكسر: الرداء، و سمّي الرداء عطافاً لوقوعه على عطفي الرجل. و المعنى على هذا لاحاجة فيه إلى العناية. إلّا أنّ الرواية المتقدّمة مشهورةٌ.
قوله علیهالسلام: «مجتمعين حولي». حالٌ من الناس نحو: زيدٌ في الدار جالساً.
قوله علیهالسلام: «كربيضة الغنم». أي: القطعة الرابضة. و «الربيضة» من الربوض، و هو في الغنم مثل بروک الإبل؛ لا من الرَبَض بالفتحتين و هو كالجلوس للإنسان و الإضطجاع له على الخلاف، لعدم مناسبة المعنى.
و الغرض شدّة الإزدحام.
و ربّما حكى ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 201[ عن القطب الراونديّ كون الغرض تشبيه بلادتهم و نقصان عقولهم، لأنّ العرب تصف الغنم بالغباوة و قلّة الفطانة؛ لكنّه غير مناسبٍ بلاارتيابٍ.
قوله علیهالسلام: «فلمّا نهضت بالأمر». يقال: نهض ينهض من باب منع نهضاً و نهوضاً أي: قام؛ كما هو مقتضى الصحاح ]صحاح اللغة 3: 1111، القائمة 1[ و القاموس ]القاموس المحيط 605: القائمة 1[.
و الظاهر أنّه المقصود بما في المصباح ]المصباح المنير: 863 [من قوله: «و نهضت إلى فلانٍ و له نهضاً و نهوضاً:
تحرّكت إليه بالقيام».
قوله علیهالسلام: «نكثت طائفةٌ». المقصود بهذه الطائفة طلحة و زبير و من تبعهما في البيعة و نقضها.
قال ابن أبي الحديد] شرح ابن أبي الحديد 1: 201[ : «فهم أصحاب الجمل».
و قد تقدّم الكلام في معنى «النكث».
قوله علیهالسلام: «و مرقت أخرى». قال في المصباح ]المصباح المنير: 781[: «مرق السهم من الرميّة مروقاً من باب قعد: نفذ من الجانب الآخر، و منه قيل: مرق من الدين مروقاً: إذا خرج منه».
و المقصود بهذه الطائفة الثانية هو الخوارج.
قال ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 265[: «و إنّما خصّ الخوارج بالمروق، لأنّ المروق مجاوزة السهم عن الرمية. و لمّا كان الخوارج أوّلاً منتظمون في سلک الحقّ إلّا أنّهم بالغوا بزعمهم في طلبه إلى أن تعدّوه و تجاوزوه لاجرم حسن أن يستعار لهم لفظ المروق لمكان المشابهة. و قد أخبر الرسول صلی الله علیه و آله بهذا اللفظ إذ قال: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». ]مناقب ابن شهرآشوب 1: 95.[
أقول: إنّ ظاهر ما ذكره أنّ تخصيص هذه الطائفة بالمروق مع اشتراک الطوائف الثلاثة في الانتظام في سلک الحقّ و الخروج عن الدين من جهة أنّ مبالغة هذه الطائفة بعد الانتظام في سلک الحقّ في طلب الحقّ بزعمهم إلى أن تعدّوه و تجاوزوه، أوجب مشابهة خروجهم عن الدين بالمروق، فحسن استعارة المروق لهم بالخصوص لاختصاصهم بالمشابهة.
لكنّک خبيرٌ بمشابهة الخروج في الطائفة الأولى و الأخيرة بالمروق أيضاً، إذ المشابهة إنّما يتحصّل بالخروج بعد الدخول، و هذا مشترکٌ بين الطوائف الثلاثة.
نعم، ملاحة الاستعارة في صورة المبالغة كما في هذه الطائفة أزيد، فلعلّه لذا خصّ المروق بهذه الطائفة.
قوله علیهالسلام: «و فسق آخرون». المقصود بهذه الطائفة الثالثة هو أهل صفّين. و قد حرّرنا الكلام في «الفسق» في الأصول.
و ربّما عبّر عن هؤلاء الطائفة بالقاسطين فيما حكي فيه نقلاً: إنّ الرسول صلی الله علیه و آله أخبر ]شرح الأزهار 4: 555؛ الخصال: 573[ بأنّه سيقاتل الناكثين و المارقين و القاسطين.
و هو من القسوط بمعنى الجور، و منه قوله ـ سبحانه ـ : (وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). ]الجن: 15[.
و أمّا قوله ـ سبحانه ـ : (قَائِماً بِالْقِسْطِ) ]آل عمران: 18[ و قوله ـ سبحانه ـ : (أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) ]البقرة: 282؛ الأحزاب: 5[ من: الإقساط بمعنى: العدل. و ربّما جعل الضابط: انّ ما كان من قسط فهو بمعنى الجور؛ و ما كان من أقسط فهو بمعنى العدل.
و في المصباح ]المصباح المنير: 689[: «قسط قسطاً من باب ضرب و قسوطاً: جار و عدل، فهو من الأضداد؛ قاله ابن القطّاع. و أقسط بالألف: عدل، و الإسم: القِسط بالكسر».
قوله علیهالسلام: «كأنّهم». يرجع الضمير إلى الطوائف الثلاثة، لا الأخيرة فقط.
قوله علیهالسلام: «بلى و اللّه». «بلى» حرف جوابٍ، و يختصّ بالنفي، و يفيد إبطاله؛ سواء كان مجرّداً نحو قوله سبحانه: (زَعَمَ آلَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَمْيُبعَثُوا قُلْ بَلَى وَ رَبِّي). ]التغابن: 7[؛
أو مقروناً بالإستفهام:
حقيقيّاً كان، نحو: أ ليس زيدٌ بقائمٍ؟ فتقول: بلى.
أو توبيخيّاً، نحو قوله سبحانه: (أَمْ يَحسَبُونَ أَنَّا لاَنَسمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجوَاهُمْ). ]الزخرف: 80[.
