•             نجعة المرتاد
  •             علّامه ابوالمجد شيخ محمّدرضا نجفى (1262 هـ .ق)
  •             تحقيق: رحيم قاسمى

علّامه محقق آية‌اللّه العظمى شيخ ابوالمجد محمّدرضا نجفى اصفهانى فرزند عالم عارف ربّانى آية‌اللّه العظمى شيخ محمّد حسين نجفى فرزند فقيه بزرگ آية‌اللّه العظمى شيخ محمّدباقر نجفى فرزند فقيه اصولى محقّق نامدار، عالم عارف ربانى آية‌اللّه العظمى شيخ محمّدتقى رازى (صاحب حاشيه معالم «هداية المسترشدين») از مفاخر علمى شيعه در قرن اخير است كه در مراتب علمى، كمتر نظيرى براى او مى‌توان سراغ گرفت.

وى در علوم فقه، اصول، كلام، تفسير، حديث، فلسفه، رياضيات، هيئت و نجوم تبحّرى به سزا داشته، تبحّر او در علوم ادبى به حدّى بوده كه استاد جلال همايى مى‌نويسد: نگارنده تاكنون كسى را در انشاء و حفظ اشعار عربى و تبحّر و احاطه در احوال و آثار شعراى عرب بدان پايه و مايه نديده و محتمل است كه بعد از اين هم در رجال اصفهان مانند او نبيند. ]تاريخ اصفهان: 117[ به نوشته مرحوم سيّد مصلح‌الدين مهدوى وى در معاشرت و حسن خلق بر بسيارى از معاصرين خود امتياز داشت. ]دانشمندان و بزرگان اصفهان: 329[ وجود مبارك اين عالم بزرگوار در دوران نكبت‌بار حكومت پهلوى يكى از عوامل بقا و پويايى حوزه علميه كهن‌سال اصفهان بوده، و پرورش دهها عالم فاضل كه اسامى بيش از يكصد نفر از آنان را مرحوم مهدوى در تاريخ علمى و اجتماعى اصفهان ياد كرده از آثار تلاش طاقت‌فرساى ايشان است.

متأسّفانه بسيارى از آثار ارزشمند و كم‌نظير اين عالم فرهيخته به سرنوشت كتابخانه مهمّ و كم‌نظير او دچار شده و جز اندكى از آنها به چاپ نرسيده است.

معروفترين آثار منتشر شده او عبارتند از: 1ـ وقاية الاذهان، در اصول فقه 2ـ نقد فلسفه داروين، در 2 جلد 3ـ رساله روضة‌الغنّاء 4ـ رساله امجديّه ]جهت آشنايى بيشتر با احوال و آثار صاحب عنوان رجوع شود به تاريخ علمى و اجتماعى اصفهان جلد 2 و قبيله عالمان دين نوشتهاستاد معظّم آقاى شيخ هادى نجفى[ اثر مهمّ فقهى علّامه نجفى «ذخائرالمجتهدين» نام داشته كه با كمال تأسّف اثرى از آن تاكنون يافت نشده است.

كتاب «نجعة المرتاد» يا «كبوات الجياد فى حواشى ميدان نجاة العباد» شرح و به عبارت بهتر جرحى عالمانه بر رساله فقهى علّامه شيخ محمدحسن اصفهانى نجفى صاحب «جواهر الكلام» است كه در آن آراء برخى از اعاظم فقهاى شيعه كه بر نجاة العباد حاشيه‌اى نگاشته‌اند نيز مورد نقد و بررسى قرار گرفته، و چنانچه علّامه سيّد حسن صدر كاظمى فرموده: كتابى است مانند مؤلّف آن بى‌نظير.

تنها نسخه ناقص موجود اين كتاب توسّط استاد معظّم حجّة‌الاسلام و المسلمين حاج شيخ هادى نجفى ـ حفظه اللّه تعالى ـ جهت تصحيح در اختيار مصحّح قرار گرفت كه با وجود اغلاط موجود در آن با كوشش فراوان، تحت ارشاد استاد معظّم، تصحيح و تحقيق گشته و به چاپ مى‌رسد. گفتنى است كه تعليقه‌اى از فقيه حكيم نامدار مرحوم آية‌اللّه العظمى علّامه حاج آقا رحيم ارباب ـ رضوان اللّه عليه ـ در نسخه خطى موجود بود كه در جاى خود نقل شد.

       والحمد للّه ربّ العالمين

تقريظ العلّامة آية اللّه السيّد حسن الصدر الكاظمي قدس سره

بسم الله الرحمن الرحیم

 الحمدللّه الّذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، و فضّل مدادهم على دماء الشهداء، و الصلاة على خير الرواة عن ربّ السموات محمّد و آله الهداة.

و بعد، فقد نظرت في هذا الشرح الجليل للفاضل النبيل، نابغة العصر، و وحيد الدهر، الفقيه على التحقيق، و المحقّق لكلّ غامضٍ دقيق، الشيخ أبيالمجد محمّد الرضا الإصفهاني، فوجدته كصاحبه بلاثاني، فهو بين الكتب كالسبع المثاني، محكم المباني، دقيق المعاني، مضطلع بعلم الحديث والرجال، و واحد رجاله عند المجال.

و قد سألني ـ سلّمه اللّه ـ تحمّل ما صحّ لي روايته عن مشايخيـ رضياللّه تعالى عنهم ـ تأسّياً بالسلف، و هو نعم الخلف، فأجزت له ـ سلّمه اللّه ـ أن يروي جميع كتب الأخبار الساطعة الأنوار، سيّما «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار»، المشتهرة في هذه الأعصار اشتهار الشمس في رابعة النهار، للمحمّدين الثلاث الأوائل، و الكتب الثلاثة للمحمّدين الثلاثة الأواخر، «الوافي» و «الوسائل» و «البحار»، و سائر الخطب و المواعظ و القصص و الآثار، و جميع مااُلّف في الإسلام علماء الخاصّ و العامّ في فنون العلوم الشرعيّة، و الرسوم المرعيّة، من العقليّة و النقليّة، و الاُصولية و الفرعيّة، و التفسيريّة و الأدبيّة، عنّي عن عدّة من مشايخي الكرام، و الفضلاء العظام.

منهم: و هو أجلّهم شأناً، و أعظمهم مكانة و مكاناً، و هو أوّل من أجازني، العالم العَلَم، و الفقيه الأقوم، قدوة الأنام، و علم الأعلام، زاهد العصر، فريد الدهر، جمال السالكين و المجاهدين، المؤيّد من اللّه بلطفه الخفىّ و الجليّ، الشيخ حاج مولى علي بن الحاج ميرزا خليل الرازي النجفي ـ تغمّده اللّه برحمته و رضوانه، و أسكنه بحبوحة جنانه ـ عن مشايخه الستّة :

أوّلهم: العلم العلّامة، الفقيه الفهامة الشيخ الولي، الشيخ عبد العلي الرشتي النجفي، صاحب الشرح على «الشرائع»، و عندي منه المجلّد الأوّل، و هو شرح تمام كتاب الطهارة بخطّه الشريف، و على ظهره إجازة شيخ الطائفة صاحب «كشف الغطاء» بخطّه الشريف، و إجازة السيّد العلّامة صاحب «الرياض» بخطّه الشريف له قدس سره، و يروي عنهما و عن السيّد بحرالعلوم الطباطبائى، جميعاً عن الآقا المحقّق الوحيد الإصفهاني الشهير بالبهبهاني، عن أبيه الأفضل، المولى محمّد أكمل، عن العلّامة المجلسي بطرقه المثبتة في أوّل أربعينه و آخر بحاره.

و عن هؤلاء الأعلام الثلاثة، عن الشيخ الفقيه المحدّث صاحب «الحدائق»، عن المولى رفيع‌الدين الجيلاني الساكن بالمشهد الرضويّ، عن العلّامة المجلسي، و سائر طرقه المثبتة في لؤلؤته.

و ثانيهم: الشيخ صاحب الجواهر، عن السيّد الجواد، الرفيع العماد، الراس الأوتاد، صاحب «مفتاح‌الكرامه»، عن السيّد بحرالعلوم، عن مشايخه المذكورين في خاتمة «مستدرک‌الوسائل»، بطرقهم المذكورة هناک.

و ثالثهم: الشيخ‌الأعظم، و الركن الأقوم، كشّاف حقائق الفقه و الاُصولٍ بطريق من البيان لم يطمثهنّ انس قبله و جان، خلاصة العلماء العاملين، شيخ‌الإسلام و المسلمين، العالم الربّاني الشيخ مرتضى الأنصاري، عن شيخيه: الفاضل المتبحّر، المولى أحمد النراقى، و السيّد الإمام، العلّامة السيّد صدرالدين العاملي ـ قدّس‌اللّه روحيهما ـ و هما جميعاً عن السيّد بحرالعلوم، والسيّد الميرزا مهدي الشهرستاني، و الشيخ كاشف الغطاء النجفي، و الميرزا أبوالقاسم المحقّق القمي، جميعاً عن الفاضل الشيخ محمّد مهدي الفتوني، و الشيخ يوسف البحراني بطرقهم المعروفه.

و رابعهم: الشيخ الفقيه الفاضل العماد، الشيخ جواد مولى كتاب النجفي، صاحب الشرح المبسوط على «اللمعة» إلى النكاح في عشر مجلّدات، عن السيّد جواد العاملي صاحب «مفتاح‌الكرامة»، عن السيّد بحرالعلوم بطرقه المتقدّم إليها الإشارة.

و خامسهم: الشيخ الفاضل الفقيه، شارح «الشرائع»، الشيخ رضا بن الشيخ زين‌العابدين العاملي النجفي ـ صهر السيّد جواد العاملي ـ عن السيّد العلّامه المتبحّر السيّد عبداللّه بن السيّد العلّامه السيّد محمّد رضا الشبّر الكاظمي، المصنّف المكثّر، صاحب «جامع الأحكام» و هو نحو «البحار»، و غيره، عن شيخ الطائفة الشيخ جعفر كاشف الغطاء، و السيّد العلّامة صاحب «الرياض»، و الشيخ العلّامة المتبحّر الأوّاه الشيخ أسداللّه صاحب «المقابيس» بطرقه المذكورة في أوّل مقابيسه.

و سادسهم: السيّد الفاضل السيّد محمّد بن السيّد العلّامة السيّد جواد العاملي، عن أبيه السيّد جواد صاحب «مفتاح‌الكرامه»، عن السيّد بحرالعلوم بطرقه السبعة المعروفة المتقدّم إليها الإشارة.

و منهم: و هو ثاني من أجازني العالم العامل و الفاضل الكامل خرّيت علم الحديث و الآثار، المشتهر بالفضل و التقوى كعَلَمٍ على نار، المولى العلّامة النوري الحسين بن العلّامة التقيّ الطبرسي، صاحب «مستدرک‌الوسائل»، عن عدّة من الشيوخ الّذين ذكرهم في خاتمة «المستدرک» بطرقهم المذكورة هناک.

و منهم: و هو ثالث من أجازني العالم المتبحّر، خرّيت طريق التحقيق، و مالك أزمّة الفضل بالنظر الدقيق، ذوالفكر الصائب و الحدس الثاقب، السيّد الفقيه المحدّث العالم الميرزا محمّد هاشم بن الميرزا زين‌العابدين الخوانساري الإصفهاني صاحب «اُصول‌آل‌الرسول» و «فوائدالفرائد»، عن جماعة من الأعلام: أجلّهم السيّد العلم الإمام العلّامة السيّد صدرالدين العاملي، بكلّ طرقه الّتي أجلّها مايرويه عن أبيه السيّد العلّامة السيّد صالح، عن أبيه السيّد الإمام العلّامة السيّد محمّد بن السيّد العلّامة السيّد ابراهيم ابن السيّد العلّامة السيّد زين‌العابدين بن السيّد العلّامة السيّد نورالدين ـ أخي السيّد محمّد صاحب «المدارک» ـ عن الشيخ الفاضل المتبحّر المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن صاحب «الوسائل» بطرقه المذكورة في آخر «الوسائل».

ح: و عن الميرزا محمّد هاشم المذكور، عن السيّد المحقّق المير سيّدحسن المدرّس، عن الميرزا زين‌العابدين الخوانساري، عن السيّد حجّة‌الإسلام السيّد محمّد باقر الرشتي الإصفهاني، عن السيّد علي صاحب «الرياض»، عن الآقا البهبهاني.

ح: و عن الميرزا محمّد هاشم المذكور، عن الشيخ الفقيه الشيخ مهدى ابن الشيخ المحقّق الشيخ علي بن شيخ الطائفة الشيخ جعفر كاشف الغطاء، عن عمّه الشيخ الفقيه العلم العلّامة الشيخ حسن صاحب «أنوارالفقاهة»، عن أبيه، عن السيّد بحرالعلوم، و الشيخ مهدي الفتوني، و الشيخ يوسف البحراني، و الآقا محمّد باقر البهبهاني بطرقهم المعروفة.

و منهم: و هو رابع من أجازني السيّد العالم العلم العلّامة، المصنّف المكثّر الفهامة، صاحب الكرامة السيّد مهدي بن السيّد حسن القزويني الحلّي النجفي، عن عمّه العالم الربّاني السيّد باقر القزويني صاحب الصندوق و الشباک و القبّة في محلّة العمارة في الغري، عن السيّد بحرالعلوم.

ح: و يروي السيّد مهدي القزويني المذكور عن السيّد الفاضل العالم الجليل السيّد محمّد تقي القزويني، عن أُستاذه السيّد الجليل السيّد محمّد صاحب «المفاتيح» بن السيّد صاحب «الرياض»، عن أبيه السيّد الميرسيّد علي بطرقه المتقدّم إليها الإشارة.

و منهم: و هو خامس من أجازني فقيه عصره، الحاج ميرزا حسين بن الميرزا خليل النجفي طاب‌ثراه، عن الشيخ العلّامة المتبحّر الآخوند محمّد تقي الگلپايگاني، عن جدّكم العلّامة الشيخ محمّد تقي صاحب «الهدايه»، عن جدّكم كاشف الغطاء.

ح: و يروى الحاج ميرزا حسين ابن‌الميرزا خليل المذكور عن خال اُمّكم، السيّد العَلَم العلّامة الأوّاه، السيّد أسد اللّه، عن أبيه السيّد حجّة‌الإسلام السيّد محمّد باقر، عن جماعة من مشايخه المذكورين في إجازاته المتقدّم إلى بعضهم الإشارة.

و بيان جميع الطرق و الأسانيد لاتسعه هذه الورقة، و قد ذكرنا شيئاً و نحيل الباقي إلى إجازاتنا المبسوطة.

فليرو ـ أدام‌اللّه تأييده‌ ـ عنىّ، عن مشايخي المذكورين، بالطرق المذكور في «لؤلؤة البحرين»، و أوّل «الأربعين» للعلّامة المجلسي، و في آخر «البحار»، عن العلّامة صاحب «البحار»، عن أبيه، عن الشيخ البهائي، عن أبيه، عن الشهيد الثاني بطرقه المثبتة في إجازته الكبيرة.

ح : و عن الشهيد الثاني، عن علي بن الشيخ عبد العالي الميسي، عن المحقق ابن المؤذّن الجزينى، عن الشيخ ضياءالدين علي، عن أبيه الشيخ شمس‌الدين الشهيد الأوّل بطرقه المثبتة في إجازته الكبيرة لابن الخازن الّتي منها: عنه، عن ضياءالدين عبداللّه بن محمّد بن علي بن محمّد الأعرج الحسيني، عن خاله العلّامة جمال‌الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر بطرقه المذكورة في إجازته لبني زهرة الكبيرة الّتي منها: عنه، عن السيّدين رضيالدين و جمال‌الدين ابني طاووس، عن الشيخ نجيب‌الدين السوراوي، عن الشيخ الحسين بن هبة اللّه بن رطبه السوراوي عن الشيخ أبيعلي، عن أبيه شيخ الطائفه قدس سره بطرقه المثبتة في «فهرست كتب الشيعة»، و في آخر «التهذيب».

ح: و بالأسانيد، عن الشيخ الطوسي جميع مصنّفات و مرويّات السيّد المرتضي، و الشيخ المفيد.

ح: و بالأسناد، عن الشيخ المفيد جميع مصنّفات و مرويّات الشيخ الصدوق ابن‌بابويه و طرقه المذكوره في آخر «الفقيه».

ح: و جميع مرويّات ابن‌قولويه.

ح: و عن المفيد، عن ابن‌قولويه جميع مرويّات ثقة‌الإسلام الكلينى.

ح: وبالأسناد عن الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن‌قولويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني بكلّ طرقه و عدده و أسانيده في جامعه المهذّب الصافي المعروف بالكافي.

فليرو ـ دام بقاه ‌ـ بكلّ هذه الطرق، و أسأله الدعاء عند مضانّة الإجابة، و أسأله الأخذ بما هو أنجى و أحوط في كلّ شيء و في كلّ حال.

فأسأل اللّه تعالى أن يحيي به الدين كما أحيا بآبائه الأكرمين.

حرّره العبد الراجي فضل ربّه ذوي المنن، ابن‌الهادي حسن، المعروف بالسيّد حسن صدرالدين في ليلة السبت رابعة عشر ذي القعده سنة 1333.

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب الصلاة:

 التّي تنهى عن الفحشاءِ و المنكر، و عمودالدين، إن قبلت قبل ما سواها، و إن ردّت ردّ ما سواها.

 و فيه مقاصد:

المقصَدُ الأوّل

 في المقدّمات، و هي سّت:

المقدّمة الاُولى:

 

  في أعداد الفرايض، و مواقيت اليوميّة منها، و نوافلها، و جملة من أحكامها.

و فيها مباحث:

المبحث الأوّل:

الصلاة واجبة و مندوبة، والواجبة الآن خمسة

 

 اليوميّة، و تدخل فيها الجمعة، و الآيات، و الطواف الواجب، و ما التزم بنذر أو إجارة أو غيرهما، و صلاة الأموات.

و اليوميّة خمس فرائض: صبح ركعتان، و مغرب ثلاثة، و ظهر و عصر و عشاء، كلّ منها أربع ركعات للحاضر الآمن، و للمسافر و الخائف ركعتان، كما أنّ مَن صلّى الجمعة ركعتين أجزأته عن الظهر.

و الوسطى منها ـ التّي اُمرنا بالمحافظة ـ عليها الظّهر على الأصحّ.

و أمّا المندوبة فهي أكثر من أن تُحصى، منها: الرواتب اليوميّه الّتي هي في غير يوم الجمعة أربع و ثلاثون ركعة: ثمان قبل الظهر، و ثمان قبل العصر، و أربع بعد المغرب، و ركعتان من جلوس ]و يجوز فيهما القيام، بل هو الأفضل، و إن كان الجلوس أحوط. (السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي)[ بعد العشاء، يعدّان بركعة، تسمّى بالوتيرة، و ركعتا الفجر.

وإحدى عشر صلاة الليل: ثمان ركعات، ثم ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر، و هي مع الشفع أفضل صلاة الليل، و لكن ركعتا الفجر أفضل منهما.

و يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر منها، بل على الوتر خاصّة، و لها آداب كثيرة مذكورة في محالّها.

و على كلّ حال فقد ظهرلک أنّ النوافل مع الفرائض للحاضر إحدى و خمسون ركعة.

و تسقط عمّن فرضه القصر ثمانية الظهر، و ثمانية العصر، و الوتيرة على الأقوى. ]في أقوائيّته إشكال، و الأولى الإتيان بها رجاء. (الشيخ محمّد كاظم الخراساني)[.

و أمّا يوم الجمعة فيزاد على الستّة عشر أربع ركعات، و يأتي التعرّض لغيرها ان شاءاللّه تعالى.

والأقوى ثبوت الغفيلة ]فيه إشكال إلّا أن يجعلهما من نافلة المغرب. (الشيخ‌الأنصاري) أو يأتي بها رجاء، و كذا الحال في صلاة الوصيّة. (الخراساني) و الأولى أنيأتي بالركعتين من نافلة المغرب بهذه الصورة، و بركعتين منها بالصورة الّتي تأتي في صلاة الوصيّة، من غير تعرّض لكونها غفيلة و وصيّة، بليقصد بها نافلة المغرب، و يحتمل أن يكون مراده؛ ذلک أيضاً و إن لم يساعده ظاهر العبارة. (الميرزا الشيرازي)[، و هي ركعتان بين العشائين، و يستحبّ قراءة (و ذالنّون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانک إنّي كنتُ من الظّالمين فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلک ننجي المؤمنين) بعد الحمد في اُوليهما، و (و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو و يعلم ما في البرّ و البحر و ما تسقط رقة إلّا يعلمها و لاحبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين) بعده أيضاً في ثانيتهما.

و الوصيّة ]حكمها حكم مطلق النافلة الغير الراتبة في وقت الفريضة، و ستعرف الإشكال فيها، إلّا أن يجعلها من نافلة المغرب، كما عرفت في الغفيلة.(الشيخ الأنصاري)[، و هي ركعتان بينهما أيضاً، يقرأ في اُوليهما (إذا زلزلت الأرض زلزالها) ثلاثة عشر مرّة بعد الحمد، و فيالثانية التوحيد، خمس عشر مّرة، بعدها أيضاً.

لكن مع أنّ الاحتياط يقتضي عدم فعلهما ]بل فعلهما رجاء. (الخراساني[ ليستا من الرواتب التّي هي عند الأولياء كالواجب.

المبحث الثاني:

في مواقيتها

يدخل وقت الظهر بزوال الشمس، فإذا مضى منه مقدار أدائها اشترک معها العصر، إلى أن يبقى من المغرب مقدار أدائه، فيختصّ حينئذٍ هو به أيضاً.

ثمّ يدخل وقت المغرب، فإذا مضى منه مقدار أدائه اشترک معه العشاء، إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أربع ركعات، فيختصّ هو به أيضاً و يخرج حينئذٍ وقت المختار.

و أمّا المضطرّ لنوم، أو نسيان، أو حيض، أو غيرها من أحوال الاضطرار ]بل و كذا في العامد، و إن كان آثماً في التأخير. (السيّد اليزدي)[ فالأظهر ]الأظهريّة في غير المضطرّ لإحدى الأحوال الثلاث محلّ تأمّل، فالأحوط له عدم التعرّض في النيّة للأداء و القضاء. (الخراساني) [بقاء الوقت له إلى طلوُع الفجر، و أ نّه يختصّ العشاء من آخره بالأربع أيضاً، بخلاف المغرب من أوّله على الأقوى.

و الأولى عدم التعرّض في النيّة للأدا و القضاء، بل الأولى ذلک حتى في العامد.

ثمّ يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق الّذي كلّما زدته نظراً أصدقک بزيادة حسنه المستطير في الاُفق أي المعترض المنتشر فيه كالقُبطيّة البيضاء، و كنهر سورى، لاالكاذب المستطيل في السماء المتصاعد فيها الّذي يشابه ذنب السرحان على سواد يتراءي من خلاله و أسفله، و لايزال يضعف حتى ينمحي أثره، و يمتدّ وقته إلى طلوع الشمس في اُفق ذلک المصلّي.

و المراد بالإختصاص عدم صحّة خصوص الشريكة فيه، مع عدم أداء صاحبة الوقت مطلقاً، من غير فرق بين السهو ]الأقوى صحّة الشريكة مع السهو. (السيّداليزدي) [و عدمه، و القضاء و عدمه.

أمّا صلاة غير الشريكة فيه قضاء ]فيه إشكال. (الشيخ‌الأنصاري) أقواه ما في المتن. (الخراساني) [مثلاً، أو صلاة الشريكة فيه أداء بعد فرض أداء صاحبته بوجه صحيح فالظاهر الصحّة، ]و إن كان الأحوط عدم التعرّض فيها للقضاء و الأداء. (الشيخ الأنصاري ـ السيّد اليزدي) [كما يصحّ مزاحمة الشريكة للاُخرى، إذا فرض بقاء ركعة من الوقت، فتصلّي حينئذٍ و إن وقع جملة منها في وقت الاختصاص، فلو بقي من الغروب خمس ركعات، أو من نصف الليل صلّى الظهرين و العشائين، و لايصلّي المغرب لو لم يبق إلّا مقدار أربع ركعات.

و يعلم الزوال بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب معتدلاً في الأرض المعتدلة بعد نقصانه، أو حدوثه بعد إنعدامه.

و المغرب بذهاب الحمرة المشرقيّة على الأصحّ، بل يقوى اعتبار ذهابها إلى أن تتجاوز سمت الرأس، بل الأحوط مراعات ذهابها من تمام المشرق الّذي هو ربع الفلک.

و ليس لنصف الليل حدّ في الشرع معلوم، و لكن يعرف بالنجوم و غيرها، نعم منتهاه طلوع الفجر الصادق، لاالشمس، ]محلّ تأمّل. (السيّد اليزدي) [نعم لو أوجب التطوّع عليه بسبب من الأسباب كالنذر و نحوه خلص ]لايخلص بذلک من الأشكال و إن أطلق النذر. (الخراساني)[ من الإشكال عن أصله، و لكن ينبغي الإطلاق في النذر و إن كان وقع منه في وقت الفريضة، أمّا لو قيّده في وقتها فإشكال، أقواه عدم الجواز بناء على الحرمة.

المبحث الثالث:

في الأحكام.

 

إذا حصل للمكلّف أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة كالجنون، و الحيض، و الإغماء و قد مضى من الوقت مقدار فعل تمام صلاة المختار له ]يعني ما وجب عليه بحسب تكليفه الفعلي من حيث المرض و الصّحة، و التيممّ و الوضوء و الغسل، و نحو ذلک.(السيّد اليزدي) [بحسب حاله في ذلک الوقت ـ من الحضر و السفر و غيرهماـ وجب عليه القضاء، و إلّا لم يجب عليه على الأصحّ، من غير فرق بين التمكّن من الأكثر و عدمه، و بين التمكّن من الطهارة خاصّة دون باقي الشرائط و عدمه. ]الأحوط * القضاء مع كونه متطهّراً جامعاً للشرائط عند الزوال، و طروّ العذر بعد مضيّ مقدار فعله الواجب في حقّه، سواء كان صلاةالمختار أو غيرها. (الشيخ الأنصاري ـ السيّداليزدي)* بل الأقوى. (الخراساني) .[

 و لو ارتفع العذر و قد أدرک مقدار ركعة كذلک وجب، و يكون مؤدّياً لاقاضياً و لاملفّقاً، و إلّا لم يجب على الأقوى، من غير فرق بين الفرائض، و لا بين الطهارة و غيرها من الشرائط. ]لو أدرک الطهارة دون سائر الشرائط، بل الطهارة الترابيّة فلا ينبغي ترک الاحتياط. (الشيخ الأنصاري ـ السيّد اليزدي) .[

و المراد بالركعة في كلّ مقام علّق الحكم عليها القيام المشتمل على القرائة و الركوع و السجود كمّلاً، فتنتهي حينئذٍ برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصحّ. ]الاكتفاء هنا بإتمام الذكر في السجدة الأخيرة لايخلو عن قوّة. (الشيخ الأنصاري ـ السيّد اليزدي)بل لايخلو الاكتفاء بمجرّد السجود بها عن وجه، و إن كان الأحوط عدم التعرّض للأداء و لا للقضاء إذا لم يدرک الذكر، بل ولو أدرک.(الخراساني) .[

و يعتبر العلم لغير ذوي الأعذار بالوقت في الدخول بالصلاة، والأقوى الا كتفاء بالبيّنة، بل و خبر العدل ]في خبر العدل إشكال، نعم الاكتفاء بأذان العدل العارف لايخلو عن قوّة. (السيّد اليزدي)[، لكنّ الأحوط خلافها. ]بل الأقوى عدم الاكتفاء بالعدل الواحد. (الشيخ الأنصاري) [و لايكفي الأذان و إن كان من عدل عارف، و لاغيره من الأمارات، نعم يكفي الظنّ من أين ما حصل لذوي العذر بعمى أو حبس أو نحوهما، و في الغيم و نحوه، مع أنّ الأفضل، و الأحوط ]هذا الاحتياط لايترک. (السيّد اليزدي) .[التأخير حتّى يعلم.

و لو انكشف الخطأ حتّى بأن له سبق الصلاة تماماً على الوقت استأنف.

و إن كان قد انكشف له الخطأ، و قد دخل عليه الوقت الّذي تصحّ فيه الصلاة المتلبّس بها و هو في اثنائها و لو التسليم لم يعد على الأقوى.

و الشكّ في الدخول، بل و الظنّ به كالعلم بالعدم في وجوب الاستيناف.

و متعمّد التقديم و لو لجهل بالحكم يستأنف على كلّ حال، و كذلک الناسي و الظانّ بدخول الوقت مع عدم اعتبار ظنّه، أمّا لو كان قاطعاً فكالمعذور بظنّه في التفصيل السابق.

ولو دخل في الصلاة غافلاً عن المراعات، و لم يتفطّن إلى الفراغ، و قد صادف تمام فعله الوقت صحّت صلاته على الأقوى، و الأحوط الإعادة و كذلک الجاهل بالحكم إذا كان بحيث تقع منه نيّة القربة.

و لوتفطّن الغافل المزبور في الأثناء، و لم يتبيّن له الوقت إستأنف، و الأحوط له إتمام ما في يده، ثمّ الإعادة.

و يجب الترتيب بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء، فمن تركه عمداً و لو جهلاً بالحكم أعاد ما قدّمه.

أمّا الساهي فلايعيد إذا كان قد وقع في الوقت ]الأقوى أنّه لافرق في الصحّة بين الإتيان في الوقت المشترک و المختص، و حينئذٍ فإن تذكّر في الأثناء عدل، و إن تذكّر بعد الفراغ ففيؤأالظهرين يعدل أيضاً على الأقوى، و إن كان الأحوط أن ينوي ما في الذمّة في الصلاة الثانية، و في العشائين صحّ ما أتى به فيأتي بالمغرببعد ذلک. (السيّداليزدي) .[المشترک، و لو ذكر في الأثناء عدل بنيّته و إن كان ما وقع منه في وقت الاختصاص في وجه، إلّا أنّ الأحوط إن لم‌يكن أقوى الإعادة بعد الاتمام، وإنّما يصحّ له العدول إذا لم يتجاوز محلّه، بأن يكون قد ركع في رابعة العشاء مثلاً، و المنسيّ المغرب.

و لاعدول بعد الفراغ في متساوي ]الأقوى جوازه في المتساوي كما أشرنا إليه، و إن كان الأحوط ما ذكرناه من قصد ما في الذمّة فى الصورة الثانية. (السيّد اليزدي) .[العدد، فضلاً عن غيره، و كذلک الحكم في ما يجب فيه الترتيب من الفوائت.

أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة فغير واجب ]في نفي الوجوب تأمّل، فلا ينبغي ترک الاحتياط. (الشيخ الأنصاري)[، نعم هو جائز، بل مستحبّ.

و الأفضل له صلاة كلّ فريضة في أوّل وقت فضيلتها، إلّا عصري الجمعة و عرفة، فيعجّلهما فيهما بعد الظهر، و عشائي مَن أفاض من عرفات، فيؤخّرهما إلى المزدلفة، و لو إلى ربع الليل، بل و لو إلى ثلثه.

و من خشي الحرّ يؤخّر الظهر إلى المثل ليتبرّد بها.

و من لم‌يكن له إقبال يؤخّر الفرض إلى حصوله، لكن لاينبغي أن يتّخذ ذلک عادة.

و من كان منتظراً للجماعة يؤخّرها إلى حصولها، إذا لم يقتض ذلک الإفراط في التأخير بحيث يكون مضيّعاً للصلاة.

و الصائم الّذي تتوق نفسه إلى الافطار يؤخّرها إلى ما بعده، و كذا من كان له أحد ينتظره.

و المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر و المغرب إذا أرادت جمعهما مع العصر و العشاء بغسل واحد.

و المرّبية للصبيّ تؤخّر الظهرين إلى آخر الوقت، لتجمعهما مع العشائين بغسل واحد للثوب.

و يؤخّر أيضاً ذوواالأعذار، و لو لغيم و نحوه، مع رجاء زوال العذر في آخر الوقت.

و مدافع الأخبثين، بل كلّ ممنوع بنحو ذلک.

و المتنفّل يؤخّر الفرض للنافلة، و المسافر المستوفر، و من كان عليه قضاء يؤخّر إلى حصول الضيق.

و لايجب التأخير في شيء من ذلک على الأصحّ. ]وجوب التأخير على ذوي الأعذار مع رجاء زوال العذر لايخلو عن قوّة. (الشيخ الأنصاري)وجوب التأخير في ذوي الأعذار، مع عدم اليأس من الزوال لايخلو عن قوّة، نعم يجوز البدار في التيممّ و لو مع الرجاء. (السيّد اليزدي)[

و يكره الشروع ]في الحكم بالكراهة في المواضع المذكورة إشكال، بل الأقوى عدمها. (السيّد اليزدي)[ في النّوافل المبتدأة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند قيامها، و بعد صلاة الصبح، و بعد صلاة العصر، دون ذوات الأسباب كالزيارة، و الطواف، والحاجة، و نحوها، و دون إتمام المبتدأة لو كان متلبّساً بها، و دخل وقت الكراهيّه. و اللّه أعلم.

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد للّه و الصلاة على محمّد و آله

كتاب الصلاة

 

(الّتي تنهى) مَن أتى بها بجميع حدودها (عن) جميع أقسام (الفحشاء و المنكر) ]إشارة إلى الآية 44 من سورة العنكبوت.[ فما يشاهد مِن ارتكاب كثير من‌المصلّين لهما فإنّما هو لعدم إقامتها بحدودها الّتي ورد في بعض النصوص أنّها أربعة آلاف. ]تهذيب ‌الأحكام 2: 258، ح 956؛ و الفقيه 1: 195، ح 599[.

أو أنّ في الصلاة اقتضاء المنع عنهما، فيترتّب الأثر عليها إذا لم تزاحمها الأفعال الّتي خاصيّتها البعث عليهما من غير قسمي الفحشاء و المنكر، أو المتقدّم منهما وجوداً على الصلاة، لئلّا يلزم المحال.

أو يلتزم بعدم منعها لجميع أقسامهما، و يمنع الوجدان عن ارتكاب بعض المصلّين جميع أقسام الفحشاء و المنكر.

و الوجه الأوّل أحسن، و في النصوص مايدلّ عليه تلويحاً، بل تصريحاً.

و ما يقال من أنّ المراد أنّ المصلّي لايتمكّن حال اشتغاله بالصلاة الصحيحة من فعلهما، فيه ـ مع البُعد ـ من السماجة و الفساد ما لايخفى، فإنّ الآية الشريفة واردة في مدح الصلاة و بيان فضلها قطعاً، و على هذا لايبقى لها مزيّة على فعل من الأفعال حتّى الكبائر، فإنّ من اشتغل بأحدها لم يتمكّن من سائر أضدادها المحرّمة.

و أيضاً إن قنع هذا المجيب بمنعها ولو عن بعض أقسام الفحشاء و المنكر فالإشكال مندفع بنفسه من غير احتياج إلى هذا الجواب، لما عرفت من عدم قيام الوجدان على ارتكاب المصلّين جميع أقسامهما.

و إن أراد عدم تمكّن المصلّي من جميع أقسامهما فظاهر الفساد، فإنّ المصلّي يتمكّن حال الصلاة من النظر إلى الأجنبيّة، و لطم اليتيم، و سرقة ما يقرب منه من الأموال، و نحو ذلک.

(و) هي (عمودالدين) بمعنى أنّها (إن قبلت قبل ما سواها) من الأعمال الصالحة الواجدة لشرائط الصحّة، و إن كانت فاقدة لشرائط القبول (و إن ردّت)لعدم اجتماع شرائط الصحّة و القبول معاً فيها (ردّ ماسواها) و إن كانت واجدة لشرائطهما.

و هذا هو الوجه في تشبيهها بالعمود، فكأنّ الأعمال الصالحة خباء، رفعُها قبولُها، و تقويضُها ردُّها، و هما منوطان بها إناطة بناء البيت و تقويضه بالعمود.

ثمّ إنّ قبول صلاة واحدة سبب لقبول جميع الأعمال، لا لأنّ المراد بها الطبيعة و هي صادقة بصدق فرد منها، لعدم إرادة مثل ذلک في الجملة الثانية المتّحدة في السياق معها، للزوم التهافت بين‌الجملتين في ما لو قبلت صلاة و ردّت اُخرى، مع منافاته لفضل اللّه الّذي تجري معاملة العباد عليه، بل لأنّ قبول صلاة واحدة يوجب قبول بقيّة الصلوات كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر علیه‌السلام المروي في الكافي ]الكافي 3: 269[،  و قبول جميعها يوجب قبول بقيّة الأعمال.

فظهر أنّ ردّ جميع الصلوات موجب لردّ جميع الأعمال، لافرد منها، و اندفع استبعاد كون ردّ صلاة واحدة في جميع العمر موجباً لعدم قبول جميع أعمال الحسنة في جميع العمر أيضاً، من غير احتياج إلى تخصيص الأعمال بالنوافل، أوالتقييد بأعمال اليوم الّذي ردّت صلاته، و نحو ذلک.

ثمّ إنّه ورد في عدّة من النصوص ما يستفاد منه أنّ قبول كثير من الصلوات موقوف

على النوافل، و ردّ بما يخصّص الأعمال بغير النوافل حذراً من لزوم الدور، و لاوجه لهذا التخصيص، و الدور يمكن دفعه بأن تكون النوافل في مرتبة صحّتها موجبة لقبول الفريضة، و قبول الفريضة موجباً لقبـول النافـلة، فـلا دور.

ثمّ إنّ الجملة الاُولى وردت بلفظها في رواية أبي بصير عن أبي جعفر علیه‌السلام المرويّة في الكتابين ]الكافي 3: 268؛ تهذيب الأحكام 2: 255، ح 946[ و لكنّها خالية عن الجملة الثانية، و لكن مع كون ذلک لازم التشبيه المتقدّم، يستفاد مضمونها من بعض الروايات، كقوله علیه‌السلام: «]مثل[ الصلاة مثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب و الأوتاد و ]الغشاء و[ إذا انكسر ]العمود[ لم ينفع طنب و لاوتد ولاغشاء» . ]وسائل ‌الشيعة 4: 33 الباب (8) من أبواب أعداد الفرائض، ح 6[.

 

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل:

في المقدّمات، و هي سّت

المقدمة الاُولى:

في أعداد الفرائض و مواقيت اليوميّة منها

 

و قوله: (و نوافلها) صالح للعطف على كلّ من الجملتين السابقتين، و قوله: (و جملة من أحكامها) يعنى أحكام المواقيت، أو أحكام الصلاة من حيث المواقيت، و الأوّل أظهر، و الثاني أنسب بسوق الكلام.

و فيها مباحث:

المبحث الأوّل:

 

(الصلاة) تنقسم ابتداءً إلى (واجبة و مندوبة) و ذلک مع قطع النظر عن الخصوصيّات العارضة لها، و إلّا فقد تعرض لها الحرمة و الكراهة بمعناهما المصطلح، أو بمعنى آخر كما مرّت الإشارة إليه في كتاب الطهارة.

(و الواجبة) منها (الآن) أي في زمان الغيبة (خمسة) كذا في النسخ، و الصواب: خمس صلوات: (اليوميّة، و تدخل فيها الجمعة) لكونها بدلاً عن الظهر، بناء على وجوبها و لو تخييراً (والآيات، و الطواف الواجب، و ما التزم به) المكلّف (بنذر أو إجارة أو غير هما) كالعهد و اليمين، و ما أمربه الوالد، بناء على أنّه يجب بذلک، و (صلاة الأموات) بناء على كونها من الصلاة بالمعنى المصطلح.

و هذا التقسيم غير حسن و لامستقيم، و المختار عنده في كتابه‌الكبير عدّها أربعة ]قال في الجواهر: بل قد يقال: ينبغي عدّها حينئذٍ خمسة بإدراج الجمعة في اليوميّة، بل أربعة اقتصاراً على الفرائض الأصليّة. جواهر الكلام 7: 11[ و لافائدة في إطالة الكلام في ما يرد على مختاره في الكتابين طرداً و عكساً بعد وضوح المراد، و لكن لابدّ من إدراج صلاة الاحتياط الواجبة في الاُولى ـ بتقريبٍ لايخفى على المتأمّل ـ إن أمكن، أو عدّها مستقلّاً و جعل الأقسام ستّة.

و اختار الماتن في كتابه‌الكبير إدراجها في الرابعة، و قال: «لأنّ الشكّ أيضاً من الملزمات». ]جواهر الكلام 7: 11[ فتأمّل فيه، فإنّه من غريب الكلام.

(و اليوميّة) الواجبة منحصرة عندنا في (خمس فرائض) و لا واجب سوى الفرائض عندنا، خلافاً لأبي حنيفة فإنّه يرى الفريضة خمساً و يقول بوجوب الوتر.

و لايرد عليه ما قال له حمّادبن زيد: كم الفرائض؟ قال: خمس، وعدّها. فقال حمّاد: و الوتر؟ قال: واجب. قال حمّاد: لاأدري الخطأ في الإجمال أو التفصيل؟

قال الفاضل فى المنتهى: و الإنصاف أنّ هذا الاستهزاء غير لائق بأبي حنيفة. ]قال محقّق كتاب مفتاح الكرامة: ليست هذه العبارة موجودة في المنتهى المطبوع جديداً، و لا في المطبوع قديماً، إلّا أن في المطبوع قديماً مايدلّ على سقوطها عن الطبع أو عن قلم الناسخ، فإنّه بعد أن حكى عنه العبارة «قال حمّاد بن زيد ـ إلى قوله: ـ أو في التفضيل» قال: «و هذه»، ثمّ شرع في مسألة اُخرى. وهذه قرينة على سقوط عبارة: «و هذه السخرية غير لائقة بأبـي حنيفة». مفـتاح الكـرامـة 5: 15.[

  و صدق في ذلک، فإنّ أباحنيفة يرى الفريضة ما ثبت بالدليل القطعي، و لم‌تثبت به سوى هذه الخمس، و الوتر واجب عنده بالدليل الاجتهادي، فلا منافاة بين عدّه الفريضة خمساً و قوله بوجوب الوتر، فإنّه مبنيّ على الاصطلاح الّذي لامشاحة فيه.

و بعض شرّاح هذا الكتاب ردّ على الفاضل في ذلک، و صوّب إشكال حمّاد، غفلة عن حقيقة الحال.

(صبح ركعتان، و مغرب ثلاثة) لكلّ المكلّفين، و العبارة سمجة كما لايخفى.

(و ظهر و عصر و عشاء، كلّ منها أربع ركعات للحاظر الآمن، و للمسافر و الخائف ركعتان).

و قوله: (كما أنّ مَن صلّى الجمعة ركعتين أجزأته عن الظهر) واضح، و إن كان ارتباطه بالمقام لايخلو عن خفاء، و لو بنى على التكلّف فبيانه سهل.

(و) الصلاة (الوسطى منها التّي اُمرنا بالمحافظة عليها) زيادة على غيرها في قوله تعالى: (حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ وَ الصّلوة الْوُسْطى) ]البقره: 238.[

هي (الظهر على الأصحّ) المشهور بين الأصحاب، و الروايات الدالّة عليه مستفيضة، و لا إشكال فيه، و إن نقل عن السيّد أنّها العصر ]جواهر الكلام 7: 13.[ و لكن مستنده في غاية الضعف.

و الوجه في تسميتها بذلک، كونها وسطى بين صلاتي النهار، و كون وقتها وسط النهار، و صرّح بذلک في عدّة من الروايات، فلا حاجة مع ذلک إلى ما تكلّفه في كتابه الكبير من كونها بين نافلتين متساويتين. ]جواهر الكلام 7: 13.[

ثمّ إنّه نقل فيه أيضاً في عداد أقوال العامّة عن بعض الزيدّية أنّها الجمعة في يومها، و الظهر في سائر الأيّام، و حكم على الجميع بكونه اعتباراً و إستحساناً و تهجّساً لايجوز أن يكون مستنداً لحكم شرعي . ]جواهر الكلام 7: 14.[

و هو خطأ، بل القول بذلک متعيّن، للتصريح بذلک في غير واحد من الروايات، مضافاً إلى أنّ لازم كونها الظهر مطلقاً أن لايكون حيث يتعيّن صلاة الجمعة صلاة وسطى فيها، و هو بعيد جدّاً.

و بالجملة، فالّذي يستفاد من تلک الروايات مع ما ورد في وجه الاهتمام بها أنّ الوسطى اسم لكلّ فريضة تصلّى وسط النهار، ظهراً كانت أو جمعة، و يساعده الاعتبار.

(و أمّا) الصلوات (المندوبة فهي) كثيرة، و قوله: (أكثر من أن تحصى) فيه مبالغة مردودة.

(منها: الرواتب اليوميّة الّتي هي) أهمّها و أفضلها، و هي في مجموع اليوم و الليلة (في غير يوم الجمعة) ضعف الفرائض، أي (أربع و ثلاثون ركعة) موزّعة على الأوقات : (ثمان) بعد الزوال و (قبل) صلاة (الظهر، و ثمان قبل) صلاة (العصر) و بعد الظهر إلى دون الذراعين، على مختار الماتن، و يأتي تحقيقه قريباً، إن شاء اللّه (و أربع بعد) صلاة (المغرب) إلّا ليلة المزدلفة لمن كان فيها، فإنّها تؤخّر إلى بعد العشاء (و ركعتان) تصلّيان (من جلوس) متورّكاً، أو متربّعاً (بعد العشاء) و هما (تعدّان بركعة) في الفضل، أو عند عدّ ركعات النوافل، و هذه الصلاة (تسمّى بالوتيرة) لكونها بدلاً عن الوتر لمن لم يفعلها، مع نقصانها عنه في الفضل، بل و في المقدار، بناء على كون الوتر إسماً للركعات الثلاث كما ستعرف، إن شاء اللّه.

(و ركعتا الفجر) المسمّيتان بالدساستين و المشهورتين (وإحدى عشر) ركعة، مجموعها (صلاة الليل) أو خصوص (ثمان ركعات) منها هي صلاة الليل (ثمّ ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر) بل الثلاثة وتر، و الأخيرة تعرف بمفردة الوتر، على الاصطلاح الشائع في الأخبار، و في مفتاح الكرامة: إنّه تفوق أربعين خبراً.  ]مفتاح الکرامة 5: 29.[

و الماتن في كتابه الكبير اعترف بكونه هو الشائع، و ذكر أنّ جملة الأخبار الدالّة على ذلک خمسون خبراً أو أكثر ]جواهر الکلام 7: 61[، فكان عليه أن يعبّر به هنا.

و ما ذكره من عدد النوافل هو المشهور، بل المسلّم عند الأصحاب، و الروايات الدالّة على ذلک مستفيضة، و لاإشكال في ذلک، و ورد في بعض الروايات أقلّ من ذلک، و لكنّه محمول على تأكّد الاستحباب، كما يشهد له التعبير في بعضها بأنّه الّذي يستحبّ أن لايقصر عنه ]وسائل‌ الشيعة 4: 59، الباب (14) من أبواب أعداد الفرائض، ح 2[، و يظهر من بعضها الرخصة في ترک الزائد لذوي الأعذار، كالرواية الّتي موردها التاجر الّذي يختلف و يتّجر. ]وسائل ‌الشيعة 4: 59، الباب (14) من أبواب أعداد الفرائض، ح 1.[

نعم، ورد في غير واحد منها عدم صلاة النبي صلی الله علیه و آله الوتيرة، و ورد الوجه في ذلک، و هو أنّ تشريعها لمّا كان لأجل أن يكون بدلاً عن الوتر لومات قبل أن يصلّيها، و رسول اللّه صلی الله علیه و آله حيث كان يأتيه الوحي يعلم أنّه يموت أم لا، و غيره لايعلم، و لأجل ذلک لم يصلّهما و أمر بهما. ]وسائل ‌الشيعة 4: 97، الباب (30) من أبواب أعداد الفرائض، ح 8.[

هذا، و الوجه في ما ذكره من الجلوس في الوتيرة ظاهر، لوقوع التصريح به في أكثر النصوص.

و للسيّد الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ ]هو العلّامة الفقيه السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدى قدّس سرّه.[ حاشية في المقام، و هي قوله: «و يجوز فيهما القيام، بل هو الأفضل على الأقوى».

و الوجه في الجواز ما في رواية الحارث بن المغيرة من قول الصادق علیه­السلام: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان يصلّيهما أبي و هو قاعد، و أنا اُصلّيهما و أنا قائم». ]وسائل ‌الشيعة 4: 48 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 9.[

و ما في رواية سليمان بن خالد من قوله علیه­السلام: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة، يقرأ فيهما مائة آية قاعداً أو قائماً، و القيام أفضل، و لاتعدّ هما من الخمسين». ]وسائل ‌الشيعة 4: 51 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 16.[

و من الثانية يظهر وجه الأفضليّة المذكورة، بل و من الاُولى أيضاً، إذ لاينافي ذلک مواظبة أبيه علیه­السلام على الجلوس فيهما، إذ الظاهر أنّه كان لمشقّة القيام عليه كما في خبر سدير مذ قال لأبي جعفر علیه­السلام: «أتصلّي النوافل و أنت قاعد؟ قال: «ما اُصلّيها إلّا و أنا قاعد منذ حملت هذا اللحم، و بلغت هذا السنّ». ]وسائل ‌الشيعة 5: 491 الباب (4) من أبواب القيام، ح 1.[

و مع ذلک كلّه فلا ريب أنّ الجلوس فيهما أحوط، و إن كان القيام أفضل، كما ذكره ـ دام ظلّه ـ للاقتصار عليه في أكثر النصوص مع كونها في مقام البيان، و عدم خصوصيّة للوتيرة حينئذٍ، إذ جواز الجلوس في جميع النوافل ثابت لاينازع فيه أحد سوى الحلّي ]كتاب السرائر 1: 309 قال: و الأولى عندي ترک العمل بهذه الرواية، لأ نّها مخالفة لاُصول المذهب، لأنّ الصلاة لاتجوز مع الاختيارجالساً إلّا ما خرج بالدليل و الإجماع، سواء كانت نافلة أو فريضة إلّا الوتيرة[، فلا يبقى وجه صالح لتخصيص الوتيرة بهذا التقييد، على أنّ الرواية الثانية غير صريحة في كون الركعتين فيها هما الوتيرة، إذ من المحتمل استحباب غيرها بعد العشاء.

و قد ورد في صحيح آخر أنّ أبا عبداللّه علیه­السلام كان يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية، و لايحتسبهما، و ركعتين و هو جالس يقرء فيهما بالتوحيد و الجحد. و لكن في آخره ما يشعر بكون الاُولى هي الوتيرة، فليراجع. ]وسائل ‌الشيعة 4: 253 الباب (44) من ابواب المواقيت، ح  15.[

ثمّ إنّ البحث عن أفضليّة بعض هذه النوافل على بعض ممّا لايترتّب عليه ثمرة مهمّة، إذ أكثرها ممّا لايقع التزاحم بينها غالباً، مع صعوبة الجزم بالتفضيل فيها، لقصور الأدلّة، و اختلاف كلمات الأصحاب.

و قد قال الماتن في كتابه الكبير: «و الأولى ترک البحث عن ذلک، إذ النصوص في فضل كلّ منها وافية، ولكلٍّ خصوصيّة لاتدرک بغيرها». ]جواهر الكلام 7: 23.[

و يا حبّذا ما ذكره لو جرى على ذلک في هذا الكتاب، و لم يقل في الرسالة الموضوعة لأن يذكر فيها خصوص ما يحتاج إليه المقلّد في مقام العمل: (هي مع الشفع أفضل صلاة الليل).

و لعلّه خصّ ذلک بين النوافل بالذكر لوقوع المزاحمة بينها و بين صلاة الليل عند ضيق الوقت. و لكنّ النصّ قد دلّ على تقديم الوتر على صلاة الليل كذلک، و تقديم مفردتها على شفعها، و هو كافٍ في المقام، للأفضليّة كانت أو غيرها.

و هذا الاعتذار لايجري في قوله: (و لكن ركعتا الفجر أفضل منهما) إلّا بتكلّف، على أنّه مخالف لما استجوده في كتابه الكبير من أفضليّة صلاة الليل من غيرها ]جواهر الكلام 7: 24[، إلّا أن يكون مبنيّاً على دخولهما في صلاة الليل.

و (يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر منها) بل إذا صلّاها مع ركعتي الفجر تكتب له صلاة الليل؛ كما في خبر معاوية بن وهب عن الصادق علیه­السلام. ]وسائل‌الشيعة 4: 258 الباب (46) من أبواب المواقيت، ح 3 .[

(بل على) مفردة (الوتر خاصّة) لقوله علیه­السلام: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة، إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ الوتر، لأنّه واحد».

و لكنّ الرواية عامية، رواها في العلل عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله ]وسائل ‌الشيعة 4: 260 الباب (46) من أبواب المواقيت، ح 11[، إلّا أن يجرى دليل التسامح، و فيه تسامح، و يظهر من صدرها كون الرواية مسوقة لبيان حكمٍ آخر غيرالمقام، على أنّها مختصّة بخوف ضيق الوقت، فلا تدلّ على الإطلاق الّذي ذكره.

و لايحضرني رواية سواها تدلّ على ما ادّعاه، فهو مشكل، إلّا أن يدّعى أنّ كلّاً من الشفع و الوتر نافلة مستقلّة، ولكلّ منهما عنوان مستقلّ، و ليس لمجموعهما عنوان ثالث، أو أنّ المجموع أيضاً عبادة اُخرى، إذ لامانع من تركّب عبادة من عبادتين، و هذا و إن كان ممكناً و لكن إثبات ذلک لايخلو عن صعوبة.

و شيخنا الفقيه قدس سره ]هو الفقيه المحقّق الحاج آقا رضا الهمدانى صاحب مصباح الفقيه [حاول ذلک بما في رواية الأعمش، حيث قال فيها عند تعداد الركعات المسنونة: «و ثمان ركعات في السحر، و هي صلاة الليل، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة» ]وسائل ‌الشيعة 4: 57 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 25[، و بما في رواية الفضل بن شاذان، قال: فإنّ سوقهما يشهد بأنّ الأعداد المفصّلة كلّها نوافل مستقلّة. ]وسائل ‌الشيعة 4: 57 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 25 [و الظاهر أنّه يريد بها المرويّة في العلل عن الفضل، عن الرضا علیه­السلام و فيها: «و ثمان ركعات في السحر، و الشفع و الوتر ثلاث ركعات، تسلّم بعد الركعتين و ركعتا الفجر». ]وسائل ‌الشيعة 4: 55 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 23 .[

و في استفادة المقصود من هاتين الروايتين و ما ضارعهما نظر واضح، إذ لاوجه لها إلّا عدّ كلّ منها مستقلّاً، و هذا لايدلّ على الاستقلال، بل هكذا تعدّ أجزاء العبادة الواحدة.

ثمّ أيّد ذلک بما تقدّم من قيام الوتيرة مقام الوتر، مدّعياً أنّ الوتر الّذي تقوم الركعتان مقامه ليس إلّا الركعة الأخيرة، لاالثلاث ركعات، لأنّ الركعتين من جلوس لاتقومان مقام ثلاث ركعات ]من قيام[ ،] مصباح ‌الفقيه 9: 34[، انتهى.

و حكمه بعدم قيام الركعتين مقام الثلاث لم يظهر لي وجهه، و غاية ما ثبت من النصوص الدالّة على جواز الجلوس في النوافل و غيرها قيام الركعتين من جلوس مقام الواحدة، لاعدم قيامهما مقام الثلاثة كما في المقام.

على أنّ البدليّة في المقام قيام عبادة مقام عبادة اُخرى في الفضل و نحوه، بخلاف غيره.

على أنّه لو سلّم جميع ذلک، فلا يلزم من كون الوتيرة بدلاً عن مفرد الوتر كونها مستقلّة في الطلب، إذ من الممكن كون عمدة الفضل لها والركعتان قبلها بمنزلة الشرط لصحّتها، لاعتبار وقوعها بعدهما.

و الماتن في كتابه‌الكبير زاد على ما ذكره هنا جواز الاقتصار على ماشاء من أبعاض صلاة الليل تبعاً لصاحب المصابيح. و استدلّ على ذلک بالأصل، و تحقّق الفصل المقتضي للتعدّد، و عدم وجوب إكمال النافلة بالشروع، و أنّها شرّعت لتكميل الفرائض، فيكون لكلّ بعضٍ قسط منه، فيصحّ الإتيان به وحده، كما يجوز الإتيان بنافلة النهار دون الليل، و أنّ المنساق إلى الذهن عدم اشتراط الهيئة الاجتماعيّة في الصحّة.] جواهر الكلام 7: 29[.

و هذه الوجوه لايخفى ضعفها للمتأمّل، فلا فائدة في إطالة الكلام بذكر ما يرد عليها.

و لقد أحسن شيخنا الفقيه قدس سره البحث معه في ذلک، فليرجع إلى كتابه مَن شاء، و لكنّه منع الأصل حتّى البرائة، و لو قيل بجريانه حتّى في المستحبّات، و ذكر أنّه لامعنى لأصالة البرائة بعد إذ علم تعلّق الطلب بمجموع الثمان و شكّ في أنّ المجموع هل هو مطلوب واحد، فيكون المكلّف به ارتباطيّاً؟ أو أنّه غير ارتباطي، فيكون الطلب المتعلّق به قائماً مقام طلبات متعدّدة؟ بل الأصل في مثل المقام عدم تعلّق طلب نفسيّ بالأبعاض كي يصحّ إتيان كلّ بعضٍ منها مستقلّاً بقصد امتثال أمره. و لايقاس ما نحن فيه بمسألة الشک في الجزئيّة، فإنّ التكليف بالجزء المشكوک في تلک المسألة غير محرز، فينفيه أصل البرائة، و أصالة عدم وجوب الجزء المشكوک، و أصالة عدم وجوب الأكثر، و لايجري في جانب الأقلّ شيء من هذه الاُصول حتّى تتحقّق المعارضة، لأنّ وجوبه المردّد بين النفسي و الغيري محرز، فلايجري فيه شيء من الاُصول سوى ]عدم كونه واجباً نفسيّاً، أي عدم كونه من حيث هو متعلّقاً للطلب، و هو معارض بـ[ أصالة عدم كون الأكثر أيضاً كذلک، فيتساقطان، و يرجع إلى الاُصول المتقدّمة النافية لوجوب الأكثر السالمة عن المعارض. و أمّا في ما نحن فيه فلا يجري شيء من الاُصول المتقدّمة، لا في الأقلّ، و لا في الأكثر، لأنّ مطلوبيّة الجميع معلومة، إلّا أنّ كون الأقلّ مطلوباً نفسيّاً غير معلوم، فينفيه الأصل، و لايعارضه في المقام أصالة ]عدم[ كون الأكثر كذلک، لأنّ الطلب المعلوم تعلّقه بالأكثر نفسىّ بلا شبهة، وإنّما الشک في أنّ متعلّقه عبادة واحدة أو عبادات متعدّدة حتّى تكون أبعاضه أيضاً واجبات نفسيّة ]مصباح ‌الفقيه 9: 37 ـ 38[، انتهى مع اختصار، بحذف مالايضرّ إسقاطه.

لكن ما ذكره قدس سره إنّما يتّم في ما لو علم تعلّق أمرٍ واحد نفسيّ بمجموع الثمان بحيث يكون المجموع عنواناً واحداً، و كلّ ركعتين منه أجزاء له، فإنّ تعلّق الأمر الواحد النفسي بالمجموع حينئذٍ معلوم، و تعلّق أمرٍ آخر نفسيّ بأجزائه غير معلوم، فينفى بالأصل كما ذكره.

و الفرق بين المقام و مسألة الأقلّ و الأكثر ظاهر بما أفاده.

و أمّا إذا لم يعلم ذلک، بل علم إجمالاً بتعلّق أمر بالثمان، و شکّ في كونه على نحو العامّ المجموعي أو الأفرادي، و فرض عدم إمكان تعيين ذلک بالقواعد اللفظيّة، فالظاهر كونه من موارد مسألة الأقلّ و الأكثر، و جريان البرائة فيه، لأنّ الأمر المردّد بين النفسيّ و الغيري ثابت لكلّ ركعتين منه، و اشتراط امتثاله بضمّ بقيّة الركعات إليه مشكوک، فيدفع بالأصل.

و بمثل هذا التقريب تقرّر بقيّة الاُصول الّتي يتمسّک بها هناک، و يجاب عن الإشكالات الّتي تورد عليها بعين ما يجاب عنها هناک.

و لايضرّ بما نحن فيه معلوميّة الأمر بباقي الركعات كما يظهر من كلامه، لأنّ المناط مشكوكيّة كونه مأموراً به بعين الأمر المتعلّق بالجزء، و هو حاصل في المقام، و كونه معلوماً و لو بأمرٍ آخر لايضرّ بالمقصود، كما في كثير من الموارد المسلّمة لتلک القاعدة، كما لو شک في اشتراط الصلاة بالسورة، و الحجّ بالاختتان، مع أنّ استحباب السورة و وجوب الاختتان نفساً معلومان، و كون الأمر المتعلّق بالمجموع واحداً في اللفظ لاينافي تعدّد الأوامر بعد انحلاله إلى أوامر عديدة لو كان على نحو الأفرادي.

فتأمّل في ما ذكرناه و ذكره قدس سره فإنّه دقيق نافع في كثير من المقامات.

ولعلّه يجعل المقام من الصورة الاُولى، و يرى مفروغيّة كون المجموع مأموراً به بأمرٍ واحد شخصي، و الشک في تعلّق أمرٍ آخر بالأبعاض، و حينئذٍ فلا إشكال في ما ذكره كما عرفت، و لكن هذا الحمل بعيد من كلامه، بل أوّل كلامه يكاد أن يكون صريحاً في خلافه، مضافاً إلى أنّ المقام من قبيل الصورة الثانية كما لايخفى.

ثمّ إنّه جعل العمدة في إثبات الجواز، النصوص الدالّة على جواز الاقتصار على البعض في نافلة العصر، و هي لاإطلاق لها، فيختصّ بموردها؛ و بمغروسيّة محبوبية طبيعة الصلاة في النفس، و كون كلّ فردٍ منها عبادة مستقلّة، و كون الحكمة المقتضية لتشريعها مناسبة لتعلّق الطلب بذواتها، و نحو ذلک ممّا هو مشارک في الضعف لما أورده الماتن، و لايمكن الاستناد إليها في الأحكام الشرعيّة.

فالأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ الاقتصار على ما دلّ النصّ على جواز الاقتصار عليه.

نعم، لاإشكال في استقلال مجموع كلّ نافلة، و عدم توقّف صحّة نافلة العصر مثلاً على ضمّ نافلة الظهر أو المغرب إليها.

(و لها آداب كثيرة) و أدعية مأثورة (مذكورة في محالّها) من كتب العبادات.

(و على كلّ حالٍ فقد ظهرلک أنّ النوافل مع الفرائض للحاضر) في غير يوم الجمعة (إحدى و خمسون ركعة) ثلثها فرائض، و ثلثاها نوافل.

(و تسقط عمّن فرضه القصر) نوافل الفرائض المقصورة، فتسقط (ثمانية الظهر و ثمانية العصر) بلا إشكال و لاخلاف، و النصوص الكثيرة دالّة عليه، و في بعضها التعليل بأنّه «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة»، و لكن يظهر من غير واحدٍ من الأخبار تخصيص ذلک بمن سافر قبل الوقت، و ثبوتها لمن سافر بعده، و لابأس بالعمل بها، و يظهر من بعضها استحباب قضائها في الليل، و يظهر من بعضها عدم استحباب ذلک، و الشيخ في التهذيب حملها على محلّ بعيد. ]تهذيب ‌الأحكام 2: 17[.

و الظاهر أنّ هذا الاختلاف نشأ من اختلاف السائلين عنهم، و إرادتهم: الإرفاق ببعضهم.

قال معاوية بن عمّار: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام: أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال : «نعم»، فقال له إسماعيل بن جابر: أقضي صلاة النهار بالليل فيالسفر؟ فقال: «لا»، فقال : إنّک قلت: نعم، فقال: «إنّ ذلک يطيق و أنت لاتطيق». ]وسائل الشيعة 4: 84 الباب (22) من أبواب أعداد الفرائض، ح 1 [(و) كذا (الوتيرة على) المشهور، و هو (الأقوى) عند الماتن، و الوجه في ذلک إطلاق عدّة من الأخبار، و التعليل المستفاد من قوله علیه‌السلام: «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» و كونها نافلة لصلاة مقصورة فتسقط، و الإجماع المنقول.

و ذهب الشيخ؛ و جماعة منهم الشهيد في الذكرى إلى عدم السقوط ]ذكرى الشيعة 2: 298[.  لما رواه الشيخ؛ و الصدوق عن الفضل بن شاذان ـ مع اختلاف يسير في اللفظ ـ عن الرضا علیه‌السلام قال: «إنّما صارت العشاء مقصورة ليس نترک ركعتيها، لأنّهما زيادة في الخمسين تطوعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع». ]وسائل ‌الشيعة 4: 95 الباب (29) من أبواب أعداد الفرائض، ح 3 [و التوقّف في سندها لاشتماله على ابن عُبْدُوس ]و هو عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس[ و القُتَيبي ]هو على بن محمّد بن قتيبة [غفلةً عمّا ثبت في فنّ الحديث مِن عدم احتياج المشايخ إلى التوثيق، مضـافاً إلى أنّ لهذين الشيخين مدائح جليلة لاتقصر عن التوثيق، مذكورة في محلّها، و قد صحّح العلماء كالعلّامة و غيره أخباراً كثيرة مشتملة أسانيدها عليهما . ]راجع: منتهى المقال 5: 69 و4: 275[ و قد رواها الصدوق في العيون بسندٍ آخر، و هو: عن الحاكم جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبيعبداللّه محمّد بن شاذان، عن الفضل. ]عيون اخبار الرضا علیه‌السلام 2: 199 باب العلل التّي ذكر الفضل بن شاذان[.

و أمّا دلالتها: فهي صريحة، فبها تقيّد تلک الإطلاقات ـ لو سلّمت دلالتهاـ و التعليل المتقدّم أيضاً، على أنّ هذا التعليل مختصّ بنافلة الفريضة المقصورة، و مثبت للملازمة بين قصر الفريضة و سقوط نافلتها، و الروايات الكثيرة و منها رواية الفضل هذه دلّت على عدم كون الوتيرة نافلة للعشاء، فهذه الرواية حاكمة عليه، بل التعليل المتقدّم أجنبيّ عن المقام، لا سيّما لو كان لفظ الرواية كما نقله الماتن في كتابه هكذا: «لو صلحت النافلة بالنهار تمّت الفريضة»] جواهر الكلام 7: 44[. و لكنّ الظاهر أنّه سهو من الماتن، بل لفظ النهار موجود في السؤال، فأدرجه في الجواب، فليراجع.

و أمّا الاستدلال بكونها نافلة مقصورة فتسقط، فهو ممنوع صغرىً و كبرىً :

أمّا الصغرى : فلما عرفت من عدم كونها نافلة للعشاء، بل هي صلاة مشروعة لإكمال عدد الضعف للنوافل، و كونها بدلاً عن الوتر إن لم يتمكّن المكلّف منه.

و لايحضرني إلّا رواية تدلّ صريحاً على كونها نافلة للعشاء، و إضافتها إلى العشاء لكون وقتها بعد العشاء و نحوه، لا لكونها نافلة لها، كما يشهد له رواية الفضل هذه و أخبار كثيرة.

و أمّا منع الكبرى: فلأنّ الظاهر من الروايات أنّ سقوط النوافل في السفر لأحد أمرين :

إمّا لعدم صلاحيّة نهار السفر للنافلة، و لهذا استحبّ قضاؤها كما عرفت.

أو كونها نهاريّة، و نافلة لصلاة مقصورة.

و على الأوّل يكون عدم سقوط نافلة الصبح إمّا للدليل، أو لكونها من صلاة الليل، كما يستفاد من غير واحد من الأخبار. و على الثاني يكون خروجها على الأصل.

و على التقديرين تخرج نافلة العشاء، لأنّ المسلّم سقوط نافلة النهار على الأوّل، و نافلة المقصورة النهاريّة على الثاني، و الوتيرة خارجة منهما.

و لعلّ الثاني هو الظاهر من رواية الفضل عن الرضا علیه‌السلام قال: «وإنّما ترک تطوّع النهار، و لم يترک تطوّع الليل، لأنّ كلّ صلاة لايقصر فيها، لايقصر في ما بعدها من التطوّع»] وسائل ‌الشيعة 4: 87 الباب (24) من أبواب أعداد الفرائض، ح 5 [. فإنّ الجمع بين أوّل الرواية و آخرها يقتضي ما ذكرناه، فليتأمّل.

على أنّه لو فرض قيام دليل معتبر على كون الوتيرة نافلة للعشاء فلا إشكال في لزوم تقييده بهذه الرواية.

و أمّا الإجماع المنقول فحاله معلوم، خصوصاً مع معارضته بما نقله في الخلاف من الإجماع على عدم السقوط ]الخلاف 1: 586[، وبما عن الأمالي من أنّ مِن دين الإماميّة أنّه لايسقط شيء من نوافل الليل . ]أمالي الصدوق: المجلس 93[.

فالقول بعدم السقوط متعيّن، لاسيّما مع ملاحظة الأخبار الواردة في الحثّ على الوتيرة، فإنّه لايخفى على الفقيه المتأمّل فيها أنّ سياقها يأبى التخصيص.

و لذا قد أحسن الشيخ‌الأُستاذ ]هو العلّامة المولى محمد كاظم الخراسانى صاحب الكفاية[ ـ دام‌ظلّه ـ في حاشية المقام حيث قال: «في أقوائيّته إشكال، و الأولى الإتيان بها رجاءً».

هذا، و قد استدلّ على عدم سقوط الوتيرة برواية رجاء بن أبي الضحّاک المرويّة في العيون، فإنّ فيها أنّ الرضا علیه‌السلام كان يصلّي الوتيرة في السفر.

و لكنّ النسخ الّتي اطّلعنا عليها من العيون، خالية من ذلک، ولعلّ المستدل اطّلع على نسخة تشتمل على ذلک.

و قد وقع هنا غلط لبعض أهل العصر لابدّ من التنبيه عليه، لكي لايتبعه أحد على خطأه، و هو أنّه سمع نقل التوقّف عن صاحب المدارک و غيره في سند خبر الفضل لاشتماله على ابن عبدوس و القتيبي ]مدارک الأحكام 3: 27[، و رأى استدلالهم بخبر ابن أبي الضحّاک، فنسب إلى صاحب المدارک ضعف خبر ابن أبيالضحّاک، لاشتمال سنده على ابن عبدوس و القتيبي.

و هذا غلط ظاهر، إذ الخبر المشتمل سنده عليهما خبر الفضل، و خبر ابن أبيالضحّاک لم ينقله صاحب المدارک أصلاً، و لايشتمل سنده عليهما، بل نقله الصدوق عن تميم بن عبداللّه، عن أبيه، عن أحمد بن عبداللّه الأنصاري، عنه. ]وسائل ‌الشيعة 4: 55 الباب (13) من أبواب أعداد الفرائض، ح 24.[

هذا، و لازم عبارة المتن عدم سقوط النافلة عن المخيّر بين القصر و التمام و إن اختار القصر، و كذلک عن المسافر الّذي فرضه التمام، و هذا أحد الأقوال، و المسألة غير خالية عن الإشكال.

و الماتن في كتابه‌الكبير بعد ما ذكر أنّ ظاهر المحقّق كغيره سقوط النوافل المزبورة حتّى في الأماكن الأربعة قال: «و فيه نظر إذا اختار المكلّف إيقاع فرائضه على وجه التمام الّذي هو مستلزم لصلاحيّة الإتيان بالنافلة». و لم يذكر وجهاً، لهذا الاستلزام. ثمّ تجاوز عن ذلک، و قال: «بل لعلّ من التمام صحّة فعلها». و لم يذكر لهذه الدعوى وجهاً.

و بعد مانقل تصريح جماعة بعدم السقوط، و نقل تصريح الحلّي بعدم الفرق بين أن يتمّ الفريضة أم لا، و لابين أن يصلّي الفريضة خارجاً عنها و النافلة فيها، أو يصلّيهما معاً فيها قال: «و لعلّه لما أشرنا إليه من تبعيّتها لصلاحيّة الإتمام في الفريضة لالوقوعه منه، كما يؤمي إليه خبر الحنّاط» ]جواهر الكلام 7: 50[، انتهى.

و قوله علیه‌السلام في خبر الحنّاط: «لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» ]وسائل ‌الشيعة 4: 82 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض، ح 4 [أجنبيّ عن المقام، إذ الملازمة المستفادة منه لو تمّت فإنّما هي بين صلاحيّة النافلة و التمام، و المطلوب في المقام إثبات عكس ذلک، و هو الملازمة بين التمام و صلاحيّة النافلة.

و كان الأولى له التمسّک بخبر الفضل الآتي قريباً، ولعلّه ترک الاستدلال به لطعنه قريباً في سنده، و ان استدلّ به في مواضع اُخر.

ثمّ أقول: «ما هكذا تورد يا سعد الإبل» ]أي ما هكذا يكون القيام بالاُمور، والمثل لمالک بن زياد مناة ابن‌تميم، رأى أخاه سعداً أورد الإبل و لم‌ يحسن القيام عليها، فقال ذلک. المنجد في اللغة و الأعلام (فرائدالأدب) 12: 10[، بل المتعيّن في المقام ملاحظة الأدلّة الدالّة على سقوط النوافل في السفر، و هي على قسمين:

منها: ما كان من قبيل قوله علیه‌السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شيء» ]وسائل ‌الشيعة 4: 81 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض، ح 2 [و نحو ذلک، ممّا ذكر فيه سقوطها قبل الصلاة المقصورة و بعدها بالخصوص.

و منها: غير ذلک، كرواية صفوان بن يحيى، قال: سألت الرضا علیه‌السلام عن التطوّع بالنهار و أنا في السفر، فقال: «لا» ]وسائل‌ الشيعة 4: 82 الباب (21) من أبواب أعداد الفرائض ح 5[ و نحوها.

و القسم الثاني يشتمل صورتي إتمام الفريضة و قصرها، و عمومات وجوب القصر للمسافر إذا تخصّصت في موردٍ لايستلزم تخصيص أدلّة سقوط النافلة في ذلک المورد.

و منع شمول هذا القسم لمثل المقام لدعوى الانصراف لايصغى إلى مدّعيه.

و أمّا القسم الأوّل : فيمكن منع شمولها للمقام، لأنّه لم يذكر فيه سقوط النافلة مطلقاً، بل نفى النافلة قبل الركعتين و بعدها، فتبقى القضيّة مهملة بالنسبة إلى الصلاة الّتي تصلّى أربعاً.

و بعبارة اُخرى: أخبار هذا القسم دلّت على سقوط النوافل في السفر الّذي يقصر فيه، لا مطلقاً، فتبقى أدلّة ثبوتها سالمة عن المقيّد، إلّا أن يقال: إنّ تلک الأخبار اشتملت على حكمين مستقلّين، و القيد وارد مورد الغالب؛ و فيه تأمّل، بل منع.

فعلى هذا فأخبار هذا القسم ـ و هي الأكثر ـ لايشمل المقام إلّا على وجهٍ عرفت منعه.

نعم، لشموله خصوص ما إذا اختار القصر وجه ليس بالبعيد، و لكنّ القسم الثاني يشمل المقام، و مقتضاه سقوط النافلة مطلقاً، و فيه الكفاية.

فالأظهر سقوطها خصوصاً إذا إختار القصر، فإنّ أخبار القسم الأوّل يشمله على وجهٍ عرفته.

نعم، يمكن الاستدلال على عدم السقوط في خصوص ما إذا اختار التمام ـ بل مطلقاً ـ بما في العلل الّتي رواها الفضل عن الرضا علیه‌السلام من قوله: «وإنّما ترک تطوّع النهار و لم‌يترک تطوّع الليل، لأنّ كلّ صلاة لايقصر فيها لايقصر في ما بعدها من التطوّع» ]وسائل‌الشيعة 4: 87 الباب (24) من أبواب أعداد الفرائض، ح 5[.

و ذلک لأنّ المغرب لايقصر فيها فلا يقصر في ما بعدها من التطوّع، و كذلک الغداة لاتقصر فيها فلا تقصر في ما قبلها؛ و لكن في دلالتها على ما نحن فيه تأمّل.

و أمّا ثبوت النافلة في السفر الّذي يتعيّن فيه التمام فقد جزم الماتن في كتابه أيضاً بعدم السقوط ]جواهرالكلام 7: 50 ـ 51[، لتلک الملازمة الّتي عرفت حالها.

و الأولى فيه التفصيل بين ما يظهر من الدليل عدم كونه سفراً في نظر الشارع، كما في الملّاح و الأعراب، حيث ورد فيهم: «إنّ بيوتهم معهم» ]وسائل ‌الشيعة 8: 486 الباب (11) من أبواب صلاة المسافر، ح  5[ فيقال بعدم السقوط، و بين ما ليس كذلک كالمسافر اللّاهي بصيده، فيقال بالسقوط، لأنّ غاية ما ورد تعليل الإتمام فيه بعدم كونه مسير حقّ، فيظهر منه أنّ موضوع الإتمام ليس مطلق السفر، بل السفر بحقّ، و ذلک لايستلزم تخصيص موضوع سقوط النافلة بذلک.

و أمّا لو وجب عليه القصر للخوف فقدم جزم الماتن أيضاً في كتابه بسقوط النافلة ]جواهر الكلام 7: 51[ لما تقدّم، و لايخفى أنّ خبر الحنّاط المتقدّم لو دلّ على مرام الماتن من تبعيّة النافلة لصلاحيّة الإتمام فإنّما يدل على ما كان القصر للسفر لالسببٍ آخر كما هو ظاهر.

و قد سبق الماتن في ذلک الشهيد؛ في الروض و قال بعد نقل الخبر المتقدّم: «و فيه إيماء إلى سقوطها بالخوف الموجب للقصر أيضاً»  ]روض الجنان 2: 477[ و لايحضرني الآن وجه لذلک، و لا لترديد الشهيد؛ في الدروس فيه ]الدروس الشرعيه 1: 137 و في السفر و الخوف تتنصّف الرباعيّات، و تسقط نوافلها سفراً، و في الخوف نظر[، و لالجزم الفاضل في الإرشاد به ]قال في الإرشاد: و تسقط نوافل الظهرين و الوتيرة في السفر. و زاد الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد بعد قوله في السفر: و الخوف. ـ غايةالمراد و حاشية الإرشاد 1: 95[.

نعم لو فرض بقاء الخوف حال النفل فللسقوط وجه، و لكن لالخبر الحنّاط و نحوه، فليتأمّل.

هذا، و من الظريف جدّاً الفرض الّذي زاده بعض المحشّين على الفروض المذكورة في المقام ]في المقام سقط، يراجع و يصحّح، إن شاء اللّه، مصنّفه كان اللّه له[، و هو فرض وقوع الفرض و النافلة معاً خارج المواطن الأربعة، فلينظر ماذا ربطه بالمقام؟

(و أمّا يوم الجمعة فيزاد على الستّة عشر) نوافل الظهرين على المشهور، خلافاً للمنقول عن الصدوقين، فلم يفرّقا بينها وبين سائر الأيّام ]مختلف الشيعة 2: 261[، و اختلف الأوّلون في مقدار الزيادة، و المشهور أنّها (أربع ركعات) خلافاً للإسكافي فجعلها ستّاً، و يأتي الكلام في ذلک في محـلّه، إن شاءاللّه.

(و يأتي التعرّض لغيرها) أي غير الرواتب إن شاء اللّه، و الظاهر أنّه تعالى لم يشأ ذلک، إذ لم نجد لها ذكراً في جميع النسخ الّتي بأيدينا. نعم، ذكر هنا صلوتي الغفيلة و الوصيّة بقوله:

(و الأقوى ثبوت الغفيلة، و هي ركعتان) وقتهما (بين العشائين، يستحّب قرائة) قوله تعالى: (و ذاالنون ـ إلى قوله ـ و كذلک ننجي المؤمنين بعد الحمد في اوليهما و) قوله تعالى: (و عنده مفاتح الغيب) إلى آخر الآية (بعده أيضاً في ثانيتهما) و إذا فرغ من القرائة رفع يديه و قال: «اللّهمّ إنّى أسألک بمفاتح الغيب الّتي لايعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بى كذا و كذا» و يقول: «اللّهمّ أنت ولىّ نعمتي، و القادر على طلبتي، تعلم حاجتي، أسألک بمحمّد و آله : لمّا قضيتها لى».

و ما ذكره الماتن و ذكرناه مذكور جميعه في رواية هشام بن سالم عن أبي عبداللّه علیه‌السلام و في أوّلها: «من صلّى بين العشائين ركعتين» و في آخرهاـ بعد ذكر ما عرفت ـ : «و سأل اللّه حاجته أعطاه اللّه ما سأل» ]وسائل‌ الشيعة 8: 121 الباب (20) من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح 2[.

و لايظهر منها كون ما تضمّنته هي صلاة الغفيلة، بل لعلّ الظاهر منها كونها من أقسام صلاة الحاجة، و لهذا جعلها في الذكرى مغايراً لها ]ذكرى الشيعة 2: 313[، و لكن روى هذه الرواية بعينها في فلاح‌السائل عن هشام بن سالم أيضاً عن أبي عبداللّه علیه‌السلام مع زيادة في آخرها و هي قوله علیه‌السلام: «فإنّ النبي صلی الله علیه و آله قال: لاتتركوا ركعتي الغفيلة، و هما بين العشائين» ]فلاح السائل: 431[. و هذه الزيادة تجعلها صريحة في الاتّحاد.

و الأمر سهل، و إنّما المهمّ بيان أنّ ما تضمّنته هذه الرواية و غيرها من الروايات الكثيرة الآمرة بصلوات بين العشائين هل المراد منها نافلة المغرب، و تلک الأخبار واردة في الحثّ عليها؟ أو أنّها صلوات غيرها، فللمصلّي أن يجمع بين ما شاء منها؟ فنقول:

إنّ تلک الروايات على قسمين:

قسم منها لايشتمل على كيفيّة مخصوصة، بل يتضمّن الأمر بالنفل في ساعة الغفلة، كموثّقة سماعة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه علیه‌السلام قال علیه‌السلام: «قال رسول‌اللّه صلی الله علیه و آله: تنفّلوا ]في[ ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين، فإنّهما تورثان دار الكرامة» ]وسائل ‌الشيعة 8: 120 الباب (20) من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح  1[.

و قسم يشتمل على تلک مِن قرائة آية أو دعاء، كالرواية السابقة.

أمّا القسم الأوّل: فلا ينبغي الإشكال في تعيّن حملها على النوافل، إذ ليس مفادّها إلّا كراهة الغفلة فـي تـلک الساعـة، أو استحباب الصلاة فيها، بل مطلق الذكر، كما يظهر ممّا رواه فـي الفقيه عن الباقر علیه‌السلام ]من لايحضره الفقيه 1: 501 ـ 502، ح 1442[، فهي مؤكّدات لفعل النافلة، و لايثبت بها الأمر بصلاة اُخرى ـ كما في سائر الموارد ـ بل مقتضى إطلاقها الاكتفاء بالنافلة، و احتمال لزوم إتيان فردٍ آخر تقييدٌ منفىّ بالإطلاق.

و لاينافي ما ذُكر ما تضمّنته الرواية السابقة من الاكتفاء بالركعتين، إذ نافلة المغرب كما عرفت سابقاً يجوز الاكتفاء بركعتين منها، بل الإضراب في تلک الرواية مؤيّد لكون المراد منها نافلة المغرب، و مبعّد لكون المراد منها الغفيلة، إذ هي على القول بها ركعتان فقط، فلا موقع للإضراب، فتأمّل.

و لاينافيه أيضاً اختلاف مصلحة الأمرين، إذ الظاهر من أخبار النافلة أنّ المصلحة فيها إتمام نقصان الفرائض، و الظاهر من هذه الأخبار أنّ المصلحة فيها كون وقتها ساعة الغفلة، و ساعة بثّ الشيطان جنوده جنود الليل، إذ الاختلاف في ذلک لايوجب تعدّد العنوان، بل يوجب تأكّد الاستحباب. و قد ورد مثل ذلک في غيرها من النوافل، كموافقة أربع ركعات من الزوال لصلاة الأوّابين ]وسائل‌ الشيعة 4: 94 الباب (28) من أبواب أعداد الفرائض، ح 4[ و نحو ذلک.

و أمّا القسم الثاني: فكذلک الحال فيها بعد التأمّل، إذ ورود أدعية خاصّة أو آداب كذلک للنوافل بل الواجبات غير عزيز، و نظائره كثيرة جدّاً، خصوصاً على ما سمعت من الماتن مِن كون ذلک مستحبّاً فيها، لاشروطاً لها.

و بالجملة، فلعلّ المسألة محتاجة إلى تنقيحٍ كامل، و لايسعه المجال، ولولا شبهة حرمة التطوّع في وقت الفريضة لكان الاحتياط لمن أراد ذلک في الإتيان بها مستقلّاً.

بل ولعلّ دليل التسامح كان يثبت استحبابها ـ كما قيل ـ و إن كان فيه مسامحة لايخفى وجهها، و لكن مراعات حرمة التطوّع يوجب كون الاحتياط في تركها، أو فعلها بحيث لايوجب التطوّع الزائد على النافلة المعلومة خروجها، و لهذا قال الشيخ قدس سره ]هو الفقيه المحقّق العلّامة الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره[ في الحاشية:

«فيه إشكال، إلّا أن يجعلهما من نافلة المغرب» و على هذه الحاشية إشكال لبعض مشايخنا، و هو: «إنّ الغفيلة بناء على ثبوتها تكون صلاة مستقلّة، و لها عنوان مستقلّ مباين للنافلة، فلا يحصل العنوان بفردٍ واحد».

و هذا الإشكال ضعيف جدّاً، بناء على ما ثبت في محلّه من حصول امتثال أوامر متعدّدة بفردٍ واحد إذا كان مصداقاً للجميع، ما لم يكن أحدهما مشروطاً بما ينافي الآخر. بل عرفت قبيل هذا أنّ ذلک لازم إطلاق الدليل.

نعم، هاهنا إشكال آخر، و هو أنّ المراد بجعلهما من نافلة المغرب إن كان مجرّد قرائة الآيتين و الدعاء المأثور فيهما فلا إشكال في الجواز و صحّة نافلة المغرب، لأنّ نافلة المغرب غير مشروط بعدم ذلک، و لكن لايحصل المطلوب في المقام، و هو امتثال صلاة الغفيلة على تقدير ثبوت الأمر بها مستقلّاً، لعدم قصدها حينئذٍ.

و إن كان المراد جعلهما منها بقصدهما معاً فلا إشكال في حصول الامتثال لكلا الأمرين على تقدير ثبوت الغفيلة، لماعرفت من ضعف الإشكال السابق، و لكن يبقى احتمال حرمة التطوّع على حاله، إذ الفرد الواحد حينئذٍ يكون مصداقاً لمخصّص آخر للتطوّع لم‌يثبت خروجه من عمومات حرمة التطوّع.

و بعبارةٍ اُخرى: الفرد الواحد مصداقاً للغفيلة بقصدها، و حينئذٍ فإن كانت ثابتة بحسب الواقع، و خارجة من حرمة التطوّع، يحصل امتثال الأمرين معاً، و إن لم تكن الغفيلة مأمورة بها تكون حينئذٍ مصداقاً لفردٍ آخر من التطوّع غير خارج من عمومات الحرمة، فيجتمع في المقام الأمر والنهي، فيغلب جانب النهى، أو يبنى الصحّة و الفساد على مسألة جواز الاجتماع، و يبقى احتمال الحرمة على حاله.

و بالجملة، فالمطلوب بالاحتياط في المقام هو القطع بامتثال أمر الغفيلة على ما في الواقع، مع الأمن من حرمة التطوّع، و هذا غير حاصل بما ذكره قدس سره لما عرفت.

و الجواب عن هذا الإشكال لايخلو عن صعوبة، و لم أجد أحداً تنبّه له، فضلاً عن الجواب عنه.

نعم، للسيّد قدس سره ]هو العلّامة المجدّد السيّد محمد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره[ حاشية في المقام لعلّ الوجه فيها ما ذكرناه من الإشكال.

قال قدس سره: «والأولى أن يأتي بالركعتين من نافلة المغرب بهذه الصورة، و بركعتين منها بالصورة الّتي تأتي في صلاة الوصيّة، من غير تعرّض لكونها غفيلة أو وصيّة، بل يقصد بها نافلة المغرب، و يحتمل أن يكون مراده؛ ذلک أيضاً و إن لم يساعده ظاهر العبارة».

فإنّ اعتباره قصد نافلة المغرب، و عدم قصد الصلاتين لاوجه له إلّا ما ذكرناه، فيظهر منه أنّه حمل كلام الشيخ على المعنى الأوّل من المعنيين المتقدّمين، و على هذا يرتفع احتمال حرمة التطوّع، و يبقى الإشكال الأوّل و هو عدم حصول امتثال الغفيلة على تقدير ثبوت الأمر بها مستقلّاً.

و لايترتّب على ذلک حينئذٍ فائدة سوى حصول الخواصّ الذاتيّة إن كانت، و هو غير مهمّ في المقام، على أنّ حصولها أيضاً غير معلوم، إذ لعلّها مشروطة بكونها في ضمن الغفيلة لامطلق الصلاة، ولعلّ لذلک ضرب على هذه الحاشية في كثير من النسخ.

و أخبرني بعض الأعاظم من أصحابه من أنّه؛ كتب هذه الحاشية قبل أن يظفر بحاشية الشيخ، و بعد ذلک أمر بمحوها؛ و لكن هذا النقل لايكاد يصحّ مع ملاحظة آخر العبارة، و احتماله أن يكون ما أفاده مراد الشيخ قدس سره.

و يمكن أن يكون مراد الشيخ مِن جعلهما من نافلة المغرب أن يقصد أمر نافلة المغرب، و يقصد ما هو المراد من الأمر بالغفيلة إجمالاً من غير تعيينٍ لكونها صلاة مستقلّة أم لا، فيحصل الامتثال على جميع التقادير، و يرتفع احتمال التطوّع من أصله.

و لكن فيه تكلّف، على أنّه لايلزم على هذا التقدير قصد نافلة المغرب أصلاً؛ لأنّه على تقدير كون الغفيلة مستقلّة في الطلب يحصل امتثاله من غير توقّف على نافلة المغرب، و على التقدير الآخر ينطبق ما قصده عليها قهراً.

و الأولى إبقاء كلام الشيخ على ظاهره من كون المراد قصد الصلاتين معاً.

و حسم الإشكال من أصله بأن يقال: و على حاشية الشيخ حاشية للشيخ‌الأُستاذ ـ دام‌ظلّه ـ و هي قوله: «أو يأتي بهما رجاءً، و كذا الحال في صلاة الوصيّة».

و الوجه فيها ظاهر، بناء على ما يذهب إليه من جواز التطوّع في وقت الفريضة كذلک كما ستعرف.

و حاشية اُخرى لشيخنا الفقيه قدس سره و هي قوله: «لاينبغى الإشكال في شرعيّتها، و لو جمع بينها و بين النافلة أخّرها عن النافلة، و لوقدّمها احتسبها منها».

فإن كان مراده بالمشروعيّة ثبوتها في الجملة و لو بكون المراد منها نافلة المغرب فهو كذلک، إذ الأخبار الدالّة عليها لاكلام فيها من حيث السند، لتظافرها، بل الإشكال في دلالتها، و الشيخ قدس سره لاينكره.

و إن كان مراده من المشروعيّة ثبوت صلاة اُخرى غير النافلة، فلا أدري كيف صحّ له ذلک مع أنّه قد اعترف في كتابه بوجود هذا الاحتمال، بل صرّح بأنّ الأحوط، بل الأقوى ـ بناء على حرمة التطوّع ـ عدم الجمع بين النافلتين. و لا بأس بنقل عبارته بعينها، قال رحمه الله:

هذا إن لم نقل بالمنع عن التطوّع في وقت الفريضة و لو بالنسبة إلى صلاة العشاء قبل وقت فضيلتها، و إلّا فلايخلو القول بجواز الإتيان بأزيد من أربع ركعات بين العشائين عن إشكال، لاحتمال أن تكون صلاة الغفيلة بالذات هي نافلة المغرب مشتملة على خصوصيّة موجبة لزيادة فضلها، فإنّه لايستفاد من مثل قوله علیه‌السلام: «من صلّى بين العشائين ركعتين أو أربع ركعات بكيفيّةٍ خاصّة فله كذا و كذا من الأجر» إرادة نافلة اُخرى غير المغرب، و إن كان مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بالصلاة بهذه الكيفيّة بعد نافلة المغرب أيضاً، لكن تقييده بمن لم يصلّ نافلة المغرب ـ كما لعلّه المنساق إلى الذهن من مورده ـ ليس بأبعد مِن تخصيص «لاتطوّع في وقت الفريضة» بالنسبة إليها، بل مقتضى أصالة عدم التخصيص في «لاتطوّع في وقت الفريضة» حمل مثل هذه الرواية على إرادة الإتيان بنافلة المغرب بهذه الكيفيّة. فالأحوط، بل الأقوى ـ بناء على المنع عن التطوّع في وقت الفريضة ـ عدم الجمع بين النافلتين، و الأولى الإتيان بالركعتين بقصد إمتثال كلا الأمرين ]مصباح‌ الفقيه 9: 53[، انتهى.

و الوجه في ما ذكره في تأخيرها عن النافلة أو احتسابها منها مع التقديم: ما ذكره في كتابه أيضاً من أنّ:

مقتضى إطلاق الأمر بالصلاة بهذه الكيفيّة استحباب فعلها مطلقاً و لو بعد نافلة المغرب، لكن لوقدّمها احتسبها من نافلة المغرب، إذ لم يعتبر في نافلة المغرب خلوّها عن الآيتين، كما لو قال المولى: «أعط زيداً درهماً أيّ درهمٍ يكون» و قال: «أعط زيداً درهماً خاصّاً» فلو أعطاه أوّلاً هذا الدرهم الخاصّ سقط الأمران، و لو أعطاه درهماً آخر سقط الأمر الأوّل، و عليه إعطاء هذا الدرهم؛ خروجاً عن عهدة الأمر الثاني. و قد عرفت أنّ كون ما نحن فيه تعبّديّاً لايصلح فارقاً بعد ما أشرنا إليه من أنّ الأوامر التعبّديّة ]أيضاً[ كالتوصّليّة تسقط قهراً بحصول متعلّقاتها بداعي التقرّب، كما لو أتى بها طلباً لمرضات اللّه، أو بداعي الشكر، من غير التفاتٍ، بل و لا علمٍ بتعلّق الأمر بها. الّلهم إلّا أن يكون لنافلة المغرب خصوصيّة اُخرى زائدة عن طبيعة كونها مسنونة في هذا الوقت، من ارتباطها بالفريضة و نحوه، فحينئذٍ لاتحسب منها هاتان الركعتان إلّا أن يقصد بفعلهما امتثال كلا الأمرين، فله حينئذٍ الإتيان بكلا الركعتين بقصد التداخل، و الإتيان بكلٍّ من النافلتين مستقلّة بقصد امتثال أمرهما بالخصوص ]مصباح ‌الفقيه 9: 52 ـ 53[، انتهى.

و بعد هذا الكلام ذكر الكلام المتقدّم، و قد نقلنا كلامه قدس سره بطوله لكونه في غاية المتانة، نافعة في أصل المسألة و في خصوص المقام، و لأنّه بحسب بدو النظر لاتخلو عدّة مواضع منه من التهافت و عدم الملائمة لما ذكره في الحاشية، و لم أتجرّ على الاعتراض، لضيق المجال عن التأمّل الّذي يقتضيه كلام مثله، والمتأمّل الخبير يدرک تلک المواضع، و تأمّله هو الفصل و الحكم العدل بين ورود الاعتراض و عدمه.

هذا، و لايخفى أنّ كثيراً ممّا ذكره قدس سره و ما يظهر من غيره مبنيّ على كون الكيفيّة المتقدّمة شرطاً في الغفيلة، و قد سمعت من الماتن خلاف ذلک، و قد جرى دأب الفقهاء في أمثال المقام بجعل ما يرد من أمثال هذه الكيفيّات من قبيل المستحبّات فيها، لاشرائط لها، فليتأمّل.

و هنا حاشية اُخرى لبعض، و هي قوله: «الغفيلة مصغّرة من صلاة الغفلة، و هي نافلة المغرب، و الوصيّة إنّما هي بصلاة الغفلة، و الاختلاف في الكيفيّة، فمن أراد الاختصار اقتصر على الغفيلة، و من أراد الأفضل صلّى صلاة الوصيّة، و الأفضل زيادة ركعتين عليها».

و الوجه في جعله صلاة الغفيلة نافلة المغرب بعينها تقدّم وجهه، و كذلک في الوصيّة.

و قوله: «و من أراد الاختصار اقتصر على الغفيلة» يريد به الغفيلة بمعنى نافلة المغرب المجرّدة عن الكيفيّة المتقدّمة، و إلّا فليس بين كيفيّتي الغفيلة و الوصيّة تفاوت معتدّبه.

و بالجملة فالّذي يظهر من هذا المحشّي عدم الاعتناء بالكيفيّة المتقدّمة في صلاة الغفيلة، بخلاف الآتية في صلاة الوصيّة، و لا أدري وجه ذلک، مع أنّ الاُولى مسند، و سندها جيّد، و الثانية مرسلة.

و حكمه بأفضليّة إلحاق الركعتين لايخلو عن سخافة، لأنّ حاصل ما ذهب إليه أنّ نافلة المغرب لها كيفيّتان: إحداها: أن تكون أربع ركعات مجرّدة عن الكيفيّة الخاصّة، و ثانيتها: أن تكون ركعتان مع تلک الكيفيّة. فإلحاق ركعتين من الكيفيّة الاُولى بالكيفيّة الثانية سمج جداً.

و أيضاً مع اختيار هذا الأفضل لايتمّ الاختصار الّذي ذكره، و تقريره ما عرفت.

و بالجملة، هذه الحاشية جيّدة بحسب أوّلها، ساقطة بحسب آخـرها.

(و) صلاة (الوصيّة، و هي ركعتان) أيضاً (بينهما أيضاً، يقرأ في أوليهما) سورة (إذا زلزلت الأرض زلزالها) ثلاثة عشر مرّة بعد الحمد، و في) الركعة (الثانية) سورة (التوحيد خمسة عشر مرّة بعدها أيضاً) و المستند فيها مرسلة الشيخ في المصباح عن الصادق علیه­السلام عن آبائه، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و في آخرها: «و إن فعل ذلک ]في[ كلّ شهرٍ كان من المتّقين، فإن فعل ]ذلک[ في كلّ سنةٍ كان من المحسنين، فإن فعل ذلک في كلّ جمعةٍ ]مرّة[ كان من المصلّين ]فى النسخة: المخلصين[، فإن فعل ذلک كلّ ليلة زاحمني في الجنّة، و لم يحص ثوابه إلّا اللّه ]تعالى[». ]مصباح المتهجّد: 107[.

و رواها السيّد ابن‌ طاووس قدس سره في فلاح‌السائل بسند فيه عدّة مجاهيل عن الصادق علیه‌السلام عن أبيه، عن جدّه، عن أميرالمؤمنين علیه‌السلام. ]فلاح السائل: 432[.

و الروايتان متّفقتان في الكيفيّة المذكورة و إن اختلفتا لفظاً و مدلولاً.

و الحال في هذه الصلاة كالحال في سابقتها، بل الإشكال فيها أقوى، لكون السند فيها أضعف، و لهذا قال الشيخ قدس سره في الحاشية: «حكمها حكم مطلق النافلة الغير الراتبة في وقت الفريضة» و ستعرف الإشكال فيها. اللّهم إلّا أن يجعلها من نافلة المغرب، كما عرفت في الغفيلة.

و قال الماتن: (لكن مع أنّ الاحتياط يقتضي عدم فعلهما) لما عرفت (ليستا من الرواتب الّتي عند الأولياء) مستحبّ (كالواجب) و ذلک واضح، و لاأظنّ أحداً احتمل كونهما من الرواتب، و لا وجه لذلک بعد تظافر الأخبار بحصر الرواتب و عدّها، فلاوجه لتوضيح الماتن هذا الواضح، إلّا أن يكون إشارة إلى أنّه ينبغي عدم الاهتمام بهما، و تركهما، و الاهتمام بالرواتب الّتي هي أهمّ منهما.

و اعلم أنّه وردت في الروايات صلوات كثيرة بين العشائين غيرهما، كالمرويّة بعدّة طرق في تفسير قوله تعالى: (إنّ ناشِئَةَ الّليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَ أقْوَمُ قيلاً) ]المزمل: 6 [من أنّها ركعتان بعد المغرب، و ذكر لها كيفيّة خاصّة ]وسائل ‌الشيعة 8:  118 الباب (16) من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح 2 .[و في بعضها ذكر دعاء بعدها.

و مارواه أيضاً عن الرضا علیه­السلام قال: «من صلّى المغرب و بعدها أربع ركعات و لم يتكلّم حتّى يصلّي عشر ركعات، يقرأ في كلّ ركعة بالحمد و (قـل هـو اللّه أحد) كانت عدل عشر رقاب». ]وسائل‌ الشيعة 8: 117 الباب (16) من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح  1.[

و كصلاة ليلة الخميس، و غير ذلک ممّا يقف عليه المتتبّع، و لايحتمل في مجموعها الاحتمال المتقدّم في الصلاتين من كون المراد بها نافلة المغرب، بل بعضها صريح في خلاف ذلک كالثانية من الصلوات الّتي نقلناها.

فالوجه في جميع ذلک أن يقال: إنّه بناء على جواز التطوّع لاإشكال في جواز الإتيان بجميعها و لو رجاءً، أو من باب التسامح في أدلّة المستحبّات، و أمّا بناء على المنع فلابدّ من الاقتصار على ما ثبت بدليلٍ معتبر، كالركعات الثمانية الواردة بعد المغرب و قبل العشاء من نوافل شهر رمضان.

ثمّ إنّ الّذي فهمه أكثر الأصحاب أنّ المراد كونها بين صلاة المغرب و صلاة العشاء، و لو قيل بأنّ المراد بين الوقتين ـ كما ذهب إليه الشيخ بهاءالدين قدس سره ]مفتاح الفلاح: 545 قال فيه: و لايخفى أنّ الظاهر أنّ المراد بما بين المغرب و العشاء ما بين وقت المغرب و وقت العشاء أعني: ما بين غروب الشمس و غيبوبة الشفق… لا مابين الصلاتين.[ و الإنصاف أنّه الظاهر من عدّة روايات ـ فيمكن الإتيان بهما حتّى مع المنع من التطوّع، بأن يقدّم العشاء على غروب الشفق.

المبحث الثاني: في مواقيتها

 

و لنقدّم مقدّمة تشتمل على فوائد نافعة:

أوّلها: أنّ الوقت المبحوث عنه هنا مقدار معيّن من الزمان، عيّنه الشارع لإيقاع الصلاة فيه، لأجل خصوصيّة فيه بالنسبة إلى تلک الصلاة لاتوجد في غيره من أجزاء الزمان، و هذا هو المعنى الحقيقي للوقت في المقام، و في سائر الموارد الشرعيّة و العرفيّة.

و قد يطلق بنحوٍ من التوسعة على ترتّب فعلٍ على فعلٍ آخر بإيقاعه قبله، أو بعده، أو مقارناً له، كقول الطبيب: وقت استعمال الأطريفل قبل النوم، أو بعد العشاء مثلاً. و هذا ليس من التوقيت الحقيقي في شيء، لفقدان الخصوصيّة بين الفعل والزمان، بل هو من قبيل اشتراط الشيء بتقدّم شيء عليه، أو تأخّره عنه، فهو كالوضوء و نحوه.

نعم لو كان الفعل المترتّب عليه موقّتاً حقيقيّاً و له مقدار حقيقي، يكون موقّتاً بالتبع، كما لو أمر بشيء عند انقضاء الصوم، بل هذا عبارة اُخرى عن توقيته بغروب الشمس في المثال.

و بالجملة، الوقت الحقيقي هو الزمان المعيّن الّذى يتوقّف مصلحة الشي أو مرتبة من مراتبها عليه من حيث كونه زماناً، و أمّا من حيث كونه قبل شيء أو بعده فهو من قبيل سائر الشرائط غير الوقت.

و احتمال تأثير ذلک الفعل في الوقت بأن يجعله صالحاً للفعل بحيث لولا ذلک لم يكن له صلاحيّة الفعل ـ إن فرض إمكانه ـ فظاهر أنّه في غاية البعد، بل مقطوع بعدمه في جميع الموارد.

ثانيها: أنّه كما يمكن تعيين وقتٍ واحد لفعلٍ واحد يسعه، كذلک يمكن تعيين وقتٍ واحد لفعلين أو أكثر بشرط تقديم أحدهما على الآخر أم لا.

أمّا الثاني فواضح، و أمّا الأوّل فمعناه كون الوقت صالحاً لكلاالفعلين، و لكن تقدّم فعلٍ عليه أو تقدّمه عليه شرط كسائر الشروط.

نعم، لابدّ في ترتّب فائدة عمليّة على ذلک صحّة وقوع المشروط بدونه و لو في بعض الصور، و إن لم يكن ذلک شرطاً في حقيقة التوقيت، إذ لامانع في هذه الصورة من حيث الوقت، و إن لم يمكن تحقّقه فيه لفقدان شرط غيره فالحال فيه كسائر الشرائط المفقودة الّتي يستدعي حصولها مضىّ مقدار من الوقت.

و لكن قد يطلق الوقت على الوقت الّذي يمكن إيقاع الفعل فيه، و نفيه عن الزمان الّذي لايمكن أن يقع الفعل فيه و لو لفقدان الشرط، و هذا الإطلاق شائع في العرف، موجود في الأخبار، كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

و لانضايق من تسمية الثاني بالوقت الفعلي، و الأوّل بالأصلىّ، نظراً إلى إمكان وقوع الفعل فعلاً في الثاني، و عدم إمكانه في الأوّل.

و كذلک قد يتساوى العبادتان بالنسبة إلى الوقت، و لكن أهمّيّة أحدهما مطلقاً أو في الجملة توجب تخصيص الوقت الفعلي بالأهمّ، مع تساوي المصلحة الوقتيّة إليهما معاً.

ثالثها: أنّه يمكن جعل أوقات متعدّدة مختلفة في الاعتبار لفعلٍ واحد، كأن يكون بعضها للأفضل، و بعضها للفضل، و بعضه للإجزاء، و بعضها للاضطرار، و هكذا لكلّ مرتبة مرتبة منها، كأوقات متعدّدة لمراتب الفضل، بل الإجزاء، على تأمّل في إمكانه، بل الظاهر المنع إلّا إذا رجع بعضها إلى بعض مراتب كراهة الترک في البعض الآخر.

و كذلک يمكن جعل أوقاتٍ متعدّدة لفعلٍ واحد في مرتبةٍ واحدة، و لكن في المتّصلة منها يحتاج إلى فائدة مصحّحة لإعتبار التعدّد.

و يمكن أيضاً أن تكون لمرتبةٍ من المراتب مصلحة ملزمة توجب الأمر بها وجوباً، و يكون الوقت بعده باقياً، فأداء الفعل فيه أداء، و إن حصل العصيان بترک الوقت الأوّل.

و يمكن أيضاً وجود مصلحة خارجة عن ذات الوقت توجب تعيين مقدار منه للفعل ندباً أو وجوباً، و إن كان غير ذلک المقدار مساوياً معه في المصلحة الوقتيّة، بل و كونه أفضل منه من هذه الحيثيّة، لكن ما لم يصل إلى مرتبة المصلحة الخارجيّة، فإنّه حينئذٍ مع المساوات يلزم التخيير، و مع زيادة المصلحة الوقتيّة على الخارجيّة يلزم أفضليّة غير ذلک المقدار من الوقت، و تلک المصلحة الخارجيّة قد تكون عامّة لجميع المكلّفين، و قد تكون مختصّة بنوعٍ أو فرد منهم، فيتبعه التكليف حينئذٍ، و يكون عمومه أو خصوصه بحسبه.

و يمكن أيضاً اختلاف أصل الوقت و مقداره بحسب المكلّفين، فيكون الوقت للمستعجل و المضطرّ مثلاً غير الّذي تعيّن لغيرهما أصلاً أو مقداراً.

رابعها: أنّ لفظ الوقت مهما اُطلق إن كان مقترناً بما يتعيّن المراد منه من حيث المرتبة فلا إشكال، كما لو قيل: وقت فضيلة الظهر و وقت إجزائه كذا.

و إن اُطلق اللفظ بدون ذلک فاللفظ محتمل لجميع المراتب المتقدّمة، قابل للصدق على كلّ واحدٍ منها على سبيل التواطي، فلايفهم منه خصوص مرتبةٍ منها.

نعم، الإجزاء هو المتيقّن من جميع المراتب، لأنّ جعل الوقت في أيّ مرتبةٍ كان لازمه الإجزاء، فيؤخذ به بهذا المعنى، لا بالمعنى الّذي هو قسيم لسائر المراتب.

خامسها : أنّه يظهر للمتأمّل ممّا ذكرناه أنّ الأصل الّذي ينبغي أن يعوّل عليه في باب المواقيت، و يرفع به اختلاف الأخبار هو أنّه متى وردت مواقيت متعدّدة لصلاةٍ واحدة أن تحمل على اختلاف المراتب من الفضل و الإجزاء، أو لما بعده من مراتب الكراهة بحسب ما يظهر من خصوصيّات الدليل الوارد في المقام، و لايحكم بالتعارض، لعدم معلوميّة اتّحاد المورد، و عدم ظهور لفظ الوقت في مرتبةٍ خاصّة منها.

و غاية ما يستفاد من مفهوم الغاية في نحو قولهم: الوقت إلى القدمين أو الأربعة مثلاً انتهاء الوقت بالمعنى المراد منه، فلا يرفع اليد لأجله عن قولهم: الوقت إلى الغروب، الّذي عرفت أنّه صريح في الإجزاء بالمعنى المشترک.

و دعوى ظهور لفظ الوقت في عدم إجزاء غيره ـ فيعارض هذا الظهور الدليل الآخر ـ يظهر ضعفه بماعرفت من عدم دلالة اللفظ إلّا على كونه وقتاً في الجملة، بمعنى كون الصلاة فيه أداءً لاقضاء، و دلالة المفهوم على عدم الإجزاء فرع استعمال اللفظ في الوقت الّذى ينافي المعنى المشترک بين جميع المراتب، و بمجرّد احتماله لايرفع اليد عن صريح الآخر.

و المقام من هذه الجهة يشبه ما لو فرض ورود دليلٍ على جواز وطي ذات القرء المحتمل لأن يكون المراد منه ذات الطهر، أو ذات الحيض، ثمّ ورود دليل على عدم جواز وطي ذات الحيض، فلا يرفع اليد عن صريح الثاني بمجرّد احتمال كون المراد من الأوّل ذلک أيضاً، بل السليقة المستقيمة تحكم بكون الأوّل من قبيل المجمل، و الثاني من قبيل المبيّن.

و الّذي له انس بالخطابات العرفيّة لايشکّ في أنّ أهل العرف يجعلون الثاني مبيّناً للأوّل، و يعيّنون به المراد من الأوّل، و لهذا حمل الفقهاء كثيراً من الأخبار المختلفة في باب المواقيت و غيرها على ما ذكر، و إن وقع الخلاف في بعضها إمّا لعدم إتقان هذه القاعدة و إجزائها في جميع الموارد، أو لتوهّم وجود خصوصيّةٍ منافٍ لها في بعض المقامات، إذ هذه القاعدة مختصّة بالموارد الّتي لايقترن الدليل بما تنافيها.

و أمّا إذا اقترن بمايجعله ظاهراً أو صريحاً في خلافه ـ كالتصريح بفوت الصلاة بفوات ذلک الوقت، أو كون الصلاة في غيرها قضاء ـ فاللازم أن يحمل مايدلّ على كون ما بعده وقتاً على المضطرّ و نحوه إن أمكن و وجد له شاهد، و إلّا يحكم بالتعارض.

و إن لم يقترن بذلک، بل اقترن بما ظاهره وجوب إيقاع الفعل فيه، و ثبوت العقاب على مخالفته فاللازم أن يحمل على وجوب إيقاعه من ذلک الوقت، دون الحكم بفوت الصلاة بفوته، لما عرفت من عدم الملازمة بين وجوب مرتبةٍ من الوقت و ثبوت مرتبةٍ اُخرى لها.

ثمّ لايخفى أنّ مِن جعل أوقات متعدّدة و إن لم يمكن تعيين المراتب و الخصوصيّات المحتملة و لكن يظهر من غير واحدٍ من الأخبار قاعدة، و هي كون الأقرب إلى أوّل الوقت هو الأفضل، و ما بَعُد منه أقلّ فضلاً ممّا قبله، و أكثر فضلاً ممّا بعده، فاللازم أن يحمل الأوقات المتعدّدة الواردة على هذا الترتيب حتّى ينتهي إلى مرتبة الإجزاء المحضة، أو ما بعدها من مراتب كراهة الترک، بحسب ما يظهر من الدليل الوارد في كلّ مقام، وربّما ورد دليل في خصوص بعض المقامات يدلّ على خلاف ذلک، فيؤخذ به، و يجعل مخصّصاً للعموم الدالّ على فضل المسارعة، كما في صلاة العشاء قبل غروب الشفق و بعده، و غيره مما تطّلع عليه إن شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلک فنقول:

لاخلاف، و لاإشكال في أنّه (يدخل وقت) صلاة (الظهر بزوال) تمام قرص (الشمس) عن دائرة الزوال. فما في بعض العبائر من جعل الوقت وصولها إلى الدائرة المذكورة خطأ، أو مسامحة ظاهرة.

و كذلک ما في كشف الغطاء من اعتباره زوال المركز ]كشف الغطاء 3: 116 قال فيه: الثاني: وقت الظهر، و مبدؤه: انحراف الخطّ المنصّف لقرص الشمس المنطبق على خطّ نصف‌النهار عنه بالميل إلى الجانب الأيمن[، فإنّ المعتبر شرعاً بشهادة العرف هو ما عرفت. و أمّا اعتبار المركز فهو عند المنجّمين خاصّة.

و وجّهه بعض الأفاضل بعد ما ذكرت له ذلک بأنّ انتصاف النهار يتحقّق بزوال المركز. فقلت: إنّ المعتبر شرعاً زوال الشمس، لا انتصاف النهار، و يلزم دخول وقت الظهر حينئذٍ تارةً قبل الزوال، و تارةً بعده، لأنّ انتصاف النهار الحقيقي لايوافق الزوال دائماً، بل يكون قبله، أو بعده غالباً، كما هو واضح لدى أهله.

هذا، و الفرق بين الوجهين الأوّلين أكثر من دقيقتين، و بين الوجه الأوسط و كلّ منهما نصف ذلک إذا كان مدار الشمس معدّل النهار، و كلّما زاد بُعدها عنه جنوباً أو شمالاً زاد التفاوت.

و بالزوال يدخل أفضل أوقاتها، و ما ورد من توقيت الظهر بما بعد الذراع أو القدمين لاينافي ذلک، لأنّ الوجه فيه مراعاة النافلة، لاعدم قابليّة الوقت للظهر، أو نقصان في فضله، كما يظهر من غير واحدة من الروايات.

(فإذا مضى منه مقدار أدائها) بحسب حال المكلّف مضى وقت الاختصاص، و دخل وقت الاشتراک، و (اشترک معها العصر) و يبقى الوقت مشتركاً بينهما (إلى أن يبقى) من النهار، و هو المراد، و إن كان خلاف صريح قوله: (من المغرب مقدار أدائه) بحسب حال المكلّف أيضاً (فيختصّ حينئذٍ هو به أيضاً) و يخرج وقت الظهر عند الماتن تبعاً للمنسوب إلى المشهور، و ستعرف ما في هذه النسبة.

و ذهب الصدوقان ]نسبه إليهما الشهيد في الذكرى 2: 323 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 24.[ و جماعة من المتأخرين ]نقله المرتضى عن الأصحاب في الناصريّات: 189.[ إلى دخول وقت الظهرين بزوال الشمس، و هو مذهب جمع من مشايخنا، و أكثر مَن عاصرناه، بل قيل: إنّه المشهور عند أصحاب الأئمة، و المتقدّمين من الأصحاب، و هو غير بعيد، بل هو الظاهر كما ستعرف.

و تحقيق المقام أنّ القائل بالاختصاص إن أراد به عدم كونه وقتاً فعليّاً للعصر، و عدم قابليّته لوقوع العصر فيه فعلاً لقضيّة الترتيب، فهو كذلک، و لاإشكال فيه.

و إن أراد به عدم كونه وقتاً له أصلاً ـ بمعنى عدم قابليّته لوقوع العصر فيه ذاتاً، و لو مع رفع النظر عن الترتيب و مزاحمة الظهر لها ـ فهو غير صحيح.

لنا على الأوّل : ما ذكره الفاضل في المختلف، و حاصله :

أنّه يلزم على تقدير الاشتراک أحد الأمرين: من التكليف بما لايطاق، أو خرق الاجماع، لأنّ التكليف حين الزوال إمّا يقع بالعبادتين معاً، أو بإحداهما ]إمّا [لابعينها، أو بواحدة معيّنة، و الثالث خلاف فرض الاشتراک، فتعيّن أحد الأوّلين، على أنّ المعيّنة إن كانت هي الظهر ثبت المطلوب، وإن كانت العصر لزم خرق الإجماع.