أو تقريريّاً، نحو قوله سبحانه: (أَ لَستُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى). ]الأعراف: 172.[
قوله علیهالسلام: «و وعوها». أي: حفظوها. يقال: وعيت الحديث وعياً من باب وعد أي: حفظته. و تأنيث الضمير كالضمير في «سمعوها» باعتبار التأويل بالآلة.
و المناسب في أمثاله عدّ المرجع من باب المتقدّم حكماً على ما حرّرناه في الأصول.
قوله علیهالسلام: «حليت الدنيا في أعينهم». يقال: حلا الشيء يحلو حلاوةً فهو حلوٌ، و: حلى الشيء في عيني من باب تعب أي: حسن و أعجبني. قيل: «حلى في عيني بالكسر، و في فمي بالفتح».
قوله علیهالسلام: «و راقهم زبرجها». يقال: راقني يروق جماله أي: أعجبني.
و «الزِبرِج» بكسر زاءٍ معجمةٍ و راءٍ مهملةٍ فجيمٌ : الزينة و الذهب؛ و «الزُبرُج» بضمّ الأختين، كالزُخرُف: ما له ظاهرٌ جميلٌ و باطنٌ بخلافه.
قوله علیهالسلام: «أمَا و الّذي فلق الحبّة». إشارةٌ إلى قوله ـ سبحانه ـ : (فَالِقُ الْحَبِّ وَ آلنَّوَى) ]الأنعام: 95[.
قال في المصباح ]المصباح المنير: 161[: «الحبّ: اسم جنسٍ للحنطة و غيرها ممّا يكون في السنبل و الأكمام، و الجمع: حبوب مثل: فلس و فلوس؛ الواحدة: حبّة و يجمع: حبّات على لفظها و حباب مثل كلب و كلاب».
و قد حكى ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 267[ في معناه القول بكون الغرض خلق الحبّة: عن بعضٍ، و القول بأنّ فلق الحبّة هو الشقّ الّذي في وسطها: عن جمهور المفسّرين. و جرى على المقال في بروز وجوهٍ من كمال القدرة في باب النباتات و الأشجار.
قوله علیهالسلام: «و برأ النسمة». يقال: برأ اللّه الخلق يبرء برأً من باب منع أي: خلقه، فهو الباريء. و حكى في المجمع ]مجمع البحرين 1: 48 [عن قائلٍ: «انّه لهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، و قلّما تستعمل في غير الحيوان؛ فيقال: برأ اللّه النسمة، و : خلق السموات و الأرض».
و أمّا «النسمة» فهي كقصبة، و جمعها: نِسَم كقصب . و مقتضى ما في المجمع ]نفس المصدر 6: 175[ أنّها كالنسيم نَفَس الريح بالفتحتين، لكنّها تطلق على كلّ ذيروحٍ؛ و على الإنسان؛ و على المملوک ذَكَراً كان أو انثىً. قال بالأخرة: «أصل النسيم: الضعف، و لذلک يطلق على العبد و الأمة، لضعفهما».
قوله علیهالسلام: «و لاحضور الحاضر». الظاهر أنّ الغرض حضور الحاضرين للبيعة، فمرجع الاعتذار به إلى الاعتذار بوجود الناصر. و ربّما احتمل كون الغرض البيعة، فإنّها بعد عقدها يتعيّن المحامات عنها.
قوله علیهالسلام: «و ما أخذ اللّه ـ تعالى ـ على العلماء». الظاهر أنّ «ما» نافيةٌ؛ و يمكن أن تكون مصدريّةً معطوفةً على «قيام الحجّة» أي: لولا أخذ اللّه .
و الظاهر أنّ «الأخذ» هنا بمعنى: الفرض و الإيجاب، من باب المجاز.
قوله علیهالسلام: «ألاَّ يقارّوا». «المقارّة» من باب المفاعلة، و لكن الظاهر أنّ الغرض هنا معنى المجرّد كالمسافرة، أي: يستقرّوا و يثبتوا. لكن مقتضى ما قاله ابن ميثمٍ ]لم أعثر على هذا القول منه في شرحيه. نعم له إشارةٌ إليه، فانظر: شرح إبن ميثم 1: 268، إختيار مصباح السالكين: 97[ من: «انّ المقارّة:
إقرار كلّ واحدٍ صاحبه على الأمر و تراضيهما به»: كون الغرض معنى المزيد. إلّا أنّ المقصود:
إمّا كون المقارّة بين العلماء؛ أو بين العالم و الظالم؛ أو المظلوم.
أمّا الثاني: فلامعنى للمقارّة بين العالم و المظلوم، لعدم رضاء المظلوم بالظلم.
و أمّا الأوّل: فانّ الظاهر انّ المقصود بـ «العلماء» هو جنس الفرد و قد عُدّ من إطلاقات الجمع المعرّف باللام: إطلاقه على جنس الفرد، نحو: فلانٌ يركب الخيل، حيث إنّه يتأتّى المؤاخذة عن العالم الواحد أيضاً بالظلم مع التمكّن من الرفع.
إلّا أن يقال: إنّه لابأس بكون الغرض من «العلماء» هو الاستغراق الأفرادي مع اطّراد الحكم في الفرد الواحد بالخارج؛ نظير أنّ المطلق المطّرد حكمه في الفرد النادر بالخارج لايمانع اطّراد الحكم فيه في النادر عن كون الغرض من المطلق هو الفرد الشائع، و أنّ اللفظ الموضوع لمعنىً مع ثبوت الحكم المتعلّق باللفظ في آخر بالإجماع مع إمكان التجوّز باللفظ عن المعنيين لايمانع إمكان التجوّز فيه في اللفظ عن الأعمّ عن كونه مستعملاً في معناه؛ كما في قوله ـ سبحانه ـ 🙂 فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ) ]النساء: 11[، حيث أنّ الإخوة حقيقةٌ فيما فوق الإثنين بناءً على كون أقلّ الجمع ثلاثةً، كما هو الأظهر، و الحكم المذكور أعني: الحجب ثابتٌ للأخوين أيضاً بالإجماع.