و على الاحتمال الأوّل يلزم التكليف بما لايطاق، و على الثاني يلزم خرق الإجماع، إذ لاخلاف في أنّ الظهر مرادة بعينها ]حين الزوال[ لا لأنّها أحد الفعلين. ]مختلف الشيعة 2: 34[.

و هذا الدليل كما تراه لامجال في المناقشة في صحّته، و لا في دلالته على نفي الوقت بالمعنى الّذي عرفت، و هو عدم إمكان البعث الفعلي في أوّل الوقت مع اشتراط الترتيب إلّا على الظهر خاصّة، و يقصر عن إثبات عدم كونه وقتاً شأنيّاً، و لولا كلامٌ ذكره بعد هذا الدليل ـ وإن كان ممّا تحيّرت فيه أفهام المتأخّرين ـ وجب حمل كلامه على الوقت الفعلي لا الأصلي الّذي لايخفى على مثله قصوره عن إثباته، بل عدم ارتباطه به أصلاً.

و مثل ذلک يجري في الكسوف الواقع أوّل الزوال إن يعلم عدم سعة زمان مكثه بصلاة الآيات و الظهر معاً، أو حضرت جنازة أوّل الزوال، و لايمكن تأخير الصلاة عليها لبعض الأسباب، ونظائر ذلک كثيرة، و لا خلاف في وجوب تأخير الظهر حينئذٍ.

فهل يظنّ بمثل الفاضل أنّه يقول بعدم صلاحيّة الوقت للظهر و يرى أنّ أوّل وقت الظهر بعد مضيّ مقدار الصلاتين، و يحكم بأنّ مَن نسي إحدى هاتين الصلاتين و صلّى الظهر عند الزوال وقعت صلاته حينئذٍ خارج الوقت؟

و أيضاً هذا الدليل بعينه جارٍ في ما لو أخّر الظهر عن أوّل الوقت بمدّة طويلة، مع أنّه لا خلاف في الاشتراک بعد مضىّ مقدار الاختصاص، صلّى الظهر فيه أم لا.

و يجري نظيره أيضاً في أبعاض صلاة الظهر، إذ لايمكن الأمر بمجموع العبادة في أوّل وقت الظهر، للزوم التكليف بما لايطاق، فلابدّ أن يكون على سبيل التدريج، و حينئذٍ لو نسي السورة مثلاً لزم بطلان الركوع، و هكذا، فتأمّل.

و بالجملة، فمن اللازم تنزيل هذا الدليل على الوقت بالمعنى الّذي ذكرناه، و لو بارتكاب التأويل في ما هو ظاهر من كلامه في خلاف ذلک، لما عرفت من البون البعيد بينه و بين الوقت الأصلي، و انطباقه عليه بالمعنى الآخر.

ثمّ إنّ الفاضل قد استدلّ في المختلف على عدم دخول وقت العشاء بما بعد المغرب بأنّها عبادة موظّفة موقّتة، فلابدّ لها من ابتداء مضبوط، و إلّا لزم التكليف بما لايطاق، و أداء المغرب غير منضبط، فلايناط به ]وقت[ العبادة. ]مختلف الشيعة 2: 48[.

و هذا دليل حسن جيّد، إذ الصلوات الخمس موقّتة إجماعاً، و قد عرفت في المقدّمات السابقة أنّ التوقيت لازمه التعيين، و جعل فعلٍ بعد فعلٍ ليس له مقدار معيّن ليس من التوقيت في شيء.

و يتمّ هذا البرهان بهذا البيان، من غير احتياج إلى ما ذكره من لزوم التكليف بما لايطاق، و مَن حكم مِن المتأخّرين بوضوح ضعفه فقد غفل عن مرامه قدس سره.

و هذا البرهان جارٍ بعينه في المقام، إذ لاوقت مضبوط للعصر إلّا الزوال، باتّفاق الأخبار، و كلمات الأصحاب، و لا أدري ما الّذي دعاه إلى ترک الاستدلال به، و اختيار الاشتراک، و هو ممّا يؤيّد أيضاً أن يكون مراده بالوقت هنا الوقت بالمعنى الّذي نقول.

ولنا على الثاني: الأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة.

منها: الصحيح عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أباعبداللّه علیه‌السلام عن وقت الظهر و العصر، فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقتٍ منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس». ]وسائل‌الشيعة 4: 126 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 5[.

و منها: روايته الاُخرى عنه علیه‌السلام أيضاً: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّه هذه قبل هذه». ]وسائل‌الشيعة 4: 130 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 21[.

و مثلها: رواية الصباح بن سيّابه، و سفيان بن السمط، و مالک الجهني عنه علیه‌السلام، و رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح علیه‌السلام ]وسائل ‌الشيعة 4: 127 ـ 128 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 8 ـ 9 ـ 10 ـ 11[، لكن بحذف الجملة الاستثنائية في الجميع.

و مثلها: رواية الدعائم ]دعائم الاسلام 1: 137 [لكن بزيادة لفظ الظهر و العصر بعد لفظ الصلاتين.

و روي في الفقيه عن مالک الجهني، عن أبي عبداللّه علیه‌السلام مثله، و زاد في آخره: «فإذا فرغت من سبحتک فصلّ الظهر متى مابدا لک» ]وسائل‌الشيعة 4: 133 الباب (5) من أبواب المواقيت، ح 7[. ولعلّه متّحد مع روايته الاُخرى.

و منها: ما رواه العيّاشي عن زرارة، قال: سألت أباعبداللّه علیه‌السلام عن هذه الآية (أقِمِ الصَّلوة لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ الَّليْلِ) ]الاسراء: 78 [قال: «دلوک الشمس: زوالها عند كبد السماء، إلى غسق الليل: إلى انتصاف الليل، فرض اللّه في ما بينهما أربع صلوات ـ إلى أن قال ـ و إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، ليس نفل إلّا السبحة الّتي جرت به السنّة أمامها» . ]التفسير للعيّاشي 3: 71[.

و منها: ما رواه الشيخ و العيّاشي عن عبيد بن زرارة في تفسير الآية، قال: «إنّ اللّه افترض أربع صلوات، أوّل وقتها زوال الشمس الى إنتصاف الليل، منها: صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه، و منها: صلاتان أوّل وقتهما ]من[ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه». ]وسائل‌ الشيعة 4: 135 الباب (10) من أبواب المواقيت، ح 4؛ التفسير للعيّاشي 3: 73[.

و منها: ما رواه في الفقيه في الصحيح عن أبيجعفر7 قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة». ]الفقيه 1: 140، ح 648[.

و منها: مكاتبة بعض أصحابنا الّتي رواه الشيخ عن سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن ]أحمد بن[ يحيى، و فيها: فكتب علیه‌السلام: «لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة». ]وسائل ‌الشيعة 4: 135 الباب (5) من أبواب المواقيت، ح 13[.

و منها: ما رواه في الكافي عن إسماعيل مهران، قال: كتبت إلى الرضا علیه‌السلام: ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب عیه‌السلام: «كذلک الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة، و مصيرها إلى البياض في اُفق المغرب». ]وسائل‌ الشيعة 4: 186 الباب (17) من أبواب المواقيت، ح 14[ إلى غير ذلک من الروايات الّتي تركنا ذكرها لاحتمال اتّحادها مع المذكورات، و إن اختلف الأسانيد.

و استدلّ أيضاً على ذلک برواية زرارة، قال: قلت لأبي جعفر علیه‌السلام: بين الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال: «لا». ]وسائل‌ الشيعة 4: 126 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 4[ و هذا يصلح مؤيّداً لا دليلاً، إذ لعلّ المراد أنّه ليس بينهما حدّ محدود بالإظلال و نحوها كما في سائر الفرائض، بل الحدّ بينهما مختلف بحسب أداء الظهر، فينطبق حينئذٍ على الوجه المشهور في القول الآخر.

و بالجملة، فهذه الأخبار الكثيرة، أمّا أسانيدها: ففي غاية الاعتبار، فيها الصحاح و غيرها، و قد رويت في الكتب المعتبرة، و اعترف أعاظم الأصحاب حتّى مَن يذهب إلى القول الآخر باعتبارها، و ناهيک شهادة مثل الفاضلين بذلک في المعتبر ]المعتبر 2: 34[ و المنتهى ]منتهی المطلب 4: 55[، و تشديدهما على ابن إدريس لأجل انكاره لها، و تشديدهم سهام الطعن إليه، على أنّ كلام ابن ادريس غير ظاهر في الطعن على ثبوت هذه الأخبار، بل وصفه المحصّلين من الأصحاب بأنّهم يأخذون المعاني لا الألفاظ ]كتاب السرائر 1: 200[ يدلّ على أنّه يقول بوجوب التأويل بعد تسليم ثبوتها و ظهورها.

و من المكاتبة المتقدّمة يظهر أنّ هذه الأخبار كانت مشهورة في زمان الأئمّة، و لعلّ في جوابه ثمّ تقرير لها، و شهادة بصحّتها.

و كذلک مكاتبة عبداللّه بن محمّد، قال: كتبت إليه ـ أى الرضا علیه‌السلام، والراوي هو الحضيني ظاهراًـ جعلت فداک، روى أصحابنا عن أبيجعفر و أبي عبداللّه علیهماالسلام أنـّهما قالا : «إذا زالت الشمس ]فقد[ دخل وقت الصلاتين». ]وسائل ‌الشيعة 4: 148 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 30[.

و أمّا دلالتها: فظهور صراحتها مغنٍ عن البيان، و لعمري إنّ القائل بالاشتراک لو حاول التعبير عن مذهبه بعبارةٍ صريحة موجزة لم‌يجد بدّاً منها، و لامعدّلاً عنها، و في الجملة الاُولى تصريح بدخول الوقت، و في الجملة الاستثنائيّة ـ الّتي اشتملت جملة منها عليهاـ دفع لما يتوهّمه القائل بالاختصاص من المنافاة بين وجوب الظهر قبل العصر و دخول وقت العصر بدخول وقت الظهر، و بيان لأنّ قضيّة اشتراط الترتيب لاينافي دخول الوقت، بألطف تعبيرٍ و أحسن بيانٍ، فهي مع كونها في أقصى درجات الصراحة، في الغاية القصوى من الإيجاز والفصاحة، مشتملة على فوائد مهمّة شاهدة بصدورها عن معادن العصمة.

ثمّ إنّه قد وقع التعبير في أكثر الأخبار المتقدّمة بدخول وقت الصلاتين، و في بعضها بدخول الوقتين، و معناهما واحد، إذ الثاني من باب لحاظ التعدّد في الوقت باعتبار تعدّد الموقّت، و لايلزم منه المجاز ـ كما توهّم ـ كما يظهر بالتأمّل.

و كلتا العبارتين في الصراحة كما عرفت، و لهذا قال المحقّق: فيجب الاعتبار بالتأويل ]المعتبر 2: 35[ و قد اختلف آرائهم في ذلک :

فأوّلها بعضهم بأنّ المراد دخول الوقتين على سبيل التوزيع، و هذا هو التناقض الصريح، إذ معنى التوزيع عدم دخول الوقت للثاني، و هو نقيض دخول الوقت له، كما هو ظاهر.

و أوّلها بعضهم بأنّ المراد دخول وقت المجموع لا الجميع، و هذا هو التكلّف البعيد، فإنّه لايحسن إلّا إذا كان للهيئة المجموعيّة عنوان واحد، وجهة اتّحاد، كأجزاء الصلاة الواحدة، و أين ذلک مِن عبادتين مستقلّتين كما هو مفروض المقام، على أنّ هذا التأويل لايجري فيالرواية المشتملة على لفظ «جميعاً»، بل و لا في الروايات الّتي عبّر فيها بدخول الوقتين إلّا بمزيد تكلّف.

و قد ذكر شيخنا الفقيه في المصباح أنّ الأخبار المشتملة على الاستثناء يجعلها كالنصّ في أنّ موضوع القضية كلّ واحدة من الصلاتين، لاالمجموع من حيث المجموع هو كذلک. ]مصباح ‌الفقيه 9: 105[.

و إن كان إلزام الخصم بذلک لايخلو عن صعوبة، لأنّه مبنيّ على كون الجملة الاستثنائيّة لبيان اشتراط الترتيب، و هو و إن كان كذلک و لكنّ الخصم لايسلّم ذلک، بل يجعل المراد منها كون وقت هذا قبل هذا، كما ستعرف من محتمل كلام المحقّق، و صريح الماتن.

و أوّلها المحقّق بأنّه لمّا لم يكن للظهر وقت مقدّر، بل أىّ وقت فرض وقوعها فيه أمكن وقوع الظهر في ما هو أقّل منه، و أمكن وقوع العصر في أوّل الوقت إلّا ذلک القدر، فلقلّة الوقت و عدم ضبطه كان التعبير فيه بما ذكر من ألخص العبارات و أحسنها، انتهى ملخّصاً.] المعتبر 2: 35[.

و ظاهر أنّه لايتّم إلّا بدعوى المجاز بعلاقة المشارفة و نحوها، من غير قرينة عليه، ولاداعٍ إليه، إلّا توهّم منافاتها لمرسلة داود، و ستعرف الكلام فيها، إن شاء اللّه تعالى.

على أنّ ذلک منافٍ لما عرفت في المقدّمات من معنى الوقت، و لايتمّ إلّا على أضعف الآراء للقائلين بالاشتراک.

ثمّ إنّ الماتن في كتابه‌الكبير أخذ هذا الوجه من المعتبر، و زاد قبله جملة اُخرى، و هي : إنّ التعبير بدخول الوقتين معاً بزوال الشمس قد لاينافي الاختصاص بعد فرض كون العصر متّصلة بها مترتّبة عليها، كاتّصال الركعة الثانية بالاُولى، خصوصاً و لا وقت لها محدود، كما نطق به خبر الفضل السابق ]بل[ و خبر زرارة. ]جواهر الكلام 7: 87[.

ثمّ نقل الرواية الّتي ذكرناها مؤيّدة لأخبار الاشتراک، ثمّ قال: «كما أنّه ليس للظهر وقت معيّن»، ثمّ نقل عبارة المعتبر مع تغييرات في العبارة ]جواهر الكلام 7: 87 من قوله: بل أيّ وقت الفرض، إلى قوله: من ألخص العبارات و أحسنها. فإنّه مأخوذ من المعتبر[، و لم يظهر لي ما قصده؛ من ذلک، فهل زعم إجمالاً في كلام المحقّق فأراد توضيحه، أو رأى فيه نقصاناً فأراد إتمامه، أو أراد بيان وجهٍ آخر غير ما ذكره المحقّق؟

و على كلّ حال لم يظهر لنا مراده من ترتّب العصر على الظهر، و لا معنى اتّصالها بها، فإن أراد بترتّبهما اشتراط وقوع الظهر قبلها فهو مسلّم، و لكن ذلک لايصحّح صحّة إطلاق دخول وقت المشروط بمجرّد دخول وقت الشرط، فهل يصحّح أحد قول القائل لغلام بلغ مستهلّ شوّال: «إنّه قد دخل عليک وقت صوم شهر رمضان» يريد به القابل بمجرّد حصول شرطه و هو البلوغ؟

و إن أراد بذلک ترتّب وقت العصر على انقضاء فعل الظهر ففساده أظهر، إذ لايصحّح أحد قول القائل: إذا طلع الفجر دخل وقت الإمساک و الإفطار، أو دخل الوقتان لهما.

و إن أراد به اتّصال الوقتين فيردّه النقض الأخير و أشباهه، و مقتضى تشبيه اتّصال العصر بالظهر باتّصال الركعة الثانية بالاُولى أن يكون مراده الاتّصال الخارجي، و فساده أظهر، و مع ذلک كلّه تشبيه عبادتين مستقلّتين أمر بهما بأمرين تعيينيّين بجزئين لعبادةٍ واحدة لم يتعلّق الأمر بهما إلّا في ضمن الكلّ و لايجوز الفصل بينهما و يلزم اتّصالهما في غاية السماجة.

و ذكر في المعتبر لتأويل هذه الأخبار وجهاً آخر، و هو أنّ الحديث تضمن «إلّا أنّ هذه قبل هذه» و ذلک يدلّ على أنّ ]المراد[ بالاشتراک ما بعد وقت الاختصاص ]المعتبر 2: 35[ و هذا بظاهره كما ترى.

و أوّله في المصابيح ]مصابيح الأحكام: لآية اللّه بحرالعلوم السيّد محمد مهدى الطباطبائى، مخطوط. راجع: الذريعة 21: 82[ بأنّ الجملة بتقدير الوقت، فيكون المراد: إلّا أنّ هذه قبل وقت هذه.

و فيه مضافاً إلى أنّه في غاية البعد، يلزمه وقوع التهافت الصريح بين المستثنى و المستثنى منه.

و أيضاً لوقدّر ذلک في موضعٍ واحد منها اختلّ المعنى، و لزم منه ما لايقول به أحد، و إن قدّر في موضعين لزم منه عدم دخول وقت العصر إلّا بانقضاء وقت الظهر و لايقول به أحد أيضاً، إلّا أن يقدّر معه لفظ الأوّل، أو الابتداء، أو نحوهما، و لاريب في قبح هذا المقدار من التقدير، مضافاً إلى لزوم اللّغوية في الكلام، إذ لاثمّرة مهمّة في معرفة كون أوّل وقت الظهر قبل وقت العصر في الجملة من غير تعيين لذلک.

و بالجملة، هذا التفسير لهذا التأويل بعيد صدوره عن مثل المحقّق، و من الواضح كون الجملة المذكورة مسوقة لبيان الترتيب، فكيف يخفى على مثله؟ و كيف يجعلها بتقدير الوقت؟ مع أنّه قدس سره استدلّ بهذه الأخبار بعينها في المعتبر أيضاً على وجوب الترتيب بين الظهرين والعشائين. ]المعتبر 2: 41[.

فالأولى حمل كلامه على كون الوقت الفعلي للعصر بعد الظهر بالمعنى الّذي ذكرناه و نوضحه قريباًـ إن شاء اللّه تعالى ـ فحينئذٍ تتمّ الاستفادة المذكورة من الرواية، إذ لاإشكال في أنّ الترتيب موجب لتخصّص الوقت الفعلي أوّل الزوال بالظهر في الغالب.

و هذا و أشباهه من كلماتهم ممّا يوجب الظنّ بكون محطّ الكلام هو الوقت بالمعنى الّذي ذكرناه.

و لو لاتصريح الفاضلين في مسألة مَن أكمل العصر ثمّ ذكر أنّ عليه الظهر بالتفصيل بين وقوع العصر في أوّل وقت الظهر و غيره ]شرائع الإسلام 1: 76 و ارشاد الأذهان (المطبوع مع غاية المراد) 1: 97[، لكان اللازم القطع بذلک، و الحكم بعدم الخلاف بين الأصحاب إلّا من جماعة من المتأخّـرين.

ثمّ إنّ بعض المعاصرين زعم أنّ هذه الأخبار واردة في مقام الردّ على العامّة، و نفي الوقت الّذي يثبتونه للعصر، و لذلک جزم بالاختصاص، و زعم أنّ المسألة واضحة لايحتاج إلى التطويل في توجيه الأخبار المتقدّمة، و تعجّب ممّن فعل ذلک.

و ينبغي أن يقال له: إنّ ذلک لو فرض تسليمه لكان ينبغي أن يقتصر في النصوص على نفي ذلک فقط، أو مع بيان الوقت كما هو الواقع، لا أن يبيّن فيها ردّ العامّة بما هو ظاهر أو صريح في ما يخالف العامّة و الخاصّة معاً، إلّا أن يقول: إنّ لها توجيهاً، فحينئذٍ وقع في ما هرب منه، و احتاج إلى تلک التوجيهات الّتي تعجّب ممّن ذكرها، أو إلى أمثالها.

و بالجملة، مجرّد كون الأخبار في مقام الردّ على العامّة لايغني عن التوجيه، و صاحب هذا الكلام قد استراح من حيث تعب الكرام.

هذا، و قد استدلّ على المختار بظاهر قوله تعالى: (أقِمِ الصَّلوة لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ الَّليْلِ) ]الاسراء: 78[ و بعدّة أخبار لاتخلو دلالتها عن الخفاء، و في ما مرّ كفاية عنها.

 

استدلّ القائل بالاختصاص بوجوهٍ:

أوّلها: الدليل العقلي الّذي تقدّم نقله عن العلّامة، و قد عرفت الكلام فيه.

ثانيها: ـ و هو أقواها ـ مرسلة داود بن فرقد، عن أبي عبداللّه علیه­السلام قال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ]حتّى يمضي[ مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلک فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلک فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس، ]وسائل ‌الشيعة 4: 127 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 7[ و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلک فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلک فقد خرج وقت المغرب، و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل». ]وسائل‌ الشيعة  4: 184 الباب (17) من أبواب المواقيت، ح 4[.

قالوا: أمّا ضعفها: فمجبور بالشهرة. و قال الشيخ قدس سره في كتابه: إنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح، و بنو فضّال ممّن اُمرنا بالأخذ بكتبهم و رواياتهم . ]كتاب ‌الصلاة للشيخ‌ الأعظم الأنصارى 1: 36[.

و أمّا دلالتها: فهي عندهم صريحة، و لذا جعلوها مبيّنة للأخبار المتقدّمة بعد الحكم عليها بالإجمال، أو مع تسليم ظهورها في الاشتراک حملوها على المرسلة حملاً للظاهر على الصريح.

و منهم من قال: إنّ تلک الأخبار مطلقة، و هذه مقيّدة لها، و يظهر من الشيخ قدس سره أنّ تلک الأخبار عمومات تخصّص بهذه المرسلة. ]کتاب الصلاة 1: 39[.

قلت: أمّا جبر ضعفها بالشهرة: فالشهرة لاتكون جابرة إلّا إذا علم الاستناد إليها، و هو في المقام غير معلوم، بل الظاهر أنّ الّذي دعاهم إلى القول بالاختصاص هو الدليل العقلي، و لهذا جعل في المدارک هذه المرسلة مؤيّدة للدليل العقلي. ]مدارک الاحكام 3: 36[

و يظهر من التحرير أنّ اعتماده عليها لأجل إعتضادها بالدليل العقلي ]تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 178[  الّذي عرفت حاله.

هذا كلّه بناء على كون المراد من الشهرة الجابرة هي الشهرة في الفتوى، و أمّا بناء على المختار عند المحقّقين ـ من أنّ المراد منها الشهرة بحسب الرواية، و تكرّر نقلها في الاُصول ـ فلاإشكال في شهرة الأخبار المتقدّمة، و شذوذ هذه المرسلة، لأنّا لم نظفر على من رواها إلّا الشيخ عن كتاب سعد بن عبداللّه.

على أنّ مطابقتها مع الشهرة في الفتوى أيضاً ممنوعة كما ستعرف قريباً.

و أمّا ما ذكر الشيخ أوّلاً: ففيه أنّ صحّة السند إلى ابن فضّال غير معلوم، بل السند إليه من معضلات الأسانيد. و بيان ذلک مع رعاية الاختصار أنّ هذه الرواية قطعها الشيخ قدس سره في التهذيب، فروى القطعة الاُولى هكذا: سعد ]بن عبداللّه[، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و موسى بن جعفر بن أبيجعفر، عن أبيطالب عبداللّه بن الصلت.

و القطعة الثانية هكذا: سعد بن عبداللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و موسى بن جعفر، عن أبيجعفر، عن أبيطالب عبداللّه بن الصلت. ]تهذيب الاحكام 2: 26 ـ 30، 21 ـ 33 و السند في كلا الموضعين ورد على النحو الثاني[.

و يكون السند على الأوّل صحيحاً، و إن كان موسى بن جعفر بن أبيجعفر مجهولاً لم نجد له ذكراً في كتب الرجال، و لكن وجود ابن عيسى بدلاً منه يغني عنه.

و لكنّ الظاهر وقوع التحريف فيه، بل الصحيح الأخير، لتكررّه هكذا في الاستبصار، ]الاستبصار 1: 261 باب 148/ 1[.

و عليه لايعرف أبوجعفر الّذي وقع بين أحمد و موسى و بين أبي طالب، و كون الراوي عنه أحمد قرينة على أنّه البزنطي، و لكن يبعّده روايته عن أبيالصلت، فإنّه غير معهود، بل المعهود، العكس كما في غير موضع من التهذيب، و قدنبّه عليه العلّامة البحراني في التنبيهات. ]قال في الذريعة 4: 44 «تنبيه الأريب و تذكرة اللبيب في إيضاح رجال التـهذيب» للعلّامة التوبلي السيّد هاشم بن سليمان بن اسماعيلالكتكاني البحراني، و هو كتاب مبسـوط في شرح أسانيد «التهذيب» و بيان أحـوال رجاله، و لاحتياجه إلى التهذيب و التنقيح هذّبه الشيخ حـسن الدمسـتاني و سمّاه «انتخاب الجيّد من تنبيهات السيّد» وهـو انتخاب هذا الكتاب لاكتاب الفقه له الموسوم بالتنبيهات[.

  و أمّا ما ذكره ثانياً: فعجيب، إذ غاية ما دلّت عليه الرواية الآمرة بأخذ كتبهم عدم مانعيّة فساد مذهبهم عن الأخذ برواياتهم، و أنّ ذلک غير قادح في وثاقتهم، لا أنّه يلزم الأخذ بجميع رواياتهم و لو نقلوها عن دجّال خبيث، و أنّ روايتهم للحديث رافع لاشتراط الوثاقة عن جميع من رووا عنه و لو بالوسائط، و يكون حالهم أرفع من حال الإماميّ العدل؛ فلو نقل أحمد بن فضّال رواية عن أحد الدجّالين قبلت روايته، و ترد لو نقل الإماميّ الثقة رواية اُخرى عن ذلک الدجّال بعينه ممّا لايكون أبداً، و لكنّ الشيخ قدس سره يكرّر ذلک في مواضع من كتبه، و كانّه رأى كلام بعض العلماء في أصحاب الإجماع، فجعل المقام نظير ذلک، و الحقّ عدم صحّة ذلک أصلاً هناک، و وجود الفرق بينه و بين المقام، و لتحقيق ذلک محلّ آخر.

و أمّا الكلام في دلالتها: فقد عرفت في المقدّمات أنّ الوقت كثيراً مّايطلق على الوقت الفعلي، و هو المتبادر منه متى لم يحدّد بمعيّنات الأزمنة، و بماجرت العادة على تحديد الأوقات به كالطلوع و الغروب و الإظلال ونحو ذلک، بل حدّد بالأفعال و نحوها كما في هذه المرسلة و سائر الأخبار الّتي حدّدت الفرائض فيها بأداء النوافل و نحوها، لاسيّما إذا لم يكن لها مقدار معيّن يمكن ضبطه، فإنّک قد عرفت في المقدّمات أنّ تعيّن المقدار شرط في حقيقة التوقيت، و التوقيت بغيره يكون ظاهراً في شرطيّة تقدّم فعل عليه و نحوه، و إنّما يطلق عليه الوقت لتمكّن المكلّف بعده من إتيان الفعل فعلاً، دون ما قبله، فالزمان الّذي هو بعد حصول الشرط صالح لوقوع الفعل فيه فعلاً، و لهذا سمّيناه في الموقّتات المشروطة بالوقت الفعلي، دون الزمان الّذي لم يحصل الشرط فيه، و لهذا سمّيناه بالوقت الأصلىّ.

و الأمثلة العرفيّة لكلا القسمين في غاية الكثرة، و كذلک الأمثلة الشرعيّة.

فمن قبيل الأوّل: الأوقات الثلاثة للفرائض الخمس، و من قبيل الثاني: الأخبار العادة في تحديد العصر و العشاء بفعل الظهر و المغرب.

ثمّ إنّه لاإشكال في أنّ الوقت المبحوث عنه في المقام ـ و هو الّذي يترتّب عليه الأداء و القضاء و نحوهما من الأحكام ـ هو الوقت الحقيقي، و هو إن لم يكن مشروطاً بشيء يكون فعليّاً من أوّله كالظهر، و إن كان مشروطاً بشيء لايكون فعليّاً إلّا بعد حصوله.

إذا عرفت ذلک ـ و لاأظنّک ترتاب فيه إن أنصفت لدى المناظرة، و استعملت الإنصاف لا المكابرة ـ فاعلم أنّ تحديده وقت الظهر بالزوال في المرسلة هو الوقت الأصلىّ، لوقوع التحديد فيه بمعيّنات الأزمنة، و بما جرت العادة في تحديدها به، و هو فعليّ، لعدم اشتراطه بتقدّم شيء عليه، و تحديده للعصر هو الوقت الفعلي بقرينة الاشتراط، و تحديده بمقدار فعل لامقدار معيّن له.

و لايتوهّم أنّ اللازم من ذلک تعدّد معنى الوقت في الفرضين المنافي لاتّحاد السياق؛ لأنّ المراد من الوقت في المرسلة ـ في الفرضين ـ هو الوقت الفعلي، و إنّما استفدنا الأصليّة للظهر بما عرفت، فهو فعلىّ أصلىّ معاً.

و إنّما خصّ مقدار الأربع بالذكر مع أنّ الوقت الفعلي لايحصل إلّا بوقوع شرطه، لأنّه المقدار الّذي لايمكن وقوع الظهر فيه لعامّة المكلّفين إلّا في فرض نادر، و هو صورة السهو الّتي ليست المرسلة ناظرة إليها قطعاً، فقبل مضيّ ذلک المقدار لايمكن البعث الفعلي إلى العصر، بخلاف ما بعده فإنّه يمكن ذلک لإمكان وقوع الفعل فيه.

وإطلاق الوقت بهذا المعنى شائع في الأخبار، كما في رواية مسمع: «إذا صلّيت الظهر دخل وقت العصر» ]وسائل ‌الشيعة 4: 132 الباب (5) من أبواب المواقيت، ح 4[. و مرسلة الفقيه: «إذا صلّيت المغرب دخل وقت العشاء الآخرة». ]وسائل‌ الشيعة 4: 184 الباب (17) من أبواب المواقيت،  ح 2[.

و ظاهرهما دخول الوقتين للاُخريين بالفراغ من الاُوليين مطلقاً، مثلّهما في أوّل الوقت أو بعده، وتقييدهما بأوّل الوقت لا دليل عليه، فهو منفيّ بالإطلاق، و عليه لايكون الوقت فيهما إلّا الفعلي، إذ لاخلاف في عدم توقّف الوقت الأصلىّ على فعل الاُوليين.

ومن الغريب غفلة صاحب المستند عن ذلک، و استدلاله بهما على الاختصاص ]مستند الشيعة 4: 22 ـ 23[ مع أنّهما على خلاف ذلک أدلّ.

و مثل ذلک وارد في تحديد الظهرين بجعلهما بعد الفراغ من النافلة، طوّل أو قصّر، نحو صحيح ابن أبي منصور: «إذا زالت الشمس و صلّيت سبحتک ]فقد [دخل وقت وقت الظهر». ]وسائل‌ الشيعة 4: 133 الباب (5) من أبواب المواقيت، ح 8[.

و بمثل ذلک عبّر الشيخ في التهذيب، فقال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا لمن يصلّي النافلة السبحة، و هي تختلف باختلاف المصلّين، فمن صلّى بقدر ما تصير الشمس بقدر قدمٍ فذلک وقته، ومن صلّى على ذراعٍ فكذلک» ]تهذيب الاحكام 2: 24[، إلى آخر كلامه.

و لا إشكال في دخول وقت الظهر لعامّة المكلّفين بمجرّد الزوال، صلّى النافلة أو تركها، أطال وقتها أو قصّر، فلاإشكال في كون المراد من الوقت ما عرفت، بل الأمر هنا أوضح، إذ العصر لايمكن الإتيان به إلّا بفعل الظهر، فيختصّ الوقت الفعلي بما بعده، دون النوافل مع الفرائض، فإنّهما مستحبّ و واجب، كلّ منهما مستقلّ في الطلب، و لكن لمّا كانت النافلة مطلوبة فوراً، أو صحّته مشروطة بتقدّمها على الفريضة على تقدير الجمع، أوجب تقييد الوقت الفعلي للفرضين بما بعدهما؛ لأنّ الآمر مع إرادته الفعلين كذلک ـ أي أحدهما فوراً، أو مقدّماً على الآخرـ لايمكنه البعث على الثاني إلّا بعد الأوّل، و إن كان أحدهما مستحبّاً، و كلّ منهما غير مشروط بالآخر، ففي صورة الاشتراط بطريق أولى.

و بهذا يظهر لک قوّة كون ذلک مراد أكثر الأصحاب لا سيّما المتقدّمين منهم، و حينئذٍ ينحصر الخلاف بجماعة من المتأخّرين الّذين نعلم أنّه ما دعاهم إلى الاختصاص إلّا توهّم الشهرة.

و بما عرفت ينعكس الأمر، و يكون المشهور هو الاشتراک، و يطابقه نقل السيّدالمرتضى ذلک عنهم ]المسائل الناصريّات: 189[ و يؤيّده اعتراف المحقّق في المعتبر بأنّ أخبار الاشتراک قد رواها فضلاء الأصحاب، و أفتوا به. ]المعتبر 2: 35[.

ثمّ نقول: إنّه قد وردت روايات كثيرة مصرّحة بعدم دخول الوقت بمجرّد الزوال، و تحديد وقته بما بعده من الزمان، كصحيح الفضلاء الستّة، قالوا: قال أبوجعفر و أبوعبداللّه علیهماالسلام: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان». ]وسائل‌ الشيعة 4: 141 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 2 ـ 1.[

و في الصحيح عن إسماعيل بن عبدالخالق، قال: سألت أباعبداللّه علیه‌السلام عن وقت الظهر؟ فقال: «بعد الزوال بقدمٍ أو نحو ذلک، إلّا في يوم الجمعة ]أو في السفر [فإنّ وقتها إذا زالت». ]وسائل ‌الشيعة 4: 144 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 11 و فيه: قال وقتها حين تزول.[

و موثّق سعيد الأعرج عنه أيضاً: سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : «بعد الزوال بقدمٍ» ]وسائل‌ الشيعة 4: 145 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 17[ إلى غير ذلک ممّا ليس هنا محلّ نقله.

و الجميع ظاهر في عدم دخول الوقت إلّا بعد مضىّ مقدار من الزوال، ظهور المرسلة في ذلک، بل أزيد، و الأصحاب فهموا منها أنّ ذلک إنّما وقع لمكان النافلة، و لم يخطر ببال أحد منهم طرح هذه الأخبار، و لاتخصيص أصل الوقت بذلک، بل الجميع فهموا منها ما عرفت، و أصابوا في ذلک ـ قدس اللّه أرواحهم ـ فهلّا سمحت خواطرهم بمثل ذلک في مرسلة واحدة بأن يجعلوا تخصيص العصر بما بعد مقدار الظهر لمكان الظهر، فإذا كانت النافلة الّتي هي من المستحّبات توجب مراعاتها التصريح بعدم دخول وقت الفرض الواجب إلّا بمضىّ مقدارها أفلا توجب مراعات واجب كصلاة الوسطى ـ الّتي هي أفضل الخمس الّتي هي أفضل العبادات العمليّة أجمع ـ التصريح بتأخّر العصر لأجلها؟

ثمّ نقول: إنّک قد عرفت في المقدّمات أنّ لفظ الوقت حيث ورد مجرّداً عن القرينة لايفهم منه إلّا القدر المشترک بين جميع المراتب، بمعنى كون الفعل فيه أداء لا قضاء، و هو صريح في ذلک، إذ لامعنى للوقت إلّا ما جاز وقوع الفعل فيه، فأخبار الاشتراک صريحة في ذلک بعد ما عرفت صراحة لفظ الدخول، وكون المرسلة معارضة لها متوقّف على كون المراد منه هو الوقت الّذي استعمل فيه لفظ الوقت في تلک الأخبار، و هذا ممّا لايدلّ عليه اللفظ، فيؤخذ بهما معاً، لما مرّ بيانه.

و من المحتمل أن يكون المراد منه في المرسلة وقت بعض مراتب الفضل، و المانع يكفيه الاحتمال، و على المستدلّ إثبات خلافه.

ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار أنّ بعد مضيّ مقدارٍ من الزوال له نحو اختصاص بالعصر، و إن صحّ الظهر فيه، كقول الصادق علیه‌السلام: «لئن اُصلّي الظهر في وقت العصر أحبّ إلىّ من أن اُصلّي قبل أن تزول الشمس، فإنّى إذا صلّيت قبل أن تزول ]الشمس[ لم تحسب لي، و إذا صلّيت في وقت العصر حسبت لي». ]وسائل ‌الشيعة 4: 168 الباب (13) من أبواب المواقيت، ح 8[.

و قوله علیه‌السلام لسماعة بن مهران: «إيّاک أن تصلّي قبل أن تزول، فإنّک إن تصلّي في وقت العصر خير لک من أن تصلّي قبل أن تزول» ]وسائل ‌الشيعة 4: 168 الباب (13) من أبواب المواقيت، ح 6[ إلى غير ذلک.

و من المحتمل قريباً أن يكون المراد بدخول وقت العصر في المرسلة هذا الوقت الّذي له نحو اختصاصٍ بالعصر الّذي أطلق عليه في هذه الأخبار وقت العصر خاصّة، و إن صحّ وقوع الظهر فيه أيضاً، و لأجله اُطلق عليه وقت الفرضين.

و بالجملة، فالوقت في المرسلة ظاهر في المعنى الّذي ذكرناه، ومع التنزّل فلاأقلّ من احتماله ما عرفت، و مع ذلک كيف يقول بعض مَن قارب عصرنا ]هو الفقيه المتبحّر السيّد علي الطباطبائي آل بحرالعلوم قدس سره في برهان الفقيه[: «إنّ أخبار الاشتراک محتملة للمعنيين، و هذه صريحة، فلتحمل عليها». ثمّ لم يقنع بذلک حتّى ادّعى صراحة رواية مسمع المتقدّمة في ما توهّمه، و صراحة أخبارٍ آخر اعترف الماتن و غيره بعدم دلالتها أصلاً.

و أعجب الكلّ دعواه صراحة ما دلّ على تعيّن العصر لدى المزاحمة آخر الوقت، على أنّک تعرف قريباً أنّ هذا الحكم لاإشكال فيه، غايته أنّ القائل بالاختصاص يعلّله بخروج وقت الظهر، و القائل بالاشتراک يجعله من باب الأهمّيّة لدى التزاحم.

و هذا العالم استدلّ بما لايدلّ على أزيد من أهمّيّة العصر آخر النهار على عدم دخول وقت العصر أوّل الزوال، و يدّعي مع ذلک صراحتها في ذلک، فكأنّه رأى أنّ بعض أرباب الكتب ذكرها دليلاً على اختصاص العصر بآخر النهار، فأراد الزيادة عليهم، فجعلها صريحة في اختصاص الظهر بوسط النهار.

و لعلّه استدلّ بها لزعمه عدم القول بالفصل، و هو ممنوع عند القائل بالاختصاص، و على فرضه فكيف يثبت بذلک صراحة اللفظ؟

هذا تمام الكلام مع من قدّم المرسلة لأجل الصراحة.

و أمّا ما تقدّم عن الشيخ قدس سره من كونها مخصّصة لأخبار الاشتراک: فلم يظهر لي بعدُ معناه، و لعلّه يريد بالخصوص غير معناه المصطلح، أو أنّه جعل التثنية في قوله: «دخل الوقتان» كالعامّ، و إخراج أحد فرديه كالخاصّ، فليتأمّل، فإنّه بعيد من مثله.

و كذلک دعوى التقييد على ما قرّره صاحب المستند، و الأولى نقل كلامه بألفاظه، فإنّ فيه مواضع للإشكال لم يظهر لنا مراده إلى الآن، قال:

«و بما ذكرنا يقيّد إطلاق نحو قولهم: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان» إذ المراد إمّا أنّ بعد الزوال يتحقّق الوقتان، أو أنّه إذا زالت الشمس دخل أوّل وقتي الصلاتين. و كلّ منهما أعمّ من كون الوقتين على سبيل التشريک أو الترتيب، إذ كون قطعة من الوقت وقتاً لشيئين أعمّ من تشريكهما أو ترتيبهما، و بهذا يندفع ما يتوهّم من أنّ التعارض بالتساوي، دون الإطلاق والتقييد» ]مستند الشيعة 4: 23 ـ 24[ انتهى.

و الناظر إذا عرف بالتأمّل معنى هذا الكلام و ما أراده من هذه الأقسام فالجواب موكول إليه.

و يمكن أن يتكلّف لتصوّر الإطلاق و التقييد في المقام بأنّ أخبار الاشتراک تدلّ على أنّ جميع ما بعد الزوال وقت للعصر، و المرسلة تقيّد ذلک الإطلاق بخصوص ما إذا خصّ منه مقدار أربع.

و لكن فيه ما لايخفى، إذ أخبار الاشتراک لاتعرّض في أكثرها لبيان ذلک، بل تدلّ على دخول الوقت بمجرّد الزوال، و هذا المعنى هو الّذي تنفيه المرسلة على ما فهموا منها، و ما اشتمل منها على قوله: «ثمّ أنت في وقتٍ منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس» جملة اُخرى أجنبيّة عن المقام، وإن كانت نافعة لإثبات الاشتراک في آخر الوقت.

و بالجملة، أخبار الاشتراک مصرّحة بدخول الوقتين بمجرّد الزوال، و الدخول أمر واحد لا أفراد له حتّى يقيّد أو يخصّص، والمرسلة تنفي ذلک، و دلالتها على بقاء وقت الإشتراک خارج عن محلّ الكلام.

و يمكن تقرير الإطلاق بوجهٍ آخر، و هو أنّ أخبار الاشتراک لاتدلّ إلّا على أنّ زوال الشمس وقت للصلاة، و ذلک لاينافي اشتراطه بأمرٍ آخر، و هو مضيّ مقدار الأربع منه.

و هذا و إن لم يكن إطلاقاً اصطلاحيّاً و لكنّه مثله، إذ نفي الشروط لايكون إلّا بمقدّمات الحكمة.

بل يمكن تقريره بحيث يطابق الإطلاق الاصطلاحي، و يأتي نظير ذلک في مسألة أوّل المغرب، و لكن فيه ما سيأتي بيانه هناک من أنّه لايتمّ إلّا في الشروط الّتي يمكن تقدّمها و تأخّرها عن المشروط، لا في ما يتأخّر عنه دائماً، لاسيّما إذا كان الشرط من جنس المشروط كما في المقام.

و تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ القائل بالاختصاص لو رام الجمع بين تلک الأخبار و المرسلة معاً فقد رام صعباً، بل ممتنعاً، و الأولى له تسليم التعارض، والسعي في طلب المرجّحات للمرسلة من اشتهارٍ موهوم و عملٍ من الأصحاب غير معلوم.

ثالثها: رواية عبيد المتقدّمة المشتملة على قوله علیه‌السلام: «ثمّ أنت في وقتٍ منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس» بتوهّم أنّ العطف بثمّ الدالّ على التراخي يوجب أن يكون الاشتراک بعد الاختصاص.

و قد غفل المستدلّ بها من أنّ هذه الجملة عطف على الجملة الاُولى، و أنّ الوجه بالعطف بثمّ تأخّر زمان البقاء عن زمان الدخول، و أنّ هذا كقول القائل: «دخلت الكوفة يوم الجمعة، ثمّ بقيت إلى الخميس»، وكان الأولى له أن يقنع بالمرسلة، و يرضى من هذا الخبر أن لايكون عليه و لا له، إذ مع صراحة أوّله في الاشتراک أوّل الوقت، آخره صريح أيضاً في الاشتراک آخر النهار، و فيه التأكيد بلفظ جميعاً الّذي يسدّ عليه باب التأويل بأنّ المراد بقاء الوقتين على سبيل التوزيع، أو أنّه بقاء وقت المجموع لا الجميع.

ثمّ إنّ لهم وجوهاً آخر، كفانا مؤنة نقلها والجواب عنها اعتراف الماتن و غيره ـ من القائلين بمقالته ـ بعدم دلالتها.

و من ذلک يظهر الكلام في آخر الوقت، ودليلنا على الاشتراک بعض الأخبار المتقدّمة.

و استدلّ القائل بالاختصاص ـ زيادة على المرسلة ـ بما دلّ على تعيّن العصر في آخر الوقت لمن لم يتمكّن من الفرضين معاً، إمّا لمانعٍ من أصل التكليف كالحيض، أو لتنجّزه كالنسيان.

و الجواب: أنّ ذلک أعمّ من كون الوقت مختصّاً بالعصر، و من كونه أهمّ من الظهر في صورة المزاحمة في آخر الوقت الصالح لهما، و لا ينافيه كون الظهر هي الوسطى، إذ أفضليّتها ذاتاً لاينافي أهمّيّة غيرها في بعض صور المزاحمة.

و من المحتمل قريباً أن يكون لآخر الوقت نحو اختصاصٍ بالعصر يوجب أولويّتها من الظهر، و قد مرّ قريباً ذكر أخبار كثيرة دالّة على أنّ بعد مضيّ مقدار من الزوال له نحو اختصاصٍ بالعصر بحيث يطلق عليه وقت العصر خاصّة، و يعبّر عن الظهر الواقع فيه بأنّه ظهرٌ في وقت العصر، و إن كان أداء، فالظاهر أنّ تلک الخصوصيّة و نحوها صارت موجبة لأولويّتها بآخر الوقت.

و بالجملة، المقام من باب التزاحم، و الأهمّيّة لابدّ أن يستفاد من الدليل، فكما عرفنا منه أفضليّة الظهر من سائر الفرائض عرفنا من هذه الأخبار أولويّتها عن الظهر في خصوص آخر الوقت.

و بالجملة، اختصاص آخر النهار بالعصر بهذا المعنى ممّا لاينكره القائل بالاشتراک، و إنّما الممنوع عنده عدم صلاحيّة ذلک لوقوع الظهر مع قطع النظر عن المزاحمة، و هذه الأخبار لاتدلّ على ذلک، بل القائل بالاختصاص لايلتزم به على إطلاقه، و لهذا حكم الماتن بوجوب الظهر، و كونه أداءً فيها لو أوقع العصر آخر الوقت المشترک نسياناً، وأطال الردّ على من قال بكونه قضاء، و سيأتي الكلام فيه.

و تحصّل ممّا ذكرنا: أنّ المقام من باب التزاحم، فمتى تعيّن العصر لأهمّيّته و توجّه الأمر إليه سقط الأمر بالظهر، لعدم إمكان البعث الفعلي إلى ضدّين لايسعهما الوقت.

و لعلّه لذلک وقع التعبير بلفظ الفوت للظهر في رواية الحلبي الواردة في من نسي الظهر والعصر، ثمّ ذكر عند غروب الشمس، فقال علیه‌السلام: «إن كان في وقت لايخاف فوت أحدهما فليصلّ الظهر، ثمّ ليصلّ العصر، و إن خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر و لايؤخّرها ]فتفوته[ فتكون قد فاتتاه جميعاً» ]وسائل ‌الشيعة 4: 129 الباب (4) من أبواب المواقيت، ح 18[ الخبر، إذ الظهر يفوت بفوات أمره، إذ لايعقل بقاء الأمر به مع كونه مكلّفاً بضدّه.

نعم، يشكل ذلک بناءً على صحّة الترتّب، فإنّ الأمر بالظهر على تقدير عصيان الأمر بالعصر ممّا لامانع فيه ـ بالتقرير المذكور في محلّه ـ فيقع حينئذٍ صحيحاً مأموراً به، و إن حصل العصيان بترک الأهمّ.

و الجواب عن هذه الإشكال لايخلو عن صعوبة.

و يظهر من بعض مشايخنا أنّ الظهر يبطل لكونه مشروطاً بأن يقع بعده العصر، كما يبطل العصر إذا وقع في وقت الاشتراک قبل الظهر.

و لكن فيه ما لايخفى، فإنّ اشتراط العصر بكون الظهر قبله ممّا قام الدليل عليه، بخلاف اشتراط الظهر بوقوع العصر بعده، فإنّه لا نعرف دليلاً عليه، بل الواقع خلافه، و لهذا يصحّ الظهر ممّن لم يصلّ العصر بعده قطعاً.

و يمكن أن يقال: إنّ الّذي يتصوّر بالترتّب هو إمكان الأمر بالضدّين على هذا النحو، و عدم المانع منه عقلاً، لا لزومه في جميع موارد التزاحم، فيمكن أن يرفع الشارع اليد عن المهمّ في بعض صور التزاحم على تقدير عصيان الأهمّ، و إن لم يكن مانع منه سوى الأهمّيّة، فلعلّ المقام من هذا القبيل، و الكاشف عن ذلک هذه الرواية، فبها يرفع اليد عن عمومات الأمر بالمهمّ الّتي كنا نثبت بها الأمر بالمهمّ.

و الإنصاف أنّه لايخلو عن إشكال، إذ المفروض تماميّة جميع جهات المقتضي في المهمّ، و انحصار المانع عن الأمر في المزاحمة.

و بتقرير صحّة الترتّب يظهر أنّ المزاحمة لاتمنع إلّا من توجّه الأمرين الفعليّين فقط، و بعد العلم بالمقتضي ـ كما هو المفروض ـ و عدم المانع ـ بما قرّر به صحّة الترتّب ـ يعلم وجود الأمر، إذ لايعقل عدم حصول الشي بعد تماميّة المقتضي و عدم المانع له، فتأمّل.

فالالتزام ببطلان الظهر في المقام مع الالتزام بصحّة الترتّب في غاية الصعوبة، بل لايختصّ هذا الإشكال بالقائل بالترتّب، و يتّجه على جميع القائلين بصحّة الضدّ المهمّ بأىّ وجه صحّ ذلک، كما هو ظاهر.

و الّذي يهوّن الأمر عدم ظهور الرواية في بطلان الظهر في الفرض، إذ من المحتمل قريباً أن لايكون التعليل بالفوت للابتداء بالعصر، بل يكون تعليلاً لعدم تأخير العصر، و يكون المراد من قوله: «و لايؤخّرها»، عدم تأخير العصر عن وقت التذكّر لاعن الظهر، و لمّا كان مفروض الراوي التذكّر عند الغروب الّذي هو مظنّة الفوت للعصر بأدنى تأخير، كان من المناسب التأكيد في تعجيل العصر لكي لايقع الفرضان معاً خارج الوقت، و من راجع العرف رأى مثل هذا التعبير شائعاً في مثل هذا المورد، و ببالي ورود ما هو ظاهر في ذلک في أخبار الحائض إذا طهرت آخر الوقت، يراجع.

و الإنصاف أنّ الرواية إن لم‌تكن ظاهرة في ذلک فلا أقلّ من عدم ظهورها في المعنى الآخر، و هي مع ذلک غير نقيّة السند، فالأقوى صحّة الظهر، و إن حصل العصيان بترک العصر كسائر موارد التزاحم.

و شيخنا الفقيه في المصباح بعد ما استدّل على كون العصر هو المأمور به فعلاً فقط بما يقرب من تقرير البرهان العقليّ المتقدّم نقله عن المختلف، قال:

«و يؤيّده ما يستفاد من الأخبار من أنّ تعميم الشارع للاُوقات إنّما هو من التوسعة للمكلّفين، و إلّا فهي بالذات خمسة، فمقتضى الاعتبار كون صاحبة الوقت أولى بالرعاية في مقام المزاحمة، فتكون هي المكلّفة بها بالفعل، كما هو الشأن في كلّ واجبين متزاحمين أحدهما أهمّ من الآخر. و لكن لو صحّ الاستدلال بهذا الوجه الاعتباري، و كان الدليل منحصراً به، لكان مقتضاه صحّة الشريكة أيضاً، و إن عصي بترک صاحبة الوقت» ]مصباح الفقيه 9: 117 ـ 118[، انتهى.

فكأنّة يرى صحّة الظهر في مثل هذه الصورة من لوازم هذا الدليل الاعتباري فقط، مع أنّها لامناص له قدس سره و لا لمن وافقه في القول بالاشتراک و صحّة الترتّب من ذلک، كما عرفت.

هذا، و يأتي تمام الكلام في الاختصاص عند تعرّض الماتن لمعناه و بعض فروعه، إن شاء اللّه.

تتـمّة

قد ظهر من الأخبار المتقدّمة بقاء وقت الظهرين إلى الغروب، و هو المشهور، إلّا ما عرفت من حديث الاختصاص، و لجمع من القدماء أقوال اُخر في آخر كلٍّ منهما، و المستند فيها ظواهر بعض الأخبار كقوله علیه‌السلام: «آخر وقت العصر ستّة أقدام و نصف». ]وسائل‌ الشيعة 4: 153 الباب (9) من أبواب المواقيت،  ح 6[.

و قوله علیه‌السلام في حسنة بكربن محمّد: «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين» ]وسائل ‌الشيعة 4: 143 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 9 و فيه: عن أحمد بن عمر[ و نحو ذلک.

و بالتأمّل في القواعد الّتي مرّت في المقدّمات يظهر أنّ المتعيّن إبقاء جميع تلک الأخبار على ظواهرها، من غير طرحٍ لها، و لا تكلّفٍ في إرجاع بعضها إلى بعض، بل حمل الجميع على بيان مراتب الفضل، و حمل مادلّ على التحديد بالغروب على آخر مرتبة الإجزاء، إذ ليس فيها ما ينافي ذلک في ما يحضرني الآن إلّا عبارة في الكتاب الموسوم بفقه‌الرضا علیه‌السلام ـ و هو كتابٌ لايعتمد عليه أصلاًـ بل فيها ما يدلّ على جواز التأخير ]فقه ‌الرضا علیه‌السلام: 73 قال: و كذلک يصلّي العصر إذا صلّى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس، فإذا صلّى بعد ذلک فقد ضيّع الصلاة[، كقول الصادق علیه‌السلام في موثّقة ابن خالد: «العصر على ذراعين، فمن تركها حتّى تصير على ستّة أقدام فذلک المضيّع» ]وسائل‌ الشيعة 4: 152 الباب (9) من أبواب المواقيت، ح 2[.

و قوله علیه‌السلام في رواية أبي بصير: «تضييع العصر هو أن يدعها حتّى تصفرّ الشمس». ]وسائل ‌الشيعة 4: 153 الباب (9) من أبواب المواقيت، ح 7 و فيه: قال: و ما تضييعها؟ قال: يدعها واللّه حتّى تصفرّ أو تغيب الشمس[.

فإنّ الظاهر منهما بقاء الوقت مع كون التأخير تضييعاً، و لو كان المراد منه خروج الوقت لم يكن وجهٌ صالح للتقييد بما فيهما.

نعم، وجوب التقديم لغير المعذور و إن كان الوقت باقياً بعده ليس بذلک البعيد، كما ستعرفه مع زيادة بيانٍ لهذه الأخبار في بيان أوقات الفضل و النوافل، إن شاء اللّه.

(ثمّ يدخل وقت المغرب) به، ]استخدامٌ لطيف. منه رحمه‌اللّه[ (فإذا مضى منه مقدار أدائه اشترک معه العشاء) فيكون الوقت لهما معاً (إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أربع ركعات) تامّات لمن فرضه ذلک، و لغيره أقلّ منه، كلّ بحسبه. و لو قال: «بمقدار أدائه»، كما صنع في الظهرين كان أحسن.

(فيختصّ هو به أيضاً) و الكلام في جميع ما ذكر هنا يعرف من الكلام في الظهرين، و لا زيادة هنا إلّا صحيح عبداللّه بن سنان، و خبر شعيب الواردان في من نام أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء، و فيهما: «إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء». ]وسائل ‌الشيعة 4: 288 الباب (62) من أبواب المواقيت ح 3 ـ 4[.

و تمسّک بهما القائل بالاختصاص، مع توقّف الاستدلال على ثبوت وقتٍ آخر للعشائين من بعد نصف الليل، و هو ممنوع عند كثير منهم، و على معلوميّة عدم الفرق بين الاُوقات من هذه الجهة، و على العلات فالجواب عنهما ما تقدّم قريباً في رواية الحلبي من أنّ تقديم العشاء لأولويّته بالوقت، لا اختصاص الوقت به، فتذكّر.

على أنّ الأمر فيهما أهون من تلک، لعدم اشتمالهما على لفظ الفوت الّذي اشتملت تلک عليه.

ثمّ لايخفى أنّ اشتراک العشائين على ما ذكره إنّما يتمّ مطلقاً على القول المشهور، و يختلف الحال على الأقوال الآتية في آخر المغرب و كلّ من طرفي العشاء، فعلى بعضها لايبقى اشتراک بين الفرضين أصلاً، فينتفي الاختصاص بهذا المعنى أيضاً، كما لو قيل: إنّ آخر المغرب و أوّل العشاء معاً سقوط الشفق. الّلهم إلّا في المعذور. و يختلف مقدار الاشتراک على بعض الأقوال أيضاً، و على ما ذكر فقس الحال.

(و يخرج حينئذٍ وقت المختار، أمّا المضطرّ لنومٍ، أو نسيانٍ، أو حيضٍ) بل (أو غيرها من أحوال الاضطرار فالأظهر) عنده هنا ـ و إن تردّد فيه في كتابه‌الكبير، بل مال إلى خلافه ]جواهر الكلام 7: 158 ـ 159[ ـ (بقاء الوقت له إلى طلوع الفجر، و أنّه يختصّ من آخره بالأربع أيضاً) كما هو مورد الخبرين المتقدّمين.

و أمّا قوله: (بخلاف المغرب من أوّله على الأقوى) فالوجه فيه ما ذكره في كتابه من أنّ مقتضى الإطلاقات عدمه، إلّا أن يثبت التلازم بين الاختصاص آخراً و بينه أوّلاً، و لو بعدم القول بالفصل ]جواهر الكلام 7: 96[، انتهى.

و فيه ما لايخفى، فإنّ اتّحاد الحال في جميع الأوقات ينبغي أن يكون مفروغاً عنده، و إلّا فكيف صحّ له الاستدلال بهذين الخبرين على الاختصاص في الظهرين، و غير هذا الوقت من العشائين أوّلاً و آخراً؟

و أولى من الّذي ذكره أن يقال بناءً على الاختصاص: إنّ من النصف إلى الفجر ليس بوقتٍ آخر مستقلّ ليكون له أوّلاً كي يختصّ به المغرب، بل المستفاد من الأدلّة أنّه امتداد للوقت الّذي قبله، و تغيير لغايته فقط بجعله للمضطرّ أوسع نهايةً من غيره.

هذا، و بيان كلّ من أوّل الفرضين و آخرهما يتمّ برسم مسائل:

الاُولى:

أوّل المغرب غروب الشمس بإجماع العلماء ـ كما في التذكرة ]تذكرة الفقهاء 2: 310[ و المعتبر ]المعتبر 2: 40[ ـ و هو قول كلّ

من يحفظ عنه العلم، و لايعرف فيه خلاف ـ كما في المنتهى ]منتهى المطلب 4: 63[ ـ بل هو من ضروريّات الدين ـ كما في كتاب الماتن ]جواهر الكلام 7: 106[ ـ و الأخبار الدالّة على ذلک فوق حدّ التواتر.