و أمكن استعمال الإخوة فيما فوق الواحد مجازاً، إلّا أنّ إمكان الاستعمال فيما فوق الواحد مجازاً لايمانع عن الاستعمال فيما فوق الإثنين حقيقةً، و أنّ الحكم المطّرد في غير مورد العلّة بناءً على عدم اعتبار مفهوم العلّة و ثبوت التخصيص بها لايمانع الاطّراد عن التخصيص.
قوله علیهالسلام: «على كظّة الظالم». الكِظّة بالكسر و التشديد: الإمتلاء التامّ من الطعام. و يمكن أن يكون الغرض هنا التوسّع من باب التوسّع.
قوله علیهالسلام: «و لاسغب مظلومٍ». «السَغَب» بالفتحتين، من باب فرح: الجوع، على ما يستفادّ من الصحاح ]صحاح اللغة 1: 147، القائمة 2 [و المصباح ]المصباح المنير: 377[ و المجمع. ]مجمع البحرين 2: 83[
و حكى في الأوسط ]لم اعثر عليه[ عن قائلٍ: «انّه الجوع مع التعب؛ و بالفتحة فالسكون أيضاً من باب نصر: الجوع، أو الجوع مع التعب» كما يستفاد من القاموس. ]القاموس المحيط: 103، القائمة 1 .[
و حكى في المصباح ]المصباح المنير: 377[: «انّه ربّما سمّي العطش: سغباً»، انتهى.
و قيل: «السغب: العطش، لكنّه غير مستعملٍ».
و في دعاء حرز الجواد ]بحارالأنوار 94: 227 [الدعاء بكفاية السغب أو العطش.
و في القرآن: ]فِي يَومٍ ذِي مَسْغَبَةٍ[. ]البلد: 14 .[
قوله علیهالسلام: «لألقيت حبلها على غاربها». «الغارب»: ما بين العنق و السنام، و هو الّذي يلقى عليه زمام البعير الّذي يعبّر عنه بالخطام، بالخاء المعجمة المكسورة، لأنّه يقع على الخَطم بالفتح، و هو الأنف و ما يليه إذا أرسل ليرعى حيث شاء؛ ثمّ استعير و جعل كنايةً من الطلاق، فقيل للمرأة: حبلک على غاربک، إذهبي حيث شئت كما يذهب البعير.
قيل ]هذا قول المحدّث البحراني، حلية الأبرار 2: 295؛ و انظر أيضاً: بحارالأنوار 29: 504[: «هذا مثلٌ يقول العرب: ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء».
و نظير ذلک قول الشاعر:
مَلَّكتُهُ حبلي وَ لَكِنَّهُ
أَلقَاهُ مِنْ زُهْدٍ عَلَى غَارِبِي
و الضمير للخلافة. و احتمال كونها لل «أمّة» خلاف الظاهر.
و الغرض ترک الخلافة كما في أزمنة الثلاثة.
قوله علیهالسلام: «و لسقيت آخرها بكأس أوّلها». الضمير للخلافة أيضاً، أي: لتركت آخر الخلافة و بعبارةٍ أخرى لتركت الخلافة في آخر الأمر كما تركت أوّلها؛ و بعبارةٍ أخرى : تركتها في أوّل الأمر.
فالغرض تأكيد ترک الخلافة. و فيه ما لايخفى من المحاسن البديعيّة.
و لعلّ استعارة «السقي» بـ «الكأس» ]و في الديوان: و النَّاس تعرُوهُم أُمورٌ جمّة….. كطعمِ الحَنظَلِفِتَنٌ تَحِلُّ بِهم وَ هُنَّ شَوَارِ عُيُسقَى أَوَاخِرُهَا بِكَأسِ الأَوَّلِمنه عفي عنه. ]الشطر الثاني يوجد في الديوان: 169 ـ طبعة الأستاذ نعيم زرزور، ولكن البيت الأوّل لمأعثر عليه فيه[[ من جهة مشابهة استلزام ترک الخلافة لوقوع الناس في الحيرة و الظلمة كما وقعوا فيها في أوّل الأمر و أزمنة الثلاثة؛ باستلزام السقي بالكأس للسكر غالباً في الجملة للاختلاف بتطرّق النقص على المسقى دون الخلافة.
قوله علیهالسلام: «ولألفيتم». أي: لوجدتم و علمتم. من: ألفى من باب أفعال القلوب.
قوله علیهالسلام «هذه». هذه الإشارة للتحقير، كما يرشد إليه انّه قد عدّ في المعاني من دواعي تعريف المسند إليه بالإشارة: التحقير بالقرب ]و انظر: الشرح المطوّل على تلخيص المفتاح: 78، حين يذكر الشيخ التفتازانيّ هذه القاعدة و يمثّل بالآية الشريفة نفسها.[ نحو: ]أَ هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ[ ]الأنبياء: 36[.
قوله علیهالسلام: «أزهد عندي». يقال: شيءٌ زهيدٌ كقليل أي: قليلٌ.
و الظاهر انّه من: زهِد في الشيء و عنه ـ بالكسر ـ يزهَد ـ بالفتح ـ زُهداً ـ بالضمّ ـ و زَهادةً ـ بالفتح. و ربّما حكي: زهَد يزهَد ـ بالفتحتين عن لغةٍ.
لكن ]استدراکٌ من الظهور ]من هامش الأصل[.[ فسّر الزهد بالترک و الإعراض، و منه قوله ـ سبحانه ـ : ]وَ كَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ[. ]يوسف: 20 .[
و كذا قوله علیهالسلام في دعاء صفوان المعروف بدعاء علقمة بعد زيارة عاشوراء: «يا سادتي! رغبت إليكما بعد أن زهد فيكما و في زيارتكما أهل الدنيا». ]مصباح المتهجّد: 781؛ المزار للمشهديّ: 222؛ بحارالأنوار 97: 308.[
و كذا ما يقال في كتاب القضاء من: «انّه يحرم على القاضي أن يرغّب الشاهد في الإقامة أو يزهّده لو توقّف» ]اللعمة الدمشقيّة: 81[.
قوله علیهالسلام: «من عفطة عنزٍ». «عفطة العنز» على ما يقتضيه الصحاح ]صحاح اللغة 3: 1143، القائمة 2[ و المصباح ]و لمأعثر على المادّة فيه[ هو: ما ينثره من أنفها.