و الغروب من أوضح المفاهيم العرفيّة، فمقتضى ذلک جواز المغرب بوجوب الشمس ]أي غروبها[ ـ كما هو مذهب جماعة ـ و لكنّ المنسوب إلى المشهور وجوب تأخيرها إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة، بل صرّحوا بعدم دخول الوقت إلّا به.

و القول الأوّل واضح مراداً و دليلاً، و إنّما الإشكال في القول الثاني، و وجه الجمع بين الاعتراف بما قام عليه الإجماع و دلّ عليه متواتر النص من دخول الوقت بالغروب و بين عدم دخوله إلّا بزوال الحمرة الّذي لايكون إلّا بَعده بمدّة ـ فإنّه بظاهره مناقضة ظاهرةـ و تعيين مرادهم من ذلک لايخلو عن إشكال، بل الظاهر أنّهم مختلفون في وجه اعتباره. و الّذي يستفاد من كلماتهم، أو يمكن أن يقال في دفع هذه المناقضة وجوه:

الأوّل: ما يظهر من بعضهم حيث نقل الإجماع المتقدّم، و جعل الخلاف في ما يتحقّق به الغروب، فنسب إلى المشهور تحقّقه بزوال الحمرة، و إلى غيرهم تحقّقه بسقوط القرص، و زعم أنّه بذلک يظهر الجواب عن جملة من الأخبار الدالّة على تحديد الوقت بالغروب.

و هذا ممّا لاأعرف له محصّلاً أصلاً، إذ عدم تحقّق الغروب بنفسه كتحقّقه بغيره، و بطلان كلّ منهما من بديهيّات أوائل العقول، إلّا أن يزعم أنّ غروب الشمس مجمل قابل لكلّ من المعنيين، و بهذا الإجمال صرّح جماعة، و تعجّبوا من المستدلّ بهذه الأخبار على القول الآخر، و لعمري إنّ كلامهم أعجب، إذ معنى غروبها أوضح منها، و بأيّ لفظٍ أريد التعبير عنه فهو إمّا أخفى منه، أو مساوٍ له، و هو كالطلوع، فهل يدّعى الإجمال فيه، و يتوقّف في فهم معناه على ورود النص؟

ثمّ لانعرف موضع هذا الإجمال، فهل لفظ الغروب مجمل من حيث نفسه فقط، فلا يعرف معنى قول العرب: «هذا النجم غارباً» و يعرف معنى قولهم: «هذا العيّوق طالعاً»، أو أنّهما مجملان معاً؟، أو المدّعى أنّ الغروب غير مجمل ذاتاً، و لكن إضافته إلى واضحٍ كالشمس أكسبته هذا الإجمال؟ فعليه يكون غروب السها مبيّناً، و غروب الشمس مجملاً، و الكلّ واضح الفساد.

ثمّ لم يظهر لنا وجهٌ لتطبيق غروب الشمس على زوال الحمرة على هذا التقرير، فهل المراد من لفظ الشمس الحمرة، و من لفظ الغروب الزوال عن سمت الرأس، إمّا بكونهما معنيين حقيقيّين، أو مجازيين؟ أو المدّعى أنّ المجموع مستعمل في المجموع على نحو الوضع أو المجاز في المركّبات؟ و الكلّ كماترى.

ثمّ إنّ بعض مَن قارب عصرنا ]هو العالم الفقيه الربّانيالسيّد علي الطباطبائي آل بحرالعلوم قدس سره[ اختار هذا الوجه أو قريباً منه، و أراد أن يؤوّل به مع تلک الأخبار كلمات القائلين بالقول الآخر ليتمّ له دعوى الشهرة، أو الاجماع. قال:

«و يحتمل المشهور عبارة جملة ممّن نسب إليه الخلاف من حيث تضمّنها سقوط القرص، لاتّفاق كلمتهم على أنّ المغرب غروب القرص، و إنّما الكلام في كفاية مايحكم به مع ذلک». ]في المصدر: يحكم معه بذلک[.

و له بعد ذلک كلام هو من أعجب ما قرع صماخ الدهر، و يعجز عن فهمه العقول العشر، و هو قوله: «بل ربّما يدّعى أنّ سقوطها أظهر في نزولها عن الاُفق الّذي هو أوفق ]ظاهراً[ بكلام المشهور» ]البرهان‌القاطع في شرح المختصرالنافع، المجلّدالثالث من الطبعة‌الحجريّة ص 39[، انتهى.

و بالجملة، فمن الواضح أنّ غروب الشمس معناه تواريها في الاُفق، و لايشکّ فيه أحد من أهل اللسان، و مثله لفظ السقوط، و الغياب، و الوجوب، و نحوها، فدعوى الإجمال فيه سفسطة واضحة.

و حفظاً لهذا الكلام عن هذه المجازفة ينبغي أن يرجع إلى:

الوجه الثاني: و هو أنّ الوقت هو غروب الشمس بعينها بالمعنى المفهوم منه عرفاً، و لكن لا عن اُفق المصلّي، بل من اُفقٍ آخر يلازم غروب الشمس عنه زوال الحمرة عن اُفق المصلّي، و يدّعى أنّ غروب الشمس مجمل من حيث الاُفق الّذي اعتبر الغروب فيه، و اللفظ و إن كان له ظهور في الغروب عن اُفق المصلّي، و لكن يرفع اليد عنه بما دلّ على اعتبار زوال الحمرة، و تلک الأدلّة تكون مبيّنة لهذا الاجمال، و مخصّصة لقولهم علیهم‌السلام: «إنّما عليک مشرقک و مغربک» ]وسائل‌ الشيعة 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت، ح 2[ و مثبتة للعبادات الموقّته بالغروب خصوصيّة لاتوجد في غيرها من الموقّتات.

و هذا الوجه و إن لم أجده بهذا التقرير في ما يحضرني من كلماتهم، و لكن يمكن استفادته من استدلالهم بمثل قوله علیه‌السلام: «فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا» على أنّه مختصّ بالكوفة و ما شابهها، و قوله (عليه‌السلام): «إذا غابت الحمرة من هيهنا فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها». ]وسائل ‌الشيعه 4: 172 / 1 و فيه: إذا غابت الحمرة من هذه الجانب يعني من المشرق…[.

و لكنّه في غاية البعد، بل دعوى القطع بعدمه غير بعيد، لوجوهٍ لاتخفى على المتأمّل، و لاأظنّ أحداً يلتزم به، و إن لم يمكن تطبيق بعض كلماتهم إلّا عليه.

و يردّه مع ذلک أنّه بحسب الواقع تحديد لصلاة المغرب و نحوها بمقدار ما بعد الغروب بربع جزء، أو خمسة، أو غير ذلک، فأيّ داعٍ يدعو إلى هذا التعبير عنه بما يشبه الاُحاجي و المعمّيات؟

و لو سمع أحد قائلاً يقول: «وقت الظهر طلوع الشمس أو غروبها» قاصداً بذلک طلوعها أو غروبها عن اُفقٍ آخر يلازمان الزوال في هذا الاُفق لاستقبح ذلک جدّاً، فكيف يجوز أن تحمل الأخبار المتواترة عن أهل العصمة، و إجماع الأمّة على هذا الحمل السخيف.

و أيضاً الإجماع إنّما قام على كون وقت المغرب الغروب في اُفق المصلّي لا في اُفقٍ آخر، و إلّا فالإجماع قائم أيضاً على كون وقتها الطلوع و الزوال أيضاً، كلٌّ باُفقٍ من الآفاق، بل جميع هذه الحالات الثلاث، و كلّ ارتفاعٍ من ارتفاعات الشمس و انخفاضاتها أوقات لجميع الصلوات الخمس، فأيّ فائدةٍ في هذا الإجماع و في نقله.

و أيضاً يختلف مقدار مكث الحمرة بحسب الليالي اختلافاً فاحشاً، فلايمكن أن يكون المناط اُفق بلدٍ معيّن، و كذلک بحسب اختلاف البلاد، إلّا أن يلتزم بالاختلاف باختلاف الليالي و البلاد، و هو واضح الفساد. و يقرب من هذا :

الوجه الثالث : و هو أنّ المراد غروب الشمس عن اُفق المصلّي، و لكن لا عن سطح الأرض، بل من النصف الشرقي من كرة البخار، و هو لايكون إلّا بزوالها.

و هذا الوجه كسابقه في البُعد، و يرد عليه أكثر ما تقدّم، بتقريبٍ لايخفى على المتأمّل، و يمكن إرجاع الوجه الأوّل إليه أيضاً.

الوجه الرابع : أن يقال إنّ الوقت هو الغروب عن سطح الأرض في اُفق المصلّي، و لكنّه مشروط بزوال الحمرة.

و هو غير منافٍ للأدلّة الدالّة على التوقيت بالغروب، إذ دلالتها على عدم اعتبار غيره لايكون إلّا بالإطلاق، كما في سائر الشروط، فلو قيل: «أكرم زيداً إذا جائک» فالّذي يدلّ عليه اللفظ بالوضع هو وجوب الإكرام عند المجيء في الجملة، و أمّا عدم اشتراط الإكرام بشيء آخر، أو عدم اشتراط المجيء بكيفيّة خاصّة مثلاً فثابت بالإطلاق الّذي يرفع اليد عنه بدليلٍ آخر دلّ على التقييد بكونه راكباً مثلاً، من غير أن يكون منافياً لأصل الدليل.

و يمكن استفادة أصل هذا الوجه من صاحب‌الرسائل، ولعلّه مراد الماتن و غيره ممّن عبّر في المقام بالإطلاق و التقييد، و هو خير من الوجه السابق، و قد تقدّم نظيره في مسألة الاشتراک، و لكن فيه مثل ما تقدّم من أنّ اعتبار مثل هذه الشروط إنّما يحسن في الاُمور الّتي يمكن تقدّمه على المشروط و مقارنته له، و أمّا ما يتأخّر وجوده عنه دائماًـ لاسيّما إذا كان من نوع المشروط ـ فلا ريب في قبح جعل المتقدّم وقتاً، بل الوقت حقيقةً هو الثاني لا الأوّل، لفقدان شرطه، و لذا لايصحّ أن يقال: وقت الإمساک في الصوم غروب الشمس و هو مشروط بطلوع الفجر بعده.

و دعوى الفرق بين المقام و المثال بقصر المدّة في الأوّل و طولها في الثاني لايصغى إليه.

هذا إذا اعتبر زوال الحمرة شرطاً للوقت، ولو اُخذ شرطاً لجواز الصلاة لا لأصل الوقت فهو لاينطبق على قواعدهم؛ لأنّ الوقت عندهم ما جاز وقوع الفعل فيه ولو على بعض الوجوه، كما تقدّم نقله عن المدارک.

و ماعرفت منّا في المقدّمات السابقة من إمكان تصوّر الوقت من غير إمكان وقوع الفعل فيه فإنّما هو مجرّد الإمكان العقلي، وجريانه في مثل المقام مشكل، و قد قلنا: إنّه لابدّ في اعتبار الوقتيّة من نكتة محسّنة له، و هو مفقود في المقام.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ المصرّح في كلماتهم عدم دخول الوقت إلّا بزوالها، لا أنّه شرط لجواز الصلاة، فهذا الوجه على التقرير الثاني لايجدى في دفع المناقضة.

الوجه الخامس: ما ذكره الشهيد في المقاصد العلّيّة، و تبعه في ذلک جماعة، و ملخّصه : أنّ الاعتبار في الطلوع و الغروب إنّما يكون بالاُفق الحقيقي لا المحسوس، و لمّا كان طلوعها يتحقّق قبل بروزها للعين بزمانٍ طويل غالباً، فكذلک غروبها يكون متأخّراً عن خفائها عن العين، بسبب اختلاف الأرض وكرويّة الماء. ]المقاصد العلّيّه، 178 ـ 179[.

و زاد في الروض على ذلک قوله: «و من ثمّ اعتبر أهل الميقات مقداراً في الطلوع يعلم به و إن لم نشاهدها» ]روض الجنان 2: 486[، انتهى.

و فيه مؤاخذتان: إحداهما تخصّ الشهيد و مَن ماثله ـ و أنّى له المثيل من البارعين في العلوم العقليّة، و المتمسّكين بأفنان الفنون التعليميّة ـ و الاُخرى تعمّ الجميع.

أمّا الأولى: فهي أنّ الاختلاف المحسوس بين الاُفق الحسّي والحقيقي مختصّ بما دون فلک الشمس، إذ ليس لنصف قطر الأرض قدر محسوس بالنسبة إلى فوق فلک الشمس، كما تحقّق في محلّه.

نعم، يستخرج للشمس بالحساب اختلاف منظر جزئىّ غير محسوس ـ كما فصّل في السابع عشر من خامسة المجسطي ـ و هو لايزيد على ثلاث دقائق ـ كما في تذكرة الهيئة ـ و لايبلغ ذلک كما في الزيجات المتأخّرة عن زمان المحقّق الطوسي، ومقدار الزمان الّذي يكون بين طلوعها من الاُفقين لايبلغ ربع دقيقة، ولوضويق في اعتبار ذلک فلا إشكال في أنّ الشمس ترى قبل طلوعها و بعد غروبها بمدّةٍ لاتقلّ عن دقيقتين، لانكسار الشعاع بسبب الزاوية الانعطافيّه، فالشمس ترى قبل وصولها إلى الاُفق الحقيقي طالعة، و بعده غاربة بمدّة هي أكثر ممّا بين طلوعها من الاُفقين زماناً كما عرفت.

هذا كلّه مع أنّ الفاصل بين نصفي الفلک المرئي والمخفي ليس الاُفق الحسيّ، بل هو الاُفق المسمّى عندهم بالترسىّ، و قد أثبت ابن‌الهيثم في كتاب المناظر أنّ البصر إذا كان مرتفعاً عن سطح الأرض مقدار قامة ـ أي ثلاثة أذرع و نصف ـ يكون انحطاط الاُفق الترسيّ أربع دقائق و كسر يقرب النصف، فعلى فرض كون الحسيّ فوق الحقيقي بثلاث دقائق ـ كما عرفت ـ يكون الترسيّ تحت الحقيقي بدقيقةٍ واحدة، و ستعرف ـ إن شاء اللّه ـ أنّ المعتبر في الطلوع والغروب شرعاً و عرفاً على مقارف الجدران و نحوها من الأشخاص القائمة على سطح الاُفق، و هي أكثر ارتفاعاً عن مفروض ابن الهيثم، فالاُفق العرفي يكون تحت الاُفق الحقيقي بكثيرٍ.

و تلخّص ممّا ذكرنا إشكالان :

أحدهما: أنّ المعتبر في الطلوع والغروب ليس الاُفق الحسيّ، بل المعتبر هو الترسيّ، و هو تحت الحقيقيّ كما عرفت، فالغروب الّذي هو المعتبر عند القائل به بَعد الحقيقي.

و ثانيهما: أنّ الشمس تظهر للأبصار قبل وصولها إلى الاُفق الحسيّ أيضاً بانكسار الشعاع، و إذا اعتبرت الأمرين معاً و عرفت ما نذكره قريباً في الاُفق العرفيّ يظهر لک أنّ الشمس تغيب عن الأبصار بعد تجاوزها عن الاُفق الحقيقيّ بكثيرٍ، و تظهر لها قبله كذلک.

و ما أجاب به في الذخيره عن هذا الوجه بأنّ التفاوت بين اُفقى الحقيقيّ والحسيّ مقدار دقيقة، فلايناسب اعتبار زوال الحمرة الّذي هو أكثر منه بكثير. ]ذخيرة الأحكام: 193[.

ففيه ما لايخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، لأنّه إن أراد بالتفاوت المدرَک بالحسّ و آلات الرصد فقد عرفت عدم التفاوت أصلاً، و إن أراد المدرَک بالحساب فهو يقرب من ثلاث دقائق، و إن أراد الزمان الّذي يقع بين الغروبين فقد عرفت أنّه لايبلغ ربع دقيقة، و مع ذلک فاستبعاده في محلّه.

و دفعه الماتن بعدم القول بالفصل ـ و فيه ما لا يخفى ـ و بأنّه قدر غير منضبط مجهول لايمكن إحالة المكلّفين عليه ]جواهر الكلام 7: 117[ وضعفه ظاهر، إذ الدقيقة و نحوها على أنّها ممّا تحدّ بها الأشياء فلا تحد، كان من الممكن تحديدها بأشياء كثيرة أقرب إلى الواقع، و أولى بمراعات حال المكلّفين في الصيام، و دركهم فضل أوّل الوقت في الصلاة كما هو ظاهر.

و بالجملة، جميع ما ذكرنا ليس ممّا يخفى على الشهيد قدس سره، و الاعتراف بعدم وصول الفكر القاصر إلى فهم مراده أولى.

و من المحتمل أن لايكون مراده قدس سره بالاُفق الحقيقي المعنى المصطلح، بل يكون المراد به العرفي، و عدم كونه مرئيّاً لنا بواسطة وجود الأشياء الحائلة بين الناظر و الاُفق غالباً.

و هذا و إن كان بعيداً من أوّل كلامه، و لكن ربّما يقرّبه آخر كلامه لاسيّما في الروض، حيث علّل خفاء الاُفق بإرتفاع الأرض و الماء. ]روض ‌الجنان 2: 486[.

و في بعض النسخ: «البناء» بدل «الماء» و هو أوضح دلالةً على ذلک لو صحّت النسخة.

و يقرّبه ما ذكره في أمر الطلوع، فإنّه من المستبعد جدّاً أن يقول مثله بكون الصبح قضاءً مثلاً قبل بروز الشمس للعين.

و كذلک ما نقله من أمر المقياس، فإنّک قد عرفت كون الاُفق العرفي تحت الاُفق الحقيقي قطعاً، فكيف يصنع أهل الميقات مقياساً على خلاف ذلک؟ فمثل هذا ممتنع منعه، بخلاف المقياس الدالّ على طلوع الشمس، و بروزها للعين، فإنّه في غاية السهولة. واللّه أعلم.

و أمّا المؤاخذة العامّة: فهي أنّ الأحكام الشرعيّة متى كانت تابعة للمصطلحات العلميّة؟ بل عهدنا بها و هي تابعة للموضوعات العرفيّة.

و الاُفق الحقيقي دائرة توهّم أهل العلم رسمها مِن فرض بصرٍ في جوف الأرض ملاصق لمركزها، و إدارته دورة تامّة حتّى تحدث دائرة عظيمة منصفة للأرض و الأفلاک جميعاً، و أين ذلک من موضوعات الأحكام؟

ثمّ إنّ الماتن في كتابه‌الكبير عند بيان موافقة أخبار الحمرة للاعتبار قال:

«ضرورة عدم بقاء الحمرة المشرقيّة مع فرض سقوط القرص عن الاُفق؛ لأنّه إن كان يبقى للشمس شعاع بعد سقوطها عن الاُفق فهو في مقابلها من جهة الغرب».

و هذا كما تراه من المصادرات الواضحة الفساد.

ثمّ قال:

«و احتمال أنّ العبرة بسقوطها عن اُفق الناظر لاعن تمام الاُفق مقطوع بعدمه، خصوصاً بعد قوله علیه‌السلام: فإنّها تغيب ]من[ عندكم قبل ما تغيب عندنا» ]وسائل ‌الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 13[ و قوله علیه‌السلام: «فإنّها تغيب و من شرق الأرض و غربها» ]جواهر الكلام 7: 116 ـ 117[ على أنّ المنساق من الغروب سقوطها عن تمام الاُفق، و هو إنّما يكون متأخّراً عن خفائها عن العين بسبب اختلاف الأرض و كرويّة الماء، كما صرّح به في المقاصد العلّيّة»، انتهى.

و قد ذكر في هذه العبارة لفظ «تمام الاُفق» في موضعين، و كرّره أيضاً في اوّل المسألة و آخرها، و لاأدري ماذا يريد بتمام الاُفق، و هو غير جارٍ على الاصطلاح العلمي.

و الظاهر بقرنية استشهاده بالروايتين أنّه يريد به تمام الآفاق، و يزعم أنّ الشمس تغيب عن جميع الآفاق بعد زوال الحمرة. و يؤيّده أنّه يمنع كرويّة الأرض ـ كما صرّح به في كتاب‌الصوم ]جواهر الكلام 16: 361 قال: لكنّه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، إمّا لعدم كرويّة الأرض بل هي مسطحة، فلاتختلف المطالع حينئذٍ…[ على ما ببالي ـ بتحقّق الغروب دفعةً، فلا وجه لاعتبار الحمرة، و لو سلّمنا ذلک و لم نقل بكرويّة الأرض ـ الّتي قام عليها من البراهين ما أخرجها عن عداد النظريّات، و ألحقها بالبديهيّات ـ و قلنا: إنّها سطح مستوٍ، لكان لازم ذلک تحقّق الغروب في جميع الأرض دفعةً واحدة، فلا وجه أيضاً لاعتبار الحمرة.

و لكنّ المستفاد من لفظ التمام في آخر كلامه بقرينة التعليل الّذي ذكره و الاستشهاد بعبارة المقاصد لايناسب هذا المعنى من التمام. و بالجملة، فهو من غريب الكلام، و لم ‌يظهر لنا مراده منه.

الوجه السادس : أنّ زوال الحمرة علامة لغروب الشمس، و التعبير بالعلامة هو المتعارف في كلام الفاضلين و غيرهم.

فإن أرادوا بذلک كونه علامة للغروب في غير اُفق المصلّي بالمعنى الّذي مرّت إليه الإشارة ويأتي التفصيل فيه فلابدّ أن يرجع إلى أحد الوجوه المتقدّمة، و قد عرفت ضعفها.

و إن أرادوا أنّه علامة على الغروب العرفي في اُفق المصلّي، و أرادوا بالعلامة ما يراد بها في سائر الموارد من كونها مرجعاً للشّاک، و أنّ بمراعاتها يحصل القطع بالوقت الّذي هو الغروب العرفي، فهو حقّ لاشکّ فيه، و يدلّ عليه البرهان و الاعتبار، و غير واحد من الأخبار، و هو مسلّم لاينازع فيه أحد.

و إن أرادوا بها لزوم مراعاتها حتّى في صورة حصول العلم قبله فهو مستلزم لإناطة الحكم بها ابتداءً، فيخرج عن كونه علامة، و يكون هو الوقت حقيقة، إذ لا معنى للعلامة إلّا ما يحصل بمراعاته العلم بوجود ذيها.

و بالجملة، اعتبار العلامة حتّى في هذه الصورة منافٍ لمعنى العلامة، و مستلزم لإناطة الحكم به ابتداءً، فحينئذٍ يناقض التحديد بالغروب، و لابدّ في دفعه من الالتزام بعدم كون المراد من الغروب الغروب العرفي عن اُفق المصلّي، و التمسّک بأحد الوجوه المتقدّمة الّتي عرفت الحال فيها.

ثمّ إنّ الماتن بعد ما نقل عبارة عن الرياض في الفرق بين الحمرة المشرقيّة و المغربيّة قبل الطلوع قال: «و هو جيّد لولا ظهور النصوص و الفتاوى في كون الحمرة علامة للغروب نفسه لايقينه». ]جواهر الكلام 7: 120[.

و لاأعرف محصّلاً لهذا الكلام، إذ العلامة في جميع الموارد لها معنىً واحد، و هي دائماً تكون للشيء المتعلّق به الحكم، و الإلزام بمراعاتها يكون لليقين به، و لايبعد أن يكون مراده بقرينة المقام ـ و إن لم يساعده اللفظ ـ أنّ الحمرة مقارنة للغروب المعتبر شرعاً، لا أنّ زوالها موجب للعلم بالغروب الحاصلة قبله، فليلاحظ.

و بالجملة، هذا ما وصل إليه النظر في دفع هذه المناقضة، و قد عرفت أنّ الجميع بين ما هو فاسد قطعاً، أو ضعيف جدّاً، فإذاً فالأولى بمن يقول بمقالة المشهور أن لايجمع بين العبارتين، و يقطع بعدم إمكان دفع الاختلاف على مذهبه من البين، و يطرح ناحيةً عنه هذه التعلّلات، و يصرّح بمنع الإجماع، و تعارض الأخبار، و يسعى في طلب المرجّحات القويّة، و كأنّي به و قد خانته المرجّحات القويّة، و لم يبق معه إلّا الضعيفان: الشهرة، و الحمل على التقيّة، و ستعرف منع الأوّل، و الكلام في الثاني قريباً.

ثمّ إنّ كثيراً من معتبري زوال الحمرة قسّموا الأخبار الدالّة على القول الآخر إلى قسمين، فاعترفوا بدلالة قسمٍ منها على هذا القول، و هي الدالّة على التوقيت بعدم رؤية القرص و نحوها، و جعلوا القسم الآخر غير منافٍ لمذهبهم، بل قال الماتن: «إنّها في الحقيقة لنا، لا علينا» ]جواهر الكلام 7: 118[، و هوما دلّ على التوقيت بغيبوبة القرص و نحوها.

و الّذي أراه عدم الفرق بين هذين القسمين، فإنّ غروب الشمس معناه الظاهر العرفي مرادف لعدم رؤيتها، و سقوطها، و نحو ذلک، و لايشکّ فيه أحد من أهل العرف، و لازالت العرب تستعمل لفظ الغروب بهذا المعنى من قديم الزمان قبل ظهور الإسلام إلى هذا الزمان، بل و كذلک أهل بقيّة اللغات يستعملون مرادف هذا اللفظ على اختلاف لغاتهم، و لايريدون به إلّا ما ذكرناه، و لايكاد يشکّ أحد منهم في معناه إذا سمعه، و هذه الألفاظ في مرتبةٍ واحدة من الظهور في معنىً واحد.

و الاحتمالات المتقدّمة يمكن إجرائها في القسم الأوّل أيضاً، فيقال مثلاً: إنّ قوله علیه‌السلام: «إذا نظرت إليه ولم تره» مجمل من حيث مكان الناظر، فلعلّ المراد كونه في بلدٍ آخر، أو في مكانٍ مرتفع عن سطح الأرض، و نحو ذلک.

فإن كان مثل هذا الاحتمال هو الظاهر من اللفظ فالجميع لهم لا عليهم، و إلّا فلا.

و أعجب من ذلک كلام شيخنا الفقيه في المصباح بعد ما نقل المناقشة في دلالة الأخبار الدالّة على التحديد بغروب القرص بأنّ غيبوبة القرص و غروب الشمس و نحو ذلک من العبائر مجملة قابلة للحمل على كلا القولين قال :

«و فيه ما لايخفى، فإنّ إنكار ظهور مثل هذه الروايات في القول المذكور مجازفة محضة، بل المتبادر من غروب الشمس الّذي ورد به التحديد في الأخبار أيضاً ليس إلّا استتار قرصها في الاُفق.

نعم، حمل الأخبار الّتي ورد فيها التحديد بالغروب على ما يطابق المشهور توجيه قريب، بخلاف الأخبار الّتي وقع التعبير فيها بغيبوبة القرص الّتي هي عبارة اُخرى عن استتاره عن العين، فإنّ تطبيقها على مذهب المشهور تأويل بعيد ]مصباح ‌الفقيه 9: 145 ـ 146[، انتهى.

و ممّا تقدّم يظهر ما فيه، على أنّه في أوّل كلامه اعترف بأنّ المتبادر من غروب الشمس استتار القرص، و أنّ انكاره مجازفة، و في آخر كلامه فصّل بين لفظ الغروب و الاستتار، فجعل التوجيه في الأوّل قريباً، و في الثاني بعيداً، و ذلک لاتخلو عن تهافت، فتأمّل عسى أن تجد به سبيلاً إلى دفعه.

و قد ظهر ممّا ذكرنا الحال لمن أراد قصد السبيل، و في هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل.

و إن أردت الزيادة على ذلک وتحرير المسألة على النهج المعروف فاعلم أنّ المنسوب إلى مشهور الأصحاب عدم انتهاء وقت العصر و عدم دخول وقت المغرب إلّا بزوال الحمرة المشرقيّة، و مذهب جمع كثير من الأصحاب انتهاء وقت الاُولى، و دخول وقت الثانية بغروب الشمس، و الظاهر أنّه المشهور عند قدماء الأصحاب.

و المتأخّرون قد تكلّفوا في تأويل عبائر جماعة منهم حتّى أرجعوها إلى القول الأوّل، تكلّفهم في الأخبار المتقدّمة، و أشدّهم إصراراً على ذلک الماتن حتّى أنّه لم يبق بزعمه أحداً سوى الصدوق في العلل، ثمّ قال: «و لا تحضرني عبارته ]فيها[ و ليس النقل كالعيان» ]جواهر الكلام 7: 110[. و نحن قد حضرتنا العبارة، فلنقدمّها إليه ليرى فيها رأيه.

قال الصدوق في العلل:

«باب العلّة الّتي من أجلها صار وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»، و أورد أوّلاً الخبر المشتمل على التعليل بالإطلال، ثمّ أورد عدّة روايات تشتمل على التحديد بالغروب،

ثمّ قال:

«قال محمّد بن علىّ مؤلّف هذا الكتاب: إنّما أوردت هذه الأخبار على أثر الخبر الّذي في أوّل الباب، لأنّ الخبر الأوّل احتجت إليه في هذا المكان، لما فيه من ذكر العلّة، و ليس هو الّذي أقصده من الأخبار الّتي رويتها في هذا المعنى، فأوردت ما أقصده و أستعمله واُفتي به على أثره، ليعلم ما أقصده من ذلک» ]علل الشرائع 2: 142[، انتهى.

فإن كانت الشهرة الّتي هي عمدة المستند لمعتبري زوال الحمرة تتمّ بمثل التأويلات التّي ارتكبوها في باقي عبائر الأصحاب فمِن اللازم أن يأوّلوا هذه أيضاً ليتمّ لهم دعوى الإجماع، و ليس تأويلها أصعب من تأويل باقى العبائر، وإن كانت الألفاظ لاتكلّف إلّا ما في وسعها من المعاني، فجميع تلک العبائر بعد ظاهرة، بل صريحة في خلاف مقالتهم.

و لو لامحذور الإطالة، و ما يورثها للسامع من الملالة لنقلنا تلک العبائر بنصوصها، و زيّنّا الأوراق بفصوصها، و لكن نكتفي منها بكلام شيخ الطائفة في المبسوط، قال قدس سره: «إذا غابت الشمس عن العين علم غروبها، و في أصحابنا من يعتبر زوال الحمرة، و هو أحوط».  ]المبسوط 1: 74[.

و زعم الماتن أنّها غير صريحة في خلاف مقالته، و قال: «بل لعلّها إلى المشهور أقرب»، و لم يذكر له وجهاً إلّا أنّه قال بعد ذلک: «خصوصاً إن قلنا: إنّ الاحتياط في عبارته للوجوب» ]جواهرالكلام 7: 110[، انتهى.

و الشيخ قدس سره صرّح في هذا الكلام بحصول العلم بالغروب بالغيبوبة عن العين التّي اعترفوا بصراحتها في خلاف مقالتهم، وجعل حصول العلم منوطاً بها، لابغيرها، فسدّ بما عبّر به عن رأيه السديد جميع طرق التكلّف على المأوّلين، فكيف ينكر الماتن صراحتها؟ ثمّ جعل القول الآخر مقابلاً لهذا القول الّذي اختاره، فكيف يدّعي مع ذلک كونه أقرب إلى القول المشهور؟ و الاحتياط في كلامه للوجوب كان أو غيره لايصلح ذلک، كما لايخفى على المتأمّل.

و على هذه فقس سائر العبائر، و تأمّل في ما صنعوا بها حتّى تمّ لهم هذا الدعوى.

ثمّ إنّ لهم مسامحة اُخرى في كلمات الباقين، لأنّهم نسبوا القول باعتبار الحمرة إلى كلّ من ذكر أنّها علامة للغروب، أو أنّ الغروب يعرف بها.

و قد عرفت أنّ كونها علامة لذلک ممّا لاشکّ فيه، و لاينازع فيه أحد، و الأخبار المعتضدة بصحيح الاعتبار دالّة عليه، و أين ذلک ممّا حاولوه من عدم دخول الوقت إلّا بزوالها؟ فإنّ هذه العبائر غير ظاهرة في ذلک، بل بما تقدّم في معنى العلامة يظهر للمنصف أنّها ظاهرة في القول الآخر، و حينئذٍ تنعكس هذه الشهرة، و ينحصر الخلاف من المتقدّمين بقليل منهم، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدّمة.

و يرشد إلى ذلک ما وقع في كلام غير واحدٍ منهم من قولهم: «يعرف الزوال بزيادة الظلّ، والغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة»، و هذا مع ظهور لفظ «يعرف» في العلامة بالمعنى الّذي عرفت يجعله اتّحاد السياق مع الظلّ كالصريح في ذلک، إذ لا شکّ في أنّ زيادة الظلّ علامة صرفة لايجب انتظارها، و أنّه يجوز أداء الظهر قبل استبانتها إن علم الزوال بطريقٍ آخر.

و احتمال الماتن خلاف ذلک ستعرف أنّه من متفرّداته، و التكلّف في جعل المراد من زيادة الظلّ الأعّم من المحسوس و غير المحسوس فيه من الضعف ما لايخفى.

وبالجملة، فالمتّبع الدليل، و الأخبار الدالّة على الغروب غير محتاجة إلى النقل، لكثرتها و تواترها، و هي أضعاف ما ذكره صاحب الوسائل في المقام، و ما تداول نقله في كتب الفروع، و المتتبّع يجدها متفرّقة في تضاعيف الأبواب من كتب الحديث.

و أمّا دلالتها: فقد عرفت الكلام فيها، و مُعتبِر الحمرة لاكلام له فيها إلّا دعوى الإجمال في بعضها ـ و قد عرفت الجواب عن ذلک مفصّلاً ـ و حمل البقيّة على التقيّة، أو تضعيفها بإعراض المشهور، و على ما فيهما من العلات قد عرفت منع الثاني، و ستعرف الكلام في الأوّل.

و أمّا المستند في القول الآخر فهي أخبار قليلة ضعاف أكثرها في الأسناد، و كثير منها مجمل، لايعرف منها المراد، و هي مع ذلک مختلفة المفاد، و جميع ذلک ظاهر لدى القائلين بهذا القول، «و ما قلت إلّا بالّذي علمت سعد». ]صدره: «و تعذلني أبناء سعد عليهم» و البيت للحطيئة، راجع: امالي المرتضى 4: 199[.

و من الطريف أنّ الماتن علم قلّتها، و أنف من التصريح بعددها من مقابلة تلک الأخبار الكثيرة، فعبّر عن عددها بما يشبه الاُحجيّة، فقال: «إنّه لايخفى على من لاحظ الوافي و الوسائل في المقام و في الحجّ و الصوم بلوغها إلى أوّل عقود الأعداد أو أزيد».

و عرف ضعف أسانيد أكثرها، فقنع بقوله: «و فيها الصحيح أو الموثّق» ]جواهر الكلام 7: 111[، و بقي عليه الاعتذار عن اختلاف المفاد، ولعلّه يقنع بمجرّد توهّم المخالفة لهذا القول و إن خالفت القول الآخر أيضاً.

و تلک الأخبار على قسمين:

قسم منها يشتمل على ذكر الحمرة.

و قسم منها لا ذكر فيها للحمرة أصلاً، و إنّما أرادوا استفادة اعتبارها منها بضروبٍ من التوجيهات.

أمّا القسم الأوّل:

فمنها ]هامش هذا الموضع من النسخة الخطيّة مزيّن بتعليقة. بخطّ العلّامة الفقيه المحقّق الحاج آقا رحيم الأرباب قدس سره و هي هذه: قال فيالوافي: «باب أنّ علامة تمام استتار القرص ذهاب الحمرة من المشرق» و ذكر هذا الحديث. والّذي يترجّح عندي بحسب مايقتضيه السياقتصحيف الفرض بالقرص، أي وقت سقوط الصيام و وجوب الإفطار مجاوزة الحمرة قمّة الرأس، فإذا جازت فقد وجب الإفطار وسقطالتكليف بالإمساک. «رحيم» وفّقه اللّه[ ما رواه في الكافي بسند فيه سهل بن زيادة، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبی عبداللّه علیه‌السلام قال: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقّد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص». ]وسائل ‌الشيعة 4: 173 ـ 174 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 4[.

و ما رواه الشيخان بعدّة أسانيد، في الجميع: القاسم بن عروة، عن بريد بن معوية، عن أبي جعفر علیه‌السلام قال: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها». ]وسائل ‌الشيعة 4: 172 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و ما رواه في الكافي عن عليّ بن أشيم ـ و هو مجهول، و في المعتبر: إنّه ضعيف ]المعتبر 2: 52[ ـ عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: سمعته يقول: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدرى كيف ذلک؟» قلت: لا، قال: «لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا، و رفع يمينه فوق يساره، فإذا غابت هيهنا ذهبت الحمرة من هيهنا». ]وسائل‌ الشيعة 4: 173 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 3[.

و ما رواه بطريق فيه عليّ بن يعقوب، عن عمّار الساباطي ـ والكلام فيه مشهور ـ عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: إنّما أمرت أباالخطّاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة الّتي من ناحية المغرب، و كان لايصلّي حين يغيب الشفق». ]وسائل‌الشيعة 4: 175 ـ 176 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 10[.

و ما رواه بطريقٍ فيه سليمان بن داود ـ فإن كان المنقريّ فهو مختلف فيه، وإن كان غيره فهو مجهول ـ عن عبداللّه ابن وضّاح قال: كتبت إلى العبد الصالح علیه‌السلام: يتواري القرص و يقبل الليل ثمّ يزيد الليل ارتفاعاً، وتستتر عنّا الشمس، وترتفع فوق الجبل حمرة، و يؤذّن عندنا المؤذّنون، أفاُصلّي حينئذٍ واُفطر إن كنت صائماً؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة؟ فكتب إلىّ: «أرى لک أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينک». ]وسائل ‌الشيعة 4: 176 ـ 177 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 14 و فيه: و ترتفع فوق الليل[.

و موثّقتا يونس بن يعقوب عن أبي عبداللّه علیه‌السلام في وقت الإفاضة من عرفات، في إحداهما قوله علیه‌السلام: «إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب المشرقي». و في الاُخرى قوله علیه‌السلام: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» ]وسائل الشيعة 13: 557 الباب (22) من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح 3[ و أشار بيده إلى المشرق و إلى مطلع الشمس؛ والظاهر اتّحادهما.

و منها: خبر محمّدبن شريح ـ و لايحضرني الآن حال إسناده ‌ـ عن أبي عبداللّه علیه‌السلام، قال: سألته عن وقت المغرب؟ فقال: «إذا تغّيرت الحمرة ]في الاُفق[، وذهبت الصفرة، وقبل أن تشتبک النجوم». ]وسائل ‌الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 12[.

و الجواب عن الجميع إجمالاً سوى ماتعرف ما في متون أكثرها، أنّ هذه الروايات لاتدلّ إلّا على أنّ زوال الحمرة علامة للغروب، و هذا ممّا لاننكره كما تقدّم، وبعض هذه الأخبار ظاهر في ذلک كالأوّلين، إذ جعل فيه ذهاب الحمرة وقتاً لسقوط القرص.

و ظهور الثاني في ذلک غير محتاج إلى البيان، بل الخبر الثالث أيضاً بناءً على كون المتبادر من وقت المغرب مغرب الشمس لاصلاة المغرب، و هو الظاهر، إذ الثاني لايتمّ إلّا بتقدير لفظ الصلاة و نحوه، و هو خلاف الأصل.

بل الخامس أيضاً لما فيه من الاحتياط الظاهر في كون مراعاتها موجبة لحصول العلم، لا لعدم كون ما قبلها وقتاً، إذ من الواضح أنّه لايقال: لاتصلّ الظهر قبل الزوال و خذ الحائطة لدينک.

و هذا كلّه بناءً على كون المراد من الحمرة فيه هي المشرقيّة، و إلّا فالرواية أجنبيّة عن المقام، و ستعرف الكلام فيه مفصّلاً عند التعرّض لآحاد هذه الأخبار.

فهذه الروايات تكون شاهدة لهذا الجمع الّذي ذكرناه بين جميع أخبار الدالّة على الحمرة و الأخبار الدالّة على الغروب، فتحمل بقيّة الأخبار عليه.

على أنّ هذا الجمع مصرّح به في ما رواه القاضي في الدعائم عن جعفر ابن محمّد، عن آبائه :: «إنّ أوّل وقت المغرب غياب الشمس، و هو أن يتواري القرص في اُفق المغرب بغير مانعٍ، من حاجزٍ يحجز دون الاُفق، مثل جبل أو حائط أو غير ذلک، فإذا غاب القرص فذلک أوّل ]وقت [صلاة المغرب، و ]علامة سقوط القرص[ إن حال حائل دون الاُفق أن يسودّ اُفق المشرق، و كذلک قال جعفر بن محمّد علیه‌السلام». ]دعائم الاسلام 1: 138[.

و كتاب الدعائم من أصحّ الكتب و أتقنها، و أخبارها لاتقصر عن مراسيل الكافي، بل تزيد على أخبار الكافي في إتقان ضبط ألفاظ الروايات، و كم من روايةٍ معضلة مضطربة المتن في الكافي زال عنها الإعضال بمراجعة الدعائم، و تحقّق بذلک عندنا صحّة ما حدس به بعض مشايخنا ـ دام‌ظلّه ـ من أنّ نسخ الاُصول الّتي كانت عند القاضي كانت أصحّ من الّتي كانت عند ثقة الإسلام.

و أمّا جلالة قدر مؤلّفه و كونه من أعاظم الطائفة فهو أمر لاريب فيه، و من أراد التفصيل فليرجع إلى ما ذكره شيخنا قدس سره في مستدرک‌ الوسائل . ]مستدرک‌ الوسائل، الخاتمة 1: 128 ـ 159[.

و ما ذكره المجلسي من أنّ هذا الجمع من صاحب الكتاب، و أنّ الأولى حمل أخبار زوال الحمرة على الاستحباب ]بحارالأنوار 80: 70 ـ 71[ واضح الضعف بعد تصريح مؤلّفه بخلاف ذلک في موضعين في أوّل الخبر و آخره، ولو فتح باب هذا الاحتمال لانسدّ باب الاستدلال بكثيرٍ من الأخبار.

و أيضاً حمله هذه الأخبار على الاستحباب واضح الضعف، بل لا وجه له، نعم، ذلک حسن في بعض الأخبار الآتية في القسم الثاني كما ستعرف.

و أيضاً ذكر صاحب كتاب فقه‌الرضا علیه‌السلام: «إنّ أوّل وقت المغرب سقوط القرص، و علامة سقوطه أن يسودّ اُفق المشرق». ]فقه‌الرضا 7: 73[.

و قال في موضعٍ آخر: «و الدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق، و في الغيم سواد المحاجر». ]فقه ‌الرضا 7: 104[.

و العبارتان ظاهرتان في ما قلنا بالتقرير الّذي عرفت، و قد زاد في الثانية علامة اُخرى للغروب يرجع إليها عند عدم التمكّن من استعلام حال الحمرة.

و قال الماتن في كتابه‌الكبير بعد نقل العبارة:

«قيل: و أراد بسواد المهاجر سواد الاُفق أعلاه و أسفله مع سائر جوانبه، من حيث أنّ ذلک إنّما يكون بزوال الحمرة من جانب المشرق بالكلّيّة» ]جواهر الكلام 7: 114[، انتهى.

و لفظ المهاجر لم يتحرر عندي بعدُ ضبطه، و لاأعرف معناه، و هو في بعض النسخ بالهاء، و في بعضها بالحاء، و لكن ما ذكره في تفسيره موجود في الحدائق ]الحدائق الناظرة 6: 195[، و ما ذكره بعد ذلک لا أدري هل هو من كلامه، أو من بقيّة الكلام الّذي نقله؟

و على أيّ حالٍ فصاحب هذا الكلام قدغفل عن مرام صاحب الكتاب، لأنّ صريحه ذكر علامة للصحو، و علامة اُخرى للغيم، و هذا القائل أراد تطبيق علامة الغيم على علامة الصحو، فقال ما قال.

و اعلم أنّ هذا الكتاب عندنا من الوهن بمرتبةٍ لانرضى أن ينسب إلى من يعرف واضحات النحو و ضروريّات الفقه، لكثرة ما فيها من الأغلاط الشنيعة، و المخالفة لضروريّات مذهب الشيعة.

و قد كتب بعض العلماء الأعاظم من الأرحام ]هو العلّامة آية‌اللّه السيّد حسن الصدر الكاظمي قدس سره، و كتابه «فصل القضاء في عدم حجيّة فقه‌الرضا علیه‌السلام» مطبوع في العدد (10) منمجلّة «علوم الحديث»[. رسالة في إثبات كونه كتاب ‌التكليف للشلمغانى، و استدلّ على ذلک بوجوهٍ لطيفة لم يسبقه إليها أحد في ما أعلم.

و هو حسن لولا أنّ مرتبة الشلمغانى في العلم أجلّ من هذا الكتاب، و إن كان فاسد المذهب.

و لكنّ أكثر المتأخّرين القائلين باعتبار الحمرة إمّا قائل باعتباره ]الضمير عائد إلى كتاب فقه ‌الرضا علیه‌السلام[، أو معترف بأنّه من

المؤيّدات القويّة إذا وافق رواية اُخرى، فتصريحه في موضعين بما ادّعيناه حجّة إلزاميّة.

و لاينافي ما ذكره أيضاً صاحب هذا الكتاب من قوله: «و قد كثرت الروايات في وقت المغرب و سقوط القرص، و العمل من ذلک على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» ]فقه ‌الرضا 7: 104[. فإنّ الظاهر أنّه من كلام صاحب الكتاب، و قد نشأ من عجزه من الجمع بين الروايات، فلاينافي ما ذكره أوّلاً لو كان رواية.

على أنّ مثل هذا الجمع لايحتاج إلى شاهدٍ خارجي، بل نفس صدورها مع صدور أخبار الغروب كافٍ في ذلک، و الفهم العرفي أعدل شاهدٍ عليه، كما كان يقوله بعض مشايخنا، و صدق في ذلک، فإنّ مَن سمع أنّ وقت الانصراف من باب الأمير إذا نام، ثمّ سمع هذا القائل يقول: «وقت الانصراف إذا خرج غلامه من محلّ نومه»، لايشکّ في أنّ الأوّل هو الوقت، و أنّ الثاني علامة لمعرفته، و لايرى بين الكلامين منافاةً، و لا تحدثه نفسه بأنّ الثاني مبيّن لأنّ المراد من النوم ليس معناه الظاهر؟ أو أنّ المراد منه استغراقه في النوم الّذي لايكون إلّا بعد مدّة، أو أنّه النوم الّذي يرى فيه أنهاراً دافقة، و نخيلاً باسقة.

و هذا ظاهر لدى كلّ منصفٍ راجع العرف في المقام لدى هذا المثال و أمثاله، و المقام أوضح منه، إذ عمدة أخبار الحمرة فيها التصريح بالوقتين معاً، بل جعل الثاني علامةً للأوّل ـ كما في الخبرين الأوّلين ـ فهذه الأخبار بمنزلة لو قيل: «وقت منام الأمير و جواز الانصراف أن يخرج غلامه».

فظهر لدى ذي الانصاف أنّ هذه الأخبار نحن بالاستدلال بها أجدر، و هي في ما نقوله أظهر، و أيّ فرق بين قول الصادق علیه‌السلام في خبر علىّ بن حمزه: «إذا زاد الظّل فقد زالت الشمس» و بين قوله في رواية بريد المتقدّمة: «إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس».

و مِن بارد الاعتراض قول بعض أهل العصر: «إنّ العلامة لابدّ أن تكون مقارنة لذي العلامة»، فكأنّه لم يسمع قولهم: «إذا نزل الثلج فقد دخل الشتاء، و إذا غرّد الهزار فقد اعتدل الهواء»، و لم يلتفت إلى أنّ المقدار الّذي بين الزوال والزيادة المحسوسة للظلّ ـ لا سيّما في بعض البلاد و الفصول ـ أزيد بكثيرٍ ممّا بين الغروب و ذهاب الحمرة، على أنّ لمعرفة الزوال طرق اُخرى أقرب إلى الزوال منها زماناً، و الطريق القطعي القريب إلى الغروب مع خفاء مغيب الشمس منحصرة بذهاب الحمرة في تلک الأزمنة.

و ربّما يتوهّم أنّ الغروب لمّا كان أمراً وجدانياً لايحتاج إلى ذكر العلامة، و يجعل ذلک قرينة على صرف لفظ الغروب عن ظاهره.

و ليس كذلک، فإنّ هذه العلامة يحتاجها أكثر الناس في أكثر الاُوقات، لأنّ الاُفق محجوب عمّن كان في البراري المحفوفة بالجبال، و عن الّذي يكون في البلاد إلّا في فرضٍ نادر، و هو أن يكون على سطحٍ مشرف على الاُفق، و لايكون بينه و بين الاُفق حائل من الجدران العإلية و الجبال والتلال، و مع ذلک فلايستغني هو و مَن في البراري المنكشفة عنها كثيراً إن لم يكن غالباً.

و ذلک لأنّ الاُفق كثيراً ما يشتمل على القيوم المتكاثفة في نصف السنة تقريباً، و على الأبخرة والأجزاء الأرضيّة الّتي تحملها الرياح العاصفة إليه في النصف الآخر، والاُفق الغربي معرض للغيوم و نحوها أكثر من الشرقي ـ لنكتةٍ ليس هنا محلّ ذكرها، و من شاء عرف ذلک بالتجربة ـ و الحمرة لارتفاعها عن الاُفق لاتمنع عن رؤيتها هذه الموانع غالباً، فكان بيانهم لها من أهمّ الاُمور لاسيّما لكثير من الناس الغافلين عن أنّ ذلک مقتضى الاعتبار.

بقي الكلام على اُمورٍ تتعلّق بآحاد الروايات :

منها: أنّ الرواية الاُولى الّتي هي أحسن روايات هذا الباب و عليها عمل القائلين بذهاب الحمرة قد اشتملت على تجاوز الحمرة عن سمت الرأس، و هو مخالف للوجدان والبرهان معاً.

أمّا الأوّل: فظاهر لدى كلّ مَن تفقّدها، فإنّ الاُفق من جميع جوانبه يحمرّ عند غروب الشمس، و بعد الغروب لاتزال الحمرة ترتفع عن الاُفق، لا بنسبةٍ واحدة، بل يكون ارتفاعها عن مقابل مغيب الشمس و أطرافه أسرع و أكثر، و لاتزال ترتفع عن الاُفق قيد رمحٍ تقريباً، ثمّ يقلّ احمرارها، و لاتزال كذلک حتّى تضمحلّ بالكلّيّة.

و أمّا البرهان: فإنّ السبب في حدوثها هو انعكاس الشمس في أبخرة الاُفق، و إذا بعدت عن مقابلة الاُفق و حواليه لايقع من الشعاع البصري في كرة البخار مقدار صالح لحدوث الحمرة.

و تقرير هذا البرهان نظير ما ذكره أهل العلم في بيان السبب الّذي يرى الكوكب ـ و هو الاُفق ـ أعظم ممّا يرى و هو في سمت الرأس، مع أنّه في الأوّل أبعد عن موضع الناظر، وبيانه موجب للخروج عن مقتضى المقام، فليطلبه مَن شاء مِن محالّه.

و بالجملة، مخالفة الرواية للوجدان كاشفة عن أحد أمرين:

إمّا عدم صدورها، و إمّا كون المراد منها غير ظاهرها، فيجب ردّها إليهم علیهم‌السلام.

ثمّ إنّ اشتمالها على الأمر بالوقوف بحذاء القبلة لم يظهر لنا وجه له، إلّا أن يحمل على البلاد الّتي قبلتها جهة المشرق، و هو بعيد.

و أحسن منه أن يقال: إنّ الشمس لمّا كانت جنوبيّة في غالب البلدان المعمورة فالحمرة تكون بين المشرق و الجنوب، و لذلک يكون تفقّدها لمستقبل القبلة في البلاد الّتي قبلتها طرف الجنوب أسهل.

و منها: أنّ الرواية الثانية مشتملة على غروب الشمس من شرق الأرض و غربها بزوال الحمرة، و هذا أيضاً مخالف للوجدان و البرهان معاً، و حملها على الغروب من بعض الآفاق دون بعضٍ تحكّم، و قد عرفت فساد ذلک.

و قد روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية بعد نقلها كما تقدّم عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معوية أيضاً، قال: سمعت أباجعفر علیه‌السلام يقول: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعنى ناحية المشرق ـ فقد غربت الشمس في شرق الأرض». ]تهذيب الأحكام 2: 31 ح 84 و فيه: فقد غابت الشمس من شرق الأرض[.

و لو صحّت النسخة فهذا أقرب إلى الاعتبار، لأنّ غروب الشمس عن بلدٍ يستلزم غروبها عن الأماكن الشرقيّة عنه، والروايتان متّحدتان قطعاً، فلعلّ في النسخ الّتي فيها الزيادة تصحيف. واللّه العالم.

و منها : أنّ الخبر الثالث مشتمل على إطلال المشرق على المغرب، و هو بظاهره مشكل.

قال في الوافي: «فإنّ المشرق ما ارتفع من الأرض، والمغرب ما انحطّ عنه». ]كتاب الوافي 5: 266 و فيه: فانّ المشرق ما ارتفع من الاُفق[ و تفسير هذا الكلام أشكل من نفس الرواية، ولعلّ المراد فيها من المغرب هو الخطّ الفاصل بين قسمي الأرض، والمراد من المشرق ليس مثله في الطرف الآخر، بل من ذلک الخط إلى ارتفاع مامنه، و هو المشرق العرفي، فيصحّ الإطلال بهذا المعنى، فيكون إلاطلال للمغرب على المشرق، و لكنّ الظاهر وقوع السقط في الثاني.

و منها: أنّ الخبر الخامس لايخلو عن إجمال، و عدّها من أخبار الباب مبنيّ على كون الحمرة المذكورة فيه هي الحمرة المشرقيّة، و هو بعيد ـ كما اعترف به الشيخ قدس سره في رسالة البرائة ]فرائد الاصول 2: 80[ ـ بل الظاهر أنّ المراد الحمرة الّتي تعلو المواضع العالية من انعكاس أشعّة الشمس عليها، و مورد السؤال الشکّ في غروب الشمس، و لهذه أمره بالاحتياط. و يكون المراد من تواري القرص استتاره عن نظر السائل، و لهذا قيّده بلفظ «عنّا» ـ كما في كثير من النسخ ـ و كرّره بقوله: «يستتر عنّا الشمس» الظاهر في ذلک، فإنّه عرفاً يقال لتواري القرص بغير الغروب.

و مع هاتين القرينتين و قرينة اُخرى كالجبل استقرب شيخنا الفقيه في المصباح كون المراد منها الحمرة هذه، و جعل غيرها احتمالاً في غاية البُعد عن سوق السؤال، بدعوى أنّ المقصود بذكر ارتفاع الحمرة كذكر ارتفاع الليل و سائر الفقرات المذكورة في السؤال ليس إلّا تاكيد ما ذكره أوّلاً من مواراة القرص، فغرضه ليس إلّا الاستفهام عن أنّه هل تجوز الصلاة والافطار عند مواراة القرص، أم يجب الانتظار إلى أن تذهب الحمرة الّتي يتعارف ارتفاعها بعد الغروب، و هي الحمرة المشرقيّة؟ ]مصباح‌ الفقيه 9: 154[ انتهى.

و فيه ما لايحتاج إلى البيان، و هو قدس سره أجلّ من أن يخفى عليه ذلک، و إنّما أوقعه في ذلک غلط وقع في نسخ الوسائل من تصحيف لفظ الجبل بالليل، و هو غلط قطعاً، و كتب الحديث شاهدة بتلک، و لفظ «فوق الليل» كما في نسخ الوسائل عبارة ركيكة جدّاً، و قد اعترف قدس سره بعد ذلک بعدم استبعاد ما ذكرناه لو كان متن الرواية «فوق الجبل» كما في بعض النسخ، و لكن ظنّ ذلک اختلاف نسخ الحديث. و قد عرفت أنّ سواه غلط وقع في الوسائل خاصّة، و لكن قال بعد ذلک: «و على هذا التقدير يدلّ على المطلوب أيضاً كما لايخفى». ] مصباح ‌الفقيه 9: 154[.

و قد خفي علينا وجه ذلک، إذ بعد تسليم كون المراد من الحمرة غير المشرقيّة تكون الرواية أجنبيّة عن المقام، فكيف تدلّ على مدّعاه؟ إلّا أن يزعم القطع باتّحاد المناط بين الحمرتين، أو الملازمة بينهما، و نحو ذلک ممّا هو واضح الضعف.

هذا، و لو كان المراد الحمرة المشرقيّة يتمّ الّذي ادّعيناه أيضاً كما تقدّم، إذ زوال الحمرة علامة للغروب المشكوک حصوله في مفروض السؤال، و لهذا عبّر بالاحتياط.

و ما يقال من أنّ الاحتياط لازم في مفروض السؤال، لجريان استصحاب بقاء النهار و نحوه، و التعبير بمثل قوله: «أرى لک» يوهم الاستحباب، فقد كفانا الماتن مؤونة الجواب عنه في كتابه ‌الكبير ]جواهر الكلام 7: 114. و فيه: ضرورة أنّ قوله: «أرى» إلى آخره إمّا لعلمه بابتلاء السائل بها، أو لانّه علیه‌السلام اتّقى من الأمر به، لا للاحتياط، و إلّا فالإمام لا يأمر عند السؤال عن الحكم الشرعى بالاحتياط، إذ هو طريق الجاهل بالحكم لا الإمام علیه‌السلام[، على ما في بعضه ممّا لايخفى على المتأمّل.

 و بالجملة، فهذه الرواية على أظهر احتماليه أجنبيّة عن المقام، و على أبعدهما دليل لما أخترناه، و لكنّ المستدلّ بها على القول الآخر جعل مورد السؤال الحمرة المشرقيّة ـ و قد عرفت بعده ـ و جعل مفروضه العلم بغروب القرص، و ادّعى أنّ جهة السؤال الشکّ في الشبهة الحكميّة ـ و قد عرفت ما في ذلک ـ ثمّ اعتذر عن تعبير الإمام بالاحتياط بأنّه للتقيّة.

فهذا الاستدلال متوقّف على اختيار أبعد الاحتمالين من أبعد الاحتمالين أيضاً، مع تكلّف دعوى التقيّة بمجرّد الاحتمال.

هذا حال معظم الأخبار الّتي استدلّوا بها على الحمرة، و قد عرفت ما هي عليه من ضعف الأسانيد، و الاختلال في المتون، و لو رفعنا النظر عمّا أو ضحناه من المراد منها يشكل إثبات حكم مثل ذلک بأخبار حالها في الضعف سنداً و متناً ما عرفت، و أحسنها جميعاً موثّقة يونس، و اتّحاد حكمي الإفاضة من عرفات و الصلاة ممّا لا دليل عليه، و احتمال الفرق لا دافع له.