و الظاهر أنّ الغرض من النثير هو الصوت الحادث من الأنف الشبيه بعطسة الإنسان. و يرشدک إليه تفسيرها من السيّد الرضيّ بالعطسة.
و قال ابن ميثمٍ ]لمأعثر أيضاً على العبارة في المطبوع من شرح إبن ميثم[: «العفطة في الشاة كالعطسة من الإنسان».
و يمكن أن يكون الغرض هو الرطوبة الخارجة من الأنف عند الصوت المزبور.
و ربّما حكي عن بعضٍ: «إنّ العافطة: النعجة، و النافطة بالنون : العنز، فالعفطة في النعجة».
و ذكر ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 203[: «انّ أكثر استعمال العفطة في النعجة، و أمّا العنزة فالمستعمل و الأشهر فيها النفطة»؛ إلّا أنّه لوثبت فلابأس بالتجوّز في الباب، و باب المجاز واسعٌ.
و ربّما فسّر العفطة في الفقرة المسطورة في المجمع ]مجمع البحرين 4: 261[ بالضرطة، لكن قيل باستهجان إرادتها من مثله.
إلّا أنّه يمكن منع الاستهجان في مقام دعوة الحاجة إلى شدّة التوهين كما في قوله علیهالسلام ]لمأعثر عليه في مصادر الفريقين الروائيّة[:
«لا أنت و لا من هو أضيق استاً منک».
و أمّا «العنز»: ففي الصحاح ]صحاح اللغة 2: 884، القائمة 1[: «العنز: الماعزة، و هي الأنثى من المعز، و كذلک العنز من الظباء و الأوعال»؛ و في القاموس ]القاموس المحيط 480: القائمة 2[: «العنز: الأنثى من المعز»؛ و في المصباح ]المصباح المنير: 591[: «العنز: الأنثى من المعز إذا أتى عليها حولٌ».
إلى هنا أفضى مقالته روحي و روح العالمين له الفداء.
***
قال السيّد السند الرضيّ ]نهجالبلاغة: 50[: «قالوا: و قام إليه رجلٌ من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه. فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عبّاس: يا أميرالمؤمنين! لو اطّردت مقالتک من حيث أفضيت؛
فقال علیهالسلام: هيهات يابن عبّاس! تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت. قال ابن عبّاس: فواللّه ما أسفت على كلامٍ قطّ كأسفي على ذلک الكلام ألاَّ يكون أميرالمؤمنين بلغ منه حيث أراد».
قوله : «قالوا»، مقتضى جعل الضمير جمعاً كون هذه الخطبة موصولةً إلى السيّد السند الرضيّ بأزيد من طريقين و اشتمال الكلّ على هذه الفقرة؛ بل الظاهر من ذلک كثرة الطرق.
بل لعلّه من جهة دعوى التواتر، كما حكاه ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 251[ عن جماعةٍ من الشيعة كما يأتي.
قوله: «من أهل السواد». أي: من أهل القرى. و إنّما يسمّى القرية بالسواد لخضرة أشجارها و زروعها، حيث أنّ الأخضر يرى من البعد أسود.
قال في الصحاح ]صحاح اللغة 1: 489، القائمة 1[: «سواد الكوفة و البصرة: قراهما».
و قال في المصباح ]المصباح المنير: 399[: «و العرب تسمّى الأخضر: أسود لأنّه يرى كذلک على بعدٍ. و منه سواد العراق لخضرة أشجاره و زروعه».
و قال في المجمع ]مجمع البحرين 3: 72[: «و سواد الكوفة نخيلها و أشجارها، و مثله سواد العراق، سمّي بذلک لخضرة أشجاره و زروعه».
و مقتضى كلامه كما هو ظاهر الصحاح ]صحاح اللغة 1: 489، القائمة 1[ أنّ سواد العراق معروفٌ، فالظاهر أنّ الغرض من السواد: سواد العراق. و من هذا تفسير ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 269[ بسواد العراق.
قوله: «من خطبته». قال في القاموس ]القاموس المحيط 88: القائمة 2[: «خطب الخاطب على المنبر خطابةً و خُطبةً بالضمّ، و ذلک الكلام خطبةٌ أيضاً؛ أو هي الكلام المنثور المسجّع و نحوه».
و في المصباح ]المصباح المنير: 236[: «يقال في الموعظة: خطب القوم و عليهم من باب قتل خُطبةً بالضمّ. و هي فعلةٌ بمعنى مفعولة نحو: نسخة بمعنى منسوخة، و غرفة من ماءٍ بمعنى مغروفة».
و في المجمع ]مجمع البحرين 2: 51[: «الخُطبة بالضمّ تختصّ بالموعظة، و لذا يعدّى بنفسه فيقال: خطبنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله، أي: وعظنا»؛ ثمّ قال: «و الخطبة فعلة بمعنى مفعول كنسخة بمعنى منسوخ، و غرفة من ماء بمعني مغروفة»، انتهى.
قوله: «فيقال: خطبنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله أي: وعظنا»، يمكن أن يكون من هذا الباب بل منه قول أميرالمؤمنين علیهالسلام في الرواية ]عيون أخبار الرضا علیهالسلام 1: 297 الباب 28؛ الأمالي للصدوق: 82[ المعروفة الطويلة المحكيّ فيها عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أعمال شهر رمضان: «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله خطبنا ذات يومٍ».
لكن حكم شيخنا البهائيّ في الأربعين ]الأربعون حديثاً: 182[ بـ : «أنّه ضمّن علیهالسلام «خطبنا» معنى «وعظنا» فعدّاه بنفسه، و إلّا فخطب هنا لازمٌ بمعنى النطق بالخطبة. و كما يضمّن المتعدّي بنفسه معنى المتعدّي بحرفٍ فيعدّي به، كذلک قد يضمّن اللازم معنى المتعدّي فيتعدّي بنفسه».
و أمّا الخِطبة بالكسر فهي الكلام المدعوّ به من الرجل لتزويج المرأة لنفسه.