و لهذا كان بعض مشايخنا يستدلّ على اعتبار الحمرة بخبر ابن أبيعمير، و يجعل الموثّقة مؤيّدة لها، ثمّ الخبر الرابع. و لكن مجرّد أمره علیه‌السلام أباالخطّاب بتأخير المغرب عن زوال الحمرة لايوجب عدم دخول الوقت قبلها من وجوهٍ كما لايخفى.

سلّمنا ظهور الجميع في الوقت بالمعنى الّذي أرادوا، و لكنّها لاتعارض الأخبار الدالّة على دخوله بالغروب، فقصاراها أنّ زوال الحمرة أوّل وقت مّا، و لاينفي ذلک عدم الوقت قبله مطلقاً، كما مرّ مفصّلاً في المقدّمات.

الطائفة الثانية من الأخبار الّتي استدلّ بها المشهور:

 منها: خبرا زرارة المشتملان على كون وقت افطار الصائم إذا بدت ثلاثة أنجم.

و هما كما ترى أجنبيّان عمّا نحن فيه، و إن قال الماتن في كتابه ‌الكبير: «ضرورة مناسبته لذهاب الحمرة دون استتار القرص» ]جواهر الكلام 7: 112[، و لو تمّ الاستدل بهما كان دخول الوقت بأمرٍ آخر غير ما قالوا.

و قلنا: إنّ ظهور ثلاثة من الكواكب ليس من الاُمور المقارنة لزوال الحمرة غالباً ليكون كناية عنها، إذ مع صفاء الجوّ و طلوع الكواكب الدريّة كالسعدين من السيّارات، و الشعرى ونحوها من الثوابت ترى قبل زوال الحمرة الثلاثة و أكثر، و مع عدمها و كدورة الجوّ لاترى إلّا بعد زوالها بمدّة.

و في رواية أبان عن زرارة بعد قوله: «حتّى تبدو ثلاثة أنجم» قوله: «و هي تطلع مع غروب الشمس».

و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة لبيان وجه كونها علامة، و أنّ ظهور ثلاثة أنجم مقارنة لغروب الشمس، لا أنّ المراد تقييد النجوم بخصوص الطالعة مع الغروب كما فهمه جماعة، إذ هو ـ مضافاً إلى كونه بعيداً جدّا ًـ لاتبدو إلّا بعد زوال الحمرة بمدّة طويلة، لوقوعها في أبخرة الاُفق المتكاثفة.

و لو صحّ لأهل هذا القول الاستدلال بها بدعوى ضرورة مناسبتها لزوال الحمرة لااستتار القرص صحّ لنا أن نستدلّ بالأخبار الواردة على ظهور كوكبٍ واحد على مطلوبنا، و ندّعي الضرورة في مناسبته لذلک، كصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: سأله سائل عن وقت المغرب؟ قال: «إنّ اللّه تعالى يقول ]في كتابه[ لإبراهيم (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّليْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبّى) ]الأنعام: 76 [فهذا أوّل الوقت». ]وسائل ‌الشيعة 4: 174 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 6[.

و ظهور كوكبٍ واحد مع غروب الشمس غالباً ممّا لاينكر، مضافاً إلى أنّ الكوكب الّذي رآه ابراهيم علیه­السلام كان الزهرة، كما رواه في العيون عن الرضا علیه­السلام ]عيون أخبار الرضا علیه‌السلام 1: 400[، و هي ترى مع الغروب مع صفاء الجوّ قطعاً.

و من الغريب استدلال الماتن بهذه الصحيحة مع أنّها بكلام خصمه ألصق، و هو بها أولى و أحقّ.

و لكنّ الأولى ترک الاعتماد على هذه الأخبار، و إن كان الأوّلان صحيحين، و الثالث لايبعد أن يكون حسناً، لاضعيفاً ـ كما زعم الماتن ـ و ذلک لما ورد من تكذيهم لمضونها.

قال الصباح  بن سيّابه و أبواُسامه: سألوا الشيخ علیه­السلام عن المغرب، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداک، ننتظر حتّى يطلع كوكب؟ فقال: «خطّابيّة؟ إنّ جبرئيل نزل بها على محمّد صلی الله علیه و آله حين سقط القرص». ]وسائل‌الشيعة 4: 190 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح 16 .[

فيظهر بذلک الوهن في هذه الأخبار، و يظهر أنّها و أمثالها من دسّ ابن الخطّاب و أصحابه في اُصول أصحابنا، فإذا جعلوا انتظار كوكب خطّابيّة فالثلاثة بطريق أولى، إذ هو الأقرب إلى المعروف من مذهبه من الاشتباک.

و حمل الكوكب في الرواية على الكوكب الخاصّ الّذي كانوا يسمّونه «القيداني» بعيد.

و قال المحقّق في المعتبر:

«لايستحبّ تأخير المغرب، و في بعض رواياتنا: «تؤخّر حتّى تظهر النجوم»، و قد أنكرها الصادق علیه­السلام و نسبها إلى كذب أبيالخطّاب، فهي إذاً متروكة» ]المعتبر 2: 41[، انتهى.

و الظاهر أنّ مراده بالنجوم الثلاثة منها، و أنّه يشير بهذه الأخبار، و ذلک لعدم وجود ذلک في ما نعلم من رواياتنا.

و الّذي يظهر من مجموع الروايات أنّ أباالخطّاب كان يرى مطلق التأخير، و كان حدّ ذلک أو حدّ الأفضل عنده اشتباک النجوم و غروب الشفق.

و من ذلک يظهر ضعف استدلالهم بما دلّ على الأمر بالإمساک، كموثّق يعقوب بن شعيب، عن أبي عبداللّه علیه­السلام قال: «مسّوا بالمغرب قليلاً، فإنّ الشمس تغيب ]من[ عندكم قبل أن تغيب ]من[ عندنا». ]وسائل ‌الشيعة 4: 176 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 13[.

و قوله علیه‌السلام في رواية جارود: «ياجارود! ينصحون فلا يقبلون، و إذا سمعوا بشيء نادوابه، و إذا حدّثوا بشيء أذاعوه، قلت لهم: «مسّوا بالمغرب قليلاً» فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، فأنا الآن اُصلّيها إذا سقط القرص». ]وسائل ‌الشيعة 4: 177 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 15[.

و لولا ما عرفت كان من اللازم الحكم باستحباب الإمساء بمقدار ما يصدق الاسم، أو بمقدار طلوع نجم إلى ثلاثة بحمل ما دلّ على ظهور كوكبٍ أو ثلاثة على أنّه تقدير للإمساء.

و عليه ينطبق ما في خبر ابن عبدربّه من قوله: «يا شهاب، إنّى اُحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً». ]وسائل ‌الشيعة 4: 175، الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 9[.

و به صرّح جماعة و حملوا أخبار زوال الحمرة على ذلک، و لسان هذه الأخبار ناطق بالاستحباب، فإنّ التعليل بغيبوبة الشمس عند الراوي قبلهم لايناسب إلّا ذلک، فإنّه يختصّ ببلد الراوي و ما وافقه في ذلک، بل و لايجري في بلد الراوي دائماً أيضاً، لأنّه كوفيّ ـ كما صرّح به الشيخ في كتاب‌ الرجال ]رجال ‌الطوسى 218: شهاب بن عبدربّه الأسدي مولاهم الصيرفي الكوفي[ ـ و الكوفة و إن كان أطول من المدينة و لكن بين طوليهما قليل جدّاً، و عرض الكوفة أزيد كثيراً منها، ففي أكثر الأيّام الّتي تكون الشمس في البروج الشماليّه تغيب في الكوفة قبل المدينة.

و من المنكر جدّاً أن يختلف الوقت الأصلىّ للصلاة الّذي هو عامّ لجميع المكلّفين هذا الاختلاف لمثل هذا التعليل، فالوجه من هذه الرواية إن صحّت لابدّ أن يكون أمراً خارجاً عن الوقت، كمراعاة وقوع الصلاة من الناس مقارناً لصلاة إمامهم، ليكون ذلک سبباً لسرعة قبولهما منهم، أو مزيد فضلها، و نحو ذلک.

و هذا و أمثاله لايكون وجهاً لحكمٍ وجوبي أبداً، و لهذا ما كان الإمام بنفسه يفعل ذلک، بل يصلّي مع سقوط القرص كما رواه عبيدبن زرارة، قال: سمعت أباعبداللّه علیه‌السلام يقول: «صحبني رجل كان يمسي بالمغرب و يغلس بالفجر، وكنت أنا اُصلّي المغرب إذا غربت الشمس، و اُصلّي الفجر إذا استبان ]لي[ الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعک أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا، و تغرب عنّا و هي طالعة على قومٍ آخرين، فقلت: إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، و إذا طلع الفجر عندنا، و ]ليس علينا إلّا ذلک، و [على اولئک أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم». ]وسائل ‌الشيعة 4: 179 ـ 180 الباب (16) من أبواب المواقيت ح 22[.

و قد ينافي ذلک خبر جارود المتقدّم، فإنّه يظهر منه أنّه كان يمسي قبل أن يذاع ذلک، و لكن تركه ذلک دليل آخر للاستحباب.

و الشيخ في التهذيب حمل ظهور النجوم على بعض المحامل البعيده ]تهذيب الاحكام 2: 32 ـ 34[. و في المدارک على صورة الاشتباه ]مدارک الاحكام 3: 52[، و لايبعد ذلک بأن يكون علامة عند عدم التمكّن من معرفة الغروب، و لا علامته الّتي هي زوال الحمرة، كما ربّما يشهد له مكاتبة عليّ بن الريان، و سؤاله عن صلاة المغرب إذا كان في دارٍ يمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب، و في الجواب: «يصلّيها إذا كان على هذه الصفّة عند قصر النجوم». قال الشيخ: ]معنى [قصر النجوم بيانها. ]تهذيب الأحكام 2: 279، ح 1038[.

و لكنّ الحمل على الاستحباب هو الأولى، لما عرفت من ظهورها فيه لولا الوهن الّذي عرفت فيها، و هو قوّة كونها من دسّ أبيالخطّاب أو أصحابه لها في كتب الأصحاب، و إن كان هذا الاحتمال غير جارٍ في خبر جارود، و لكنّه لايمكن إثبات الحكم به فقط، مع معارضته بعدّة أخبار كثيرة فيها التصريح بلعن مَن أخّر المغرب طلباً لفضلها، و نحو ذلک.

و قد طال بنا الكلام في هذه الأخبار، و على أىّ حالٍ الإمساء سنّة كان أو بدعة، مكروهاً أو مستحباً أيّ ربطٍ له بكون الوقت زوال الحمرة؟ و لكنّ القائل بذلک يتكلّف بجعل قوله: «مسّوا بالمغرب قليلاً» بمعنى «أخّروها عن زوال الحمرة»، و بجعل صلاة الصادق علیه‌السلام عند السقوط صلاةً خارجة عن الوقت، للتقيّة و خوفه علیه‌السلام بسبب إذاعة الشيعة ذلک الحديث، و ما كان أغناه عن هذا القول الّذي لايتمّ إلّا بمثل هذه التكلّفات.

و منها: خبر محمّد بن علي قال: صحبت الرضا علیه‌السلام ]في السفر[ فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق ـ يعنى السواد ـ . ]وسائل‌الشيعة 4: 175 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 8[.

و هذا أيضاً أجنبيّ عن مدّعاهم، إذ لانعقل لهذه الفحمة معنى إلّا ارتفاع الحمرة من الاُفق، و ظهور لون الاُفق ـ و هو السواد ـ في ذلک الوقت، لغروب الشمس و عدم استضائته به، و هذا مقارن لتمام الغروب، لأنّ الحمرة عند وصول الشمس إلى الاُفق الغربي يكون على الاُفق الشرقي تقريباً، و هي عند ذلک أشدّ ما يكون من الاحمرار، لوقوعها في أشدّ مايكون من تكاثف الأبخرة. ثمّ لايكمل الشمس غروبها إلّا و الحمرة مرتفعة عن الاُفق، يرى الاُفق و ما بينه و بين الحمرة أسوداً، ثمّ لايزال الحمرة ترتفع والقطعة السوداء بينها، والاُفق تكبر حتّى تضمحلّ و تذهب.

و ليس في الرواية إلّا مجرّد الإقبال الّذي عرفت أنّه حاصل بحصول الغروب، فإن كان معنى إقبال الفحمة ما فهمناه فهذا الخبر أولى بالدلالة على القول بالغروب، و إن كان غير ذلک فعليهم أن يبيّنوا المراد حتّى تنظر فيه.

و منها: صحيح ابن همّام أو موثّقته، قال: رأيت الرضا علیه‌السلام ـ و كنّا عنده ـ لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم، فصلّي بنا على باب دار ابن أبي محمود. ]وسائل ‌الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 9[.

و هذه الرواية استدلّ بها الماتن تبعاً لغيره في المقام، و هي أجنبيّة عن المقام أصلاً، بل هي مناسبة لباب آخر وقت المغرب، و بيان جواز تأخيرها عن اشتباک النجوم.

و مثلها رواية داود الصرمي الآتية الّتي استدلّوا بهما معاً على ذلک، و ظهور النجوم ظاهر في اشتباكها الّذي لاشکّ في عدم كونه الوقت، و حمله على ظهور الثلاثة بعيد عن ظاهر اللفظ جدّاً، و لو حمل على ذلک فالحال فيه كالحال في الخبرين المتقدّمين.

و الماتن في كتابه اعتذر عن كونه حكاية فعل ـ فلعلّه فعله لعذرٍ ـ بأصالة ]متعلق باعتذر قال: و كونه حكاية فِعل فلعلّه علیه‌السلام فَعَل ذلک لعذر لا لأنّه وقت موظّف قديدفعه بعد أصالة عدم العذر…[ عدم العذر ـ فلينظر ما هو الأصل ـ و بظهور نقل الراوي عنه ذلک] جواهر الكلام 7: 112[، فلينظر ما معناه.

و بعَدِّ هذا الخبر وأمثاله بلغت أخبار اعتبار الحمرة عنده أوّل العقود، ولو شاء القائل بالغروب عدّ مثل ذلک لَتجاوز عدد أخبار الغروب الاُلوف، و لكنّه مستغني عن ذلک، والحمدللّه.

تنبيهات مهمّات

 

التنبيه الأوّل:

النهار و الليل عند مُعتبِرالحمرة بمعنىً آخر غير المعنى العرفي، و لابدّ من الالتزام بالحقيقة الشرعيّة، إذ عدم اعتبار زوال الحمرة عند أهل العرف ظاهر لايحتاج إلى البيان، و كذلک عند سائر أرباب العلوم والملل، و لكنّ السيّدالداماد نقل أنّه العمل على كون النهار من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة عند أصحابنا و أساطين الإلهيّين و الرياضيّين من حكماء يونان.

والماتن لشدّة إعجابه بهذا الكلام نقل في غير مقامٍ ذلک عنه، مستجوداً له، و بشّر الناظرين في كتابه بأنّه ينقل كلامه بتمامه عند الفراع من البحث في الأقوال المتعلّقة بالظهرين. ]جواهر الكلام 7: 109[.

و لكن هذا النقل خطأ قطعاً، أمّا الرياضيّون منهم فظاهر لدى جميع أهل العلم أنّ الّذي تقرّر عليه اصطلاحهم و عليه مبنى الإرصاد و كتب العمل هو اعتبار مركز الشمس في جميع الأحوال، فمبدأ النهار عندهم طلوع المركز، و آخره غروبه، فيكون النهار عندهم أقصر من النهار العرفي بمقدار حركة تمام جرم الشمس من الطرفين.

و كذلک علماء الهيئة، و لهذا يحكمون باستواء الملوين في الآفاق الاستوائيّة، و باستوائهما في الآفاق المائلة في الاعتدالين، إلى غير ذلک، و لو كان بين الطلوعين و الغروبين داخلاً فيه لانتقضت هذه الأحكام بإسرها.

و كذلک أرباب أحكام النجوم، فإنّه ظاهر أنّ الّذي عملهم عليه في جميع أحكامهم هو اعتبار مراكز الكواكب، و لايعنون بالكوكب النهاري والليلي إلّا الّذي كان فوق الاُفق أو تحته، و هكذا يستخرجون السهام، و يعيّنون ما يختلف في الليل والنهار من الأحكام.

و أمّا زوال الحمرة و بقائها فلا ذكر له في كتبهم، و لايترتّب عليه أثر عندهم، و هذه كتب الهيئة والرصد و الأحكام و علم آلات الرصد شاهدة بذلک.

و أمّا أرباب علم الإلهيّين فإنّ مثل ذلک خارج عن موضوع فنّهم أصلاً، و لايتعلّق لهم غرض بذلک، و ذلک واضح لايحتاج إلى البيان، و لكنّه حدس ذلک أو رأى في بعض الكتب أنّ الفجر و الحمرة من آثار استضائة كرة البخار بالشمس، فولد من ذلک هذا الخطأ الفاحش.

سلّمنا أنّ اُطولوقس صرّح بذلک في أحكام الكرات المتحرّكات، و أبلينوس في أحكام قطوع المخروطات، فأيّ فائدة لاصطلاح حكماء اليونان في أحكام أهل‌الايمان؟ و متى كانت أحكام الشرعيّة العربيّة يتبع مصطلحات إليونانيّة؟.

و أمّا النهار عندنا فآخره منطبق على النهار العرفىّ، و تسمع الكلام في أوّله أيضاً، فإنّه كذلک بالبيان الآتي، فيتحقّق الغروب عندنا بغيبوبة تمام القرص عن سطح الأرض، و عن تمام الأشخاص القائمة عليها من القامات والجدران و الأشجار و غيرها المتعارفة في الطول، فلايتحقّق الغروب بمجرّد خفائه عن البصر الملاصق لسطح الأرض مع عدم غروبه عن بصر الواقف، و لايتحقّق للّذي في الدار مع عدم غروبها عن الّذي على السطوح المتعارفة، كالطلوع فإنّه يطلع على القاعد بمجرّد رؤية القائم لها، و للّذي في الدار برؤية الواقف على السطوح المتعارفة لها، دون الأشخاص الخارجة عن المتعارف في الارتفاع كالجبال الشامخة، و العمارات العالية.

و ذلک واضح لمن راجع العرف، فإنّ من رأى الشمس على سطحٍ متعارف، أو رأى شعاع الشمس على شجرٍ يحكم بطلوعها في ذلک الاُفق مطلقاً، دون الأشخاص الخارجة عن المتعارف في الاعتدال.

و كذا في الغروب، فلكلّ موضع من الأرض اُفق خاصّ يتبع متعارف ما فيها من الأشخاص.

و إن شئت التعبير عن الاُفق العرفي بالاصطلاح العلمي قلت: إنّه الاُفق الترسي الّذي يرسم من فرض بصرٍ منطبق على الأشخاص القائمة على سطح الأرض المتعارفة في الطول، فهو نوع من الترسي.

و لازم ما ذكرناه أن يختلف الاُفق بوجود الجدران و الأشجار و عدمهما، بل اختلافه في مكانٍ واحد بحسب إيجاد مرتفع فيه، و رفعه عنه.

و لعلّ الناظر يستبعد ذلک و يجعل ذلک دليلاً على فساد ما ذهبنا إليه من القول بالغروب، و بمقايسته إلى الطلوع و الرجوع إلى العرف يرتفع الاستبعاد.

و يظهر بذلک الجواب عمّا أورده جماعة على المختار، و ينحلّ به ما زعموا من الإشكال في عدّة من الأخبار و عدّة من أعاظم الاصحاب.

أمّا الأوّل: فقد قالوا: إنّ لازم القول بالغروب جواز الصلاة مع بقاءِ شعاع الشمس على الحيطان، و هو قطعىّ الفساد، و الالتزام بلزوم ذهاب الشعاع إحداث قول ثالث، و هو خلاف الإجماع، كما في الرياض. ]رياض ‌المسائل 2: 216[.

و قال الماتن:

«و بعد كون القول المقابل للمشهور قطعيّ الفساد و كون اعتبار بعض المتأخّرين ذهاب الشعاع قولاً محدثاً تعيّن قول المشهور».

و بمثل ذلک ردّ عدّة من أخبار القول بالغروب و قال:

«إنّ مقتضاها دخول الوقت بمجرّد ذهاب القرص ]عن النظر[ و إن بقي ضوؤه على الجدران و المنارة و الجبال ـ إلى أن قال ـ و هو في غاية الوضوح من الفساد، و إلّا لزم اختلاف الوقت باختلاف الأمكنة علواً و سفلاً من البئر إلى المنارة». ]جواهر الكلام 7: 117 ـ 118[.

قلت: و بما ذكرنا في معنى الاُفق العرفي ظهر الجواب عن جميع ذلک، و نقول مع ذلک توضيحاً:

إن أراد بالحيطان و نحوها المتعارف منها فنحن نلتزم بلزوم ذهاب الشمس عنها، لما عرفت من أنّ الاُفق العرفي يكون بحسبه، و غروب الشمس و غيبوبة القرص و نحو ذلک ـ ممّا ورد في النصوص و حكمنا بمقتضاها ـ ليس الغروب عن شخصٍ دون شخص، و لا من حالٍ دون حال.

فالاُفق للنائم هو الاُفق للقاعد، و للقاعد هو الاُفق للقائم، و اُفق الّذي في البيت اُفق الّذي على السطح، و لكلّ مكانٍ اُفق واحد بحسب ما فيها من الأشخاص و العمارات المتعارفة، يصدق الغروب عنه بغروبه عن الجميع، كما أنّه يصدق بطلوعه على بعضٍ طلوعه على الجميع، فمادام القرص طالعاً على الّذي هو قائم على سطحٍ متعارف لايصدق أنّ الشمس غابت عن هذا المكان، و لاغربت عنه، و لا أنّه لايرى فيه، و نحو ذلک من الألفاظ الواردة في النصوص، كما أنّه بالطلوع على بعضٍ يصدق جميع ذلک فيه.

و ذلک ظاهر بالنظر إلى العرف، و ماذا يقول الخصم في الطلوع؟ و أيّ شيء يعتبره في آخر وقت الصبح؟ و نحن نعتبر مثله في أوّل المغرب، فإن حكم بكون الصبح قضاء بظهور الشعاع على الجدران، و برؤية مَن على السطح القرص قلنا: إنّ وقت العصر باقٍ مع ظهور القرص لمن على السطح، و لم يدخل وقت المغرب بعد.

و إن قالوا: «إنّ لكلّ بصر حكمه» فقد لزمهم اختلاف الوقت من البئر إلى المنارة في بقاء وقت الصبح، فليلزمنا مثله في الظهرين، و هذا مورد المثل: «شاركني بالفعل و أفردني بالتعجّب».

و إن أرادوا بالعمارات و الجبال الخارجة عن المتعارف في الارتفاع كمنارة إسكندريّة ـ إن صّح ما ينقل من ارتفاعها ـ فنحن نلتزم بعدم الاعتداد بها، و نحكم بقضاء الظهرين و أداء المغرب معها، و الوجه فيه ماعرفت من أنّ الاُفق العرفي يتبع المتعارف.

و من الممكن أن يصل ارتفاع المرتفعات إلى حدٍّ لاتغيب عنها الشمس مع إقبال الظلام و اشتباک النجوم لمن تحتها، فهل يلتزم أحد مع ذلک ببقاء النهار و عدم الليل؟

هذا هو التحقيق، و ]يرد[ النقض عليهم بالطلوع كما تقدّم، فإنّ الشمس تشرق عليها حال الطوع قبل غيرها بالمقدار الّذي يتأخّر غروبها عنها بعينه، فإن اعتبروها في الطلوع اعتبرناها في الغروب، و إلّا فلا، فالحال واحد، و التحقيق ما عرفت.

و يرد عليهم ـ زيادة على ما تقدّم ـ أنّ من الجبال ما لاتغيب عنه الشمس إلّا بمدّةٍ هي أكثر ممّا بين غروب الشمس و زوال الحمرة، و كذلک المنارة لو فرض طولها ميلاً و نحوه، فاعتبار الحمرة لاتجديهم في الجواب عن هذا الإشكال.

فمانقله في الرياض عن قدماءِ الأصحاب القائلين بالغروب ]من[ دخول الوقت مع بقاء شعاع الشمس مطلقاً ]رياض ‌المسائل 2: 207[ ليس على ما ينبغي، و هم منزّهون عن ذلک قطعاً، ففرحة الماتن

بتعيّن مختاره حيث تردّد قول خصمه بين مقطوع الفساد، أو خلاف الإجماع ]جواهر الكلام 7: 118[ لاتتمّ أبداً.

و أمّا الثاني : فإنّه روى الصدوق و غيره عن زيد الشحّام، قال: صعدت جبل أبيقبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب وإنّما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أباعبداللّه علیه‌السلام فأخبرته بذلک، فقال لي: «و لِمَ فعلت ذلک؟ بئس ما صنعت، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت، ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة ]تظلّها[ و إنّما عليک مشرقک و مغربک، و ليس على الناس أن يبحثوا». ]وسائل ‌الشيعة 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت، ح 2[.

قالوا: إنّها لاتنطبق على القولين معاً، أمّا على القول باعتبار الحمرة فظاهر، و أمّا على القول الآخر فلأنّه لاخلاف بين القائلين به في لزوم انتفاء الحائل، و عدم الاعتبار بعدم رؤية الشمس للحائل.

و حملها جماعة على التقيّة و هو كما ترى.

و قرّر ذلک التقىّ المجلسىّ بأنّ غرض الرواي كان إثارة الفتنة بأن يقول: إنّهم يفطرون و يصلّون قبل أن تغيب الشمس، و كان ذلک مظنّة لأن يصل الضرر إليه و إلى غيره منهم، ويكون المراد من قوله: «إنّما عليک مشرقک و مغربک» أنّک لاتحتاج إلى صعود الجبل، إذ يمكنک استعلام الطلوع و الغروب بالحمرة. ]راجع: روضة المتّقين 2: 69[.

و فيه ما لايخفى من البعد و التكلّف في موضعين. و الوجه في هذه الرواية يظهر ممّا عرفناک من أنّ بقاء الشمس على قلل الجبال العالية لاينافي غروبها لمن كان دون الجبل لتعدّد الاُفقين.

و من القريب جدّاً أن يكون الناس قد صلّوا المغرب بعد غروب الشمس، و الراوي لمّا رأى الشمس و هو على الجبل زعم أنّهم يصلّون لتواريها خلف الجبل، و أنّ عدم رؤيتهم لها لحيلولة الجبل، لا للغروب، جهلاً منه بأنّ ذلک لاختلاف اُفقه و هو على الجبل مع اُفقهم، و أنّ الشمس غاربة عنهم حقيقة، و إن كانت طالعة عليه. و قد أفصح الصادق علیه‌السلام بذلک حيث قال: «إنّما عليک مشرقک و مغربک».

و قوله علیه‌السلام: «ليس على الناس أن يبحثوا» لعلّ المراد منه: ليس عليهم أن يبحثوا عن غير اُفقهم.

و قوله علیه‌السلام: «خلف جبلٍ غابت أو غارت» إنّما هو من باب التعبير على طبق ما يعتقده الراوي، لصعوبة بيان حقيقة ذلک له، بل تعذّر إفهامه بعد توقّف فهم ذلک على مقدّمات كثيرة تتوقّف على الاطّلاع على دقائق العلوم التعليميّة، و لهذا استثنى علیه‌السلام تجلّلها بالسحاب و الظلمة، إذ لاخصوصيّة لهما، و من المعلوم أنّ الغرض بيان المثال لمطلق الحائل الّذي مِن أظهر أفراده الجبل، و بذلک بيّن علیه‌السلام الواقع لمن كان من أهل الاصطلاح مع إفادة الراوي أصل الحكم.

و قد بيّنّا شرح هذا الحديث في المجلّد الأوّل من مجلّدات النكاح من كتاب «ذخائرالمجتهدين».

و من غريب الكلام ما ذكره الماتن في توجيه هذا الخبر، قال:

«و يمكن أن يكون نهيه عن التجسّس بعد زوال الحمرة، كما يؤمى إليه قوله علیه‌السلام: «و إنّما عليک مشرقک و مغربک» إذ لو كان المراد ذهاب القرص لم يكن لذكر المشرق ثمرة» ]جواهر الكلام 7: 117[، انتهى. المقصود من كلامه؛

و فيه مواقع للكلام يطول بذكرها المقام، فلينظر ما معنى بقاء الشمس على أبيقبيس مع ذهاب الحمرة من دون الجبل؟ مع أنّ ارتفاعه لايوجب من الاختلاف إلّا ما هو أقلّ منه بكثير.

ثمّ كيف يجديه ذلک مع أنّه يرى جواز صلاة المغرب مع بقاء شعاع الشمس قطعيّ الفساد، و لايتفاوت في ذلک بقاء الحمرة أو زوالها، إلى غير ذلک ممّا لاثمرة في التعرّض لها.

و مثله: موثّقة سماعة، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام في المغرب إنّا ربّما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو سترها الجبل، فقال: «ليس عليک صعود الجبل». ]وسائل الشيعه 4: 198 الباب (20) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و التقريب فيها كما في سابقها، فتأمّل.

و مثلهما: ما رواه في المجالس عن الربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهما، قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر، إذا نحن برجلٍ يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه، ]حتّى صلّى ركعة و نحن ندعو عليه[ و نقول: هو شابّ من شباب المدينة، فلمّا اتيناه إذا هو أبوعبداللّه جعفر بن محمّد علیه‌السلام فنزلنا وصلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداک، هذه الساعة تصلّي؟ فقال: «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت». ]وسائل ‌الشيعة 4: 180 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 23[.

و الوجه فيها ماعرفت، إذ الظاهر أنّهم رأواشعاع الشمس على بعض الجبال العالية و زعموا منافاة ذلک لغروب الشمس عمّن ليس في سفحه، جهلاً منهم باختلاف الاُفقين.

و هذه الرواية من أعظم ما استفاد منها القائلون التقيّة و أنّ تأخير المغرب كان مركوزاً في أذهان الشيعة، و قد ظهر من ذلک أنّ تعجّبهم لم يكن إلّا لبقاء شعاع الشمس الّذي لايقول بجواز الصلاة مع بقائه مطلقاً حتّى العامّة في ما يحضرني الآن من كلماتهم، بل في حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم من الشافعيّة التصريح باشتراط ذهاب شعاع الشمس من الجبال و نحوها، فعلى هذا فصلاة الصادق علیه‌السلام مع بقاء الشعاع كان مخالفاً لمعتقدهم.

ثمّ لو سلّمنا أنّه كان ذلک مركوزاً في أذهانهم فأيّ ثمرة لهم فيه مع تكذيب الإمام ما في أذهانهم بقوله وفعله معاً؟ إلّا أن يتمسّک بذيل سمل التقيّة، و يجعل صلاته علیه‌السلام صلاةً في خارج الوقت لأجلها.

و فيه مطلقاً ما ستعرف، وخصوصاً ماعرفت من اشتراط ذهاب الشعاع عندهم، مع أنّ مذهبهم دخول الوقت بالغروب، لا عدم جواز تأخيره عنه، بل الوقت عند أكثرهم باقٍ إلى ذهاب الشفق، فأيّ تقيّة في تقديمها على ذهاب الحمرة، مع أنّ كثيراً من صلواتهم يقع بعدها قطعاً، إذ ليس كلّ أحد منهم مستجمع للشرائط فاقد للأعذار أوّل الغروب.

و يظهر الوجه بما بيّنّاه في ما فرّعه الشيخ في المبسوط على هذا القول من أنّه إذا غابت الشمس عن البصر، و رأى ضوئها على جبلٍ يقابلها، أو مكانٍ عال مثل منارة اسكندريّة، أو شبهها فإنّه يصلّي و لايلزمه حكم طلوعها ]المبسوط 1: 74[، انتهى.

و تعجّب منه جملة من المتأخّرين، وبعض تلامذة الماتن قال في كتابه:

إنّ هذا من مزخرفات العامّة، و أصحابنا مبرّؤون عن أمثالها، و الشيخ أعرف بمراده. ]البرهان‌ القاطع، المجلّد الثالث من الطبعة ‌الحجريّة: 41[.

قلت: قد أفصح الشيخ ـ طاب‌ثراه ـ عن مراده أبلغ إفصاح، و أوضحه غاية الإيضاح، فإنّه ترک المثال بالجدران و الأشجار و نحوها ممّا يتّحد اُفقه العرفي مع مادونه، و مثّل بالجبل، ثمّ قيّد المكان بالعالي، و لم يقنع بذلک حتّى مثّل له بمنارة اسكندريّة المعروفة بالطول الخارج عن المتعارف، ثمّ أردفها بقوله: «و ما أشبهها» أى في الطول تأكيداً لئلّا يتوهّم من كلامه الإطلاق، فما ذنبه إن خفي عليهم الوجه في كلامه، زاد اللّه في علوّ مقامه.

التنبيه الثاني:

في ذكر المرجّحات الّتي ذكروها لأخبار الحمرة على أخبار الغروب، و إن كنّا في غنىً من ذلک، لما عرفت من انطباق جميع الروايات على القول بالغروب، و عدم التعارض بينهما أصلاً، و لكن لابأس بذكرها تكثيراً للفائدة، فنقول:

 قال الماتن في كتابه‌الكبير:

«إنّ تلک النّصوص معتضدة بالأصل، و الشغل، و الشهرة العظيمة، و الموافقة لما سمعت من آي الكتاب، و المخالفة للعامّة، و الاشتمال على التعليل بكون المشرق مطلّاً على المغرب، و بأنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا» ]جواهر الكلام 7: 115[، انتهى.

أمّا تسمية تلک الأخبار بالنصوص غريب مع ماعرفت من التكلّفات التّي ارتكبوها في بيان دلالة أكثرها، و مع الغضّ عن ذلک، أمّا الترجيح بالأصل، ففيه ما تقرّر في علم الاُصول، و الشغل وحده لو كان مرجّحاً لها من حيث أداء المغرب فهو مرجّح لأخبار الغروب من حيث الظهرين.

و أمّا آي الكتاب، فلا أدري مايريد منها، إذ لايوجد بين الدفّتين من أوّل البسملة إلى آخر المعوّذتين آية واحدة تدلّ على ذلک، فضلاً عن آيات متعدّده، بل الموجود في الكتاب العزيز مايمكن أن يستدلّ على خلافه، كقوله تعالى: (أقِمِ الصَّلوةَ لدُلُوکِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ الَّليْلِ) ]الإسراء: 78 [بناءً على كون الدلوک هو الغروب، كما هو مذهب جماعة.

و قوله تعالى: (أقِمِ الصَّلوةَ طَرَفَى النَّهارِ). ]هود: 114 .[

و قوله تعالى: (وَ سَبّحْ بِحَمْدِ رَبّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها) ]هود: 114 .[بناءً على كون المراد منهما صلاة الفجر و العصر، إلى غير ذلک.

و لم يتقدّم منه دعوى ذلک كي يقول هنا: «لما سمعت» و لعلّه يريد بذلک قوله تعالى: (فَلَمّا جِنَّ عَلَيْهِ الَّليْلُ رَأىَ كَوْكَباً) ]الأنعام: 76[ بضمّ ما في صحيح بكر المتقدّم، و إن كان ذلک فهو من أعجب الكلام، إذ عدم دلالتها بنفسها على ما له أدنى ربطٍ بالمقام ظاهر.

و إن أراد بضمّ ما في الخبر إليه فواضح الضعف، إذ كونه أوّل الوقت من كلام الإمام، لابعنوان أنّ المراد من الآية، فهذا ترجيح بالرواية لا الآية، على أنّ هذا الخبر من تلک الأخبار الّتي يريد ترجيحها بموافقة الكتاب، فهو دور صريح.

و أمّا الشهرة، فقد عرفت أنّ مبناه على نسبة هذا القول إلى كلّ مَن ذكر أنّ ذهاب الحمرة علامة للغروب، و على تأويل كلمات المصرّحين بالغروب بما هو مقطوع العدم، و إن شئت فتذكّر عبارة المبسوط و تأويله لها لتعرف ما صنع بعبائر الأصحاب حتّى تمّ له هذا الادّعاء.

و قد اقتصر هنا على دعوى الشهرة، و لكن قبل ذلک بقليلٍ ادّعى الزيادة عليها، فقال:

«على أنّ أكثر المتأخّرين القائلين بالغروب ممنّ لايبالي بالشهرة في جنب الخبر الصحيح كائنة ما كانت، كما يشهد له ما في هذا المقام الّذي قارب أن يكون ضروريّاً في زماننا، بل لعلّه كذلک، بل يمكن دعواه حتّى في الزمن السابق، كما يؤمى إليه خبر الربيع، و ابن أرقم السابق، بل سواد المخالفين يعرفون ذلک منّا أيضاً فضلاً من الموافقين، كما أنّ سوادنا بالعكس، حتّى أنّهم إذا أرادوا معرفة الرجل من أيّ الفريقين امتحـن بصلاتة و إفطاره» ]جواهرالكلام 7: 110[، إلى آخر كلامه قدس سره.

أمّا طعنه على المتأخّرين بما ذكر، فلا يهمّنا الجواب عنه، و أمّا دعوى الضرورة في زمانه، فلا أدري كيف صحّ له مع مخالفة الأُستاذ الأكبر ]هو العلّامة المجدّد البهبهانى قدّس سرّه، راجع: الحاشية على المدارک 2: 302 ـ 303 [و جمع من تلامذته المعاصرين للماتن، و أمّا الزمان السابق، فمن عصر الأئمّة إلى هذا اليوم لم يزل في كلّ عصر منه جماعة من أكابر الطائفه و شيوخها قائلين بالغروب، و إثبات ذلک موجب لطول الكلام، و فيمن نقل عنه ذلک في الكتب المعروفة كفاية، و ما في غيرها أكثر.

و أمّا خبر الربيع، فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً قريباً.

و أمّا معرفة سواد المخالفين ذلک، فلو سلّمت فأيّ حجّة في ما يزعمه الأعداء الجاهلين بمذاهب الشيعة، و كتبهم مشحونة بالافتراءات الشنيعة عليهم، و فتح هذا الباب موجب لما لايخفى على ذوي الألباب.

على أنّ الّذي رأينا من علمائهم ـ كأحمد بن تيميّه و غيره ـ النسبة إلى الشيعة وجوب تأخير المغرب إلى غروب الشفق، جهلاً منهم بالفرق بين الغلاة الخطّابيّة و الفرقة الإماميّة، أو تعمّداً بالكذب و الافتراءِ، و كيف يكون ضرورىّ المذهب معلوماً عند هؤلاءِ الأعداء، مجهولاً عند أكابر الطائفة القائلين بهذا القول؟

و بالجملة، فالاستدلال بما تنسبه العامّة إلى الخاصّة على الشيعة عجيب، و لكنّه ليس بأعجب من الاستدلال بمعتضد العوام على الخواص، و من المعلوم لدى كلّ منصف أنّ الاشتهار عند العوام إنّما نشأ من تقليدهم للقائلين بذهاب الحمرة، و هو عند مقلّدي غيرهم بالعكس.

و بالجملة، ما أجدر الكتب العلميّة بأن يحذف منها أمثال هذا الاستدلال، و لولاتعرّضه؛ له و اعتماده عليه لتركنا ذكره بالكلّيّة، و لكن علمنا بأنّ هذا و أمثاله عمدة مستند القائلين بذهاب الحمرة أوجب الإطناب، و شرطنا ترک ذلک في غير هذه المسألة من مسائل هذا الكتاب، إن شاء اللّه.

و أمّا الحمل على التقيّة، فظاهر أنّه لايصار إليه بمجّرد الاحتمال، و إن كان ذلک بدعوى وجود القرائن عليها كدعوى المغروسيّة في أذهان الشيعة، و بعض الأخبار، فقد عرفت الجواب عن الجميع.

و أمّا كثرة وقوع السؤال عن وقت المغرب، فالوجه ما بلغهم من أخبار أبيالخطّاب و أصحابه الّذي قال الرضا علیهالسلام: «إنّه كان قد أفسد عامّة أهل الكوفة فكانوا لايصلّون حتّى تغيب الشفق» و كانوا حينئذٍ مخلوطين بالشيعة، فأوجب نقلهم و فعلهم إكثار السؤال عن الأئمّة، و لزمهم علیه‌السلام بيان كذبهم بأقوالهم و أفعالهم.

على أنّ بعض الأخبار المستدلّ بها للمشهور منقول في رواياتهم كخبر إقبال الفحمة، و أخبرني خطيب كربلاءِ المشرّفة ـ و هو مِن أفضل مَن رأيت مِن علمائهم ـ أنّ عليه عمل أكثر الشافعيّة إلى هذا الزمان.

و مع ذلک كلّه فالحمل على التقيّة آخر جميع المحامل، و هو أضعفها جميعاً، لايصار إليه إلّا في بعض الأخبار الشاذّة إذا خالفت الأخبار الكثيرة المعتبرة في مسائل خاصّة، و بيان ذلک لايناسب هذا الشرح، و لعلنّا نبيّنها في رسالة مفردة.

و أشدّ المصرّين على حمل هذه الأخبار على التقيّة شيخنا الفقيه في المصباح، فإنّه أطال بيانه و بالغ فيه حتّى أنّه صدر منه كلامان ماكنت اُحبّ صدور مثلهما من مثله:

أحدهما : عدم اعتبار أصالة عدم التقيّة في المقام الّذي يظنّ فيه الدواعي إليها، حتّى قال:

«إنّه لو كانت أخبار الغروب سليمة عن المعارض و مخالفة المشهور لم يكن استكشاف الحكم الواقعي منها خالياً عن التأمّل». ]مصباح ‌الفقيه 9: 156 .[

و لايخفى أنّ تخصيص أصالة عدم التقيّة بمورد فقدان الدواعي ـ مع الغضّ عمّا في أصله من الضعف ـ موجب لتطرّق الخلل إلى أكثر الأحكام المشتركة بين الفريقين، و هو معظم المسائل، إذ المسائل الّتي تخالفهم الشيعة قليلة جدّاًـ كمانبّه عليه العلا ّمة و غيره ـ فإذا رفعنا اليد عن أصالة عدم التقيّة لزم عدم حجّيّة تلک الأخبار الدالّة على تلک الأحكام، و فيه ما لايخفى على ذوي الأفهام.

و الثاني : ما احتمله من كون الوقت الواقعي هو زوال الحمرة، وجعله معرّفاً للغروب نشأ من معروفيّة التحديد بالغروب بين العامّة، بحيث لم يجدوا ]أي الأئمة علیهم‌السلام[ بدّاً من الاعتراف به و تأويله إلى الحق. ]مصباح ‌الفقيه 9: 156[.

و قد سمعت أيضاً ذلک منه قدس سره، و لايخفى ما فيه من مخالفة الإجماع السابق بظاهره، و تأويله ممكن مع التكلّف، يرجع إلى ما في كلام الماتن.

و أمّا ترجيح أخبار الحمرة باشتمالها على التعليل، فمثل هذين التعليلين إن لم يكونا سبباً للوهن لايكونان موجبين للقوّة، و ذلک لما عرفت من عدم رجوعهما بظاهرهما إلى معنىً معقول، إلّا أن يكون المراد منها ما عرفت، و ذلک يناسب الغروب لاذهاب الحمرة، فتأمّل، و راجع.

التنبيه الثالث:

إنّ أدلّة اعتبار الحمرة ـ على تسليم دلالتها، و الغضّ عن جميع ماعرفت ـ لاتدلّ على أزيد من إلزام الشارع للمكلّفين بتأخير الإفطار و صلاة المغرب، صيانةً لهاتين العبادتين من الفساد الواقعي، فكيف جاز لهم تجويز تأخير الظهرين اختياراً عن غروب الشمس الّذي هو آخر النهار العرفي؟ و ليس في تلک الأخبار مايدلّ على ذلک، و أين الأمر بالإمساء بالمغرب و انتظار نجمة أو ثلاثة أنجم و نحو ذلک من تحديد آخر الظهرين؟

و أقوى ما فيها أخبار الطائفة الاُولى، و هي تدلّ على كون زوال الحمرة لازماً لجواز الإفطار و الصوم لو سلّم ذلک بأىٍّ تقرير كان، و أين ذلک من جواز تأخيرهما عن الغروب؟ بل خلوّ هذه الأخبار عن ذلک و الاقتصار فيها على ذكر الصوم و المغرب لعلّه دليل على العدم، و لا ملازمة بين انقضاء وقت الظهرين وجواز المغرب.

و دعوى أنّ المفهوم منها أنّ النهار حقيقة شرعيّة في ذلک مطلقاً، أو أنّ لهذه الأخبار حكومة على أخبار الغروب، أو أنّه يستفاد منها كون الغروب قبل زوال الحمرة مشكوكاً، فيكفي في جواز تأخيرهما الاستصحاب، لايخفى ضعف جميع ذلک على من تأمّل في تلک الأخبار، إذ غاية ما يمكن استفادته منها لزوم تأخير المغرب، و كون زوال الحمرة علامة للغروب المبيح لصلاة المغرب، و يلزم مراعاتها مطلقاً، لا أنّ عدمه علامة للعدم.

و العجب من جماعة من المحشّين حيث سوّدوا حواشي هذا الكتاب و سائرالرسائل العمليّة باحتياطات كثيرة لامنشاء لها إلّا خبر ضعيف بلا قائل به، أو قول نادر بلا خبرٍ يدلّ عليه، و تركوا ذكر الاحتياط في ما عدى تأخير مثل الظهرين الّذين أحدهما الوسطى، مع أنّ حال المسألة بحسب الدليل ماعرفت. و شيخنا الفقيه ذكر الاحتياط في كتابه المعدّ للفتاوى ]مصباح ‌الفقيه 9: 157[، و ترک ذكره في حاشية هذا الكتاب المعدّ لعمل المقلّدين، واللّه العالم.

التنبيه الرابع:

كما أنّه بعد الغروب تبقى حمرة في ناحية المشرق كذلک تحدث حمرة في طرف الغرب قبل الطلوع، والقائل بعدم دخول الوقت للمغرب إلّا بذهاب الحمرة يلزمه القول بقضاء فرض الصبح بمجرّد حدوثها، لوضوح أنّ الغروب و الطلوع متقابلان.

و قد تنبّهوا لهذا الإشكال، و أجابوا عنها بوجوهٍ لايخفى ضعفها على من راجعها:

منها : ما ذكره الماتن من إمكان الفرق بين الحمرتين، خصوصاً بعد قوله: «المشرق مطلّ على المغرب» و احتمال كون هذه الحمرة كالحادثة قبل الطلوع في مشرق الشمس، و الباقية بعد الغروب في مغربها، و إن اختلفا في طول الزمان و قصره من جهة ظهور المشرق، و انخفاض المغرب ]جواهر الكلام 7: 119 ـ 120[، انتهى.

و فيه من مخالفة الوجدان و البرهان ما هو غنىّ عن البيان.

و منها: أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

قلت: كلّا، و لكنّ التفريق بينهما سفسطة و مخالفة للحسّ.

و منها: ما في الرياض من أنّ أقصاه الشکّ في الطلوع، و هو لايقطع الاستصحاب، بخلاف الغروب، فإنّ الاستصحاب هناک بقاء النهار، فلا يقطعه إلّا الطلوع الحسّي ]رياض‌ المسائل 2: 210[، انتهى ملخّصاً.

و فيه ما لايخفى، فإنّ المعيار في الطلوع و الغروب إن كان الاُفق العرفي فالعلم حاصل بعدم الطلوع معها، و حصول الغروب بعدها، و إن كان غيره فحدوثها و بقائها مستلزم للعلم بهما في الحالين.

و بالجملة، هذا لايتمّ مع الإلزام بعدم دخول الوقت حقيقةً إلّابزوال الحمرة.

نعم، له وجه بناءً على ما عرفت منّا في التنبيه السابق من القول بلزوم تأخير المغرب و الإفطار إلى زوالها تعبّداً، مع التنزّل عمّا عرفت من المختار، و لكنّهم لايلتزمون به كما عرفت في أوّل المبحث.

و ربّما نسبوا الالتزام بقضاء فرض الصبح بظهور الحمرة المغربيّة إلى الشهيد في المقاصدالعلّيّة، و هذه النسبة غير صحيحة، و الشهيد يجلّ عن ذلک، و كلامه تقدّم سابقاً منّا و الكلام عليه، فتذكّر.

و من الطريف ما نقل لي أحد علماء العصر عن بعضهم من أنّ جرم الشمس بعضه مستنير، و بعضه غير مستنير، فهو أكبر من المرئي، و الجزء المظلم منه واقع في شرقي المستنير منه، و حيث كان الغروب المعتبر غروب جميع القرص لايكفي خفائه عن البصر، و يعلم غروب الجميع بزوال الحمرة المشرقيّة، و الأمر في الطلوع بالعكس، إذ المعتبر فيه طلوع أوّل جزء منه، و هو من النصف المستنير.

قلت : إن صحّ ذلک كان جواباً حسناً، و لكنّه من الحكمة الّتي ادّخرها أبرخس و بطليموس لهذا الخلف الصالح.

المسألة الثانية

 اختلف الأقوال في آخر وقت المغرب، و بعض المعتنين بجمع الأقوال من معاصري الماتن ]هو العلّامة الفقيه السيّد جواد العاملي، راجع: مفتاح ‌الكرامة 5: 88 ـ 93[ أنهاها إلى إثنی عشر قولاً، و لكنّ الظاهر أنّ ما ذكره ناشٍ من الجمود على ألفاظ العبارات، و إلّا فهي أقلّ من ذلک بكثير.

فالشيخ في الخلاف و إن أطلق القول بأنّ آخره غروب الشفق ]الخلاف1: 261[ و لكنّه يريد الوقت للمختار قطعاً، إذ لايظنّ به الذهاب إلى كونه وقتاً مطلقاً حتّى للمضطرّ و نحوه، مع تظافر الأخبار على خلافه.

و من قال بجواز التأخير إلى ربع الليلة للمسافر إذا كان في طلب المنزل لايرى خصوصيّة لطلب المنزل، و إنّما ذكره مثالاً، فيتّحد هذا القول مع القول بجواز التأخير إليه للمسافر إذا جدّ به السير، بل و مع القول بالربع لمطلق ‌المعذور بعد ظهور أنّ ذكر السفر أيضاً من باب المثال، و كونه أحد أفراد العذر غالباً.

و هكذا الكلام في غير واحدة من تلک العبارات، و لو استعمل هذا الجمود لزادت الأقوال على ما ذكره. و المنسوب منها إلى المشهور ما تقدّم في المتن، و التقييد بما إذا بقي من النصف مقدار العشاء مبنىّ على الاختصاص، و على الاشتراک فالنصف أيضاً آخر المغرب مع أهمّيّة العشاءِ لدى التزاحم آخر الوقت كما مرّ بيانه.

و الوجه في هذا القول روايات كثيرة مرّ بعضها في مسألة الاشتراک و الاختصاص، و حمل الروايات الواردة على التحديد بغروب الشفق على كونه آخر وقت الفضل، و غيرها ـ كالربع و الثلث ـ على سائر المراتب.

قلت: أمّا ما دلّ على التحديد بغير سقوط الشفق فهذا الحمل متّجه فيه، مطابق لما قرّرناه في المقدّمات، و كذلک في كثير ممّا دلّ على التحديد بسقوطه، لولا اُمور ثلاثة:

أحدها: التصريح بلفظ الفوت في صحيح الفضيل و زرارة، قالا: قال أبوجعفر علیه‌السلام: «إنّ لكل صلاة وقتين غير المغرب فإنّ وقتها واحد، و وقتها وجوبها و وقت فوتها سقوط الشفق». ]وسائل‌ الشيعة 4: 187 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح 2[.

و قد عرفت في المقدّمات السابقة أنّ لفظ الفوت و نحوه متى تعلّق بنفس الصلاة يكون ظاهراً في عدم كون ما بعده وقتاً مطلقاً، إذ لايصدق فوت الصلاة حقيقةً إلّا بانقضاء جميع مراتبها.

ثانيها: الأخبار المتظافرة الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين إلّا المغرب، و أنّ جبرئيل لم يأت النبي صلی الله علیه و آله للمغرب إلّا بوقتٍ واحد. ]وسائل ‌الشيعة 4: 187 ـ 189 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح  1 ـ 11[.

فالتصريح بوحدة وقتها و إثبات هذه الخصوصيّة لها بين سائر الفرائض مع التصريح في بعضها بأنّ ذلک الوقت الواحد حدّه سقوط الشفق، يجعلها كالصريح في أنّ ما بعد الشفق ليس وقتاً لها.

و لاينافي هذه الأخبار ثبوت وقتٍ آخر لها لخصوص المعذور، بعد وضوح كون مصبّ هذه الأخبار الوقت لعامّة المكلّفين لابملاحظة خصوصيّات العوارض، كما لاينافي ثبوت وقتٍ ثالث كذلک لما له وقتان كما سيأتي ـ إن شاء اللّه تعالى ـ مع زيادة بيانٍ له.

كما لاينافيها صحيح عبداللّه بن سنان المشتمل على أنّ لكلّ صلاةٍ وقتين ]وسائل ‌الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت، ح 5[ من غير استثناء المغرب، فإنّه من قبيل العامّ المخصّص بهذه الأخبار.

و من الغريب استدلال صاحب المدارک به على المشهور الّذي هو مختاره ]مدارک الاحكام 3: 55[ و الغفلة عن هذه الأخبار المستفيضة المخصّصة له، بل الحاكمة عليه في وجهٍ، على أنّه لو أغمضنا عن ذلک و حملنا الخبر على عمومه و قلنا: إنّ المغرب له وقتان ـ ليوافق الشهرة المنقولة ـ فمن المحتمل قريباً أن يكون آخر الوقت الأخير هو سقوط الشفق، كما يستفاد من مرسلة الكافي، قال بعد نقل الصحيح المتقدّم: «و روي أنّ لها وقتين، آخر وقتها سقوط الشفق». ]وسائل ‌الشيعة 4: 187 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح 3[.

و لامنافاة بينها و بين ما دلّ على وحدة وقت المغرب كما بيّنه ثقة الإسلام بعد نقلها، و بيانه بتوضيحٍ منّا: أنّ ما بعد الغروب إلى مقدارٍ ما ـ و لعلّه مضىّ مقدارالمغرب بحسب المتعارف أو غير ذلک ـ لوحظ تارةً وقتاً مستقلّاً، و ما بعده إلى السقوط كذلک، نظراً إلى اختلافهما في الفضل، أو لكون كلّ منها وقتاً بمجيء جبرئيل علیه‌السلام في اليومين، كما يستفاد من خبر ذريح عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال:

«أتى جبرئيل رسول‌ اللّه صلی الله علیه و آله فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال: صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، وصلّ الاُولى إذا زالت الشمس، وصلّ العصر بعيدها، وصلّ المغرب إذا سقط القرص، وصلّ العتمه إذا غاب الشفق، ثمّ أتاه من الغد، فقال: أسفر بالفجر، فأسفر، ثمّ أخّر الظهر، حين كان الوقت الّذي صلّى فيه العصر، و صلّى العصر بعيدها، و صلّى المغرب قبل سقوط الشفق، و صلّى العتمه حين ذهب ثلث الليل، ثمّ قال: ما بين هذين الوقتين وقت». ]وسائل ‌الشيعة 4: 158 الباب (10) من أبواب المواقيت، ح  8[.

و لوحظ المجموع تارةً وقتاً واحداً، لعدم التفاوت الّذي يعتنى به بين الوقتين، أو لقلّة مقدار مجموعهما بحيث لايزيد على مقدار أداءِ نفس الفريضة إذا اُدّيت كما ينبغي، كما ذكر ثقة‌الإسلام أنـّه جرّب ذلک مراراً.

و كيف كان، لو قيل بأنّ له وقتين لكان آخر الثاني أيضاً غروب الشفق، و لامنافاة بين رواية ذريح و سائر الأخبار الدالّة على أنّ جبرئيل علیه‌السلام أتى النبي صلی الله علیه و آله في اليوم الثاني أيضاً حتّى سقوط القرص، لوجوهٍ كثيرة، ذِكرها ـ و إن كانت لاتخلو عن فائدة ـ خروج عمّا يقتضيه المقام.

ثالثها: أنّ ما دلّ على أنّ ما قبل النصف وقتاً لايدلّ على أزيد من كونه وقتاً في الجملة، من غير تعرّضٍ لكونه لخصوص ذوي الأعذار، أو مطلق المكلّفين إلّا بالإطلاق، فيرفع اليد عنه بما ورد من التصريح في غير واحدٍ من الأخبار بتقييده بذوي الأعذار، كموثّق جميل، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام: ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ قال: «لعلّةٍ، لابأس». ]وسائل ‌الشيعة 4: 197 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح  13[.

و صحيح ابن يقطين، قال: سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال: «لابأس بذلک في السفر، و أمّا في الحضر فدون ذلک شيئاً» ]وسائل ‌الشيعة 4: 197 / 15[ يعني قبل غروب الشفق.

إلى غير ذلک من الأخبار المفصّلة القاطعة للشركة. و أكثر ما استدلّوا بها على جواز التأخير من هذا القبيل. و الخالي من ذلک أخبار تتضمّن حكاية الفعل الّذي لايدلّ إلّا على الجواز في الجملة، كما ثبت في محلّه:

أوّلها: خبر اسماعيل بن جابر المتضمّن لحكاية صلاة الصادق علیه‌السلام بعد السقوط ]وسائل‌ الشيعة 4: 195 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 7[، و مورده السفر الّذي هو أحد الأعذار، كما هو المعلوم الّذي يدلّ عليه غير واحدٍ من الأخبار.

و ثانيها: رواية داود الصرمي، قال: كنت عند أبي الحسن الثالث علیه‌السلام فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس، ثمّ دعا بشمعٍ و هو جالس يتحدّث، فلمّا خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب، ثمّ دعا بماء فتوضّأ و صلّى. ]وسائل ‌الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 10[.

ثالثها: صحيح ابن ‌همام ]وسائل ‌الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 9[ الّذي استدلّ به الماتن في أوّل وقت المغرب، و عرفت أنّه بمسألتنا هذه ألصق.

و لعلّ الروايتان حكاية عن فعلٍ واحد للرضا علیه‌السلام و لفظ أبيالحسن الثالث تصحيف، صوابه: الثاني، فإنّ داود الصرمي هو ابن مافَتَّه الّذي هو من أصحاب الرضا علیه‌السلام، فراجع. ]رجال النجاشي: 161[.

و كيف كان، فهو حكاية فعلٍ، فلعلّ التأخير كان لأمرٍ مهمّ يخشى في تأخير الحديث به إراقة دماءٍ محقونة، و نهب أموال مصونة. و اعتذار الماتن عن ذلک بأصالة عدم العذر يلزم الاعتذار عنه إن أمكن.

و بالجملة، فهذه الاُمور الثلاثة ينافي الحمل المذكور، لاسيّما مع كونها مؤيّدة بمثل قوله في حكاية ابن‌صهران المتقدّمة: «إنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة» فإنّ مثل هذا التعبير لم نعهده في غير المغرب من الفرائض.