قوله: «فناوله». أي: أعطاه؛ يقال: ناولته فتناوله أي: أعطيته فأخذه؛ و منه المناولة: من أنحاء التحمّل ]لتوضيح هذا الإصطلاح و أقسامه راجع: توضيح المقال: 258؛ مقباس الهداية 3: 135؛ وصول الأخيار: 138[. و يقال: نولته المال تنويلاً أي: أعطيته، و الإسم النوال.
قوله: «لواطّردت مقالتک». الغرض التمنّي، أي: ليت مقالتک اطّردت، مثل: لوتأتيني فتحدّثني، و: (لَو أَنَّ لَنَا كَرَّةً) ]البقرة: 167[ ]و يمكن أن يكون من هذا الباب قول أميرالمؤمنين علیهالسلام في حديث كميل المعروف: «إنّ هيهنا لعلماً جمّاً لوأصبت له حملةً». كما يمكنأن يكون «لو» شرطيّةً و جوابها محذوفاً أي: لبذلت له، كما جرى عليه شيخنا البهائيّ في أربعينه و كذا في مجمع. منه عفي عنه[.
و قد عدّ في المغني ]مغني اللبيب 1: 351[ من وجوه «لو»: أن تكون للتمنّي. إلّا أنّه ذكر الخلاف في كون لو هذه قسماً برأسها، أو هي لو الشرطيّة اشربت معنى التمنّي، أو هي لو المصدريّة أغنت عن فعل التمنّي. فالأصل في نحو: «لو تأتيني فتحدّثني»: «وددت لوتأتيني»، فحذف فعل التمنّي لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بالتمنّي و اطّراد الشيء بتابع بعضه للبعض كما صرّح به في الصحاح ]صحاح اللغة 6: 2554، القائمة 2[؛ فالإطّراد لازمٌ.
فـ «التاء» ليست للخطاب، بل هي للتأنيث باعتبار كون الفاعل هو قوله: «مقالتک».
إلّا أنّ المقالة من المؤنّث المجازيّ، و هو لوكان ظاهراً كما هنا يجوز في الفعل المسند إليه التذكير و التأنيث.
قوله: «من حيث أفضيت». أي: من حيث انتهت إليه مقالتک و وصلت هي إليه.
قال في المصباح ]المصباح المنير: 652[: «و أفضيت إلى الشيء: وصلت إليه».
و في المجمع: «قوله ـ تعالى ـ : (أَفضَى بَعضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) ]النساء: 21[: انتهى إليه فلم يكن بينهما حاجزٌ عن الجماع»، انتهى.
و في العبارات يستعمل الإفضاء في الإنتهاء كثيراً حيث يقال: «و هو يفضي إلى كذا» ]فانظر مثلاً: الإنتصار: 76؛ الخلاف 6: 155؛ السرائر 1: 19[.
قوله علیهالسلام: «هيهات». اسم فعلٍ؛ و فاعله محذوفٌ حيث إنّ اسم الفعل يعمل عمل مسمّاه أي: بعد ما افضيت إليه مقالتي.
قوله علیهالسلام: «تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت». قال في الصحاح ]صحاح اللغة 4: 1503، القائمة 2[: «شقشق الرجل شَقشقةً بالفتح: هدر، و العصفور يشقشق في صوته. و الشِقشقة بالكسر: شيءٌ كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج. و إذا قالوا للخطيب: ذو شقشقةٍ، فانّما يشبّه بالفحل».
و قال ]نفس المصدر 2: 853، القائمة 1[ في مادّة هدر: «هدر البعير هديراً: ردّد صوته في حنجرته»؛ و في المصباح ]المصباح المنير: 873[: «هدر البعير هدراً من باب ضرب: صوّت».
أقول: يمكن أن يكون الشقشقة هنا بالفتح، فقوله: «هدرت» بصيغة المجهول و من باب التأكيد نحو: جدّ جدّه ]و مثله قوله ـ سبحانه ـ في سورة بني إسرائيل: )وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزْغٌ) ]الأعراف: 200؛ فصّلت: 36[، و قد جريناعلى الكلام فيه في الأصول؛ و مثله أيضاً قوله ـ سبحانه ـ في سورة محمّد صلی الله علیه و آله: )فَإِذَا عَزَمَ الامرُ) ]محمّد: 21[. منه عفي عنه[، إلّا أنّ الإسناد فيه مجازيٌّ و هنا من باب الحقيقة.
و يمكن أن يكون بالكسر، فقوله: «هدرت» بصيغة المعلوم، و إنّما إسناده إلى الشقشقة من باب الإسناد المجازيّ. إذ الصوت من البعير، غاية الأمر أنّه في حال إخراج الشقشقة يهدر و يردّد الصوت في حنجرته؛ بل هو مقتضى كلام جماعةٍ، بل هو الأنسب بالمقام.
و حكى في مجمع البحرين ]مجمع البحرين 2: 528[ عن الهرويّ: «انّه لايخرج الشقشقة إلّا الجمل العربيّ».
قوله: «ما أسفت على كلامٍ قطّ». قال في الصحاح ]صحاح اللغة 4: 1330، القائمة 2[: «الأسف: أشدّ الحزن، و قد أسف على ما فاته و تأسّف أي: تلهّف؛ و أسف عليه أسفاً أي: غضب».
و في المصباح ]المصباح المنير: 20[: «أسف أسفاً من باب تعب: حزن و تلهّف، فهو أسفٌ، مثل غضب وزناً و معنىً. و يعدّى بالهمزة فيقال: آسفته».
قوله: «كأسفي على ذلک الكلام ألّا يكون أميرالمؤمنين علیهالسلام بلغ منه حيث أراد». ذيل هذه الفقرة أعني قوله: ألّا يكون، و أصله: أن لايكون يمكن أن يكون تمييزاً لصدرها، فهو تمييزٌ للنسبة من النسبة بين الجارّ و المجرور و المتعلّق؛ أو النسبة بين المضاف و المضاف إليه نحو: يعجبني طيبه نفساً أو أباً أو داراً أو علماً؛ أو النسبتين معاً، إلّا أنّه يلزم تعدّد المميّز، و الظاهر مضايقة النحويّين عنه.