و بما ورد من التبرّي و اللعن لمن أخّر المغرب عن ذلک أو عن اشتباک النجوم ]وسائل‌الشيعة 4: 188 ـ 189 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح 6 ـ 7 ـ 8[ و إن كان من المحتمل كونها تعريضاً بأصحاب أبي الخطّاب، أو بمن يفعله طلباً للفضل، فلا محيص بحسب قواعد الصناعة عن القول بأنّ آخر وقت المغرب سقوط الشفق للمختار.

نعم، ما بعده وقت لذوي الأعذار، و يجوز التأخير إليه لهم بلاريب، كما هو المصرّح به في هذه الأخبار و غيرها كثيرة، و يظهر منها كون ذلک وقتاً لمن كان له أدنى مراتب العذر، من غير فرق بين المسافر و غيره، و من غير فرق بين سائر أقسام العدز.

قال عمر بن يزيد: سألت أباعبداللّه علیه‌السلام عن وقت المغرب؟ فقال: «إذا كان أرفق بک و أمكن لک في صلاتک و كنت في حوائجک فلک أن تؤخّرها إلى ربع الليل». ]وسائل ‌الشيعة 4: 195 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 8[.

و صحيحته أيضاً، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام: أكون مع هؤلاء و أنصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت اُصلّي معهم لم أستمكن من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة، فقال: «ائت منزلک، و أنزع ثيابک، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلّ، فإنّک في وقتٍ إلى ربع الليل» ]وسائل ‌الشيعة 4: 196 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 11[، إلى غير ذلک من الروايات الّتي يستفاد منها التوسعة في العذر، و أنّ العذر أعمّ من الشرعىّ و العرفىّ، فيجوز التأخير إذا كان فيه مصلحة عائدة إليه، أو إلى غيره.

و بالجملة، فالمستفاد من مجموع الأخبار اختلاف أصل الوقت بحسب وجود العذر و عدمه، و أنّ ذلک من باب تنويع الموضوع، و اختلاف الحكم بحسبه، و قد مرّ في المقدّمات بيان لذلک، و إن كان لوضوحه غنّياً عن البيان.

و ربّما يستبعد ذلک، و يجعل ذلک قرينة على حمل هذه الأخبار على التأكيد في تقديم الفريضة مع بقاء الوقت بعده، و هذا الاستبعاد ناشٍ من عدم التأمّل في اختلاف المصالح الّتي توجب اختلاف موضوعات الأحكام، و في نظائره الواردة في الشرع، كالسورة الّتي هي جزء واجب لصلاة غير المستعجل، دون غيره، إلى غير ذلک.

و إذا كان الاضطرار موجباً لتوسيع الوقت إلى الفجر، و اختلاف حكمه مع العامد عند الماتن و أكثر المتأخرين فليكن العذر الّذي هو مرتبةٌ من مراتبه مثله.

و قال الماتن في كتابه‌الكبير:

لايخفى رجحان ما تقدّم من الأخبار بالموافقة لظاهر الكتاب، و للشهرة العظيمة، والإجماع المحكىّ المؤيّد بما عرفته في ما تقدّم، و بالمخالفة للعامّة، و بسهولة الملّة و سماحتها ]و غير ذلک عليها[، خصوصاً مع ]ملاحظة[ اختلافها بالربع و الثلث، و اشتباک النجوم، و عدم تقدير الضرورة فيها، بل تارةً يذكر فيها العلّة، و اُخرى العذر، و اُخرى الحاجة، و اُخرى السفر، بل في تضمّنها نفسها بعض الأعذار الّتي لا تصلح أن تكون سبباً لتأخير مطلق الواجب عن وقته ـ فضلاً عن مثل الصلاة، و فضلاً عن مثل صلاة المغرب ـ أقوى دلالة على المطلوب، إلى غير ذلک من القرائن و الإمارات الّتي يمكن أن تشرف الفقيه على القطع، بل قد عرفت في الظهرين مايدلّ على المطلوب بوجوهٍ ]جواهرالكلام 7: 152 ـ 153[، انتهى.

قلت: أمّا الأخبار، فقد عرفت الكلام فيها، و عرفت أنّه ليس فيها خبر واحد يدلّ على جواز التأخير من غير عذر، و الترجيح فرع وجود رواية كذلک، و على فرضه فالآية الدالّة على النصف الّتي جعل موافقتها من المرجّحات لانعرف أيّ الآي مراده؟ فإن كان قوله تعالى: (أقِمِ الصَّلوة لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ الَّليْلِ) ]الاسراء 78 [فهي أجنبيّة عن مسألتنا هذه، و إنّما تناسب مسألة آخر العشاء، إلّا أن يضمّ إليها شيئاً من الشهرة و نحوها، فيخرج حينئذٍ عن الترجيح بموافقة الكتاب.

و أمّا الترجيح بموافقة الشهرة، و الإجماع المنقول، و مخالفة العامّة، فهي اُمور لاتخصّ هذه المسألة، فلا زال؛ يكرّرها، و نكرّر عنها الجواب في هذا الكتاب، فليراجع.

و أمّا موافقتها للسماحة و سهولة الملّة، فمن الاُمور الضعيفة الّتي لاتقوّى بها الضعيف من الأدلّة.

و جميع هذه الوجوه قد ذكرها أوّل المسألة، و لا أدري ما الّذي دعاه إلى إعادتها.

و أمّا طعنه على هذه الأخبار بالاختلاف، فظاهر أنّها متّفقة في الدلالة على مسألتنا هذه، و هي وجوب التقديم على غروب الشفق و إن اختلف في آخر الوقت المطلق، أو لخصوص ذوي الأعذار، و هي مسألة اُخرى، و فيها خلاف آخر، و الماتن لايرى طرحها، بل يحملها على بعض المحامل الّتي لاتنافي النصف كما ستعرف.

فالقائل ببقاء الوقت لذوي الأعذار بعد الشفق له أن يقول فيها بمثل مقال القائل ببقاء الوقت المطلق بعده. نعم، في روايةٍ واحدة منها عدم جواز التأخير عن اشتباک النجوم، و هذا ليس ممّا يخالف غيرها، لأنّهما غير متباينين.

و مَن جعل في مسألة أوّل وقت المغرب بدوّ النجوم الثلاثة، و إقبال السواد من المشرق، و الإمساء ـ مع الاختلاف الكلىّ بين مفاهيمها جميعاً ـ كنايةً عن غروب الحمرة المشرقيّة، كيف لايجوّز في هذه المسألة أن يكون لفظٌ واحد ـ و هو الاشتباک ـ كنايةً عن غروب الحمرة المغربيّة؟ مع أنّ الملازمة الغالبيّة بينهما ظاهرة، و يظهر من غير واحد من الأخبار إطلاقه عليه، فراجع.

و أمّا عدم تقدير الضرورة فيها، فالوجه فيه كونها أحد الموضوعات العرفيّة الّتي لايلزم الشارع بيانها، بل هي من الموضوعات الّتي لايمكن ضبطها، لاختلافها بحسب الموارد أشدّ الاختلاف، و في أكثر الموارد الّتي علّق بها حكم لم يبيّن مقدارها، بل اُرجع فيها إلى تشخيص المكلّف المبتلى بها.

و أمّا اختلاف الألفاظ الوارد فيها من العلّة، و العذر، و الحاجة، و غيرها فاختلاف في مجرّد اللفظ، و بيان بعض أفراد العذر في بعضها، و فردٍ آخر في البعض الآخر، و المراد من الجميع ما عرفت بشهادة الروايات الّتي تقدّم بعضها.

و أمّا الطّعن فيها بتضمّنها بعض الأعذار الّتي لاتصلح لكونه سبباً لتأخير الواجب، فهو كذلک و لكنّه لاندري على من يرد هذا الإيراد؟ و مَن الّذي جوّز تأخير الواجب عن وقته؟ أمّا خصمه فمدّعاه كون ما بعد الشفق وقتاً حقيقيّاً لذوي الأعذار، كالّذي قبله لغيرهم، و إلّا فحاشا كلّ مسلمٍ أن يجوّز تأخير أدنى الواجبات الموقّتة عن وقتها.

ولعلّه؛ يريد بهذا الكلام الاستبعاد المتقدّم، و إن لم تساعده العبارة، فإن كان ذلک فالجواب ما تقدّم.

هذا، و لم نعرف وجه خصوصيّة المغرب في قوله، لاسيّما بعد اعترافه بكون الوسطى الظهر، و لا نعرف غير ذلک خصوصيّة اُخرى لفريضةٍ ما بين سائر الفرائض، فليلاحظ.

و بالجملة، هذه الاُمور بمراحل عن حصول أدنى مراتب الظنّ بها فضلاً عن أن تشرف على القطع، و المسألة بحسب قواعد الصناعة كما عرفت، و هي خلافيّة.

و الإجماع الّذي ادّعاه في المختلف يريد به الإجماع على اتّحاد الحال في الظهرين و العشائين من حيث الاشتراک و الاختصاص ]مختلف الشيعة 2: 45 ـ 46 [و إلّا فكيف يدّعي الفاضل ذلک مع أنّه نقل في المختلف بعينه هو هذا القول عن هؤلاء الشيوخ، و الماتن قد ناقش فيه هناک، و إن استدلّ هناک.

و بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلى وجوب التقديم، و بقاء الوقت بعد ذلک، و إن عصى في التأخير، و قد حكى لي ذلک عن بعض الأساطين الّذين أدركنا عصرهم، و هو و إن كان ممكناً ـ كما مرّ في المقدّمات ـ بل واقعاًـ كما تعرف قريباًـ و لكنّه يصعب استفادته من الأدلّة، فالأحوط عدم التعرّض للأداء و القضاء إن أخّرها عنه لغير عذر.

و بالجملة، فالمسألة إن لم يكن الأقوى فيها ماعرفت فهي من أولى المسائل بالاحتياط.

و الشيخ قدس سره في كتاب الصلاة قال: «إنّ الاحتياط في هذه المسألة المشكلة لاينبغي تركه» ]كتاب الصلاة 1: 87[. و لا أدري لمإذا ترک ذكره في الحاشية. و كذا شيخنا الفقيه في المصباح ذكر الاحتياط في كتابه ]مصباح‌ الفقيه 9: 222 [و تركه في الحاشية. و من المحشّين جماعة دأبهم الاحتياط بأدنى وجود منشأ له من خبرٍ ضعيف، أو قولٍ نادر، فما بالهم تركوه في هذه المسألة؟ مع أنّها من أولى المسائل بذلک، و ينبغي تقديمها حتّى لذوي الأعذار أيضاً، و تقديم أمر اللّه سبحانه على اُمورهم إن لم يكن ذلک الأمر ممّا يعود إلى رضاه سبحانه، كالاشتغال بقضاء حوائج المؤمنين.

و نحوها روي في قرب الإسناد مسنداً عن صفوان بن مهران، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام: إنّ معي شبه الكرش المنثور، فاُؤخّر صلاة المغرب حتّى عند غيبوبة الشفق، ثمّ اُصلّيهما جميعاً، يكون ذلک أرفق بي، فقال: «إذا غاب القرص فصلّ المغرب، فإنّما أنت و مالک للّه» . ]وسائل‌ الشيعة 4: 193 الباب (18) من أبواب المواقيت، ح 24 .[

هذا، و أمّا آخر الوقت لذويالأعذار فالأقوى ما ذهب إليه المشهور، و الأخبار الدالّة على التحديد بالربع و الثلث لاتعارض ما دلّ على النصف ـ لما مرّ في المقدّمات ـ على أنّها على فرض المعارضة، فأخبار النصف أصحّ سنداً، و أكثر عدداً من غيرها، و قد مرّ بعضها في مسألة اشتراک الظهرين.

المسألة الثالثة

 

أوّل وقت العشاء على المختار أوّل المغرب للمختار و غيره، و قد تقدّم في الظهرين بعض الأخبار الدالّة على ذلک، و ذهب جماعة منهم الشيخان إلى أنّ أوّل وقتها بعد غروب الشفق إلّا لعذر.

و المستند لهم في الأوّل أخبار كثيرة كصحيح الحلبي، قال: سألت أباعبداللّه متى تجب العتمة؟ قال: «إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة». ]وسائل ‌الشيعة 4: 204 الباب (23) من أبواب المواقيت، ح 1 .[

و صحيح بكر بن محمّد، و فيه: «أوّل وقت العشاة ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل». ]وسائل ‌الشيعة 4: 185 الباب (17) من أبواب المواقيت، ح 6 .[

و في الثاني خبر عبيداللّه الحلبي عن أبي عبداللّه علیه­السلام قال: «لا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن تغيب الشفق». ]وسائل‌ الشيعة 4: 202 الباب (22) من أبواب المواقيت، ح 1 .[

و ما في موثّقة جميل من قوله: صلّيت العشاء الآخرة قبل أن يغيب الشفق، فقال: «لعلّةٍ، لا بأس». ]وسائل ‌الشيعة 4: 197 الباب (19) من أبواب المواقيت، ح 13 .[

و لولا الأخبار الصريحة في جواز التقديم مطلقاًـ لعذرٍ كان أو غيره ـ لكان الحال في هذه المسألة كالحال في سابقتها، فإنّ الأخبار الدالّة على دخول الوقتين بالغروب لاتدلّ بصريح اللفظ على أزيد من دخول الوقت في الجملة، و بالإطلاق على دخول الوقت لمطلق المكلّفين.

و مفاهيم هذه الأخبار كانت تقييدها بذوي الأعذار، و لكن تلک الأخبار الصريحة قد دلّت بمنطوقاتها على دخول الوقت بالغروب مطلقاً، و هي أقوى من هذه المفاهيم من وجوهٍ كثيرة، فتكون قرينة على تأكيد التأخير لغير ذوي الأعذار.

و من تلک الأخبار ما رواه الشيخ في الموثّق أو الصحيح عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه­السلام قال: «صلّى رسول اللّه صلی الله علیه و آله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة، و صلّى بهم المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علّة في جماعة، و إنّما فعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله ذلک ليتّسع الوقت على اُمّته». ]وسائل ‌الشيعة 4: 139 الباب (7) من أبواب المواقيت، ح 6 .[

و موثّق إسحاق بن عمّار، سئل الصادق علیه­السلام عن الجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ فقال: «لابأس» ]وسائل ‌الشيعة 4: 204 الباب (22) من أبواب المواقيت، ح 8.[ إلى غير ذلک.

و قد روي الجمع بين العشائين من غير تعيّن لأنّه هل كان بتقديم العشاء على غروب الشفق، أو تأخير المغرب عنه؟ مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن الصادق علیه­السلام: «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله ]جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و[ جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علّة بأذان ]واحد[ و إقامتين». ]وسائل ‌الشيعة 4: 220 الباب (32) من أبواب المواقيت، ح 1.[

فإن تمّ ما ذكرناه في المسألة السابقة من عدم جواز تأخير المغرب عن سقوط الشفق اختياراً كان هذا الخبر و أمثاله من أدلّة المختار في هذه المسألة، و إلّا ففي غيره الكفاية.

المسألة الرابعة

 

آخر العشاء نصف الليل كما هو المشهور، لظاهر الآية، و صريح الروايات المتقدّمة، و غيرها و هي كثيرة، و ما دلّ على الثلث يحمل على بعض مراتب الفضل ـ كما تقدّم ـ إذ ليس فيها ما ينافي ذلک، و على فرض التعارض فأخبار النصف أرجح منها عدداً، و سنداً، و اعتضاداً بموافقة الأصحاب و ظاهر الكتاب، و يأتي زيادة بيان لهذه المسألة، إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة

 

أثبت جماعة من الأصحاب وقتاً اضطراريّاً للعشائين آخره طلوع الفجر، إمّا لخصوص النائم و الناسي و الحائض، أو لمطلق المضطرّ، و لا ينافي ثبوته ما دلّ على كون آخر الوقت النصف، و لا ما دلّ على أنّ للعشاء وقتان بعد ظهور كون مصبّ تلک الأخبار الوقت الاختياري الّذي يلاحظ فيه الطوارئ و العوارض من حالات المكلّفين. فالإشكال على هذا القول بذلک كما عن بعض المتأخّرين لا موقع له.

و أمّا ثبوته لخصوص النائم و الناسي و الحائض فهو مورد غير واحدٍ من النصوص، منها: صحيح عبداللّه بن سنان و غيره، و قد تقدّم في مسألة اشتراک العشائين.

و منها: المستفيضة الواردة في الحائض الدالّة على وجوب الصلاتين عليها إذا طهرت قبل الفجر. ]وسائل ‌الشيعة 2: 364 الباب (49) من أبواب الحيض،  ح 10 ـ 11 ـ 12[.

و لاينافيها ما ورد من الذمّ في من نام عن صلاة العشاء ]وسائل ‌الشيعة 4: 214 الباب (29) من أبواب المواقيت[، فإنّه على تسليم كون الذمّ فيه ذمّ تحريم لايدلّ على أزيد من وجوب التقديم، و عدم جواز النوم لمن خاف من عدم الاستيقاظ، و هو خارج عن محلّ الكلام، و منه يظهر أنّ ثبوت الكفّارة لمن نام عنها إلى بعد النصف لايدلّ على أزيد من الوجوب.

و لا مرفوعة ابن مسكان عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: «من نام قبل أن يصلّي العتمه فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» ]وسائل ‌الشيعة 4: 185 الباب (17) من أبواب المواقيت، ح 5 ـ 215 الباب (29) من أبواب المواقيت، ح 6[ ، لأنّ القضاء فيها غير ظاهر في المعنى المصطلح، بل لعلّه من قبيل قوله تعالى: (فَإذا قَضَيْتَ الصَّلوةَ). ]الجمعة: 10 .[

و لو سلّم ظهوره في ذلک فظهور تلک الأخبار في كونه أداءً أقوى، لاسيّما قوله في الصحيح المتقدّم: «و إن خاف أن يفوته أحدهما فليبدء بالعشاء»، و على فرض ظهور لفظ القضاء في المعنى المصطلح يكون المقام من التعارض، و هذه الأخبار أقوى سنداً، و أكثر عدداً.

و قد طال في الحدائق الكلام في ردّ هذا القول، و أورد وجوهاً خمسة زعم أنّها طاهرة البيان، ساطعة البرهان ]الحدائق الناظرة 6: 183 ـ 188[، على أنّ منشأ هذا القول عدم التأمّل في الأخبار، و الخروج عن القواعد المقرّرة عن أهل العصمة، و لعمري إنّه لم يأت بشيء أصلاً، إذ تلک الوجوه الخمسة اتّضح الجواب بما تقدّم عن ثلاثة منها، و هي: مخالفتها للكتاب، و منافاتها لتثنية الوقت، و معارضتها بما دلّ على ذمّ النائم عن العشاء إلى النصف.

و أحد الباقين هو موافقتها للعامّة، و قد عرفت في مسألة أوّل المغرب و غيرها أنّه ليس كلّ خبر موافقٍ معهم يلزم طرحه.

و الآخر و هو أنّه لو كان وقتاً لتضمّنت الأخبار الواردة في المواقيت الإشارة إليها، فإن أراد من أخبار المواقيت مطلق الأخبار الواردة فيها ففي هذه الأخبار التصريح بدل الإشارة، و إن أراد أخباراً خاصّة كالأخبار العامّة و المشتملة لنزول جبرئيل علیهالسلام و نحوها فقد عرفت أنّها مسوقة لبيان أوقات المكلّفين فعلاً لا لغيرهم.

و لهذه الوجوه تردّد الماتن في كتابه الكبير بل مال إلى الخلاف ]جواهر الكلام 7: 158 ـ 160[، و قال هنا:

(والأولى عدم التعرّض للأداء والقضاء) لاسيّما لغير الثلاثة من أقسام الاضطرار، كما ذكره الشيخ الأُستاذ في الحاشية اقتصاراً على موارد النصّ.

و أمّا الوجه في قوله: (بل الأولى ذلک حتّى في العامد) فهو احتمال أن يكون الوقت باقياً له إلى الفجر، و إن وجبت له المبادرة إليها قبل النصف، و الاضطرار الوارد في النصوص لعلّه من باب المثال للتأخير، فيكون أداءً، مع احتمال الخصوصيّة للمضطرّ، فيكون قضاءً.

و السيّد الأُستاذ ـ دام ظلّه ـ قد جزم بالأوّل، و لهذا قال في حاشيته على العبارة المتقدّمة من المتن: «بل و كذا العامد و إن أثمّ في التأخير».

و الوجه في بقاء الوقت مع العمد ما عرفت، مضافاً إلى بعض الأخبار المطلقة كخبر عبيد بن زرارة: «لاتفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لاصلاة الليل حتّى يطلع الفجر». ]وسائل‌ الشيعة 4: 159 الباب (10) من أبواب المواقيت، ح 9[.

و ما قيل من أنّ المراد مجموع صلاة الليل، لا خصوص العشائين يفيد جدّاً.

و الوجه في حكمه ـ دام ظلّه ـ بالإثم في التأخير يظهر ممّا تقدّم من ثبوت الكفّارة بالتأخير، و الأمر بالاستغفار في المرفوعة المتقدّمة، و ما ورد من الذمّ على من نام عنها إلى الانتصاف الدالّ على غيره بالأولويّة.

و هذه الوجوه و إن أمكن المناقشة فيها و لكن أصل الحكم لعلّه من القطعيّات الّتي لاينازع فيها أحد، و ما في بعض الكتب من نقل القول بذلک فالظاهر ـ كما قيل ـ أنّه للعامّة، و اختيار بعض المحشّين جواز التأخير جرأة عظيمة.

و بالجملة، فالأقوال في المسألة بين إفراط و تفريط، و لعلّ الأصوب التوسّط، و هو بقاء الوقت لخصوص ذوي الأعذار دون غيرهم، واللّه أعلم.

و قواعد الصناعة و إن كانت لاتأبى عن بقاء الوقت إلى الفجر، إذ مقتضى المقدّمات السابقة العمل بخبر عبيد المتقدّمة، و ما دلّ على الانتهاء بالنصف لايدلّ على أزيد من كونه آخر الوقت الّذي أمر اللّه بإيقاع الصلاة فيه، و إطلاقه غير ناظر إلى صورة العصيان، و لكن في النفس من ذلک شيء، إذ خبر عبيد غير نقيّ السند، و الأصحاب لم يعملوا به، و الأدلّة كأنّها ظاهرة في انتهاء مطلق الوقت بالنصف، فالتوسّط المتقدّم أصوب.

و الاحتياط حسن على كلّ حال، و هو يحصل بترک نيّة الأداء و القضاء معاً إذا لم يكن عليه صلوات فائتة سابقة، و كذلک لو كانت عليه و قلنا بعدم اشتراط الترتيب.

و أمّا مع القول بالاشتراط فالاحتياط يحصل بما ذكره أحد أعلام العصر ـ دام ظلّه ـ في حاشية المقام و هو: «مع مراعات الترتيب بينهما و بين غيرهما من الفوائت لو كانت عليه إن أمكن، و إلّا فيحتاط بالجمع بين الإتيان في الوقت المزبور و القضاء بعد ذلک مترتّباً على تلک الفوائت».

و من كان من المحشّين يذهب إلى وجوب الترتيب كان عليه أن ينبّه ما نبّه عليه ـ دام ظلّه ـ إلّا أن يكون قد اكتفى بما ذكره في محلّه، معتذراً بأنّ البحث في المقام من حيث بقاء الوقت و عدمه فقط.

(ثمّ) ينقضي الوقت الاضطراري للعشاء (و يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر) الثاني، و هو (الصادق) اللسان بالإخبار عن عين الشمس، و هو (الّذي كلّما زدته نظراً أصدقک بزيادة حسنه المستطير في الاُفق).

و قوله: (أي المعترض) إن كان تفسيراً للمستطير فهو غير جيّد، نعم، هو (المنتشر فيه كالقُبطيّة البيضاء، و كنهر سورى، لا) الفجر الأوّل (الكاذب) و هو (المستطيل في السماء المتصاعد فيها الّذي يشابه ذنب السرحان) في استطالته و دقّة طرفه.

و قوله: (على سواد يتراءى من خلاله) إن كان المراد منه ضعف الضوء فهو كذلک، و إن كان غيره فلا أعرف وجهه.

(و) أمّا السواد من (أسفله) فوجهه ظاهر ممّا ثبت في محلّه من أنّ الشمس إذا قربت من الاُفق الشرقىّ مال مخروط ظلّ الأرض نحو المغرب، فيكون المرئي من الشعاع المحيط به أوّلاً ما هو أقرب إلى البصر، و الأقرب إلى البصر هو الجانب الّذي يلي الشمس، و يمرّ سطح بمركزي الشمس و الأرض و بسهم المخروط، و ليحدث مثلّث حادّ الزوايا، قاعدته على الاُفق، و ضلعاه على سطح المخروط، و لا شکّ أنّ الأقرب من الضلع الّذي يلي الشمس إلى الناظر يكون موقع العمود الخارج من البصر الواقع على ذلک الضلع، لاموضع اتّصال الضلع بالاُفق، فإذاً أوّل مايرى نور الشمس يرى فوق الاُفق كخطّ مستقيم منطبق على الضلع المذكور، و يكون ما يقرب من الاُفق مظلماً.

كذا في التذكرة للمحقّق الطوسى قدس سره و بيان ذلک و ذكر المباحث النفيسة المتعلّقة به خروج عن مقتضى المقام بما لايتسامح فيه.

و ممّا نقلناه ظهر الوجه في استطالته أوّل ما يبدو. ثمّ إذا كثر الضوء يأخذ في الاعتراض و ينبسط الشعاع على الاُفق (و لايزال) الفجر الكاذب يعترض و يقوّي حتّى يصير فجراً صادقاً، لا أنّه لايزال (يضعّف حتّى ينمحى أثره) كما توهّمه.

(و يمتدّ وقته إلى طلوع أوّل جزءٍ من قرص الشمس) لا إلى طلوع مركزها ـ كما اختاره في العناوين ]العناوين 1: 197[ ـ فضلاً عن جميعه (في اُفق ذلک المصلّي) بالمعنى الّذي حقّقناه في

مسألة الغروب، فراجعه فإنّه مفيد نافع جدّاً، و لاتكاد تجده في غير هذا الكتاب.

هذا، و امتداد وقت الصبح إلى الطلوع في الجملة ممّا لاإشكال فيه، و المشهور أنّه وقت للمعذور و غيره، و ذهب جماعة منهم الشيخ في بعض كتبه إلى أنّه للمختار طلوع الحمرة المشرقيّة، و للمعذور طلوع الشمس. ]كتاب المبسوط 1: 75[.

و الوجه للقول المشهور أخبار كثيرة، منها: ما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر علیه­السلام قال: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» ]وسائل ‌الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت، ح 6 [إلى غير ذلک من الروايات.

و للقول الآخر روايات لو كانت ظاهرة في التقييد لكان هذا القول متعيّناً بمقتضى المقدّمات السابقة، و لكنّها ليست كذلک، بل بعضها ظاهر في جواز التأخير مع كراهة تعمّد التأخير، كصحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه علیه­السلام قال: «لكلّ صلاةٍ وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما، و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لاينبغي تأخير ذلک عمداً، و لكنّه وقت من شغل، أو نسي، أوسها، أو نام» . ]وسائل‌ الشيعة 4: 208 الباب (26) من أبواب المواقيت، ح 5[.

هذا، و قد تقدّم نسبة القول بأنّ آخره ظهور الحمرة المغربيّة إلى الشهيد، و عرفت ما فيها و فيه.

و يظهر من كاشف اللثام الميل إليه ]كشف اللثام 3: 51[. و قد عرفت أنّه لامحيص لمعتبري زوال الحمرة المشرقيّة في الغروب عن اعتبارها في الطلوع، و لكن أكثرهم لايقولون به.

و أمّا على ما حقّقناه من جعل زوال الحمرة المشرقيّة علامة للغروب فالفرق بين الحمرتين ظاهر، إذ زوال المشرقيّة علامة لتقدّم الغروب عليه، و مقتضاه أن يكون حدوث المغربيّة متقدّماً على الطلوع.

نعم، لو وصلت إلى نفس الاُفق كانت علامة للطلوع، لما ذكره المجلسي من التجربة ]بحارالأنوار 80: 74 [و يساعده الاعتبار.

و المراد من اشتراک الوقت بين الظهرين و العشائين في جميع الوقت مع اشتراط الترتيب بين كلّ من الاوليين و شريكتها، و أولويّة كلّ من الاُخريين بآخر الوقت عند التزاحم قد مرّ بيانه.

و أمّا (الاختصاص) في أوّل الوقت و آخره فمعناه عند الماتن: (عدم صحّة خصوص الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبة الوقت مطلقاً، من غير فرق بين السهو و عدمه، و القضاء و عدمه).

أمّا بطلانها في أوّل الوقت ـ كما لو شرع أوّل الزوال في العصر ـ فظاهر، لأنّه صلاة وقعت قبل الوقت فتبطل، و كذلک بناء على الاشتراک مع التمكّن من الظهر، و بقاء شرطيّة تقديمها، و تصحّ متى سقط الشرط أو الشرطيّة ـ كما لو فرض عدم تمكّن المكلّف من خصوص الظهر ـ أو نسي الترتيب، لكونه شرطاً مع التذكّر، و هذا إحدى الثمرات بين القول بالاشتراک و الاختصاص، بل هي عمدتها.

و يظهر من المدارک إنكار هذه الثمرة، حيث استدلّ على الاختصاص بأنّه لامعنى للوقت إلّا ما جاز إيقاع الصلاة فيه و لو على بعض الوجوه، و لاريب أنّ إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع، و كذا مع النسيان على الأظهر، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ]مدارک الاحكام 3: 36[، انتهى.

و هذا يتمّ على كون الترتيب شرطاً واقعيّاً، و لكنّه خلاف اتّفاق الأصحاب، و خلاف مذهبه قدس سره، و لازم كونه شرطاً واقعيّاً بطلان العصر قبل الظهر في الوقت المشترک أيضاً، و لايقول به، و بالجملة، لم يظهر لنا معنىً لهذا الكلام.

و الفريد الإصفهاني ]هو العلّامة المجدّد محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني المتوفّى سنة 1205 هـ [بيّن الوجه في ذلک في حاشيته ]راجع: الحاشية على مدارک الأحكام 2: 279 [بما هو أشكل منه، و لعلّنا نعيد النظر و البحث فيه في مسألة اشتراط الترتيب، إن شاء اللّه تعالى.

و كتب السيّدالأُستاذ ـ دام ظلّه ـ في حاشية المقام: «إنّ الأقوى صحّة الشريكة مع السهو» و مقتضاه القول بالاشتراک، و لكنّه خلاف ما سمعت منه ـ دام ظلّه ـ و لمّا ذكرت له عدم إمكان الجمع بين القول بالاختصاص و تصحيح الشريكة الواقعة في الوقت المختصّ سهواً، أجاب بأنّه يقول بالاختصاص، لكن لا بالمعنى المشهور، و أحال بيانه إلى وقت آخر، و لم يتّفق ذلک إلى الآن، ولعلّه يريد اختصاص الوقت الفعلي بالاُوليين ـ كما عرفت تحقيقه منّا ـ و لكنّه بحسب الواقع قول بالاشتراک، و إن أفادنا وجهاً غير ذلک ألحقناه بهذا الموضع، إن شاء اللّه.

و أمّا بطلان الاُوليين في آخر الوقت أداءً فظاهر، و لكنّهما تصحّان على القول بالاشتراک كذلک مع السهو، بل و مع العمد و إن حصل العصيان بترک الأهمّ ـ كما تقدّم ـ و هذا ثمرة اُخرى للخلاف.

و أمّا وقوعهما قضاءً فلا مانع منه، إذ غاية ما دلّت عليه مرسلة ابن فرقد ـ على ما فهموا منها ـ عدم كون هذا المقدار من الوقت وقتاً للظهر، و أنّ نسبته إلى الظهر نسبة ما قبل الزوال إليها، و أنّه لاخصوصيّة بينه و بينها، و لا اقتضاء فيه لها، و جميع ذلک غير منافٍ لوقوعها قضاءً، بل لامعنى للقضاء إلّا ذلک.

و أمّا كونه مانعاً من صحّة الصلاة و اقتضائه للعدم فلا تدلّ عليه المرسلة قطعاً، و لانعهد مثله في جميع أجزاء الزمان، إذ هي بين ما لها خصوصيّة لفرضٍ خاص، فيكون فيه أداءً، و بين ما ليس لها ارتباط خاصّ، فيكون فيه قضاءً.

و أمّا ما يكون له اقتضاء المنع و الفساد من حيث الوقتيّة لفرضٍ خاصّ فممّا لانعهد له مثالاً، و الاُوقات الّتي تكره فيها الصلاة لاربط لها بالمقام، كما هو واضح بعد التأمّل.

و بالجملة، الحكم بعدم وقوع الشريكة حتّى قضاءً ممّا لم أجده في كلام من تقدّم على الماتن و من تبعه، و ضيق المجال يمنع من التتبّع التامّ، و لاأعرف له وجهاً إلّا ما يظهر من كتابه في مسألة ما لو صلّى العصر في آخر الوقت المشترک نسياناً، فإنّه ـ بعد ما صحّح وقوع الظهر بعده أداءً بأنّ المنساق إلى الذهن اختصاص العصر بذلک المقدار إذا لم يكن المكلّف قد أدّاها، اقتصاراً على المتيقّن خروجه من الأدلّة ـ قال ما لفظه:

«إنّه لو اُريد جريان حكم الاختصاص عليه و إن كان قد اُدّي لم يصحّ فعل الظهر مطلقاً، لا أداءً و لا قضاءً، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني فلأنّ معنى الاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه قضاءً، إذ هي لاتكون فيه إلّا كذلک، ضرورة خروج وقتها، فمن ترک العصر في وقت اختصاصه و أراد صلاة الظهر فيه قضاءً لم يصحّ، و إلّا مضت ثمرة الاختصاص، و احتمال أنّ المراد بالاختصاص عدم وقوع الشريک فيه أداءً ]خاصة، لا أداءً و[ قضاءً ـ فمن صلّى الظهر حينئذٍ في وقت اختصاص ]العصر[ و الفرض أنّه لم يكن صلّى العصر صحّت ظهره قضاءً، بناءً على عدم النهي عن الضدّ ـ يدفعه ظهور لفظ الاختصاص في غير ذلک، و أنّ الأدائيّة و القضائيّة ليستا من القيود الّتي تكون مورداً للنفي، ضرورة عدم كونها من المكلّف، بل هي اُوصاف من لوازم الفعل المكلّف به من غير مدخليّة للأمر، فلايتوجّه نفيه إليها، فتأمّل جيّداً فإنّه دقيق، و إن كان بعد التأمّل واضحاً» ] جواهر الكلام 7: 93[، انتهى.

قلت: أمّا تخصيص الاختصاص بصوره عدم أداء صاحبة الوقت فممّا لاوجه له بعد إطلاق الدليل، و عدم دليل صالح للتقييد، و ما ذكره من كونه المنساق إلى الذهن فالأمر فيه موكول إلى الناظر، أمّا نحن فلانجد فرقاً بين الصورتين في شمول المرسلة و نحوها لهما معاً.

على أنّ الظاهر كونه خلاف اتّفاق كلمة الأصحاب، إذ هم ـ في ما نعلم ـ بين قائل بالاشتراک مطلقاً، و بين قائل بالاختصاص كذلک، فالتفصيل إحداث قولٍ ثالث، و مثله يتحاشى عن مثله.

و لم يذكر وجهاً لما ادّعاه من عدم ظهور كلمات الأصحاب في الاختصاص في هذه الصورة، فهو مجرّد ادّعاءٍ لايكاد يثبت.

هذا كلّه مع أنّ مبنى كلامه ـ كما يظهر من مواضع من كلامه ـ على كون أدلّة الاشتراک عمومات تخصّصها المرسلة، و قد عرفت ما فيه.

و أيضاً لا تجمع هذا الدعوى مع ما تقدّم منه و من غيره في تأويل أدلّة الاشتراک ـ من كون المراد دخول وقت المجموع لا الجميع، أو دخول الوقتين على نحو التوزيع ـ إلّا بالتكلّف، فليتأمّل.

و أمّا ما ذكره من انتفاء ثمرة الاختصاص، ففيه أنّ الحال في المقام كالحال في تحديد سائر المواقيت الّتي يكفي ثمرة لها كون الفعل فيه أداءً موجباً للثواب و درک مصلحة الوقت، و في غيره موجباً للعقاب و فوات مصلحة الوقت، و نقصان الأجر و الفضل، و نحو ذلک، و أيّ فرق بين تحديد آخر وقت الظهر بمقدار الأربع الباقي من النهار، و بين تحديد آخر الصبح مثلاً بطلوع الشمس.

و ما ذكره في باقي كلامه، لو سلّمنا وضوحه، و رفعنا النظر عن ما فيه من الكلام الموجب ذكره الخروج عن المقام، فإنّه لم يظهر لنا وجه ارتباطه بالمقام، و هو أجنبىّ عن المرسلة و نحوها من أدلّة الاختصاص الّتي لاتدلّ على أزيد من تحديد الوقت.

فكأنّ مبنى كلامه قدس سره على وجود دليلٍ دلّ على بطلان الصلاة في آخر الوقت، فأراد أن يستفيد منه بهذا البيان عدم الصحّة مطلقاً، على تقدير شموله صورتي أداء صاحبة الوقت و عدمه ـ و نحن لانعرف ذلک الدليل حتّى نبحث عنه.

اللّهم إلّا أن يكون خبر الحلبي المتقدّم، و تفسير قوله: «فيكون قد فاتتاه جميعاً» بالبطلان، و لكن فيه ما هو غنىّ عن البيان، فإنّ لفظ الفوت لايدلّ على أزيد من عدم كون الصلاة صلاة في وقتها، كما هو المتبادر من لفظ الفوت، و هو المصطلح عليه المستعمل فيه في سائر الموارد.

و بالجملة، أدلّة الاشتراک لاتدلّ إلّا على انتهاء الوقت إذا بقي مقدار الأربع، و كون نسبة ما بعده إلى الفرض الأوّل نسبة سائر أجزاء الزمان إليه، و ذلک لا ينافي القضاء، بل لامعنى للقضاء إلّا ذلک كما عرفت، و لاأظنّ أحداً يلتزم بأنّ الشريكه لاتصحّ قضاءً فيه، (أمّا صلاة غير الشريكة فيه قضاءً مثلاً) تصحّ كذلک، فتكون الشريكة أسوء حالاً من الأجنبيّة.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق كلامه عدم صحّة قضاء الشريكة في الوقت المختصّ بشريكتها مطلقاً ـ سواء كان صلاة ذلک اليوم، أو الأيّام السابقة عليه ـ و هذا أشدّ استبعاداً، بل دعوى القطع بفساده غير بعيد، فينبغي تقييد كلامه بفريضة ذلک اليوم، و لكن يبعّده ـ مع خلوّ كلامه عمّا يدلّ على التقييد ـ أنّ الظهر مثلاً في الفرض المتقدّم يقع عنده أداءً، فلا يبقى مورد لما ذكره من بطلان القضاء. اللّهم إلّا في صورة عدم فعل العصر أصلاً، و إرادة عدم اتيانه عصياناً، و قضاء الظهر في وقت العصر المختص، فليتأمّل.

و فذلكة الكلام في هذا الفرع أنّه لو أوقع العصر في آخر الوقت المشترک فعند القائل بالاشتراک يكون الظهر أداء بعده، و كذلک عند الماتن، لاختصاص الاختصاص عنده بغير هذه الصورة، و على القول بالاختصاص يصحّ، و يقع قضاءً على ما استظهرنا، و عند الماتن يبطل مطلقاً، فلايقع لا أداءً و لا قضاءً.

و لو قلنا باختصاص آخر الوقت المشترک بالظهر أيضاً كما تكرّر نقله عن بعض الأصحاب بطل العصر، لوقوعه في غير وقته، إلّا أن يتمّ ما ذكره في القواعد من أنّ العصر يقترض من الظهر وقته و يعوّضه بوقت نفسه ]القواعد والفوائد تأليف الشهيد الأوّل 1: 87[. و لكن فيه ما لايخفى.

و لو لم ‌يصلّ العصر قبل الأربع من آخر الوقت عمداً أو نسياناً وجب عليه العصر خاصّة على جميع الأقوال. و لو عصى بتركه و أراد الظهر صحّ عندنا أداءً و إن عصى بترک العصر، و صحّ قضاءً عند القائل بالاختصاص ـ على ما استظهرنا منهم ـ مع العصيان بترک العصر أيضاً إن قالوا بصحّة الضدّ المهم، و بطل عند الماتن.

هذا، و الشيخ قدس سره استشكل في الحاشية في صحّة قضاء غير الشريكة فيه أيضاً، و هو كما ترى، إلّا أن يكون لجهةٍ اُخرى خارجة عن المقام، كاحتمال استفادة النهي من بعض الأخبار الآتية في محلّه، و يغني عن البحث فيه كونها مضروبة عليها في أكثر النسخ.

و ممّا عرفت من اختصاص الاختصاص عنده بصورة عدم أداء صاحبة الوقت ظَهَر لک الوجه في قوله: (أو صلاة الشريكة فيه أداءً بعد فرض أداء صاحبته بوجهٍ صحيح، فالظاهر الصحّة).

و ظهر أيضاً الوجه لقول الشيخ قدس سره في الحاشية: «إنّ الأحوط عدم التعرّض فيها للأداء و القضاء» إذ الأمر مردّد عنده بين عدم شمول دليل الاختصاص لهذه الصورة ـ كما ادّعاه الماتن ـ فيكون أداءً، و بين شموله لها، فيكون قضاءً.

و منها يمكن استفادة عدم صحّة الحاشية السابقة عليها، إذ هي مبنيّة على بطلان القضاء مطلقاً، بخلاف الثانية كما لايخفى، إلّا أن يفرّق بين الشريكة و غيرها بعكس ما فرّق الماتن بينهما، أو يكون لجهةٍ اُخرى خارجة عن حيث الوقت كما مرّ.

ثمّ اعلم أنّ المرسلة لو تمّت دلالتها على تخصيص الوقت الأصلي لكان لازمها عدم دخول وقت الشريكة إلّا بمضيّ مقدار الشريكة المقدّمة، وقعت الاُولى قبلها بأقلّ من ذلک أم لا، و لكن أكثر القائلين بالاختصاص ـ و منهم الماتن ـ لايلتزمون به، فلو وقع مجموع الظهر إلّا التسليم قبل الزوال صحّ الظهر كما سيأتي، و جاز عندهم الشروع في العصر بلافصلٍ، و لايخفى على المتأمّل أنّه خلاف ظاهر المرسلة و نحوها.

و لايمكن إصلاح ذلک بمثل ما تقدّم من الماتن من انصراف دليل الاختصاص، إذ المدّعى هنا شمول الدليل و ثبوت الاختصاص، و لكنّه لا بمقدارٍ معيّن، و يلزم عندهم مضىّ مقدار الأربع في صورة عدم وقوعها قبله، فلو صلّى العصر قبل الظهر سهواً يبطل لو وقع في مقدار الأربع، و يصحّ لو وقع بعده.

و ما ذكروه في الفرع الأوّل يناسب ما فهمناه من الرواية من تخصيص الوقت الفعلي لا الأصلي، و أنّ الاختصاص ليس لعدم صلاحيّة الوقت، بل هو لأجل المزاحمة، فمتى ارتفعت ارتفع المانع، و صحّت الاُخرى، و ما ذكروه في الثاني يناسب تخصيص الوقت الأصلي، و عدم صلاحيّة الوقت للشريكة الاُخرى ذاتاً.

و استفادة كلا المعنيين من كلامٍ واحد لايخلو عن صعوبة، بل الظاهر عدم إمكانه، فالمختار عندهم على علامة لاينطبق على شيء من أدلّة الطرفين، بل هو قول بالاشتراک، لكنّه بغير ما ينبغي من البيان، و عدم الالتزام بلوازمه في بعض الموارد.

و أولى من ذلک ـ و إن كان بيّن التكلّف ـ أن يقال: إنّ وقت الاختصاص هو مقدار جميع الأربع مطلقاً، لكنّه من وقتٍ يصحّ فيه الظهر لا الزوال، و يدّعى أنّ المفهوم من صحّة الصلاة الّتي وقع بعضها في الوقت تقدّم الوقت بمقدار البعض الآخر، و يدّعى أنّ لفظ الزوال في المرسلة كناية عن ذلک، و إنّما وقع التعبير به أوّل الوقت لغالب المكلّفين، فتأمّل.

ثمّ إنّه دلّ غير واحد من الصحاح على صحّة الشريكة الثانية إذا وقعت قبل الاُولى سهواً کقوله علیه‌السلام في صحيح زرارة: «فإن كنت صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب» ]وسائل ‌الشيعة 4: 291 الباب (62) من أبواب المواقيت، ح 1[ و غير ذلک.

و تلک الأخبار بترک الاستفصال دالّة على بطلان ما ذكروه في الفرع الثاني، و لكنّهم حملوها على وقوع الثانية بعد الوقت المختصّ بالاُولى بدعوى استبعاد نسيان الاُولى في أوّل الوقت.

و فيه ما لايخفى على المنصف، و ظاهر لديه انطباق تلک الأخبار على ما اخترناه، بل كونها دالّة عليه.

ثمّ إنّ وقت الاختصاص له اختلافات اُخر في المقدار من غير الجهة السابقة، و هو اختلافه باختلاف ثقل اللسان و خفّته، و باختلاف حالات المكلّف من السفر والحضر و الخوف، و أقلّه عندهم مقدار تسبيحتين الّذي هو مقدار صلاة الخوف، بل تسبيحة واحدة كما في كلام بعضهم، و أكثره ينتهي إلى حدّ يستوعب الوقت المشترک، بل يزيد عليه أيضاً.

و اختلفوا أيضاً في دخول مقدار ما ينسى من الأجزاء و صلاة الاحتياط، بل سجدتي السهو.

و اختلفوا أيضاً في صورة التقدير في أنّه هل يعتبر فيه مقدار أقلّ الواجب، أو يلاحظ فيه المستحبّات الّتي جرت عادته المواضبة عليها، أو يلاحظ المتوسّط؟ و هل يعتبر خفّة اللسان، أو الوسط بين الخفّة و الثقل؟ و نحو ذلک من الأقوال و الاحتمالات و الفروع الكثيرة الّتي نحن لوضوح أمر الاشتراک في غنىً منها، و لكن لاعذر للماتن في ترک التعرّض لها، للاحتياج إليها في صورة التقدير، و فرض وقوعها ليس بأبعد من كثيرٍ من الفروع الّتي جرت عادته على التعرّض لها.

ثمّ إنّ المصرّح فيكلماتهم دخول مقدار تحصيل‌الشرائط الوجوديّة في الوقت المختصّ، دون المقدّمات العلميّة، و الظاهر عدم التزامهم بدخولها فيه، و سمعت من بعض أعلام العصر دخولها فيه أيضاً، و عليه لو بقي من النهار مقدار خمس صلوات أو أكثر إلى ما دون الثمان مع اشتباه القبلة لزمت صلاة واحدة أو أكثر إلى ما دون الأربع للظهر إلى أيّ جهةٍ شاء المكلّف، و إتيان العصر أربعاً إلى الجهات الأربع.

و بالعكس، لو قلنا بعدم دخولها فيه فاللازم إتيان الظهر أربعاً إلى الجهات الأربع، و الاكتفاء من العصر بما أمكن، و كذلک على القول بالاشتراک، كما لايخفى على المتأمّل.

ثمّ إنّ معنى الاختصاص عندهم عدم جواز الابتداء بالشريكة الاُولى في الوقت المختصّ بالثانية، و لابأس بوقوع بعضها في وقت اختصاص الاُخرى (كما) لو شرع في الفرض الأوّل و لم يحصل الفراغ منه إلّا في الوقت المختصّ بالآخر، فإنّه (يصحّ) الأوّل، و إن تحقّقت (مزاحمة الشريكه للاُخرى)، و عليه (إذا فرض بقاء ركعةٍ من الوقت) المشترک لامانع من الاُولى (فتصلّي حينئذٍ و إن وقع الجملة منها في وقت الاختصاص).

و لكنّ العبارة لاتصحّ على إطلاقها، إذ هي شاملة لما لو بقي للمسافر من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات، مع أنّ أداء المغرب حينئذٍ موجب لتفويت العشاء، فلابدّ من تقييدها بما لايلزم منه ذلک.

(فلو بقي) للحاضر (من المغرب خمس ركعات، أو من نصف الليل) له أيضاً كذلک (صلّى الظهرين) في الفرض الأوّل، (و العشائين) في الفرض‌الثاني.

و هذا الحكم كأنّه من المسلّمات عندهم، و لكنّه مبنىّ على عموم قاعدة الإدراک، والقول بعدم اختصاصها بالصبح، و سيأتى الكلام فيه، و لهذا ناقش فيه صاحب الحدائق ]الحدائق الناظرة 6: 279[ و غيره ممّن منعها في غيره.

و مبنيّ أيضاً على أحد أمرين: إمّا جواز تأخير الصلاة إلى أن يدرک ركعة من الوقت فقط لغير عذر، أو جعل مثل ذلک من الأعذار، و الظاهر عدم التزامهم بالأوّل، و الثاني لايخلو عن إشكال، فالحكم بحسب قواعد الصناعة لايخلو عن خفاء، و سيأتي ـ إن شاء اللّه ـ ما يظهر به الحال في هذه المسألة و نظائرها.

و كذلک يشكل الحكم في الفرض الّذي ذكرناه، أعني المسافر الّذي بقي له عن نصف الليل مقدار ثلاث ركعات، ويحتمل بناءً على الاشتراک ـ بل و على الاختصاص في وجهٍ أيضاًـ سقوط الترتيب، فيأتي أوّلاً بالعشاء، ثمّ بالمغرب، لكنّه مبنىّ على ما مرّ.

و مختار السيّد قدس سره على ما سمعنا من ثقات أصحابه صلاة العشاء في أثناء المغرب، بأن يشرع في المغرب أوّلاً فيأتي بركعة منها، ثمّ يشرع في العشاء، و بعد الفراغ منها يأتي بالباقي من المغرب، نظير ما ورد في صلاة الآيات مع اليوميّة.

و هذا الحكم عنده على طبق القاعدة، و لهذا لم يقتصر فيه على مورد النصّ، و عليه فالمتعيّن ذلک في الفرض الّذي ذكره الماتن، أعني ما لوبقي من الوقت مقدار الخمس، بناءً على الاختصاص الّذي يذهب إليه، بل و على الاشتراک أيضاً في وجهٍ، فكان عليه قدس سره بيان ذلک في الحاشية، و الفرق بين المسألتين و إن كان ممكناً لكنّه لايخلو عن تكلّف، فتأمّل، و انتظر تحقيق الحال فيهما و في نظائرهما.

(و) بناءً على جواز الابتداء بالشريكة في الوقت المختصّ بالاُخرى (لايصلّي المغرب لو لم يبق إلّا مقدار أربع ركعات) بل و لامقدار الثلاث في الفرض الّذي ذكرناه، بناءً على الاختصاص، بل و على الاشتراک أيضاً في وجهٍ.

(و يعلم الزوال بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب معتدلاً) يريد به القائم على السطح (في الأرض المعتدلة) يريد به سطح الاُفق الحسّي، و لاخصوصيّة للأرض، بل يكفي قيامه على سطحٍ قائم على سطح الاُفق، و الزيادة المعتبرة هي الّتي تكون (بعد نقصانه) و ذلک في غالب البلاد دائماً، و غالباً في جميعها (أو حدوثه بعد انعدامه) و ذلک في نادرٍ من الأيّام في بعض البلاد، و ظاهر لدى أهله اختصاص ذلک بغير عرض تسعين.

و أرباب الكتب في ما أعلم قد اقتصروا في معرفة الزوال على هذا الظلّ المسمّى عند أهل العلم بالظلّ الثاني و المستوي، و يمكن معرفته أيضاً بالظلّ الأوّل المعكوس، بأن يعتبر نقصانه بعد زيادته، بل هو أولى من الأوّل ـ أعني الثاني ـ لسرعة تبيّن نقيصته بعد الزيادة، بخلاف زيادة الظلّ المبسوط بعد النقيصة، فإنّها لاتظهر للحسّ إلّا بعد مدّة طويلة، لاسيّما في بعض الفصول في بعض البلاد، و جميع ذلک ظاهر لدى أهله.

نعم، تحصيل مقياس الظلّ الثاني لعلّه أسهل من غيره لغالب الناس، و لهذا ورد في النصوص، دون الأوّل.

و يمكن معرفته أيضاً بطرق اُخرى ذكر بعضها الأصحاب، و في الساعات المتعارفة في هذا الزمان مع استعلام مقادير الأيّام من التقويم ما يغني عن جميع ذلک، و أحسن منها المزاول الشمسيّة بأقسامها المعروفة لدى أهلها.

و في المقام أمران غريبان:

أحدهما: ما يظهر من بعض معاصري الماتن حيث زعم أنّ تلک العلائم اُمور تعبّديّة خلافيّة، فقال: إنّه يـعرف عند المفيد في المقنعة بثلاثة اُمور: بالاُسطرلاب ]و ميزان الشمس [و الدائرة الهندسيّة ]المقنعه: 93 [(كذا بخطّه؛)، و عند الشيخ في النهاية بأربعة ]النهاية و نكتها 1: 277[، و عنده في المبسوط بشيء واحد ]المبسوط 1: 73[، و هكذا إلى آخر كلامه الّذي بناه على هذا الخطأ الواضح، و فيه ما هو غنىّ عن البيان.

ثمّ أورد في آخر كلامه على من ذكر من الأصحاب صفة المقياس، و كيفيّة تسوية الأرض و نصبه عليها بأنّ الزوال أمر عرفي، و ليس المرجع فيه إلى علماء الرياضىّ حتّى يعتبر ما اعتبروه من كون المقياس مخروطاً محدّد الرأس، إلى آخر كلامه. و لايخفى على كلّ أحدٍ ما فيه.

ثانيهما: ما ذكره الماتن في كتابه حيث قال بعد ذكر بعض طرق معرفة الزوال:

«قلت: و يمكن استخراجه بغير ذلک، إنّما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد ما علّقه الشارع على الزوال الّذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتّى أنّه أخذ فيه استبانته كما سمعته في الخبر السابق، و أناطه بتلک الزيادة الّتي لاتخفى على أحد، على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتّبة على بعض الاُمور الخفيّة بالاُمور الجليّة كي لايوقع عبادة في شبهة، كما سمعته في خبر الفجر، بل أمر بالتربّص و صلاة ركعتين و نحوهما انتظاراً لتحقّقه، فلعلّ الأحوط مراعات تلک العلامة المنصوصة في معرفة الزوال، و إن تأخّر تحقّقها عن ميل الشمس عن خطّ نصف النهار بزمانٍ، خصوصاً و الاستصحاب و شغل الذمّة و غير هما موافقة لها». ]جواهر الكلام 7: 103[.

قلت: من المعلوم أنّ لفظ الزوال موضوع للزوال الواقعي، و ليس للشارع فيه اصطلاح خاصّ، و المفهوم منه عرفاً ليس إلّا ماعرفت، و عدم معرفة أهل العرف ذلک إلّا بعد مضىّ مدّة لاينافي كونه موضوعاً لذلک الأمر الواقعى، كيف و كثير من الألفاظ موضوعة لذلک، و إن لم يكن لأهل العرف طريق إلى معرفته تحقيقاً، فتراهم عند تعلّق أغراضهم بها يكتفون بالتقريب تارةً، و يأخذون بالاحتياط تارةً اُخرى بحسب اختلاف الموارد والأغراض.

و كذلک أكثر الأحكام الشرعيّة، فإنّ الشارع جعل موضوعاتها الاُمور الواقعيّة، و نصب للجاهل بها طرقاً إن أمكنت، و جعل مرجع الشاکّ فيها الاُصول العمليّة.

و الحال في الزوال كالحال في نصف الليل الّذي تسمع قريباً منه عدم الحدّ الشرعىّ له، وتسمع منّا حال العلامة المنصوصة له.

و من ذلک يظهر لک ما في أوّل كلامه و آخره، فإنّ الشارع لم يعلّق دخول الوقت الواقعي إلّا على الزوال الواقعىّ في ما نعلم من الأدلّة، و ما ادّعاه من عادة الشارع قد عرفت خلافه.

و أمّا استدلاله بقوله علیه‌السلام: «فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر» ]وسائل‌ الشيعة 4: 162 الباب (11) من أبواب المواقيت، ح 1[ على عدم دخول الوقت قبله، و بما ورد في الفجر و نحوه، فممّا لاربط له بما ادّعاه أصلاً، لأنّ مفادّها مفادّ سائر الأخبار الدالّة على عدم جواز الصلاة إلّا بعد اليقين بدخول الوقت، كما هو واضح.

و بالجملة، فهذا الاحتياط لا وجه له أصلاً، و لم أجد أحداً من الأصحاب احتمل ذلک غيره، نعم، آخر كلام معاصره المتقدّم يقرب منه، بل لعلّه يرجع إليه، نعم، رأيت ذلک في بعض شروح التقريب من كتب الشافعيّة.

هذا، و قد عرفت سابقاً أنّه لاإشكال و لاخلاف في أنّه (يعلم المغرب بذهاب الحمرة المشرقيّة) و الماتن قد تبع في هذا التعبير جماعة من المتقدّمين القائلين باستتار القرص، و لكن أراد منه ما لايستفاد منه أصلاً، و هو عدم دخول الوقت إلّا به، و لهذا قال: (على الأصحّ).

و أيضاً قد عرفت سابقاً أنّ الحمرة لاتصل إلى سمت ألرأس أصلاً، و على تقدير وصولها ينبغي أن يكون اعتبار ذهابها عن سمت الرأس مفروغاً عنه عند معتبري الحمرة، لما عرفت سابقاً من أنّ ارتفاعها عن نفس الاُفق حاصل بغروب الشمس و غيره من سائر ارتفاعاتها الجزئيّة ممّا لاانضباط لها، و لانعرف قائلاً بها. فقوله: (بل يقوى اعتبار ذهابها إلى أن تتجاوز سمت الرأس) فيه ما لايخفى، على غضاضةٍ في اللفظ أيضاً.

نعم، يظهر من كلام الشيخ قدس سره في الرسالة وقوع الخلاف في ذلک ]فرائد الاصول 2: 80[ و لكنّه لم يبيّن الأقوال و لا القائلين بها، فليراجع من شاء مظانّ ذلک من كلماتهم.

هذا، و لكن اعتبار ذلک في غاية الضعف في نفسه و بحسب الدليل، لأنّ الروايات جميعاً خالية عن ذلک، ماعداالمرسلة الّتي عرفت سابقاً مخالفتها للوجدان و البرهان معاً، و أمّا سائر الروايات فلاتدلّ إلّا على اعتبار ذهابها عن المشرق الّذي لايفهم منه عرفاً إلّا الاُفق و ما يقرب منه، و قد عرفت أنّه حاصل بغروب الشمس.

فأخبار الحمرة ليست مخالفة لأخبار الغروب، بل هي له من العلائم المقارنة تقريباً، و حمله على تمام الربع الشرقىّ خلاف المفهوم منه عرفاً، و على فرضه لايخفى ما في قوله: (بل الأحوط مراعاة ذهابها من المشرق الّذي هو تمام ربعالفلک) لاتّحاده مع ما تقدّم. و لهذا أحسن من قال من المحشّين: «هذا هو الأقوى» و إليه يرجع التجاوز عن سمت الرأس.

و لعلّه أراد من العبارة الاُولى معنىً آخر غير المعنيين المتقدّمين، أو أنّ الذهاب عن المشرق بالمعنى الثاني يحصل بالوصول إلى سمت الرأس، و في الثانية اعتبر ـ زيادةً على ذلک ـ التجاوز عنه.

و على فرض التعدّد فالوجه في الاحتياط ما ذكره في كتابه من أنّه ظاهر كلّ ما دلّ على اعتبار زوال الحمرة من المشرق، ضرورة إرادة ربع الفلک منه. ]جواهر الكلام 7: 121[.

قلت : قد عرفت أنّ المفهوم من لفظ المشرق عرفاً غير ذلک، و على فرض ظهور الأدلّة فيها فأيّ وجه للاكتفاء بغيره وجعله أحوط؟ إلّا أن يكون الوجه فيه عدم الجزم بكونه ظاهر الأدّلة، كما يقرّ به لفظ لعلّ قبل الكلام الّذي نقلناه، و إن كان يبعّده دعوى الضرورة الّتي في آخر كلامه.

و فسرّه شارح البغية ]«بغية الطالب في معرفة المفروض و الواجب»، رسالة عملية اقتصر فيها على ذكر مجرّد الفتاوى للشيخ الأكبر الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي النجفي، مرتّب على مطلبين: أوّلهما في اصول العقائد، و ثانيهما في فروع الأحكام. خرج منه من أوّل الطهارة إلى آخر الصلاة…و شرح الشيخ موسى بن الشيخ الأكبر البغية مزجاً إلى آخر صلاة الجماعة و سمّاه «منية الطالب». الذريعة 3: 133 ـ 134[ بأنّه ربع الفلک الشرقىّ، لانصفه حتّى يراعى من جانب القبلة و عكسها، فليتأمّل في مراده من ذلک، و في المراد من قوله بعد ذكر اعتبار التجاوز عن سمت الرأس: «و لو قيل: إنّ المدار على هذه الحمرة المعهودة، و زوالها بذهابها عن محلّها المعتاد لكان وجيهاً» انتهى.

و فذلكة المقام أنّ لفظ المشرق في الروايات إمّا أن يكون المراد منه نفس الخطّ الفاصل بين المرئي و غير المرئي من الفلک، أو ما هو أوسع منه دائرةً، و هو المشرق العرفي، أو ربع الفلک، أو ما بينه و بين المعنى الثاني.

و لايمكن إرادة الأوّل، لأنّه غير المفهوم من اللفظ عرفاً، و لأنّه يحصل قبل استكمال الغروب، كما لايخفى على الراصد و المطّلع على قواعد العلم.

و المعنى الثاني مقارن لغروب الشمس، و هذا خلاف مرام معتبري الحمرة.

و الرابع لاانضباط له، و من المستبعد جدّاً أن يعتبر أحد بعض ارتفاعاتها الجزئيّة كما عرفت، فالثالث هو المتعيّن. فعليه لاوجه لما قال الماتن إلّا أن يوجّه بما عرفت، و لالكلام شارح البغية إلّا أن يكون إشارة إلى ما عرفت من عدم وصول الحمرة إلى سمت الرأس أصلاً، و بياناً لأنّ المعتبر زوالها بمعنى انعدامها عن الارتفاع الّذي جرت العادة بوصولها إليه، و لا لما عرفت من ظاهر كلام الشيخ قدس سره، فليتأمّل في ذلک كلّه.

هذا، و في خبر ابن شريح الّذي استدلّوا به على ذهاب الحمرة اعتبار الصفرة أيضاً، فكان من اللازم اعتباره أيضاً، و لا أقلّ من الاحتياط فيه، فإنّه لورود النصّ على اعتباره أولى من الاحتياط الّذي ذكره في كتابه و هو: تأخير الصلاة في بعض أيّام الغيم عن ذهاب الحمرة الّتي تعلو ما كان منه في جانب المشرق إذا احتمل أنّها من شعاع الشمس. ]جواهر الكلام 7: 121[.

فإنّه ليس في الأدلّة ما يوهم اعتبار ذلک إلّا خبر ابن وضّاح الّذي عرفت الكلام فيه، بل دعوى القطع بعدم اعتباره غير بعيد، و مراعاتها موجبة لتأخير المغرب في بعض الأوقات عن غروب الشفق أيضاً، كما نبّه عليه كاشف العظاء قدس سره على ما ببالي. ]قال في كشف الغطاء: الرابع: وقت صلاة المغرب. و يدخل بغروب الحمرة المشرقيّة الأصليّة، لاالعارضيّة لمقابلة سحاب أو عروض بخارأو غبار، فإنّها قدتستمرّ إلى وقت العشاء من جانب المشرق. كشف الغطاء 3: 117[.

 و قوله: (و ليس لنصف الليل حدّ في الشّرع معلوم) يريد به أنّه لايراد منه في الشرع إلّا المعنى الواقعي، أو أنّه لاعلامة له تعبّديّة، كما يدلّ عليه حرف الاستدراک في قوله: (و لكن يعرف بالنجوم) الّتي درجات ممرّها مساوية لدرجة ممرّ نظير الشمس، فإنّ زوالها ملازم لانتصاف الليل لو كان المعتبر نصف الليل إلى طلوع الشمس.

و أمّا بناءً على اعتباره إلى طلوع الفجر ـ كما سيصرّح به ـ فلا يكاد يعرف بمجرّد زوالها أصلاً، إلّا أن يستعان في معرفة التفاوت بالساعات و نحوها من الآلات الصالحة لذلک، و لكنّ المتمكّن منها يستغني بها عن ذلک.

و مَن حملها على النجوم الّتي تطلع مع غروب الشمس ففي كلامه ما لايخفى، إذ المعتبر اتّحاد درجة الممرّ، و مع حصوله لايضرّ تقدّم الطلوع أو تأخّره، و مع عدمه لا تنفع مقارنة الطلوع لغروب الشمس أصلاً، إلّا أن يحمل على الآفاق الاستوائيّة أو على التقريب.

و أعجب منه حمل الماتن لها على ماترى في البلدان في بدوّ ظهورها فوق الأبنية و الجدران. ثمّ قال:

«و الظاهر أنّها متّصل إلى دائرة نصف النهار قبل انتصاف الليل، فلذا اعتبر انحدارها بحيث يحصل ]منه[ الاطمئنان بصيرورة النصف» ]جواهر الكلام 7: 229[ إلى آخر كلامه الّذي لم أقع منه على محصّلٍ أصلاً، فليراجعه من شاء.

و قال في آخر كلامه:

«إنّ المراد انحدار غالب النجوم، لا كواكب مخصوصة، لأنّ الظاهر أنّ كثرة النجوم تكون في النصف الأخير في جهة الغرب» ]جواهر الكلام 7: 230[، انتهى.

و يظهر من كلامه الأوّل أنّه يرى معنى انحدار النجوم غير معناه الظاهر الّذي يعرفه أهل الّلغة، و هو الميل من العلوّ إلى السفل الّذي هو عبارة اُخرى عن زوالها.

و من كلامه الثاني أنّه يرى تراكم النجوم و كثرتها في طرف المغرب في النصف الأخير من الليل، وضعفه واضح لدى من عرف واضحات أوضح العلوم التعليميّة.

و بالجملة ]تحديد[ نصف الليل بالنجوم متعسّر جدّاً، بل متعذّر غالباً (و) الرجوع إلى (غيرها) كالساعات الصحيحة مع استخراج مقدار كلّ ليلة من التقويم و غيره أولى و أسهل.

(نعم، منتهاه طلوع الفجر الصادق لا طلوع الشمس، فالانتصاف حينئذٍ يلاحظ إليه.

و ابتداء الفضل في الظهر الزوال، و منتهاه بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص.

و منتهى فضيلة العصر المثلان، و الأحوط ابتداؤها من المثل لا من الزوال، فيكون له حينئذٍ وقتا إجزاء: قبل المثل، و بعد المثلين، و إن كان الّذي يقوى أنّ من الفضل فعلها إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام أي أربعة أسباع الشاخص بمعنى القامة، كما أنّ من الفضل فعل الظهر إذا بلغ الظلّ قدمين.

و على كلّ حال فيستحبّ التفريق بين الظهر و العصر بما يحصل به مسمّاه، و في الاكتفاء فيه بمجرّد فعل النافلة وجه، لكنّ الأقوى خلافه.

و وقت فضل المغرب من الغروب إلى غيبة الشفق الّذي هو الحمرة، دون الصفرة و نحوها.

و العشاء من ذهاب الشفق إلى الثلث، فيكون له حينئذٍ وقتا إجزاء: قبل الشفق، و بعد الثلث.

و الصبح من طلوع الفجر إلى أن يسفر، و يتجلّل بأن تطلع الحمرة في المشرق، لا المغرب، و الغلس بها أفضل من غيره، كما أنّ التعجيل في جميع أوقات الفضيلة أفضل من غيره، بل هو في وقت الإجزاء كذلک.

و وقت نافلة الزوال من حينه إلى أن يبقى من الذراع الّذي هو سبعا الشاخص مقدار الفريضة.

و كذلک نافلة العصر بالنسبة إلى الذراعين، فإن بلغ من الظلّ ذلک و لم يكن قد صلّى شيئاً منها فالأولى له البدأة بالفريضة، و إن كان قد تلبّس بشيء منها و لو ركعه زاحم بها الفريضة، و أتمّها مخفّفة بالاقتصار على الحمد خاصّة و نحو ذلک، و يجوز الاقتصار على فعل بعضها كغيرها من النوافل.

و لاتقدّم نافلة الزوال فضلاً عن نافلة العصر على الزوال إلّا في يوم الجمعة، فإنّه يجوز تقديم العشرين عليه، بل هو الأفضل، و ينبغي له حينئذٍ يفريقها: ستّاً عند انبساط الشمس، و ستّاً عند ارتفاعها، و ستّاً قبل الزوال، و ركعتين عنده.

و وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى ذهاب الشفق المغربي، و الظاهر جريان حكم المزاحمة فيها على حسب ما سمعته في سابقتها.

و يمتدّ وقت الوتيرة بإمتداد وقت العشاء، نعم ينبغي ملاحظة تعقّبها له في الجملة، كما أنّه ينبغي جعلها خاتمة نوافله، فلو فرض ارادة فعل بعض الصلوات الموظّفة في بعض اللّيالي بعد العشاء جعل الوتيرة بعد ذلک.

و وقت نافلة الصبح الفجر الأوّل، و يمتدّ وقتها إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار الفريضة.

و يجوز رخصة دسّها في صلاة الليل قبل ذلک، و لو عند النصف، بل لايبعد جواز تقديمها عليه مع صلاة الليل، إلّا أنّ الأفضل إعادتها حتّى لو صلّيت في الفجر الأوّل إذا نام بعدها، و تجري أيضاً فيهما المزاحمة السابقة.

و وقت صلاة الليل انتصافه إلى الفجر الصادق على الأصحّ، و السحر أفضل من غيره، و الظاهر أنّه أوسع من السدس الأخير، بل لايبعد كون الثلث الأخير كلّه سحراً. نعم أفضله القريب من الفجر.

و لايجوز تقديمها على النصف إلّا للمسافر، و الشابّ الّذي يصعب عليه فعلها في الوقت، بل يلحق به الشيخ، و خائف البرد و الاحتلام و النوم، و المريض، و غيرهم من ذوي الأعذار الّتي يصعب معها ادراكها في الوقت.

و ينبغي لهم نيّة التعجيل لا الأداء، و قضاؤها أفضل من التقديم المزبور، و لو انتبهوا في الوقت بعد التقديم المذكور فالأحوط عدم إعادتها، بل هو الأقوى.

و لو طلع الفجر و لم يكن قد تلبّس بشيء منها فالأولى صلاة ركعتي الفجر ثمّ الفريضة.

و إن كان قد طلع و قد صلّى منها أربع ركعات أتمّها مخفّفة بقراءة الحمد وحدها.

و لو كان قد ظهر له الضيق بعد أن زعم السعة، و لم يكن قد أكمل الأربع فالأولى له إكمال ما في يده، و الاشتغال بالفريضة و نافلتها.

و لوظنّ الضيق صلّى، فإن أحرز الأربع زاحم، و إلّا أخرّها إلى ما بعد الفريضه، و يجوز له في الفرض المزبور صلاة مااتّسع له الوقت، فإذا طلع الفجر أوتر و أخّر.

و الأمر في ذلک كلّه سهل عندنا، لأنّ الحق جواز التطّوع مطلقاً في وقت الفريضة ما لميتضيّق، من غير فرق بين الفائتة و الحاضرة، و بين القضاء للنفس أو الغير، و إن كان الأحوط خلافه خصوصاً في الحاضرة).

(نعم) لو قلنا: إنّ المفهوم من أدلّة حرمة التطوّع منافاة وصف الاستحباب للصحّة، لاعدم مشروعيّة أصل النافلة ذاتاً فـ(لو أوجب) المكلّف (التطوّع) لابعنوان التطوّع ـ إذ النذر كذلک غير معقول ـ و المراد أن يوجب ما هو تطوّع بالذات عليه (بسببٍ من الأسباب كالنذر و نحوه) أو يوجب عليه مَن تجب عليه اطاعته كالمالک و غيره (خلص من الإشكال عن أصله).

و في صحّة العبارة إشكال، و لو بدّل موضعي حرفي الجرّ لكان خلص عن الإشكال من أصله.

و الوجه في صحّة النافلة مع النذر ما ذكره في كتابه: من خروجه حينئذٍ عن موضوع المسألة، لتغيّر الوصف الّذي عليه المدار، إذ احتمال الاكتفاء بما كان عليه قبل الوصف من التطوّع في غاية‌ البعد ]جواهر الكلام 7: 256[، انتهى.

و عليه إشكال مشهور عسر الزوال جدّاً، و هو أنّ تغيّر الوصف و زوال المرجوحيّة فرع صحّة النذر، و صحّة النذر تتوقّف على كون متعلّقه غير مرجوحٍ، بل يلزم فيه الرجحان، فيلزم الدور، و بعبارةٍ اُخرى: لابدّ من تقدّم موضوع الحكم على الحكم و لو رتبةً، فلايمكن إثبات الموضوع بالحكم أو ما هو ناشٍ منه، كما تقرّر في محلّه.

و قد تنبّه الماتن لهذا الإشكال في صورة تقييد النذر بما قبل الفريضة، و التزم بالبطلان، فقال في كتابه:

«نعم، ينبغي تقييد النذر مثلاً بما إذا لم يقيّده في وقت ما هو متلبّس به من الحاضرة أو الفائتة، بل نذره مطلقاً و إن كان قد صدر منه النذر في وقت خطابه بهما إلّا أنّه أوقعه مطلقاً، و احتمال الاجتزاء به حتّى مع التقييد المزبور لتغيّر الوصف أيضاً يدفعه منع تأثير النذر لزومه كي يتبدّل الوصف، لاشتراطه بالمشروعيّة قبل النذر و هي مفقودة في المقيّد ضرورةً بناءً على الحرمة». ]جواهر الكلام 7: 256[.

(و) قال هنا: (لكن ينبغي الإطلاق في النذر، و إن كان وقع منه في وقت الفريضة، أمّا لوقيّده في وقتها فإشكال، أقواه عدم الجواز بناءً على الحرمة) و لكن قد ناقض نفسه، فحكم بصحّة النذر مطلقاً في كتاب الصوم كما يأتي. ]قال هناک: لايجوز التطوّع بشيء لمن عليه صوم واجب على الأصحّ، قضاء كان أو غيره، من كفّارة و نحوها، بل الظاهر و إن كان غير متمكّن من أداء الواجب لسفر و نحوه، أمّا لو نذر التطوّع على الإطلاق أو أيّاماً مخصوصة لايمكن وقوع الواجب قبلها جاز، بل لو نذر أيّاماً مخصوصة لايمكن وقوعه قبلها على الأصحّ[.

  و الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، لأنّ النذر إن أمكن انعقاده و تغييره للوصف فلايضرّ التقييد، و إلّا فلا ينفع الإطلاق، لأنّ الطبيعة المنذورة حينئذٍ لها فردان: محلّل، و هو ما كان في غير وقت الفريضة، و محرّم، و هو ما كان فيه، فيجب الإتيان بالطبيعة في ضمن الأفراد السائغه خاصّة، إذ النذر لايجعل الحرام حلالاً، و ما ذكره من اشتراط المشروعيّة قبل النذر جارٍ في كلتا الصورتين.

و ما يقال وجهاً للفرق من أنّ متعلّق النذر في صورة التقييد هو الفرد، و هو مشروط بسبق الرجحان المفقود في صورة التقييد، فلا ينعقد النذر أصلاً، بخلاف صورة الإطلاق، إذ النذر فيها يتعلّق بالكلّي من غير لحاظ للأفراد، و هو راجح برجحان بعض أفراده، فينعقد النذر عليه، و بعد انعقاده يتساوي جميع الأفراد فيه، و تزول عن فرد المتطوّع فيه وصف التطوّع.

و لكنّه مغالطة يظهر فساده بالتأمّل في ما مرّ، لأنّه على تقدير عدم تغيّر العنوان في الفرد المحرّم بالنذر لايكاد يشمل ذلک الفرد أصلاً، فيتعيّن امتثال الأمر بالكلّي في الأفراد المحلّة، فالحال فيه كالحال في ما لو نذر تزويج ذوات الأرحام، فإنّ النذر لايكاد يشمل المحارم منهن أصلاً، و لايحصل الامتثال بالفرد المحرّم.

و لبيان ذلک، و تحقيق أنّ هذا التقييد هل هو عقلي، أو شرعّي؟ و تطبيق الحقّ منها على قواعد الصناعة محلّ آخر.

هذا، على أنّ لنا تأمّلاً في صحّة نذر الكلّي الّذي تختلف أفراده في الحلّيّة و الحرمة إذا لم ينضمّ إليه لحاظ آخر، و ليس قول القائل: «إنّ الكلّي راجح برجحان بعض أفراده» أولى من أن يقال: «إنّه مرجوح بمرجوحيّة بعض أفراده» و تحقيق ذلک لايناسب المقام.

و بالجملة، لافرق في المقام بين كون متعلّق النذر أو الأحكام كلّيّاً أو فرداً، و المقام يشبه مسألة نذر الإحرام قبل الميقات، و لكنّ الأمر هنا أشدّ إشكالاً، لأنّ العنوان المحرّم هناک هو ذات الإحرام قبل الميقات مع قطع النظر عن الطواري، فيمكن أن يتغيّر بعروض عنوان كونه منذوراً عليه مع قطع النظر عن أمر الشّارع بالوفاء به، و صيرورته راجحاً بمجرّد النذر، فيتعلّق به أمر الشارع بعده، بخلاف المقام، لأنّ المانع هنا وصف الاستحباب، و لايرتفع بنفس كونه منذوراً، بل يرتفع بإيجاب الشارع الوفاء به.

و بعبارةٍ اُخرى: إنّ تغيّر العنوان هناک بنفس النذر، و هو لايتوقّف على الرجحان، بل يتحقّق حتّى مع المرجوحيّة، و عنوان النذر يحدث فيه رجحاناً فيتعلّق به الأمر الشرعي، بخلاف المقام، لأنّ تغيّر العنوان و زوال المرجوحيّه لايكون إلّا بإيجاب الشارع الوفاء المتوقّف على الرجحان، فيلزم المحال.

و لهذا ذكر الشيخ ‌الأُستاذ ـ دام ‌ظلّه ـ في حاشية المقام أنّه لايتخلّص بذلک من الإشكال و إن أطلق النذر. مع أنّه قد صحّح نذر الإحرام ـ بما ذكرناه ـ في مجلس الدرس.

نعم، الأمر في المقام أسهل منه هناک من جهةٍ اُخرى، و هي كون المرجوحيّة هناک ـ بناءً على حرمته شرعاً ـ و عدم الرجحان فيه ـ بناءً على حرمته تشريعاً ـ ذاتىٌ، بخلاف المقام، إذ المفروض رجحان الصلاة ذاتاً مطلقاً، و كون المرجوحيّة ناشئة من انطباق عنوان الاستحباب عليه. و لكنّه لايجدي في دفع الإشكال الّذي كلامنا فيه.

هذا، و لنا في تصحيح نذر الإحرام بما عرفت نظر، و بيان وجهه على الإجمال أنّ رجحان موضوع النذر شرط في تحقّق عنوان النذر لا أنّه شرط تعبّدي مأخوذ في موضع النذر الّذي أوجب الشارع الوفاء به، إذ معنى اللّام في قول القائل:«للّه علىّ كذا» معناها في قوله: «لزيد على قضاء دينه و بناء داره» و هو الزام النفس بإتيان ما هو محبوب عنده، و لامعنى لقول القائل: «لزيد على أن اُشرب الماء أو أقضي دين من هو أجنبىّ عنه» إلّا أن يكون ممّا يعود بالأخرة إليه، كما في نذر العبادات مع تنزّه الباري ـ جلّت عظمته ـ عن وصول نفع منها إليه، بل يكون منافعها راجعة إلى العبد، و لكن لمّا كان انتفاع العباد و دركهم المصالح محبوباً عنده تعالى، مرضيّاً لديه أوجب تصحيح معنى اللّام هنا كما أوجب تشريع الأحكام.

و ما أشبهه من هذا الجهة بقول الطفل لأبيه الّذي يعرف أنّه لشدّة حبّه له يجب اتّصافه بالكمالات: «لک علىَّ أن أدخل الكتّاب و اُتقن الكتابة و الحساب» و هذا سرٌّ شريف يحتاج إلى زيادة بيان، و لكنّها توجب الخروج عن مقتضى المقام.

و بهذا يظهر أنّ اشتراط الرجحان في النذر ـ كما دلّت عليه الأخبار ـ مطابق لصحيح الاعتبار، كعدم اعتباره في متعلّق اليمين، و بيان ذلک كبيان عدم منافاة ما ذكرناه مع مرجوحيّة أصل النذر لايناسب المقام.

فعلى ما عرّفناک لايعقل تحقّق معنى النذر إلّا برجحان المتعلّق، و أمر الشارع بالوفاء به متعلّق بجميع ما هو نذر بالحمل الشائع، لا أنّ النذر له قسمان، تعلّق أمر الوفاء بقسم خاصّ منه و هو الراجح، كما هو مبنى الكلام المتقدّم.

على أنّ مثل ذلک يمكن فرضه في نذر النافلة أيضاً بأن يكون عنوان المنذور به باعثاً لإيجاد مصلحة في النافلة تزاحم مفسدة التطوّع قبل الفريضة، و تزيد عليها، فيجعله راجحاً قابلاً لتعلّق أمر الوفاء به، فلا وجه لتفصيل الشيخ ‌الأُستاذ ـ دام ظلّه ـ بين المقامين، إلّا أن يكون نظره إلى وجود الدليل الكاشف عن إيجاد النذر لمصلحة في متعلّقه، دون المقام.

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ هذه المسألة قد اشتهر الكلام فيها من بعد زمان الماتن، و قد تعرّض لها شيخنا الفقيه قدس سره في المصباح، و لم‌يتعرّض لهذا الإشكال، و لكنّه جعل إمكان تغيّر الوصف بالنذر أمراً مفروغاً عنه، و أطال الكلام في بيان شرطين:

أحدهما: ما عرفت، و هو أن لايستفاد من النهي المنع عمّا كانت نافلة بالذات.

و ثانيهما: ما ستعرفه من اشتراط تمكّن الناذر من إيقاعها في الوقت الّذي نذره فارغاً ذمّته عمّا يجب عليه من الفوائت. ]مصباح‌ الفقيه 9: 347 ـ 348[.

و الأمر في الشرطين معاً واضح لايحتاج إلى إطالة الكلام فيها من الجهة الّتي تعرّض لهما، و إن كان فيهما كلاماً من جهاتٍ اُخر تعرفها قريباً ـ إن شاء اللّه تعالى ـ و كان المتوقّع من مثله التنبّه للإشكال أوّلاً و حلّه إن أمكن ثانياً.

و قد تعرّض له الشيخ قدس سره في الرسالة، و أطال الكلام فيه ]كتاب ‌الصلاة للشيخ ‌الأعظم‌ الأنصاري 1: 125 ـ 128[ و قد وافق الماتن في التفصيل المتقدّم، و لكن كلامه في تصحيح النذر في صورة التعميم و في وجه الفرق بينه و بين صورة التقييد لايخلو عن إجمالٍ و لم ننقله لطوله، فليراجع من شاء.

و لأهل العصر وجوه في حلّ هذا الإشكال، كدعوى كفاية الرجحان الذاتي في متعلّق النذر، و ظاهر لدى المتأمّل أنّه لامعنى له أصلاً إن اقتصر فيه على هذا المقدار من البيان.

و كدعوى انصراف أدلّة اعتبار عدم المرجوحيّة في متعلّق النذر عن مثل هذه المرجوحيّة القابلة للزوال بالنذر.

و هذه مصادرة واضحة، إذ الإشكال في إمكان زوال هذه المرجوحيّة بالنذر، إلى غير ذلک ممّا هو فاسد قطعاً، أو لامعنى له أصلاً و إن أطال أصحابها في بيانها، و سعوا في تشييد بنيانها، و مع العلم بفسادها لاثمرة مهمّة في نقلها.

و قد سنح لنا وجه آخر لعلّ فيه الحلّ لهذا الإشكال، و الشفاء لهذا الداء العضال، فلنذكره غير مدّعين لخلوّه عن الفساد، و لا متعهّدين للجواب عن جميع ما يرد عليه من الإيراد، و نقول:

إنّ مرجوحيّة الموضوع إن كانت ذاتيّة أو للعوارض الطارية عليه من غير ناحية الحكم فلايعقل زوالها بالنذر ـ للبرهان المتقدّم ـ و إن كانت ناشئة من الحكم المتعلّق به فلا يعقل بقاؤها معه، و المقام من قبيل الثاني لما عرفت من ابتناء المسألة على ما قالوا من أنّ الظاهر من الأدلّة عدم مرجوحيّة ذات النافلة، بل المستفاد منها رجحانها مطلقاً، و كون المانع من الصحّة وصف الاستحباب، و أنّ النهي فيها كالنهي في قولهم: «لا صدقة لمن عليه دين واجب» أو «لا صدقة و ذى رحمٍ محتاج» لا من قبيل قولهم: «لا جماعة في النافلة» على أحد الوجهين بحيث يعلم أنّه لا مانع من صحّة الصلاة إلّا وصف الاستحباب مع اشتغال الذمّة بالواجب.

فالمقام يشبه باب التزاحم، بل هو من شؤونه، فكان الأهمّ يمنع عن إتيان ما هو دونه في تأكّد الطلب قبله، و على هذا فالصلاة راجحة من حيث هي، و من حيث جميع خصوصيّاتها الفرديّة، و لامانع منه إلّا حكم الشارع باستحبابه.

إذا ثبت هذا فنقول:

إنّ النذر لايتعلّق بالنافلة مع فرض استحبابه الّذي كان سبباً لمرجوحيّتهما، بل يتعلّق بموضوع الاستحباب، و هو النافلة الّتي لولا النذر لكان مستحبّاً، و لايعقل تعلّقه بالنافلة مع وصف الاستحباب، لتضادّ الأحكام، و لو فرض قصد الناذر ذلک لكان النذر باطلاً من أصله، لاستحالته، و حينئذٍ فلا قصور من ناحية الموضوع، و الاستحباب الّذي كان ينشأ منه المرجوحيّة مرتفع بنفس النذر، إذ لايعقل بقاؤه مع الوجوب، و لم يكن داخلاً في موضوع النذر ليتوقّف الموضوع على الحكم، و لايتوقّف الوجوب على زوال الاستحباب، لعدم توقّف وجود الضدّ على عدم ضدّه ـ كما تقرّر في محلّه ـ و إيجاب الشارع المستحبّات بالنذر يشبه النسخ، فلنفرضه للتوضيح نسخاً و نقول:

إنّ الشارع لو لاحظ رجحان أمر و حكم عليه بالاستحباب، و كان قد أمر بتأخير المستحبّات عن الواجبات ثمّ لاحظ ذلک الرجحان بعينه فنسخ الاستحباب و حكم عليه بالوجوب، فهل ترى الاستحباب الّذي اتّصف به الموضوع سابقاً مانعاً عن تقديمه على بقيّة الواجبات؟ أو ترى أنّ المرجوحيّة الّتي كان منشؤها الاستحباب مانعاً للشارع عن إيجابه قبل غيره؟ لعدم معقوليّة إيجاب الشارع للمرجوح.

و من هذا الباب ما لو فرض أنّ السلطان منع رعاياه عن المستحبّات، و هدّد فاعلها بالقتل، و أذن لهم في فعل الواجبات فقط، و لاإشكال حينئذٍ في حرمة جميع المستحبّات، لانطباق عنوان الضرر عليها، و لكن لمّا كان منشأ الضرر ـ أعنى المرجوحيّة ـ هو الاستحباب، و بالنذر يرتفع ذلک لا إشكال في صحّة النذر، و لايظنّ بأحد الالتزام بعدم انعقاده، و ليس الوجه إلّا ماعرفت من أنّ الموضوع هو متعلّق الاستحباب لا المستحبّ، و لمّا كانت المرجوحيّة ناشئة من الاستحباب، و هو غير قابل للبقاء مع الوجوب لايبقى مانع من صحّة النذر، و لهذا يصحّ لنا أن نقول: إنّ مورد النهى و النذر متغايران، و النذر لم يقع على موضوع منهىّ عنه أصلاً، و إنّ المرجوح ليس بمنذور، و المنذور لم يكن مرجوحاً أصلاً، فليتأمّل.

و بالجملة، موضوع النافلة يعرضه حكمان: الوجوب مع النذر، و الاستحباب بدونه، و قد دلّ الدليل على اشتراطها بفراغ الذمّة عن الواجب في صورة استحبابها خاصّة، و الاختلاف في الشرائط باختلاف الحكم غير عزيز.

و هذا ما سمح به الخاطر في حلّ هذا الإشكال، و بعد تحريره تأمّلنا كلام الشيخ قدس سره فوجدناه قابلاً للحمل عليه، فإن تمّ و سلّم من الفساد فسرورنا بحلّ الإشكال لايزيد على سرورنا بفهم كلام الشيخ و بيان مراده بعد ما استصعبه جماعة من أفاضل العصر، حتّى أنّ بعض العلماء تجاوز الحدّ و زعم أنّه لامعنى له أصلاً نعم، لانعرف وجهاً لتخصيصه بصورة الإطلاق، مع أنّ هذا الوجه لو تمّ لدلّ على صحّته حتّى في صورة التقييد.

هذا، و قد عرفت توقّف إمكان حلّ الإشكال على أن يستفاد من النهي عن التطوّع ما عرفت، و لقائل أن يمنع إمكانه أوّلاً بأنّ مرجوحيّة عنوان المستحبّ مطلقاً في بعض الأوقات غير معقول إلّا أن يرجع إلى وجود مفسدة في موضوعه في وقت خاصّ أو لمكلّف كذلک، و أن يمنع كون ذلک مفادّ الأدلّة ثانياً.

و الجواب عن الأوّل لايصعب على المتأمّل، و الثاني موكول إلى فهم الناظر بعد مراجعة الأدلّة.

هذا، و أمّا ما تقدّم نقله عن شيخنا الفقيه قدس سره من اشتراط تمكن الناذر من ايقاعها في الوقت الّذي نذره فارغاً ذمّته عمّا تجب عليه من الفوائت فالوجه فيه واضح من ممانعة فعليّة الأمربها عن النافلة الّتي فرض مزاحمتها لها.

و لكن لايخفى أنّ ذلک لايمنع من صحّة النذر بعد فرض قابليّة الموضوع الّذي عرفت أنّها مفروض المقام، و قد عرفت أنّ المقام يشبه باب التزاحم، بل هو من شؤونه، و قواعد الصناعة لاتأبى من صحّة نذر المهمّ حتّى مع مزاحمة الأهمّ، فيحصل الوفاء به في صورة ترک الأهمّ، و الحنث في صورة تركهما معاً، بل لايبعد وجوبه مطلقاً لو فرض صيرورته بالنذر أهمّ من كلا المتزاحمين، و التخيير بينهما مع فرض التساوي، و لايبعد في الصورتين إمكان نذر الّذي فرض أنّه الأهمّ مطلقاً، فيعود فيه الكلام.

و بالجملة، لامانع عن نذر كلّ عبادةٍ في وقت كلّ عبادةٍ إلّا أن يثبت عدم قابليّة الموضوع ـ كنذر الصوم في شهر رمضان ـ أو يمنع منه مانع آخر، و كذلک غير النذر، إلّا أن يدّعى لزوم الأمر الفعلي في النذر، و هو ممنوع.

و تحقيق المقام يحتاج إلى تأمّلٍ تامّ، و تتبّع مظانّه من كلمات الأصحاب، و ما ذكرناه أنموذج كافٍ في ما قصدنا بيانه هنا، واللّه العالم.

ثمّ إنّه لافرق بين النذر في ما عرفت و بين سائر الأسباب الموجبة للنوافل، كالعهد و اليمين، و أمر السيّد و الوالد، لاشتراط الجميع بعدم الحرمة.

و لايخفى أنّ الإشكال يختصّ بما هو تطوّع بالذات، فلا إشكال في الواجبات، و إن كان وجوبها بالعارض كالإجارة و نحوها، و في مثل الصلاة المعادة لمن اشتغلت ذمّته بالفوائت، و القضاء عن الميّت إذا لم يكن واجباً على القاضي وجهان لعلّ أقواهما الجواز.

و لا إشكال في جواز الرواتب اليوميّة في أوقات الفرائض أداء، و في جوازها قضاء، أو عدمها مطلقاً، أو التفصيل بين المماثلة و غيرها ـ فيجوز قضاء نافلة الظهر الفائتة في وقت نافلة الظهر، دون نافلة الصبح مثلاًـ أو التفصيل بين الوقت المشترک بينهما و بين غيره وجوه.

المبحث الثالث: في الأحكام

 

(إذا حصل للمكلّف) بعد دخول الوقت (أحد الأعذار المانعة من) أصل (التكليف بالصلاة كالجنون و الحيض و الإغماء، دون المانعة من تنجّز التكليف كالنسيان و نحوه و قد مضى من الوقت مقدار فعل تمام) أقلّ أفراد (صلاة المختار له) من غير جهة ضيق الوقت، لا المضطرّ إن كان مختاراً (بحسب حاله في ذلک الوقت من الحضر والسفر) و منه مواضع التخيير في وجه (و غيرهما) ممّا يختلف به مقدار زمان الصلاة (وجب عليه) إيقاع الصلاة في ذلک المقدار، و لم يجز له التأخير إن علم بطروّ العذر بعده، بل و لو ظنّ في وجه، و إن لم يعلم أو علم و لم يفعل فعليه (القضاء) إن استمرّ عدم العذر في جميع ذلک المقدار بلاخلاف و لا إشكال،.

و الوجه فيه واضح كالمراد من العبارة، و مع ذلک تكلّف بعض العلماء في تفسيرها، وصنع بها ما يوجب زقّة الناظر لحالها حيث جعل لفظ المختار صفةً للصلاة، و زعم أنّ معنى العبارة الصلاة الّتي اختارها الشارع له، و حكم عليها بالغلط في موضعين: أحدهما: ترک إدخال اللام على الصلاة الموصوفة، و ثانيهما: ترک التاء في الصفة.

و اعتذر عمّا صنعه بعذرين غير موجّهين: أحدهما: عدم الدليل على التقييد بصلاة المختار ـ و ستعرف ما فيه ـ و ثانيهما: أنّه مخالف لما في الجواهر. و لايخفى ما فيه على مَن راجعه، و كان الأولى ملاحظة عبارته في باب الحيض من هذا الكتاب الّتي هي صريحة في ما فسّرناها به. ]قال في الفصل الثامن (أحكام الحايض): لو حاضت بعد أن مضى من الوقت مقدار أقلّ أفراد ما عليها من الصلاة من الإتمام و القصر و لوفي موضع التخيير، و السرعة و البطؤ، و الصحّة و المرض و نحو ذلک، و مقدار ما هي مكلّفة به من الشرائط من وضوء أو غسل أو تيمّم و غيرذلک من باقي الشرائط و لم‌تكن قد حصلت وجب عليها القضاء[.

  و ما أوقع هذا الشارح في ما وقع فيه إلّا لفظ «له» بعد لفظ «المختار» الّذي أوجب سماجة العبارة، و تعقيدها من غير احتياج إليها، و لو تركه كما فعله في باب القضاء من هذا الكتاب لكان أحسن.

و بالجملة، مختار الماتن أنّه يجب القضاء على من مضى له من أوّل الوقت مقدار يصحّ أن يؤمر فيه بالصلاة الّتي كانت واجبة عليه لولاضيق الوقت بأن يسع فعل تمام تلک الصلاة مع تحصيل مقدّماتها الغير الحاصلة.

(و إلّا لم يجب عليه) مطلقاً (على الأصحّ من غير فرق) بين الأجزاء و الشرائط، و لا في الأجزاء (بين التمكّن من) الشطر (الأكثر) من الصلاة كالركعتين من المغرب (و عدمه) كما نقل عن المرتضى و غيره. ]مدارک الاحكام 3: 91 قال: و حكي عن ظاهر المرتضى و ابن‌بابويه و ابن‌الجنيد اعتبار خلوّ أوّل الوقت من العذر بمقدار أكثر الصلاة[.

و مستنده رواية أبي الورد ]وسائل ‌الشيعة 2: 360 الباب (48) من أبواب الحيض، ح 3[، و هي غير نقيّة السند، و غير واضحة الدلالة، محتملة لوجوهٍ كثيرة، و هي مع ذلک مختصّة بالحيض فلاتعمّ سائر الأعذار، و خلاف السيّد أيضاً محتمل للاختصاص بالحيض أيضاً كما قيل.

(و) لا في الشرائط (بين التمكّن من الطهارة خاصّة دون باقي الشرائط و عدمه) على الأصحّ أيضاً، و في قباله قولان متقابلان :

الأوّل : للفاضل في النهاية ـ على ما نقل ـ و هو كفاية مضىّ مقدار الصلاة دون الطهارة لإمكان تقديمها على الوقت إلّا للمستحاضة و المتيمّم. ]نهاية الإحكام 1: 317[.

و الماتن في كتابه نفى الريب عن ضعفه معلّلاً بأنّ الطهارة لكلّ صلاة موقّتة بوقتها، و لا يعارضه إمكان كونه قد تطهّر لغيرها. ]جواهر الكلام 3: 210[.

قلت: مثل هذا لايكاد يخفى على مثل الفاضل قدس سره، و الظاهر أنّ نظره إلى كفاية ذلک في صدق الفوت الّذي هو موضوع القضاء، و هو لايتوقّف على وجوب الأداء، و إنّما يتوقّف على إمكانه، و هو حاصل بما ذكره، و هو قوىّ جدّاً كما ستعرف.

و على هذا فإيراد الماتن بمعزل عن كلامه، نعم لاخصوصيّة للطهارة في ذلک، بل الساتر و نحوه كذلک، فلعلّه ذكر الطهارة من باب المثال، و لايحضرني كلامه.

و ظاهر كلام الشيخ قدس سره نسبة ذلک إليه في جميع الشرائط، و على هذا فلا تقابل بين هذا القول والقول الثاني و هو اعتبار الطهارة خاصّة دون غيرها من الشرائط الّتي تسقط حال الضرورة، ذهب إليه الفاضل‌الإصفهاني في المناهج‌السويّة ]«المناهج السوّية في شرح الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» للفاضل الهندي المولى بهاءالدين محمّد بن  تاج‌الدين حسن بن محمّد الإصفهاني خرج منه شرح كتاب الطهارة مزجاً… و كتاب ‌الصلاة فصلاً… و الزكاة و الخمس و الصوم  ختمه بالحج. الذريعة 22: 345[، ولعلّه ظاهر مَن اقتصر على ذكر الطهارة بين الشروط كالفاضلين و غيرهما.

و الوجه فيه ما في الكتاب المذكور و في كتاب‌ الطهارة للشيخ، و ملخّصه:

إنّ المفروض اختصاص تلک الشرائط بصورة التمكّن، و سقوطها للعذر الّذي من أفراده ضيق الوقت، و لهذا تجب الصلاة بدونها على من ارتفع عنه العذر آخر الوقت و لايتمكّن من الساتر و نحوه، و كذلک من علم أوّل الوقت بطروّ المانع له بعد زمان لايسع إلّا نفس الصلاة و الشرائط المطلقة، فإذا أخّرها و الحال هذه أثم و عليه القضاء، و لافرق بين ما لو علم بذلک أو فاجاه المانع غفلة، بل مفاجاته كاشفة عن كونه مأموراً في الواقع بالصلاة الخالية عنها، فيجب القضاء كما في سائر الموارد ]كتاب‌ الطهارة: 241[، انتهى.

و هذا الوجه قوىّ جدّاً، و لهذا قال الشيخ في حاشية المقام: «إنّ الأحوط القضاء مع كونه متطهّراً جامعاً للشرائط عند الزوال و طروّ العذر بعد مضىّ مقدار الفعل الواجب في حقّه، سواء كان صلاة المختار أو غيرها».

و قد خفي المراد من هذه الحاشية على جماعةٍ حتّى أنّ بعض الأعلام زعم اتّحادها معنىً مع عبارة المتن اولى، و لهذا تعجّب من تعبير الشيخ بالاحتياط مع كونه القدر المتيقّن من وجوب القضاء، و قد نشأ الإشكال من حملهم الشرائط المذكورة في كلامه على شرائط الصلاة، و هذا خطاء، بل مراده منها شرائط التكليف، والتقييد بكونه متطهّراً لما عرفت من خصوصيّة الطهارة بين الشرائط.

و في العبارة قصور كما لايخفى، و كان الأولى أن يلحق بآخرها «أو مضىّ ذلک المقدار مع مقدار الطهارة الواجبة في حقّه إن لم يكن متطهّراً» كما أنّه لو بدّل قوله «عند الزوال» بقوله «أوّل الوقت» لكان أحسن، و الأمر فيه سهل.

ثمّ إنّ الشيخ قدس سره اختار ما ذكره الماتن، و أورد على الوجه المذكور بوجهين:

أحدهما: أنّه لانسلّم تنجّز التكليف و حدوثه بمجرّد القدرة على الفعل الاضطراري، إنّما المسلّم كونها كافية في بقاء التكليف.

و ثانيهما: أنّه لايلزم من وجوب الفعل الخالي عن الشرائط الاختياريّة عليه إذا علم بطروّ المانع وجوب قضاء الصلاة عليه لو تركها، لأنّ الواجب مع فوت الفعل الاضطراري تدارک الفعل الاختياري الّذي فات من غير بدل، لاتدارک بدله الاضطراري الّذي أمر به فعلاً، فإذا فرض استناد فوت الاختياري إلى الحيض مع كون المفروض عدم وجوب تدارک ما فات لأجل الحيض فلا مقتض آخر للقضاء ]كتاب‌الطهارة: 242[، انتهى.

ومراده ممّا ذكره في الوجه الأوّل واضح، و إن كان فيه من المناقشة ما لايخفى على المتأمّل، و لهذا أمر بالتأمّل و لو تمّ هذا الوجه لزم أمران يصعب الالتزام بكلّ منهما:

الأوّل: عدم وجوب الأداء أيضاً مع العلم بطروّ المانع بعده.

و ثانيهما: عدم وجوب الأداء لو فرض عدم التمكّن من تلک الشرائط في جميع الوقت.

و أمّا المراد من الوجه الثاني فلايخلو عن خفاء، ولعلّ توضيحه أنّ هناک صلاتين: اختياريّة، و هي لاتقضى، لاستناد فوتها إلى الحيض، و اضطراريّة، و هي لاتقضى مطلقاً حتّى في سائر الموارد، مثلاً من كانت فريضته صلاة اضطراريّة فلم يصلّها إلى أن خرج الوقت يجب عليه القضاء، و المقضيّة هي الاختياريّة الفائتة.

و الفرق بين المقام و هذه الصورة هو ما عرفت من استناد الفوت في المقام إلى الحيض الّذي دلّ الدليل على عدم وجوب قضاء ما فات بسببه، بخلاف تلک الصورة.

هذا، و فيه مجال للتأمّل، و من المستبعد جدّاً وجوب الأداء و عدم وجوب القضاء، و قد أحسن الشيخ‌الأُستاذ ـ دام ‌ظلّه ـ حيث كتب على أوّل هذه الحاشية: «بل الأقوى».

ثمّ إنّ هذه الاحتياط يجري في ما لم يكن المكلّف متطهّراً، و لم يسع الوقت إلّا التيمّم و صلاة غير المختار، و قدنبّه الشيخ على ذلک في حاشيته على المسألة الآتية، و المقام أولى بذلک منه، لأنّه قد وردت في المسألة الآتية روايات يمكن أن يستفاد منها عدم وجوب القضاء إذا تمكّنت الحائض من الصلاة مع التيمّم آخر الوقت و لم تفعل، بخلاف المقام، و لهذا فصلّ بينهما في المناهج ‌السويّة فقال:

«ينبغي أن لايشترط إلّا اتّساع الوقت للصلاة و التيمم، إلّا أنّ النص عارض ذلک بالنسبة إلى آخر الوقت، و هي رواية عبيد بن زرارة، و رواية الحلبي الآتيتين، و أمّا أوّل الوقت فلم يرد فيه مايدلّ على ذلک، بل عموم الأخبار الآمرة بقضاء ما أدرک وقتها يقتضي القضاء و لو لم تدرک مقدار الطهارة المائيّة»، انتهى.

و لعلّ الشيخ اكتفى بما ذكره في الحاشية الآتية لمكان هذه الأولويّة، فتأمّل.

ثمّ إنّ كلامه قدس سره في كتاب الطهارة و كلام صاحب المناهج مقصوران على بيان حال الشروط، و لاخصوصيّة لها، فيجري الكلام في الأجزاء الّتي تسقط للعذر كالسورة و نحوها، و إطلاق عبارة الحاشية تشملها أيضاً.

هذا، و البحث عن الروايات الواردة في خصوص الحيض يطلب من محلّه من هذا الشرح و ما بقي من الكلام في هذه المسألة يأتي ـ إن شاء اللّه ـ في باب قضاء الصلاة عند تعرّض الماتن لها، لأنّ هذه المسألة أنسب بذلک الباب من باب المواقيت، و الّذي كان يناسب هذا الباب بيان حال الأداء، و قد تركه الماتن و كرّر حال القضاء في مواضع ثلاثة من هذا الكتاب، و التكلّم على حاشية الشيخ قدس سره ألجأنا إلى التعرّض لذلک، و إلّا فالمناسب ما عرفت.

هذا، و الحال في ارتفاع العذر في أثناء الوقت كالحال في ارتفاعه في أوّله.

(و لو ارتفع العذر) آخر الوقت (و قد أدرک مقدار ركعة كذلک) أى بحسب حاله تامّة الأجزاء و الشرائط (وجب) فعل الصلاة ـ لأنّ من أدرک ركعة من الوقت فقد أدرک الوقت كلّه ـ على المشهور، بل نقل عليه الاجماع.

و المستند فيه ما روي عن الأصبغ بن نباته عن أميرالمؤمنين علیه‌السلام قال: «من أدرک من الغداه ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامّة». ]وسائل‌ الشيعة 4: 217 الباب (30) من أبواب المواقيت، ح 2[.

و موثّق عمّار: «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة و قد جازت صلاته، و إن طلعت الشمس قبل أن يصلّى ركعة فليقطع الصلاة و لايصلّ حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». ]وسائل‌ الشيعة 4: 217 الباب (30) من أبواب المواقيت، ح 3[.

و ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله من أنّ «من أدرک ركعة ]من الصلاة [فقد أدرک الصلاة».

قلت: الرواية الأخيرة ليست من طريق أصحابنا ـ كما اعترف به الفاضل ]منتهى ‌المطلب 4: 108[ و غيره ـ نعم تكرّر نقلها في كتب العامّة، و قد رواها مسلم و البخاري بعدّة طرق جميعها عن أبي هريرة عنه صلی الله علیه و آله. ]صحيح مسلم 3: 104؛ صحيح‌ البخاري 1: 240[.

و دلالتها على المطلوب غير ظاهرة، إذ من المحتمل قريباً أن يكون المراد درک الجماعة بدرک ركعة مع الإمام، و في بعض طرقها التصريح بذلک مثل ما رواه مسلم بأسناده عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة: أنّ رسول ‌اللّه صلی الله علیه و آله قال: «من أدرک ركعة مع الإمام فقد أدرک الصلاة». ]صحيح مسلم 3: 104[.

و ما نقل عن الشيخ من أنّه ـ بعد نقل هذه الرواية في بعض كتبه ـ قال: «و قد روي مثلها عن أئمّتنا علیه‌السلام» ]قال في الخلاف: لما روي عن النبي صلی الله علیه و آله أنّه قال: من أدرک ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرک ركعة من العصر قبل أنتغرب الشمس فقد أدرک العصر. و كذلک روي عن أئمتنا. الخلاف 1: 271 ـ 272[ فالظاهر، بل المعلوم أنّه يريد بذلک الروايتين السابقتين، و هما مختصّتان بصلاة الصبح، فإثبات الحكم في جميع الصلوات كما ترى.

و الحال في هذه المسألة كالحال في سائر المسائل المشهورة الّتي لايتمّ الدليل عليها إلّا بالشهرة و الجبر بها.

بل الحكم في صلاة الغداة لايخلو أيضاً عن تأمّل، إذ الرواية الاُولى و إن كانت دلالتها لابأس بها لكن سندها ضعيف جدّاً، و الثانية و إن كان رواها سعد بن عبداللّه مسلسلاً بثقات الفطحيّة و لكنّ لاتدل إلّا على جواز الصلاة و صحّتها فقط، من غير تعرّض لكونها في الوقت أو في غيره، و الظاهر من ذيلها كونها مسوقة لبيان حكم الصلاة من حيث وقوع بعضها في الوقت المكروه، و التفصيل بين الركعة و ما دونها في القطع و عدمه لأجل ذلک، فهي أجنبيّة عن المقام، بل لاتدلّ على جواز الصلاة إذا علم بوقوع مازاد على الركعة بعد طلوع الشمس، فضلاً عن وجوبها الّذي هو المدّعى.

ثمّ إنّ ما تضمّنته هذه الروايات على ما فهموا منها يمكن أن يكون بتصرّف الشارع في الوقت، و جعله أوسع من الوقت الأصلي بمقدار يسع الباقي، و يمكن أن يكون باكتفائه بوقوع مقدار ركعة في الوقت عن وقوع الجميع فيه.

و سمعت من السيّد العلّامة الإمام محمّد الباقر حجّة الإسلام ]هو السيّد محمّد باقر المعروف بالحجّة ابن أبي القاسم بن الآغا حسن بن السيّد المجاهد الطباطبائي الحائري عالم فقيه و متكلّم بارع و أديب كامل. ولد في النجف الأشرف 8 شعبان (1273) وأخذ العلم عن الفطاحل و الحجج كوالده السيّد أبيالقاسم و الفاضل الأردكاني و الميرزا حبيب‌اللّه الرشتي و غيرهم و انتهت إليه الرياسة في كربلا كأعلام أسرته فكان هناک مرجعاً للقضاء و التدريس و الفتيا و غيرها و كان دائمالمذاكرة، دقيق النظر، خصيب الفكر، مشتغلاً بالعلم دائماً، مكبّاً على التدريس و التصنيف و التأليف. له… «الشهاب ‌الثاقب» أو«السهم ‌الثاقب» في ردّ ابن الآلوسي، مطبوع متداول و أراجيز و منظومات كثيرة منها «مصباح‌ الظلام في اصول‌الدين و علم الكلام» و هي منظومة بديعة حوت بيان اصول‌الدين و المذهب على طريقة الإماميّة بالبراهين الساطعة و الأدلّة القاطعه و أشار فيها إلى بطلان سائرالمذاهب و فسادها و ختمها بالنصائح و الأخلاق. طبعت في مطبعة العرفان بصيدا (1357)… توفّى في كربلا في الأحد (11) رجب (1331). نقباء البشر 1: 193 ـ 194[ تقريباً حسناً للوجه الثاني،

و هو أنّ المقام أحد أفراد قاعدة الميسور و لكن لمّا كان المقدار الميسور الّذي يكتفى به عن الكلّ مختلفاً باختلاف الأشياء، و ما يعرف المكلّفون جهات صلاحه يمكنهم معرفة الميسور منه دون ما ليس كذلک، و لمّا كانت الصلاة من قبيل الثاني بيّن الشارع بهذه الأخبار مقدار الميسور منها، و أنّ الركعة الواحدة الواقعة في الوقت تقوم بشطر صالح من مصالح الوقت، انتهى.

(و) من الظاهر أنّه على الوجه الأوّل (يكون مؤدّياً) لجميع الصلاة (لا قاضياً و لا ملفّقاً)، و على الثاني يمكن القول بكلّ من الأداء و التلفيق، بل القول بأنّ الباقي ليس بأداء و لا بقضاء، و التقريب في الأوّلين لايخفى على المتأمّل، و في الثالث أنّ الأداء و القضاء من قبيل تقابل العدم و الملكة، فلايتحقق إلّا في الموقّتات، و بعد رفع الشرطيّة في باقى الركعات لايكون أداء و لا قضاء.

و أمّا القول بكونه قضاء فلايمكن تخريجه على أحد الوجهين المتقدّمين، بل لا وجه له إلّا عدم العمل بهذه الأخبار، كما هو مقتضى دليله المنقول عنه، و هو أنّ خروج البعض يستلزم خروج الكلّ، فدعوى الإجماع على هذا الحكم حتّى من السيّد لايتمّ أبداً.

و دعوى الماتن في كتابه القطع بعدم جريان جميع أحكام القضاء عليه عدا النيّة عنده ]جواهر الكلام 7: 258[.

إن تمّت فلاينافي كونه قضاء، إذ من الممكن إيجاب القضاء فوراً، و لزوم تقديمه على سائر الفوائت، و نحو ذلک.

و من المحتمل القريب جدّاً أن يكون الوجه في كلام السيّد عدم اعتداده بالأخبار العامّة العاميّة، و كذلک الخبر الأوّل، لضعفه، و فهمه من موثق عمّار المعنى الّذي سبقت إليه الإشارة، مع قطع النظر عمّا ذكرناه أخيراً من عدم دلالته أيضاً على وجوب إيقاع الصلاة فيه، بل غاية ما دلّ عليه أنّه لو دخل في الصلاة ولو جاهلاً بضيق الوقت ثمّ صادف طلوع الشمس في الأثناء يلزمه القطع قبل إتمام الركعة، بخلاف ما بعده.

ثمّ إنّ المتيقّن من هذه الأخبار كونها في مقام الاكتفاء بالركعة الواحدة في مقام الإمتثال من المكلّف بالصلاة، لاكونها في مقام جعل التكليف لمن لم يكن مكلّفاً به، فيشكل إثبات وجوب الصلاة بها على الغلام الّذي يبلغ قبل آخر الوقت بمقدار ركعة واحدة، و الحائض الّتي تطهّر كذلک، إذ الأمر الاُولى بالصلاة لايشملهما قطعاً، لقبح التكليف بفعل لايسعه الوقت.

و هذه الأخبار لاظهور لها إلّا في الاكتفاء بالركعة الواحدة عن المكلّف بالصلاة في الوقت، و لايظهر منها جعل حكم ابتدائىّ، بل هي ناظرة إلى الوقت الأصلىّ، و بيان حكم من أدرک ركعة من وقته الّذي وجب عليه إيقاع الفعل فيه، لامن أدرک شيئا من وقت تكليف غيره.

و جعل الحكم على نحو يشمل الأمرين معاً و إن كان ممكناً لكن إثباته بهذه الأخبار لايخلو عن تأمّل.

و لأحد أعلام العصر ]الظاهر أنّه العلّامة الفقيه الميرزا محمّدتقى الشيرازي رحمه الله[ ـ أدام اللّه ظلّه و بقائه، و رزقنا التشرّف بلقائه ـ حاشية في مبحث صلاة الآيات على قول الماتن: «و يدرک وقت الفرض بإدراک ركعة» لعلّ الوجه فيها ما ذكرناه، و هي قوله: «إن كان ذلک بعد استقرار الوجوب بإدراک تمام الصلاة في الوقت مع تحقّق سائر شرائط الوجوب».

و إن كان الوجه فيه ما ذكرناه فكان من اللازم بيانه هنا و في مبحث الحيض، و الّتي رأينا من النسخ المزيّنة بغواليلئاليحواشيه خالية عن ذلک في المقامين، و الفرق بين المقام و صلاة الآيات لايحضرني الآن وجه له، و لعلّنا نعيد الكلام عليها في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

بقي في المقام شيء، و هو أنّ الظاهر منهم المصرّح في كلام بعضهم عدم جواز تأخير الصلاة اختياراً إلى بقاء مقدار الركعة، و الوجه فيه لايخلو عن خفاء، و لعلّهم استفادوا ذلک من التعبير بالادراک و نحو ذلک، فلابدّ من التأمّل و المراجعة.

هذا تمام الكلام في وجوب أداء الصلاة إن أدرک ركعة، و يجب القضاء بعدم الأداء فيه (و إلّا) ]أي إن لا[ يمكن الأداء لعدم سعة الوقت لا أصلاً و لاتنزيلاً (لم يجب) القضاء (على الأقوى).

و قد نفى عن ذلک الريب في كتابه من غير أن يبيّن له وجهاً إلّا مفهوم «من أدرک» ]جواهر الكلام 3: 215[ الّذي هو بعيد عن عدم القضاء بمراحل.

و قد ذكر في مبحث الحيض أنّ الأحوط لها قضاء الصبح إذا طهرت قبل طلوع الشمس مطلقاً. ]جواهر الكلام 3: 216[.

و مال المحقّق في المعتبر إلى وجوب الصلاة على الحائض بمجرّد تمكّنها من الطهارة و الشروع فيها، لظواهر عدّة من الأخبار المذكورة مع الكلام عليها في مبحث الحيض.

و مع قطع النظر عن جميع ذلک يشكل عدم القضاء بما ستعرف في بابه من أنّ موضوعه الفوت الّذي يصدق مع عدم التمكّن من الفعل أصلاً، فضلاً عن التمكّن من بعضه، و لايتخلّص من هذا الإشكال إلّا أن يتمّ ما تقدّم نقله عن الشيخ قدس سره من أنّ الفوت في المقام و أمثاله مستند إلى الأعذار الّتي دلّ الدليل على عدم القضاء إذا كان الفوت مستنداً إليها.