و أمّا ما ينصرح من التوضيح و التصريح ]شرح التصريح على التوضيح 1: 396[ من انحصار تمييز النسبة في تمييز نسبة الفعل إلى الفاعل و المفعول، و تمييز ما يفيد التعجّب بالصيغة أو بغيرها، و تمييز اسم التفصيل، فليس على ما ينبغي؛ حيث أنّه لافرق قطعاً بين الفعل و اسم الفاعل و المفعول و المصدر.
و كما أنّ «شيباً» تميّز في: (وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ]مريم: 4[، فكذا الحال في مشتعل الرأس شيباً، و: اشتعال الرأس شيباً بلااشكالٍ.
مضافاً إلى ما صنعه الحاجبيّ و تبعه الجاميّ ]الفوائد الضيائيّة الطبعة المحقّقة العراقيّة 1: 405[ من تعميم النسبة للنسبة في اسم الفاعل نحو:
الحوض ممتلي ماءً، و اسم المفعول نحو: الأرض مفجّرةٌ عيوناً، و الصفة المشبهة نحو: زيدٌ حسنٌ وجهاً، و اسم التفصيل نحو: زيدٌ أفضل أباً، و المصدر نحو: أعجبني طيبه أباً؛ بل كلّ ما فيه معنى الفعل نحو: حسبک زيدٌ رجلاً، و للنسبة الإضافيّة.
و يمكن أن يكون الأمر من باب المنصوب بنزع الخافض، أي: لئلّا يكون نحو: (أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ) ]الأعراف: 69 ـ 63[. فالغرض تعليل التأسّف. و يرشد إليه أنّ فيما رواه الصدوق ]علل الشرايع 1: 151[: «إذ لايكون».
و يمكن أن يكون من باب المفعول لأجله، لكن بناءً على عدم اشتراطه باتّحاده مع المعلّل به وقتاً، و من الاختلاف قولک: جئتک أمس طمعاً في معروفک الآن كما عن سيبويه و متقدّمي النحويّين، و كذا عدم اشتراط اتّحاده مع المعلّل به فاعلاً كما عن ابن خرّوف، تعليلاً بقوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرقَ خَوفاً وَ طَمَعاً) ]الرعد: 12[.
و حكى ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 205[ عن شيخه أبيالخير مصدّق بن شبيب الواسطيّ أنّه حدّثه في سنة ثلاثٍ و ستّمأة فقال: قرأت على الشيخ أبي محمّد عبداللّه بن احمد المعروف بابن الخشّاب هذه الخطبة، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع قال: لوسمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له: و هل بقي في نفس ابن عمّک أمرٌ لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسّف أن لايكون بلغ من كلامه ما أراد، و اللّه ما رجع عن الأوّلين و لا عن الآخرين و لابقي في نفسه أحدٌ لم يذكره إلّا رسول اللّه صلی الله علیه و آله.
قال مصدّق: و كان ابن خشّابٍ صاحب دعابةٍ».
أقول : قد أجاد ابن خشّاب في الباب، ثمّ أجاد في الباب. و كان ما قاله يختلج ببالي قبل الاطّلاع على مقالته حيث أنّه قد أتى بأمّهات محنه قبل انتقال الخلافة إليه و ما وقع بعد الانتقال.
بل قد حكى ابن أبي الحديد في بعض مواضع شرحه خطبةً طويلةً عنه علیهالسلام و هي مع طولها لايزيد خلاصة مفادّه عن هذه الخطبة، إلّا بشكايته عن طائفةٍ لم تكونوا من الخوارج في محاربة معاوية، لكن لم يوافقوا معه في إتمام المحاربة و اعتذروا بمعاذير؛ و كان يحثّ فيها أهل الكوفة على محاربة معاوية.
* * *
ثمّ إنّه قد حكى ابن ميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 269[ عن الكيدريّ أنّه قال: «وجدت في الكتب القديمة أنّ الكتاب الّذي دفعه الرجل إلى أميرالمؤمنين علیهالسلام كان فيه عدّة مسائل:
أنّه ما الحيوان الّذي خرج من بطن حيوانٍ و ليس بينهما نسبٌ؟
فأجاب علیهالسلام بأنّه يونس بن متّى حيث خرج من بطن الحوت.
و: أنّه ما الشيء الّذي قليله مباحٌ و كثيره حرامٌ؟
فقال علیهالسلام: هو نهر طالوت، لقوله ـ تعالى ـ : (إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ). ]البقرة: 249[.
و: أنّه ما العبادة الّتي إن فعلها واحدٌ استحقّ العقوبة، و إن لم يفعلها استحقّ أيضاً العقوبة؟
فأجاب بأنّه صلاة السكارى.
و: أنّه ما الطائر الّذي لافرخ له و لافرع و لاأصل؟
فقال علیهالسلام: هو طير عيسى في قوله ـ تعالى ـ : (وَ إِذْ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) ]المائدة: 110[.
و: أنّه رجلٌ عليه من الدين ألفٌ، و له في كيسه ألف درهم. فضمنه ضامنٌ بألف درهمٍ، فحال عليهما الحول، فالزكاة على أيّ المالين يجب؟ ]أي: ألف درهم في كيس المديون و ألف درهم للضامن، و مقتضى السؤال انّ الضامن كان عنده ألف درهم موجوداً. منه عفي عنه[.
فقال علیهالسلام: إن ضمن الضامن بإجازة مَن عليه الدين فلايكون عليه، و إن ضمنه من غير إذنه فالزكاة مفروضةٌ في ماله.
و: أنّه حجّ جماعةٌ و نزلوا في دارٍ من دور مكّة، و أغلق واحدٌ منهم باب الدار و فيها حمامٌ، فمتن من العطش قبل عودهم إلى الدار، فالجزاء على أيّهم يجب؟
فقال علیهالسلام: على الّذي أغلق الباب و لم يخرجهنّ و لم يضع لهنّ ماءً.
و: أنّه شهد شهداء أربعة على محضرٍ بالزناء، فأمرهم الإمام برجمه، فرجمه واحدٌ منهم دون الثلاثة الباقين و وافقه قومٌ من الأجانب، فرجع من رجمه عن شهادته و المرجوم لم يمت، ثمّ مات فرجع الآخرون عن شهاداتهم بعد موته، فعلى من يجب ديته؟
فقال علیهالسلام: يجب ديته على من رجمه من الشهود و من وافقه.
و: أنّه شهد شاهدان من اليهود على يهوديٍّ أنّه أسلم، فهل يقبل شهادتهما أم لا؟
فقال علیهالسلام: لايقبل شهادتهما، لأنّهما يجوّزان تغيّر كلام اللّه ـ سبحانه ـ و شهادة الزور.
و: أنّه شهد شاهدان من النصارى على نصرانيٍّ أو مجوسيٍّ أو يهوديٍّ أنّه أسلم، فهل يقبل شهاداتهما أم لا؟
فقال علیهالسلام: يقبل شهادتهما، لقول اللّه ـ سبحانه ـ : (وَ لَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا آلَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) ]المائدة: 82[ ـ … الآية ـ ، و من لايستكبر عن عبادة اللّه لايشهد شهادة الزور.
و: أنّه قطع انسانٌ يد آخر، فحضر أربعة شهود عند الإمام و شهدوا على أنّ المقطوع يده زنى و هو محصنٌ، فأراد الإمام أن يرجمه فمات قبل الرجم، فعلى من قطع يده دية القطع أو دية النفس؟
فقال علیهالسلام: على من قطع يده دية يده حسب، و لوشهدوا انّه سرق نصاباً لم يجب دية يده على قاطعها.
* * *
ثمّ إنّي قد جريت في أجزاء تلک الخطبة على ما في نهج البلاغة. لكن قد اختلف الرواية في أجزائها، حيث أنّ ما رواه الصدوق يخالف بعض أجزائه لبعض أجزاء ما في نهج البلاغة.
و قد ذكر سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ اختلاف الرواية في الأجزاء، و أتى بالأجزاء المختلف فيها. ]تذكرة خواص الامة: 117[.
* * *
ثمّ إنّه قد حكي عن جماعةٍ من أهل السنّة إنكار تلک الخطبة و ما يشبهها ممّا يتضمّن شكاية أميرالمؤمنين علیهالسلام في أمر الخلافة حتّى قالوا: انّه لم يصدر شكايةٌ في هذا الأمر أصلاً.
و عن بعضهم نسبتها إلى السيّد الرضيّ يعني: إنّها مجعولةٌ من السيّد الرضيّ على أميرالمؤمنين علیهالسلام.
أقول : إنّ هذه الخطبة قد رواها الصدوق في العلل في باب «العلّة الّتي من أجلها ترک أميرالمؤمنين علیهالسلام مجاهدة أهل الخلاف» ]و هو الباب 122 منه، علل الشرايع 1: 146[؛ و في معاني الأخبار في باب «معنى خطبةٍ لأميرالمؤمنين علیهالسلام» ]معاني الأخبار: 360[ عن محمّد بن عليّ بن ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن احمد بن عبداللّه البرقيّ، عن أبيه، عن إبن أبيعمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة عن إبن عبّاس قال: ذكرت الخلافة عند أميرالمؤمنين علیهالسلام، فقال علیهالسلام: «أمَا و اللّه» ـ … إلى آخره ـ .
و عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ، عن عبد العزيز بن يحيى الجلّوديّ، عن أبي عبداللّه احمد بن عليّ بن عباد بن خالد، عن يحيى بن عبدالحميد، عن عيسى بن راشد، عن عليّ بن خزيمة عن عكرمة، عن إبن عبّاس.
بل حكى الصدوق في العلل ]عللالشرايع 1: 152[ و المعاني ]معاني الأخبار: 361[ أنّه سأل الحسن بن عبداللّه بن سعيد العسكريّ ]الانوار النعمائية 1: 113[ ]قال السيّد السند الجزائريّ: «و هو من أعيان الجمهور»؛ و قال ابنخلّكان : «انّه أحد الأئمّة في الآداب والحفظ… إلى أن قال: و كان الصاحب بن عبّاد يحبّ الإجتماع به و يودّه و لايجد إليه سبيلاً»؛ منه[ عن تفسير الخطبة، فحكى ما ذكره في تفسيرها، و الصدوق مقدّمٌ على الشيخ المفيد المقدّم على السيد الرضيّ، و حكاية شيخوخته للسيّد المرتضى و السيّد الرضيّ معروفةٌ.
و رواه سبط ابنالجوزيّ في تذكرة الخواصّ ]تذكرة: 117[ عن شيخه أبي القاسم ]بن[ النفيس الأنباريّ باسناده إلى ابنعبّاس: انّه لمّا بويع أميرالمؤمنين علیهالسلام بالخلافة ناداه رجلٌ من أهل الصفّ و هو على المنبر: ما الّذي أبطأ بک إلى الآن؟
فقال علیهالسلام: «أمّا و اللّه» ـ … إلى آخره ـ .
فقد علمت الإختلاف في مقام إنشاء الخطبة.
و حكى السيّد السند الجزائريّ أنّه نقلها صاحب كتاب الغارات مسندةً بأسانيدهم. قال: «و تأريخ الفراغ من ذلک الكتاب يوم الثلثاء الثالثة عشر خلون من شوّال سنة خمسةٍ و خمسين و ثلاثمأة، و هذه هي السنة الّتي ولد فيها المرتضى، و هو أكبر من أخيه الرضيّ ]راجع به الانوار النعمائية 1: 112[ ».
و حكى ابنميثمٍ ]شرح إبن ميثم 1: 253[ أنّه وجدها بنسخةٍ عليها خطّ الوزير أبي الحسن بن الفرات، قال: «و كان وزير المقتدر باللّه، و ذلک قبل مولد الرضيّ بنيّفٍ و ستّين سنة». فقال: «و الّذي يغلب على ظنّي أنّ تلک النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّةٍ».
و حكى ابن أبي الحديد عن شيخه الصدوق المتقدّم أنّه حكى أنّه سأل عن ابن الخشّاب عن كون هذه الخطبة مجعولةً؟
فقال ابنالخشّاب: لا و اللّه! و إنّي لأعلم أنّها كلامه كما أعلم أنّک مصدّقٌ.
قال: فقلت له: إنّ كثيراً من الناس يقولون: إنّها من كلام الرضيّ؟
فقال: أنّى للرضيّ هذا الأسلوب من الكلام؟، و قد وقفنا على رسائل الرضيّ و عرفنا طريقته و فنّه في الكلام المنثور.
ثمّ قال: و اللّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتبٍ صنّف قبل أن يخلق الرضيّ بمأتي سنة، و لقد وجدتها مسطورةً بخطوطٍ أعرفها و أعرف خطوط مَن هي منه مِن العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبومحمّد: والد الرضيّ». ]و في القاموس: «الخطبة الشقشقيّة: العلويّة، لقوله ـ لابنعبّاس لمّا قال له: لو اطّردت مقالتک من حيث أفضيت ـ : يا ابن عبّاس، هيهات تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت». فهو قد صرّح بكون الخطبة من أميرالمؤمنين علیهالسلام. منه عفي عنه[
قال ابن أبي الحديد ]شرح ابن أبي الحديد 1: 205[: «و قد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخيّ: إمام البغداديّين من المعتزلة، و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضيّ بمدّةٍ طويلةٍ. و وجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن فهد: أحد متكلّمي الإماميّة، و هو الكتاب المعروف بكتاب الإنصاف. و كان أبوجعفر هذا من تلامذة ]قال في الدرّالمنثور نقلاً: «ذكر لي بعض الناس: انّ تلميذ أو تلاميذ و نحوهما ممّا فيه هذه المادّة مشهور الإستعمال في معنىً مشهورٌ، وليس موجوداً في كتب اللغة؛ فكتبت في الجواب ما صورته: و ذكر في القاموس:«انّ لمذ لغةٌ في لمح إليه: اختلس النظر. فيكون التلميذ و نحوهمأخوذين من ذلک، فانّ التلامذة يكون نظرهم إلى من تلمذوا له، خصوصاً في حال الدرس و القراءة و السماع منه. و مناسبة الإختلاس باعتبار ملاحظة التأدّب مع الأستاذ؛ فلايكون نظرهم إليه نظر تحديقٍ. و المجازات المأخوذة من اللغة كثيرةٌ. و لايحضرني من كتب اللغة ما لعلّه يكون موجوداً فيه بخصوصه. و هذه عبارة كنزاللغة و هي هذه على ما نقل: «من التفعّل التلمّذ: بر كسى چيزى خواندن. من غير المصادر: تلميذ: شاگرد». و قال السيّد عليّخان في الطراز نقلاً: «في تلمذ التلميذ كقطمير: الخادم و غلام الصانع و متعلّم الصنعة. و إهمال الدال لغةٌ فيه. و وزنه فعليل، لا تِفعيل؛ إذ ليس في كلام العرب تِفعيل ـ بالكسر ـ إلّا ما كان أصله الفتح كتنبيب و ترغيب»؛ قال: «و اشتهر إطلاق التلميذ والتلاميذ على طلبة العلم لأنّهم غلمان مشايخهم، و الأصل فيه غلمان الصنّاع. و تلمذه تلمذةً كدحرجه دحرجةً: خدمه و استخدمه، فهو متلمِذٌ و متلمَذ ـ بكسر الميم و فتحها ـ . و ما اشتهر من قول الناس: تلمّذ له ـ بتشديد الميم ـ خطأٌ منشأه توهّم انّ التاء زائدةٌ». و صرح أيضاً ـ نقلاًـ في «لمذ» بـ : «أنّ التاء في تلميذ أصليّةٌ. و قولهم: تلمّذه أي: صار تلميذاً له، غلطٌ». و في الصحاح في مادّة تلم: «التلاميذ سقطت منه الذال»؛ وفي القاموس في مادّة تلم أيضاً: «و كسحاب: التلاميذ، حذف ذاله». منه عفي عنه[ الشيخ أبي القاسم البلخيّ، و مات في ذلک العصر قبل أن يكون الرضيّ موجوداً».
* * *
و أمّا الكلام في صدور الشكاية عن أميرالمؤمنين علیهالسلام في أمر الخلافة، فهو خارجٌ عن المقام؛ و قد أطال المقال فيه ابن ميثم ]شرح إبن ميثم 1: 251[.
و ربّما حكى ابن ميثمٍ عن جماعةٍ من الشيعة دعوى تواتر هذه الخطبة، بل غيرها ممّا اشتمل عليه نهجالبلاغة، و ليس في محلّه.
* * *
كتبه بيده الداثرة أبوالمعالي إبن محمّد إبراهيم في العشر الثالث من الثلث الثالث من الربع الأوّل من الثلث الثالث من العشر السادس من العشر التاسع من العشر الثالث من الألف الثاني من الهجرة النبويّة ]كان الفراغ في اليوم الثالث و العشرين من شهر رمضان المبارک من سنة ستّة و ثمانين و مأتين بعد الألف. منه[ على هاجرها من السلام ألف سلامٍ و تحيّةٍ.
و قد اقتصرت فيه على ما يبيّن به المقصود، و أعرضت عن بيان أقسام الإستعارات من التخييل و الترشيح و غيرها صرفاً للأهمّ في الأهمّ مع الإختلاف بين أرباب البيان فيها.
و الرجاء منه ـ سبحانه ـ العفو عن ترصيفه لو كان موجباً لسخطه من جهة اختلال القصد و الغرض؛ بل الرجاء منه ـ سبحانه ـ المثوبة عليه و كذا سائر ما جرى عليه قلمي، من: البشارات في الأصول و هو قريبٌ من مأة ألف بيت، بل متجاوزٌ عنه؛ قد بالغت فيه في التدبّر و التعمّق بما لايسعني تحريره و لاتقريره، و: شرح الكفاية في الفروع و هو قليلٌ الآن، و: شطرٌ في التفسير، و غيرهما؛ انّه جوادٌ كريمٌ لايخيّب لديه الآمال، و الحمد للّه على كلّ حالٍ.