و قد ورد في الحائض الّتي تطهر آخر الوقت ما يستفاد منه عدم وجوب القضاء عليها إن لم يسع الوقت للطهارة و الصلاة ]وسائل‌الشيعة 2: 361 الباب الباب (49) من أبواب الحيض، ح 1[ و فيه كلام مذكور في محلّه، و على تقدير تماميّته فالتعدّي من الحيض الّذي هو مورد النص إلى غيره لايخلو عن إشكال، و تحقيق المقام محلّه مبحث القضاء واللّه أعلم.

(من غير فرق بين الفرائض) الصبح و غيره ـ كما عن النهاية ـ  ]قال في النهاية: و يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كلّ حال: النهاية و نكتها 1: 239[ (و لا بين الطهارة و غيرها من الشرائط) كما تقدّم في المسألة السابقة، سوى أنّ ما تقدّم عن الفاضل من عدم الاعتداد بمقدار الطهارة لايجري هنا، لعدم تمكّن سبقها هنا كما لايخفى.

و للشيخ قدس سره حاشية هي قوله: «لو أدرک الطهارة دون سائر الشرائط بل الطهارة الترابية فلا ينبغي ترک الاحتياط». و قد تقدّم الوجه فيها و أنّ المسألة السابقة أولى بالاحتياط في الطهارة الترابية.

(و المراد بالركعة في كلّ مقامٍ علّق الحكم عليها القيام المشتمل على القرائة و الركوع و السجود كمّلاً، فتنتهي حينئذٍ برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصحّ) و الكلام على هذه المسألة و بيان الأقوال فيها يأتي ـ إن شاء اللّه ـ في مبحث أحكام الخلل.

و للشيخ قدس سره حاشية في المقام، و هي قوله: «الاكتفاء هنا باتمام الذكر في السجدة الأخيرة لايخلو عن قوّة».

و فيها نكتة لطيفة، و هي أنّه قدس سره جعل الاكتفاء بما ذكره هو الأقوى في هذه المسألة خاصّة دون سائر الموارد، و لهذا ذكر في مسألة إحراز الاُوليين ما يرجع إلى الاحتياط بالجمع بين هذا القول و غيره.

و الوجه في الفرق أنّ الحكم في المقام معلّق على التمكّن من مقدار الركعة، و هو حاصل بالتمكّن من أقلّ أفراده الّذي يحصل باتمام الذكر و إن قلنا بأنّ الركعة باقية مالم يتحقّق رفع الرأس عنها، و الحكم هناک معلّق على تماميّتها، و لم يظهر عنده أنّ تماميّة الركعة هل تكون بتمام الذكر أو بغيره.

فمثال المقام ما لو قيل: «يجب المشي مثلاً لمن تمكّن منه» و لاإشكال في وجوبه بالتمكّن من أقلّ أفراده.

و مثال غيره ما لو قيل: «يحرم الكلام عند المشي» و لاإشكال في بقاء الحرمة ما بقي الفرد و لم يتمّ بقطع المشي، طال الفرد أو قصر.

و بهذا يظهر ما في كلام الماتن من تعميمه ما ذكره إلى كلّ مورد علّق الحكم فيه على تمام الركعة.

و لايجوز الصلاة قبل الوقت مطلقاً عند أصحابنا أجمع، و عند جمهور العامّة (و) لا الدخول فيها مع الشكّ فيه، بل (يعتبر العلم لغير ذوي الأعذار) الّذين لايمكنهم العلم (بالوقت) بغير التأخير (في الدخول بالصلاة) لايعلم فيه مخالف ـ كما في المدارک ـ ]مدارک الاحكام 3: 97[ و ربّما استظهر من الشيخين في المقنعة و النهاية الخلاف ]الحدائق الناظرة 6: 295[، و كلامهما غير صريح، بل و لاظاهر في ذلک.

نعم، ذهب إلى كفاية الظنّ لهم صاحب الحدائق ]راجع: الحدئق الناظرة 6: 296[ و استدلّ على ذلک بعد رواية ابن‌رياح الآتية بعدّة أخبار و اردة في الأذان، أكثرها بمعزل عن حجّيّة الأذان مطلقاً، بل هي واردة لبيان اُمور اُخر غير ناظرة إلى حجّيّته، و إن لم يحصل منه العلم كما لايخفى على من راجعها، و أحسنها رواية القسري، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه‌السلام: أخاف أن اُصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس قال: «إنّما ذلک على المؤذّنين». ]وسائل الشيعه 5: 379، ح 3[.

و هي على تقدير ظهورها مختصّة بالجمعة.

و على تقدير تسليم دلالة الجميع لايثبت بها إلّا حجّيّة الأذان خاصّة، فيكون حاله حال سائر الإمارات الشرعيّة كالبيّنة و نحوها، فكيف جاز له التعدّي إلى مطلق الظنّ و لو حصل بسبب آخر؟

على أنّها معارضة بما هو أصرح منها كخبر علي بن جعفر، عن أخيه علیه‌السلام: الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولايدري أطلع الفجر أم لا؟ غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع فقال: «لايجزيه حتّى يعلم أنّه طلع» ]وسائل ‌الشيعة 4: 280 الباب (58) من أبواب المواقيت، ح 4[ . إلى غير ذلک.

(و الأقوى الاكتفاء بالبيّنة) كسائر الموارد (بل و خبر العدل) الواحد، بل الثقة و إن لم يكن عدلاً كما كان يقوله بعض مشايخنا (لكن الأحوط خلافهما).

أمّا الأخير فالاحتياط فيه حسن، بل الأقوى عدم الاكتفاء به كما في حاشية الشيخ قدس سره و محلّ التفصيل في ذلک كتاب الطهارة.

و أمّا البيّنة فلا أدري ما الّذي دعاه إلى الاحتياط فيها بعد استقرار رأيه على حجّيّتها في سائر الموضوعات، و عدم اقتصاره على موارد النصّ فيها، و لا أعرف خصوصيّة في الوقت توجب الفرق بينه و بين غيره، إلّا أن يقال: إنّه ليس من الاُمور المحسوسة، فلاتكون الشهادة به حسّيّة، و فيه ما لايخفى.

و للسيّد الخال الأُستاذ ]هو العلّامة الفقية آية ‌اللّه السيّد اسماعيل الصدر رحمه الله[ ـ دام ظلّه ـ حاشية على حاشية الشيخ و هي قوله: «و الأحوط في العدلين». و فيها ـ مضافاً إلى ما عرفت ـ أنّ الاحتياط فيها مذكور في المتن، و تكرار ما في المتن خلاف عادتهم في الحواشي.

هذا، و في العناوين نسب عدم حجّيّة البيّنة في الوقت إلى شاذّ من الأصحاب ]العناوين2: 650[، و لكن لم يبيّن المخالف، و لا ذكر وجهاً لكلامه، و لعلّه فهم من الأخبار الناهية عن الصلاة قبل العلم بالوقت و الآمر بها بعد العلم أنّ العلم مأخوذ فيها على جهة الموضوعيّة، فليراجع.

(و لايكفي الأذان و إن كان من عدل عارف) لما عرفت من حال الأخبار التّي استدلّ بها على حجّيّته، و معارضتها بما هو أقوى منها و أصرح.

و لا أدري ما الّذي أعجب السيّد الأُستاذ ـ دام ظلّه‌ ـ منها حتّى كتب في الحاشية: «إنّ الاكتفاء بأذان العدل العارف لايخلو عن قوّة». على أنّ تلک الأخبار خالية عن القيدين الّذين ذكرهما، إلّا أن يستفاد الأوّل من قوله علیه‌السلام: «صـلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشدّ ]شيء[ مواظبة على الوقت» ]وسائل‌ الشيعة 5: 378 الباب (3) من أبواب الأذان و الإقامة، ح 1[ و نحوه، و يراد بالثاني الثقة في مذهبه.

ثمّ إنّ لازم مَن قال بحجّيّة الأذان القول بكفاية إخبار من يكتفى بأذانه، إذ الأذان إنّما يعتبر لكشفه عن اعتقاد المؤذّن بدخول الوقت، و إخباره بذلک أقوى في الدلالة قطعاً، و من المستعبد جدّاً أن لايعتمد على إخباره ولو تكرّر منه البيان، و حلف عليه بالغموس من الإيمان، و يعتمد عليه بمجرّد تلفّظه بالأذان.

و على هذا يمكن الفرق بين المقام و سائر الموارد بالقول باعتبار خبر العدل الواحد فيه دون غيرها، و هذا هو الوجه في ما يظهر من السيّد الأُستاذ من اعتباره هنا، لعدم إمضائه الحاشية المتقدّمة للشيخ قدس سره دون سائر الموارد، كثبوت الطهارة و النجاسة به.

و من هنا يتوجّه مؤاخذة على الماتن حيث قوّى اعتبار إخبار العدل، و أطلق القول بعدم اعتبار الأذان ولو كان عادلاً، مع أنّ لفظ الإخبار لاخصوصيّة له قطعاً، و المعتبر اللفظ الكاشف عن اعتقاده، و الأذان كذلک.

و يتوجّه مثله على شيخنا الفقيه قدس سره حيث إنّه يقول بحجّيّة قول العدل في مطلق الموضوعات، و نبّه على ذلک في حاشية هنا، و أمضى ما في المتن من عدم اعتبار الأذان مطلقاً، فليتأمّل.

و قد صرّح في المصباح بحجّيّة الأذان إن كان من الثقة ]مصباح ‌الفقيه 9: 370[، فكان عليه بيان ذلک في الحاشية.

ثمّ إنّه بناء على حجّيّة الأذان بأيّ وجه كان لابدّ أن يقيّد بما علم كونه أذان إعلام، أمّا الإخبار فاختصاص مواردها بذلک ظاهر، و أمّا حجّيّة إخبار الثقة فظاهر أنّ مع عدم إحراز ذلک لايعلم موضوع الإخبار، بل ينبغي على الثاني أن يقيّد بما إذا كان إخباره مستنداً إلى الحسّ و ما يقرب منه، فلا اعتبار به حال الغيم و نحوه ممّا يعلم أنّ إخباره ليس مستنداً إليه، إلّا أن يقال باعتباره من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فليتأمّل.

(و لاغيره من الأمارات. نعم، يكفي الظنّ من أينما حصل لذي العذر بعمى أو حبس أو نحوهما) من الأعذار الّتي تختصّ ببعض دون بعض (أو في الغيم و نحوه) من الأعذار الّتي تعمّ أهل البلد الواحد مثلاً.

و ما ذكره هو المشهور بين الأصحاب، لرواية سماعة قال: سألته عن الصلاة باللّيل و النهار إذا لم‌يرى الشمس والقمر و لاالنجوم؟ قال: «اجتهد رأيک و تعمّد القبلة ]جهدک[». ]وسائل ‌الشيعة 4: 308 الباب (6) من أبواب القبلة، ح 2[.

قالوا: و هذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة معاً.

و رواية أبيالصباح الكناني قال: سألت أبا عبداللّه علیه‌السلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ قال : «قد تمّ صومه و لايقضيه». ]وسائل ‌الشيعة 10: 123 الباب (51) من أبواب ما يمسک عنه الصائم و وقت الامساک، ح 4[.

قالوا: فإذا جاز التعويل على الظنّ في الإفطار جاز التعويل عليه في الصلاة، لعدم الفرق.

و طعن في المدارک في سندهما. ]مدارک الاحكام 3: 99[.

قلت: و دلالتهما أولى بالطعن، كما لايخفى على المتأمّل.

و صحيح زرارة قال: قال أبوجعفر علیه‌السلام: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإذا رأيته بعد ذلک و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومک، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً». ]وسائل ‌الشيعة 4: 178 الباب (16) من أبواب المواقيت، ح 17[.

و في المدارک المناقشة في دلالتها باحتمال أن يراد بمضىّ الصوم فساده. ]مدارک الاحكام 3: 99[.

قلت: الاستدلال بهذه الرواية عجيب، إذ ليس فيها ذكر للظنّ أصلاً، و لكنّ الإشكال عليه بما ذكر أعجب، إذ لاريب أنّ هذه العبارة و أمثالها من الكنايات المتعارفة عن الصحّة، كما في سائر الموارد.

و أحسن منه دلالةً صحيحته الآخر عنه علیه‌السلام: ثمّ إنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر، ثمّ أبصر الشمس بعد ذلک، قال: «ليس عليه قضاء». ]وسائل ‌الشيعة 10: 123 الباب (51) من أبواب ما يمسک عنه الصائم و وقت الامساک، ح 2[.

و استدلّ على ذلک أيضاً بما دلّ على الاعتماد على صياح الديک، بدعوى أنّه يحصل منه الظنّ، و قيّده بعضهم بما إذا عرف ذلک من عادته ]جواهر الكلام 7: 269[، أو لم يعرف منه خلافه.

و بروايةٍ طويلة مشتملة على صلاة الكاظم علیه‌السلام بإخبار الغلام في الحبس ]وسائل ‌الشيعة 4: 281 الباب (59) من أبواب المواقيت، ح 2[ و نحو ذلک ممّا لايحصل به الاطمئنان التامّ، و لذا قال الماتن:

(مع أنّ الأفضل و الأحوط التأخير حتّى يعلم) ما لم‌يؤدّ إلى خوف فوات الوقت.

ثمّ إنّ أكثر النصوص كما سمعت مختصّة بما إذا كانت علّة في السماء، و ليس فيها ما يدلّ على الجواز إذا كان العذر من قبيل الحبس و نحوه، إلّا الرواية الأخيرة، و هي سنداً و دلالة في الغاية القصوى من الضعف، فالإحتياط في الثاني أشدّ، بل عدم الجواز فيه لايخلو عن قوّة.

نعم، لابأس بإلحاق الموانع العامّة غير السماويّة بهما، كالدخان الّذي يعمّ جميع البلد، و نحوه كما في شرح البغية.

(و لو) قطع بدخول الوقت، أو ظنّ به ـ في مورد يعتبر الظنّ ـ فصلّى، ثمّ (انكشف له الخطاء حتّى بان له سبق الصلاة تماماً على الوقت استأنف)، و إن بان له تأخّره تماماً عنه صحّ و يكون قضاء ]تأمّل، منه[ و لو نوى الأداء، بناء على عدم منافات ذلک للصحّة، و يبطل بناء على منافاته لها، و قد مرّ بيان ذلک سابقاً.

(و إن كان قد انكشف له الخطأ و قد دخل عليه الوقت الّذي تصحّ فيه الصلاة المتلبّس بها و هو في أثنائها و لو) كان في حال (التسليم) بناء على كونه جزأ (لم يعد على الأقوى).

و الموصول الّذي في كلامه لاثمرة فيه إلّا توضيح واضح، و هو أن يكون الوقت الّذي دخل في أثناء الصلاة يكون وقت تلک الصلاة لاصلاة اُخرى. نعم، أورثت تشويش العبارة كماترى.

و ما ذكر هو المشهور بين الأصحاب خلافاً للسيّد المرتضى، و ابن‌الجنيد، و الفاضل في المختلف في أوّل كلامه ]مختلف الشيعة 2: 68[، و تبعهم غير واحدٍ من المتأخّرين.

و استدلّ الماتن على قول المشهور بقاعدة الإجزاء المستفادة من الأمر بالعمل بالظنّ، خرج منها الصورة الاُولى بالإجماع. ]جواهر الكلام 7: 276[.

و فيه ما لايخفى على أنّ الإجزاء لو قيل به أمر عقلي فكيف يقبل التخصيص كذا؟ فليتأمّل.

و أعجب من ذلک استدلاله بأصالة البرائة لو فرض ظهور الحال بعد الفراغ ]جواهر الكلام 7: 276[، مع أنّ المقام من أظهر موارد قاعدة الاشتغال، و مثل هذا لاينبغي أن يخفى على مثله.

و ينبغي أن يقال صوناً لكلامه: إنّ التمسّک بالأصل مبنىّ على الوجه الأوّل، فكأنّه يرى أن الأمر بالصلاة قد حصل امتثاله بامتثال الأمر الظاهري، و الشكّ إنّما هو في تجدّد أمر آخر، فالشبهة تكليفيّة، و هذا و إن كان فاسداً و لكنّه ليس في وضوح الفساد كالأوّل.

و بالجملة، لم نجد للمشهور ما يمكن الاستناد إليه إلّا خبر إسماعيل بن رباح عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّک في وقت ]و لم يدخل الوقت [و قد دخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنک». ]وسائل ‌الشيعة 4: 206 الباب (25) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و الحكم في المسألة كما قال في المعتبر يدور مدارها ]المعتبر 43: و فيه: ما ذكره في المبسوط أوجه بتقدير تسليم الرواية و ما ذكره المرتضى ارجح بتقدير إطراحها[، و دلالتها ظاهرة، و لكن تردّد الفاضل في المختلف في العمل بها لتردّده في حال إسماعيل. ]مختلف الشيعة 2: 69[.

قلت: لكن رواها الشيخان كلّ بطريق صحيح عن ابن أبي عمير ]وسائل‌الشيعة 4: 206 الباب (25) من أبواب المواقيت، ح 1[ و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و أنّه لايروي إلّا عن ثقة كما في العدّة ]العدّة في اصول الفقه 1: 154[، مضافاً إلى أنّ إسماعيل هذا مذكور في رجال ‌الشيخ في اصحاب الصادق علیه‌السلام ]رجال‌ الطوسي: 167[، و كلّ من فيه منهم فهو من كتاب ابن عقدة، و جميع من ذكره منهم ثقاة، كما بيّن المقدّمتين الأخيرتين شيخنا العلّامة المحدّث في خاتمة مستدرک ‌الوسائل بما لامزيد عليه ]مستدرک ‌الوسائل، الخاتمة 1: 61، الفائدة ‌الثامنة[ فليراجع من شاء.

فالسند في غاية القوّة، مضافاً إلى وجودها في الكتب الثلاثة، و عمل الأصحاب بها، و اعتناء ثقاة الرواية بروايتها، فلابأس بالعمل بها، إن شاء اللّه.

(و) لابدّ من العلم بدخول الوقت في أثناء الصلاة، فـ (الشكّ في الدخول، بل و الظنّ به) لم يقم دليل على حجّيّته (كالعلم بالعدم في وجوب الاستيناف) لعدم حصول العلم بالامتثال، و لكن يشكل ذلک في ما لو حدث الشک بعد الفراغ، إذ لامانع من إجراء قاعدة الفراغ، فليتأمّل.

و على ما ذهب إليه من حديث الإجزاء فالأمر أوضح.

(و متعمّد التقديم و لو جهل بالحكم) كما إذا لم يعلم كون الصلاة موقّتة، فتعمّد إيقاعها قبل الوقت (يستأنف) الصلاة قاصراً كان أو مقصّراً (على كلّ حال) وقع شيء منها في الوقت أم لا؟

و لو علم توقيت الصلاة و لكن أخطأ في الوقت كما لو قطع بأنّ وقت الفجر الصبح الأوّل فهل يجري فيه التفصيل السابق ـ فتصحّ لو وقع شيء منها في الوقت أم لا؟ ـ وجهان من شمول الرواية المتقدّمة، و انصرافها عن مثل هذه الصورة.

(و كذلک الناسي و الظانّ بدخول الوقت مع عدم اعتبار ظنّه) و علمه بعدم اعتباره يستأنف مطلقاً (أمّا لو كان قاطعاً فكالمعذور بظنّه في التفصيل السابق).

و ذلک لأنّ لفظ «نرى» في الرواية السابقة إمّا يراد منه خصوص القطع، أو الراجح الّذي هو أعمّ منه و من الظنّ، و الحكم ]تأمّل، منه[ على الأوّلين واضح، و كذا على الثالث، على أنّه أضعف

الثلاثة، إذ من المعلوم كونه بياناً لأخفى فردي الرجحان فيشمل القطع بالأولويّة، و من المستبعد جدّاً بطلان صلاة مَن حصل له القطع مِن إمارة كالأذان، و صحّة صلاة مَن حصل له الظنّ مِن تلک الإمارة بعينها.

و كذلک ما لو فرض حصول الظنّ لهما من إمارة واحدة، و عثر أحدهما على إمارات اُخرى أوجب انضمامها إلى الاُولى القطعَ، و الفـرق بين الموارد تحكمّ.

هذا، و لكن لو كان الدليل منحصراً في الإجزاء الّذي ذكره لكان مقتضاه عدم الصحّة في الفرض، لكونه من باب تخيّل الأمر.

و قد تنبّه لذلک في كتابه و استشكل في الحكم لذلک، و جعل عدم الصحّة مقتضى القاعدة، ثمّ فصّل بين المقام الّذي يمكن تحصيل اليقين فيه بالمشاهدة و نحوها ـ فاعتمد على قطعه الّذي يجوّز غيره الخطاء ـ و بين غيره ]جواهرالكلام 7:  277[، و ذكر في ذلک كلاماً لاينطبق على القواعد المقرّرة في هذا الأعصار، و يوهن الخطب احتماله قويّاً كفاية القطع مطلقاً في آخر كلامه ]جواهر الكلام 7: 278[ كما في هذا الكتاب.

(ولو دخل في الصلاة غافلاً عن المراعاة) أي ناسياً لمراعاة الوقت، كمن لم‌يخطر الوقت له بالبال حال الصلاة (و لم يتفطّن إلى الفراغ، و قد صادف تمام فعله الوقت صحّت صلاته على الأقوى).

و الوجه فيه ظاهر بعد ظهور كون الوقت و غيره توصّليّاً يكفي وجوده كيف ما أتّفق كسائر الشرائط من الساتر و غيره، إذا لم يقم دليل على اعتبار أمر زائد على وجوده من شرط الالتفات إليه و نحوه.

و لكنّ المنقول عن الذكرى البطلان، نظراً إلى عدم تحقّق الدخول الشرعىّ في الصلاة ]ذكرى الشيعة 2: 394[ و لذا قال الماتن: (و الأحوط الإعادة) و لكنّه احتياط ضعيف جدّاً، لضعف الدليل المذكور، بل للقول بصحّتها لو وقع بعضها في الوقت وجه ليس بالبعيد، كما نقل عن أبي الصلاح ]الكافي في الفقه: 138[ و ابن‌ البرّاج ]المهذّب 1: 72[ إلحاقاً له بصورة الظنّ بدخول الوقت، و لكنّ الاقتصار على النصّ يقتضى البطلان.

(و كذلک الجاهل بالحكم) في الحكم بصحّة صلاته مع احتياط الإعادة.

و قوله: (إذا كان بحيث تقع منه نيّة القربة) إن أراد به الجزم في النيّة فلايتصوّر إلّا في الجهل المنضمّ إلى الغفلة عن الحكم أو الموضوع، و إن أراد به قصدها ولو احتمالاً، و فعلها رجاء فذلک ممكن في الجاهل مطلقاً، فهذا القيد كأنّه مستدرک، فليلاحظ.

و المنسوب إلى المشهور بطلان صلاة الجاهل مطلقاً، و لكنّ الظاهر من كلماتهم أنّ ذلک ليس لخصوصيّة في الوقت، بل ذلک لحكمهم ببطلان عبادة من لايعرف أحكامها، فإطالة الكلام في ذلک هنا ـ كما صنعه جماعة ـ ممّا لاينبغي.

و الأقوى ما ذهب إليه المحقّق الأردبيلي ]مجمع الفائدة والبرهان 2: 54[ و تبعه جماعة ]مدارک‌ الأحكام 3: 102[ من صحّة عبادة الجاهل مطلقاً، كما ذكره الماتن.

(و لو تفطّن الغافل المزبور في الأثناء) و تبيّن مصادفة أوّلها الوقت صحّت صلاته، ولو تبيّن له سبق الصلاة على الوقت و كان الالتفات بعد دخول الوقت بطلت، بناء على عدم إلحاقه بمعتقد الوقت، و على القول بإلحاقه به فلصحّة الصلاة وجه قوىّ.

و لو كان الالتفات قبل دخول الوقت و لكنّه علم بأنّه يدخل الوقت و هو في الصلاة فوجهان ـ بناء على إلحاقه بمعتقد الوقت ـ أقواهما البطلان، و أمّا بناء على عدم الإلحاق به فالبطلان واضح.

(و) إن (لم يتبيّن له الوقت استأنف) أمّا بناء على عدم إلحاقه بمعتقد الوقت ـ كما هو الأقوى ـ فواضح، و أمّا بناء عليه فلما تقدّم في معتقد الوقت إذا التفت بعد الصلاة، ففي الأثناء بطريق أولى، لعدم جريان قاعدة الإجزاء، و احتمال اختصاص الخبر بما لو كان التفطّن بعد الفراغ (و) لذا كان (الأحوط له إتمام ما في يده) لاحتمال حرمة قطعها (ثمّ الإعادة).

و لكن هذا الاحتياط ضعيف جدّاً، و مع ذلک كتب عليه بعض المحشّين: «إنّه الأقوى» على سماجة في التعبير بالأقوى في مورد الاحتياط بالجمع، والمناسب للمقام الأمر بعدم ترک الاحتياط و نحوه.

هذا، و قد كان من حقّ هذه الفروع أن ترتّب ترتيباً حسناً يسهل على الناظر ضبطها، و لكنّ الماتن ذكرها كماترى، و التزامنا بالشرح أوجب متابعته، و لايصعب على المتأمّل إن أراد ذلک و استخراج أحكام ما لم نذكره من الفروع ممّا ذكرناه.

(و يجب الترتيب بين الظهر والعصر) فلا يقدّم العصر على الظهر، و إن كان في الوقت المشترک (و) بين (المغرب والعشاء) أيضاً.

و المراد أنّه يشترط في صحّة الاُخريين تقدّم الاُوليين عليهما، لا أنّه يشترط في صحّة الاُوليين تأخّر الاُخريين عنهما، و قد سبق عن بعض مشايخنا توهمّ ذلک، و هو بالمعنى الّذي ذكرناه شرط فيهما بالإجماع، بل الضرورة.

(فمن تركه عمداً و لو جهلاً بالحكم أعاد ما قدّمه) أمّا صورة العمد فواضحة، وكذلک صورة الجهل إذا لم يكن معذوراً بجهله بناء على إجراء أحكام العامد عليه.

و أمّا المعذور ففي وجوب الإعادة عليه إشكال بل منع، و ذلک لعدم كونه من الخمس الّذي تعاد به الصلاة، على أنّ إجراء جميع أحكام العامد على الجاهل المقصّر لايخلو عن منع، و تفصيل الكلام يطلب من محلّه.

(أمّا الساهي) أي الناسي ـ كما في الخبر ـ (فلايعيد) لعموم «لاتعاد» و لصحيح زرارة : «و إن كنت صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب». ]وسائل‌ الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و في صحيح صفوان ]كذا في كتب ‌الفقه و في سنده في الكتابين سهل بن‌زياد، يراجع، منه[ و قد سأله عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر: «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها». ]وسائل ‌الشيعة 4: 289  الباب (62) من أبواب المواقيت، ح 7[.

ثمّ إنّ القائلون بالإختصاص قيّدوا الحكم بما (إذا كان قد وقع في الوقت المشترک) و إن كانت النصوص مطلقة، و لكنّهم اعتذروا عن ذلک بأنّ نسيان الاُولى في أوّل الوقت لمّا كان مستبعد جدّاً أشكل حمل النصّ عليه.

و قد استدلّ القائلون بالاشتراک بإطلاق هذه الروايات، و الحقّ أنّ التقييد المذكور في الروايات على القول الأوّل تكلّف، و الاستدلال بالإطلاق على القول الثاني ضعيف جدّاً.

أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأنّ النصوص غير ناظرة إلى غير جهة الترتيب، و بيان صحّة الصلاة من تلک الجهة بعد فرض صحّة الصلاة من سائر الجهات، و ليس فيها تعرّض لوقت الاُخريين أصلاً، و لو أمكن التمسّک بالإطلاق لدلّت على صحّتها و لو وقعا قبل الوقت، و فساده واضح.

و بالجملة، إطلاق هذه النصوص لاتضرّ القائل بالاختصاص، و لاتفيد القائل بالاشتراک، و في الأخبار المستفيضة الدالّة على الاشتراک غنى عنه، كما مرّ نقلها و بيانها.

ثمّ إنّ هذه النصوص مختصّة بصورة النسيان فلاتشتمل غيرها من الأعذار، و ظاهر جماعة الحكم بسقوط الترتيب بغير ذلک، مثل ما ذكروه في من ظنّ ضيق الوقت إلّا عن العصر، فصلّاها ثمّ بان له سعة الوقت، فإنّهم حكموا بصحّة العصر و نقل الماتن في مسألة الإختصاص عن بعضهم عدم الإشكال في صحّة العصر فلعلّهم فهموا من هذه الأخبار مطلق العذر في تقديم الثانية على الأوّل، أو تمسّكوا في ذلک بحديث «لاتعاد»، بناء على عـدم إختصـاصه أيضاً بصورة النسيان، كمـا يأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ هذه النصوص معارضة بظاهرها مع الروايات الدالّة على وجوب العدول بعد الفراغ، إذ هي ظاهرة في أنّ ما وقع يكون ظهراً و الواجب هذه العصر بخلاف هذه، و ستعرف قريباً منّا ما يمكن رفع التعارض به.

(و لو ذكر في الأثناء) أنّه لم يصلّ السابقة (عدل بنيّته) إليها، بالنصّ و الإجماع و إن ورد ما يخالفه في خصوص العدول إلى المغرب عن العشاء، معلّلاً للفرق بينهما والظهرين بأنّ العصر ليس بعدها صلاة، والعشاء بعدها صلاة. ]وسائل‌ الشيعة 4: 293 الباب (63) من أبواب المواقيت، ح  5[.

و قد تكلّف كاشف اللثام في تأويله بما لايخفى على من راجعه ]راجع: كشف ‌اللثام 3: 85[، و لكنّ الترجيح للأوّل من وجوه.

(و إن كان ما وقع منه في وقت الاختصاص في وجه) و هو ما ذكره في كتابه من إطلاق الأدلّة، و لأنّها بالنيّة انكشف كونها ظهراً في وقت اختصاصه، لا أنّها عصر صارت من حين العدول ظهراً حتّى يشكل بأنّ الركعات الاُولى وقعت باطلة في الواقع بوقوعها في غير وقتها، فالعدول بها إلى الظهر غير مجد. ]جواهر الكلام 7: 317[.

(إلّا أنّ الأحوط إن لميكن الأقوى الإعادة بعد الإتمام) لما ذكره بعد كلامه المتقدّم من احتمال ذلک إستناداً إلى إطلاق الأدلّة المزبورة الّذي يكون الاستبعاد معه اجتهاداً في مقابلة النصّ ]جواهر الكلام 7: 317[، إلى آخر كلامه الّذي لايخلو عن خلل و إجمال.

و تحقيق المقام هو ما أشار إليه في أثناء كلامه السابق من دوران الحكم مدار معنى العدول و ما تؤول إليه الصلاة بعده، فإن كانت الّلاحقة تنقلب ظهراً مثلاً من أوّل الأمر، أو بالعدول ينكشف أنّ الواقع هو الظهر وإن نواها عصراً فالمتعيّن صحة الصلاة، و إلّا فالفساد، لعدم وقوع الماضى منها صحيحاً، و مع عدم إمكان استفادة أحد الأمرين من الدليل يرجع إلى الأصل، و هو يقتضي الفساد، لكون المقام ظاهراً من باب الشكّ في الامتثال.

و لا داعي لنا إلى تحقيق ذلک بعد وضوح الاشتراک عندنا، و على الماتن و من وافقه تحقيق ذلک، فإنّه نافع لهم في المقام و غيره، كما لو صلّى العصر قبل الوقت فدخل عليه وقت اختصاص الظهر قبل الفراغ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ الظهر فعدل إليها، و قد ذكر الماتن في كتابه أنّه أشدّ إشكالاً من المسألة السابقة ]جواهر الكلام 7: 317[ و ذكر في ذلک كلاماً على نحو كلامه السابق من الخلل و الإجمال، فليراجع كلامه من شاء.

(نعم، يصحّ له العدول) قبل الفراغ مطلقاً حتّى قبل التسليم لو قيل بأنّه جزء و لو مستحبّاً ـ كما قيل ـ و لكن (إذا لم يتجاوز محلّه) أي إذا لم يكن العدول (بأن يكون قد ركع في رابعة العشاء مثلاً و المنسىّ المغرب).

و عند بعضهم يتحقّق تجاوز المحل بزيادة الواجب مطلقاً، و يأتي تحقيق ذلک في مبحث القضاء إن شاء اللّه.

و لكن في صحيح زرارة: «و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة». ]وسائل ‌الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و في خبر آخر: «و إن كان صلّى العتمة وحدها فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلک». ]وسائل‌ الشيعة 4: 292 الباب (63) من أبواب المواقيت ح 2[.

و العدول أمر تعبّدي ـ كما ذكره الماتن في كتابه ـ و إمكان العدول إنّما وقع في عباراتهم و لا أثر له في النصوص كما ذكره هناک أيضاً ]جواهر الكلام 13: 108[ فليتأمّل.

 (و لاعدول بعد الفراغ في متساوى العدد فضلاً عن غيره) على المشهور، و لكن في صحيح زرارة عن أبي جعفر علیه‌السلام: «فإن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغک منها فأنوها الاُولى ثمّ صلّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع». ]وسائل ‌الشيعة 4: 291 الباب (63) من أبواب المواقيت، ح 1[.

و الرواية صريحة صحيحة، و تأويل الشيخ لها على القرب من الفراغ ]الخلاف 1: 386[، و الفاضل الإصفهاني على بعد الفراغ من النيّة ]كشف‌اللثام 3: 86[ في غاية الضعف.

و في خبر الحلبى: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاُولى حتّى صلّى العصر؟ قال: «فليجعل صلاته الّتي صلّى الاُولى ثمّ يستأنف العصر». ]وسائل ‌الشيعة 4: 292 الباب (63) من أبواب المواقيت، ح 4[.

و تأويله بالدخول في العصر أو حمله على أن يكون المصلّي ابتدأ بالظهر ثمّ نسي في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها أنّه نوى الظهر، ثمّ ذكر أنّه كان إبتدأ بالظهر فليجعلها الظهر، فإنّها على ما ابتدأ به ]جواهر الكلام 7: 318[ في غاية الضعف أيضاً.

و لا داعي إلى هذه التكلّفات بعد شبهة الإجماع سوى ما ذكروه من أنّ الصلاة على ما نويت لاتنقلب إلى غيرها بالنيّة بعد إكمالها، و لو لم‌تكن النصوص و الإجماع على إنقلابها في الأثناء لم نقل به ]جواهر الكلام 7: 318[، انتهى.

وفيه ما لايخفى، إذ لافرق في إمكان الإنقلاب و عدمه بين بعد الفراغ والأثناء، فإمّا يجوزان معاً، أو يستحيلان كذلک، و إن كان العدول مستحيلاً عقلاً فلايفيد النصّ و الإجماع، إذ هما لايجعلان المحال ممكناً، و إن كان ممكناً و لكنّه يحتاج إلى دليل.

فهذان الخبران لاقصور فيهما دلالة و سنداً، و الإجماع غير معلوم المخالف موجود في المسألة، و لكنّهم قالوا: إنّه نادر لايقدح خلافه. و هو كما ترى، و لهذا كتب السيّد الأُستاذ ـ دام ظلّه ـ في حاشية المقام: «إنّ الأقوى جوازه في متساوي العدد».

و الّذي يتعيّن القول به بحسب قواعد الصناعة لو لامخافة مخالفة الأصحاب أنّ من نسي السابقة ـ كالظهر مثلاً ـ و ذكر بعد الفراغ من الّلاحقة مخيّر بين أن يعدل بنيّته، فيجعل ما صلّاه بقصد العصر ظهراً ثمّ يصلّي أربعاً بقصد العصر بمقتضى هذه الأخبار، و بين أن يصلّي الظهر بعد العصر بمقتضى ما تقدّم من سقوط الترتيب.

و هذا و إن كنّا لم نجد مصرّحاً به و لكنّه لازم الحاشية المتقدّمة للسيّد الأُستاذ، مع موافقته القوم على سقوط الترتيب، و لعلّه لذلک عبّر الفاضل في المنتهى بجواز العدول. ]منتهى المطلب 7: 110[.

و هذا الوجه في كلامه أولى ممّا ذكره الماتن و غيره من أنّ المراد الوجوب، لأنّ العدول متى جاز وجب ]جواهرالكلام 27: 315 ـ 316[، بل يمكن أن يقال بمثل ذلک حتّى لو ذكر في الأثناء.

أمّا جواز العدول فلما تقدّم، و أمّا سقوط الترتيب فلما رواه شيخنا في مستدرک الوسائل عن كتاب النقض على من أظهر الخلاف على اهل‌البيت للحسين بن عبيداللّه الواسطي: عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: «من كان في صلاه ثمّ ذكر صلاة اُخرى فاتته أتمّ الّتي هو فيها ثمّ يقضي ما فاتته». ]مستدرک‌ الوسائل 3: 163 ـ 164، ح 5[.

و لكنّ القطع بالحكم بها على أنّها رواية مرسلة مشكل، على أنّ الظاهر اختصاص موردها بتذكّر ما فات وقته من الصلوات، فلايشمل المقام.

و أمّا قوله: (و كذلک الحكم في ما يجب فيه الترتيب من الفوائت، أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة فغير واجب، نعم هو جائز بل مستحبّ) فالكلام في جميع ما ذكره فيه يأتي في باب قضاء الصلوات إن شاء اللّه.

و كذلک الكلام على حاشية الشيخ قدس سره على قوله: «فغير واجب» و هي «في نفي الوجوب تأمّل فلاينبغي ترک الاحتياط».

و لكن لايخفى أنّ كلامه قدس سره و إن كان مطلقاً و لكنّ المراد خصوص العدول إلى الفائتة الواحدة، بل فوائت يوم ذكرها، لما ذكره في حاشية الآتية في المبحث المذكور.

(و الأفضل له صلاة كلّ فريضة في أوّل وقت فضيلتها) بل لاخلاف و لاإشكال، بل لايبعد القول بكراهة التأخير عن وقت الفضيلة، و قد ورد في النصوص المتواترة من الحثّ على ذلک حتّى قال جماعة بالوجوب.

و أمّا أفضليّة أوّل وقت الفضل عن آخره، فالدليل عليه ظواهر عدّة من الأخبار، مضافاً إلى عموم المسارعة إلى الخير، و صحيح الاعتبار.

(إلّا عصري الجمعة و عرفة، فيجعلهما بعد الظهر) لما سيأتي ـ إن شاء اللّه تعالى ـ في كتاب الحج (و عشائي مَن أفاض مِن عرفات، فيؤخّرهما إلى المزدلفة و لو إلى ربع الليل) بإجماع أهل العلم كما عن المنتهى. ]منتهى المطلب كتاب الحج 2: 723[.

(بل ولو إلى ثلثه) لصحيح ابن‌مسلم: «لاتصلّ المغرب حتّى تأتي جمعاً و إن ذهب ثلث الليل». ]وسائل ‌الشيعة 14: 12 الباب (5) من أبواب الوقوف بالمشعر، ح 1[.

 (ومن خشي الحرّ يؤخّر الظهر إلى المثل ليبرد بها).

اعلم أنّه قد روي من طرقنا و طرق الجمهور الإبراد بالظهر، فروى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللّه علیه‌السلام قال: «كان المؤذّن يأتي النبي صلی الله علیه و آله ]في الحرّ[ في صلاة الظهر فيقول ]له[ رسول‌اللّه صلی الله علیه و آله: أبرد أبرد». ]وسائل ‌الشيعة 4: 142 الباب (8) من أبواب المواقيت، ح 5[.

و في أكثر روايات العامّة: «أبردوا بالصلاة». ]كنز العمال 7: 377 ـ 378[.

و فسّره الصدوق و بعض العامّة بالإسراع و التعجيل، و لاينحصر الوجه في إرادة ذلک منه بدعوى كونه ماخوذاً من البريد كما هو المنقول عنه قدس سره ]قال الصدوق: يعني عجّل عجّل، واخذ ذلک من التبريد. الفقيه 1: 223 ح، 672[، و قد نقل ثقاة أهل الّلغة أنّ

العرب ينزلون للتغوير في شدّة الحرّ و يقيلون، فإذا زالت الشمس ثاروا إلى ركابهم، و نادى مناديهم: ألا قد أبردتم فاركبوا.

فقول الماتن: «إنّه يشهد بخلافه العرف و الّلغة و قرائن الأحوال و الأقوال» ]جواهر الكلام 7: 313[ ليس بمتّجه، نعم القرائن دالّة على خلافه كما ذكره.

و في روايات العامّة ما هو صريح في خلاف ذلک، ففيما رواه مسلم و البخاري بإسنادهما عن أبيذر: «أبرد أبرد» أو قال: «إنتظر إنتظر»، و فيه: «حتّى رأينا فيئ التُلُول» ]صحيح‌ البخارى 1: 225؛ صحيح ‌المسلم 3: 119[، و غير ذلک.

و الظاهر من الماتن و غيره أنّه مأخوذ من البرد أي ضدّ الحرّ، و فيه أنّه لايقال : «أبردته» إلّا في لغة رديّة ـ كما صرّح به الجوهري ـ ]صحاح اللغة 1: 445[ على أنّ تبريد الصلاة و لو تكلّف في تفسيره عبارة باردة جدّاً، على أنّ في غير واحد من طرقها «أبردوا بالصلاة» فلايناسب ما قالوه إلّا بتكلّف دعوى زيادة الباء.

و الظاهر عندي أنّه من قولهم:« أبرد الرجل» إذا دخل آخر النهار، و البردان كالأبردين هما الغداة و العشىّ، و منه ما رواه الصدوق: «من صلّى البردين دخل الجنة» ]وسائل ‌الشيعة 4: 238 / 13 و فيه: يعني بعد الغداة و بعد العصر[ أي الصبح و العصر، فيكون كقولهم: أصبح و أظهر.

فمعني الروايات الأمر بتأخيرها إلى وقت العصر، و تحديد الماتن ذلک بالمثل ]جواهر الكلام 7: 314[ مستفاد من بعض الروايات المشتملة على أمر زرارة بذلک، و هي غير صريحة في كون ذلک تفسيراً للإبراد، بل بعض القرائن تدلّ على تخصيص زرارة بذلک لبعض المصالح، ولهذا ما كان أجد من أصحابنا يفعل ذلک غيره و غير ابن‌بكير، و لعلّ بعد إرتفاع تلک المصلحة أمره بأن يصلّي في مواقيت أصحابه، فليلاحظ ذلک كلّه إن شاء اللّه.

و يؤيّد ما استفاده الماتن ما رواه العامّة من تأخيره صلی الله علیه و آله الصلاة حتّى ساوى الظلّ التُلُول. ]صحيح ‌البخارى 1: 257 كتاب‌الأذان[ ثمّ إنّ جماعة من الأصحاب قيّدوا ذلک بكون الصلاة في جماعة و في المسجد، و في شدّة الحرّ في البلاد الحارّة ]جواهر الكلام 7: 314[، و قيّده جماعة من العامّة بما إذا كانوا ينتابون مسجداً من بعد، و لايمشون في كن.

و في استفادة جميع ذلک من الروايات محلّ نظر، و إن كان بعضه لابأس به إن استفيد من النصوص أنّ الحكمة في الحكم التسهيل على المكلّفين، و لكنّ التعليل الوارد في روايات العامّة بأنّ ]شدّة[ الحرّ من فَيح جهنّم ]صحيح البخارى 1: 225 ـ 226؛ صحيح مسلم 3: 118 ـ 119[ يستفاد منه غير ذلک، فحينئذٍ لا وجه لهذه القيود ما عدا شدّة الحرّ.

ثمّ إنّه لاخلاف عندنا في عدم كون الأمر للوجوب، و هذا مذهب أكثر العامّة بل مِن اصحابنا مَن توقّف في أصل الحكم.

(و من لم يكن له إقبال) القلب (يؤخّر الفرض إلى حصوله) لأنّه روح الصلاة، بل جميع العبادات، و هو من أهمّ جهات الفضل.

و قوله: (لكن لاينبغي أن يتّخذ ذلک عادة) لعلّ المراد منه أنّه لو عرف من نفسه أنّ عدم الإقبال في وقت الفضيلة مستنداً إلى العادة و أنّه لو صلّى عدّة أيّام بلا إقبال حصل له ذلک في وقت الفضل دائماً أو غالباً، لزوال العادة الموجبة لعدمه، و هذا له وجه.

و إن كان المراد غير ذلک فهو في غير محلّه، إذ لا إشكال في ترجيح إقبال القلب على غيره و لو استلزم ترک جميع جهات الفضل في جميع العمر، بل لاينبغي أن يشكّ العارف بأسرار الشرع أنّ ركعة واحدة في وقت مكروه و مكان مكروه و نحو ذلک إن كانت مع حضور القلب خير من ألف ركعة بدونها و لو استجمعت سائر جهات الفضل.

(و من كان منتظراً للجماعة يؤخّرها إلى حصولها) إن لم‌ يتمكّن من جماعة اُخرى تساويها في جهات الفضل (إذا لم يقتض ذلک الإفراط في التأخير بحيث يكون مضيّعاً للصلاة).

و الوجه فيه تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الوقت، و تقديم كراهة التضييع على استحباب الجماعة.

(و الصائم الّذي تتوق نفسه إلى الإفطار يؤخّرها إلى ما بعده) إن كان بحيث يمنع من إقبال القلب على الصلاة، فهو حينئذٍ داخل في ما تقدّم من تأخير الصلاة إلى حصول الإقبال، و لاخصوصيّة للصائم، بل مثله من كانت له حاجة تشغل قلبه و نحوها.

و إن كان المراد مطلق التوقان فلا أعرف دليلاً عليه، بل ظواهر بعض الأخبار تدلّ على خلافه، بل تدلّ على التفصيل الّذي ذكرناه، و كان على الماتن أن يقيّده بما إذا لم يقتض التضييع كما صنعه في ما قبله.

(و كذا من كان له أحد ينتظره للإفطار) لغير واحد من النصوص.

(و المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر و المغرب) إلى آخر وقت فضلهما (إذا أرادت جمعهما مع العصر و العشاء بغسل واحد) كما ذكر مفصّلاً في مبحث الاستحاضة، و قال الماتن هنا:

«بل ربّما قيل بوجوب ذلک، لظاهر الأمر به في النصوص المحمول على إرادة الرخصة، و إلّا فلاريب في جواز غسلها في أوّل الوقت للظهر، ثمّ غسل آخر للعصر إذا أرادت فعلها في وقتها الفضيلي، بل منه و ممّا ذكرناه هناک أيضاً من عدم جواز إيقاعهما بغسل واحد مع التفريق يشكل الاستحباب المزبور حينئذٍ و إن ذكره غير واحد من الأصحاب، فلاحظ و تأمّل». ]جواهر الكلام 7: 312 ـ 313[.

قلت: لاخفاء في مراد من ذكر ذلک من الأصحاب، لأنّ المستحاضة تمكنها الصلاة بغسلين مع التفريق ـ كما ذكره ـ و بغسل واحد، و هو إمّا أن يكون بتأخير الظهر ـ كما ذكروه ـ و إمّا بتقديم العصر، فالصور المتصّورة لصلاتها حينئذٍ ثلاثة، و الأصحاب ذكروا أنّ الأفضل لها الصورة الثانية، و الدليل على ذلک هي الأخبار التّي اعترف بأنّ بعضهم حملها على الوجوب، و بعد تعذّر الحمل عليه ـ لما اعترف به أيضاً من معلوميّة صحّة صلاتها بغسلين ـ كان أقرب محاملها الاستحباب.

و مراد الماتن لايخلو عن خفاء، فكلامه بالتأمّل فيه لعلّ مراده ما احتمله بعض أفاضل العصر من أنّ الأوامر الواردة في ذلک في مورد توهّم وجوب الغسل لكل صلاة، فلا تفيد أزيد من الرخصه، و هو بعيد من سوق كلامه، أو يريد أنّ مع تمكّنها من فعل كلّ صلاة في أوّل وقتها لايكون التأخير أفضل أقسام صلاتها.

و فيه ـ مع أنّه يمكن أن يكون المراد أنّه أفضل صورتي الجمع لوقوع كلّ فرض في وقت فضلها و إن لم يكن في أوّله، بخلاف الصورة الاُخرى ـ أنّ النصّ مخصّص لعموم أفضليّة أوّل الوقت، و لااستبعاد بعد ملاحظة كثرة تغيّر الأحكام بتغيّر الطواري، و إمكان أن يكون ما يلزمه مِن العسر الّذي هو مناف لسهولة الشريعة رافعاً لحكم الاستحباب، كما في غير واحد من الموارد.

على أنّ ظاهر عناوينهم و إن كان يقتضي كون التأخير أفضل من التقديم، و لكن ملاحظة عدّة ما ذكروه من الموارد توجب القطع بأنّ المراد عدم تأكّد الاستحباب، و عدم كراهة التأخير، و هذا هو الظاهر حتّى من الماتن (و) لذا ذكر أنّ (المربيّة للصبيّ تؤخّر الظهرين إلى آخر الوقت لتجمعهما مع العشائين بغسل واحد للثوب) مع اتّحاد حالها في الجهات المذكورة مع المستحاضة، فلا وجه لتخصيصها المستحاضة بالإشكال، فليلاحظ.

(و يؤخّر ذوي الأعذار و لو) كان العذر عدم التمكّن من معرفة أوّل الوقت (لغيم ونحوه) خروجاً من شبهة الخلاف، و كون العلم بوقوع الصلاة في الوقت خيراً من الظنّ بوقوعها في أوّل الوقت.

كلّ ذلک (مع رجاء زوال العذر) و لو (في آخر الوقت، و مدافع الأخبثين) يؤخّر أيضاً، لأنّه بمنزلة من في ثيابه.

و كذلک كلّ من له عارض يمنعه من حضور القلب، و لعلّه المراد من قوله: (بل كلّ ممنوع بنحو ذلک) بقرينة كونه مأخوذاً من بيت الدرّة، و هو قوله:

و ينبغي التأخيرللمدافع

للأخبثين بل لكلّ مــانع

(والمتنفّل) بالنافلة المتقدّمة على الفرض (يؤخّر الفرض للنافلة) بل يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار كون أفضل وقت الفريضة بعد مضىّ مقدار النافلة و إن لم يصلّها، فليلاحظ.

(و المسافر المستوفر يؤخّر) إلى حصول الاطمينان له، و كذلک المسافر الّذي دخل عليه الوقت و هو في السفر، فإنّ الأفضل له أن يؤخّر الصلاة إلى أن يدخل فيتمّ إن لم يخف خروج الوقت كما في صحيح محمّد بن مسلم. ]وسائل ‌الشيعة 8: 515 الباب (21) من أبواب صلاة المسافر، ح 8[.

(و من كان عليه قضاء) لواجب (يؤخّر إلى حصول الضيق) و في هذا التعبير ما لايخفى و الأحسن ما عبّر به في الحدائق و غيره، و هو أنّ المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة يستحبّ له تأخير الأداء إلى حصول الضيق. ]الحدائق الناظرة 6: 327 و فيه: إلى آخر الوقت[.

(و لايجب التأخير في شيء من ذلک على الأصحّ) خلافاً لمن أوجبه في الأخير للقول بالمضايقة، و لمن أوجبه في ذوي الأعذار، كما في حاشية الشيخ قدس سره: من أنّ وجوب التأخير على ذوي الأعذار مع رجاء زوال العذر لايخلو عن قوّة. و محلّ الكلام في ذلک مبحث التيمّم.

و عليها حاشية للسيّد قدس سره و هي: تخصيص التأخير بغير الغيم و نحوه، و قد تقدّم وجهها.

و اعلم أنّ جميع الموارد المذكورة ليس فيها ما يكون الفضل في تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة أو عن أوّله بحيث يكون مخصّصاً لأفضليّتها ـ كما هو المدّعى في المقام ـ بل هي بين ما نقل كراهة التأخير فيه ـ كما سمعت في المستحاضة و مربيّة الطفل ـ و بين ما يرفع اليد عن فضيلة الوقت لمزاحمته مع ما هو أهمّ منه.

و ذلک الأهمّ قد يكون راجحاً آخر خارجاً عن الصلاة كالتأخير لقضاء حوائج المؤمنين، و الإصلاح بينهم و نحو ذلک، و قد يكون الأهمّ جهة اُخرى من جهات الفضل و هي أهمّ من فضلية الوقت، و ذلک كالتأخير إلى حصول الإقبال و نحوه، و مثل ذلک ممّا يصعب حصرها، لاختلاف الأهمّيّة بحسب الأفعال و حالات المكلّفين.

و المرجع في ذلک غالباً إلى المكلّف، فعليه أن يلاحظ جميع الجهات المتزاحمة و يعمل بالأرجح منها. نعم، بعض جهات الأهمّيّة ممّا لاسبيل للمكلّف إلى معرفتها إلّا ببيان الشارع، و لهذا ورد النصّ فيه كتأخير العشائين للمفيض من عرفات، و تعجيل عصري الجمعة و عرفة.

و بالجملة، ليس في جميع هذه الموارد مايكون فيه الفضل في غير وقت الفضيلة من حيث الوقتيّة، و بعبارة اُخرى: الوقت الأصلي للفضل غير مخصّص بهذه الموارد، بل المخصّص هو الوقت الفعلي في أكثرها.

نعم، أفضليّة أوّل الوقت مخصّص بمثل أوّل العشاء، إذ الأفضل تأخيرها عن سقوط الشفق، و العصر فإنّ الأفضل تأخيرها إلى المثل أو أربعة أقدام.

و لقد أحسن شارح البغية تحرير المقام، و أجاد ما شاء في التقسيم و بيان أحكام الأقسام، فليرجع من شاء إلى كتابه.

(و يكره الشروع في النوافل المبتدئة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند قيامها) للنصوص الكثيرة و في بعضها التعليل بأنّ الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال: إذا ذرّت، و إذا كبدت، و إذا غربت ]وسائل ‌الشيعة 4: 242 الباب (39) من أبواب المواقيت، ح 8[، و ورد التعليل في خصوص الأوّل و الثاني بأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان، و تغرب بين قرني شيطان. ]وسائل ‌الشيعة 4: 235  الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 1[.

(و بعد صلاة الصبح، و بعد صلاة العصر) للنصوص، منها: خبر معاوية بن عمّار : «لاصلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب، و لاصلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس». ]وسائل ‌الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 2[.

و مبدأ الكراهة في الأوّل طلوع أوّل جزء من القرص، و آخره استكمال القرص الطلوع ـ كما هو متقضى المرسل المروىّ في المجازات‌النبويّة ـ  ]مستدرک‌ الوسائل 3: 146، ح 2[ أو ارتفاعها ـ كما في خبر العلل‌ ـ ]وسائل ‌الشيعة 4: 237 الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 9 [أو ذهاب الحمرة ـ كما في المقنعة ]المقنعه: 212 و فيه: و من حضر بعض المشاهد عند طلوع الشمس و غروبها فليزر و يؤخّر صلاة الزيارة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها و صفرتها عند غروبها[ و بعض كتب الفروع ـ أو انبساطها، كما في رواية التلّعكبري المنقوله في البحار ]بحارالانوار 91: 237[ ـ و لعلّه راجع إلى ما في المرسل و كذا ما في بعض الكتب من التعبير بقوّة سلطان الشمس ـ ]جواهر الكلام 7: 285[ و مقتضى الكلام المنقول عن السيّد أنّ حدّ ذلک الزوال ]جواهر الكلام 7: 287[ و حينئذٍ تتّصل الكراهتان بل يجتمعان عند تكبّد الشمس، و يمكن حمل الاختلاف على اختلاف مراتب الكراهة.

و مبدأ الثاني غروب أوّل جزء من الشمس ـ كما هو مقتضي المرسل ـ أو ميلها إلى الغروب، أو اصفرارها، أو هما متّحدان، و لعلّه المراد بتضيّفها كما في رواية عامية. ]جواهر الكلام 7: 285[.

و آخرها استكمال الغروب، أو ذهاب الشفق الشرقىّ ـ كما قيل ـ و هو مبنىّ على القول بتحديد الغروب به.

و لاحدّ معيّن لمبدأ الثالث، فالمرجع فيه الصدق العرفي لكون الشمس وسط السماء و نحو ذلک، و لعلّ حدّه الركود الوارد في عدّة من الأخبار.

و يحتمل ضعيفاً أن يكون أوّله وصول الشمس إلى دائرة الزوال و آخره زوالها كما في النصّ.

و أمّا الأخيران فأوّلهما ما ذكره الماتن، و آخر الأوّل طلوع الشمس، و آخر الأخير فعل صلاة المغرب كما في الخبر: «لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب و لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس. ]وسائل‌ الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 2[.

فعلى هذا تتّصل الكراهتان في الغداة لمن فرغ من صلاتها قبل طلوع الشمس، و تنتفي الرابعة لمن لم يصلّ الفجر أصلاً، أو صادف فراغه طلوعها، و تجتمع الكراهتان لمن صلّى العصر و فرغ منها قبل الغروب، فتشتدّ الكراهة لاجتماع السببين، ثمّ بالغروب تنتفي الثانية و تبقي الخامسة إلى أن يصلّى المغرب، فالأخيران يختلفان مقداراً بحسب اختلاف أفعال المكلّفين، بل قد ينتفيان كذلک ـ كما عرفت ـ بخلاف الثلاثة الاُول.

و لاوجه لإرجاع الأخيرين إلى الثلاثة الاُول بعد الاختلاف في التحديد و السبب، بل اختلافهما بحسب النوع، لأنّ في الثلاثة الاُول الكراهة ناشئة من الزمان، بخلاف الأخيرين، لماعرفت من المقدّمات السابقة.

بقي الكلام على اُمور:

أوّلها : يستدلّ على الماتن ما استدركه على متن كتابه ]و هو شرائع الاسلام للمحقق الحلّى الّذي كتاب جواهرالكلام للماتن و هو الشيخ محمدحسن النجفى شرح له[ من عدم استثناء يوم الجمعة من الثالث مع كونه من المجمع عليه في الجملة.

و لايمكن أن يعتذر عنه بمثل ما إعتذر عن ماتنه ]و هو المحقق الحلّى صاحب الشرائع[ من أنّ تفصيل الكلام في الجمعة مؤخّر في محلّه ]جواهر الكلام 7: 291[، إذ الماتن لم يتعرّض لأحكام الجمعة في هذا الكتاب أصلاً. نعم لعلّه قد اكتفى بما ذكره في هذا المبحث عند التعرّض لمواقيت النوافل.

ثمّ ظاهر الأكثر استثناء مطلق النوافل، و بعضهم خصّه بنوافل الجمعة، و بعضهم بخصوص الركعتين منها.

و لاوجه للأخيرين بعد إطلاق صحيح ابن‌ سنان: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» ]وسائل ‌الشيعة 7: 317 الباب (8) من أبواب صلاة الجمعة و آدابها، ح 6[، و لاينحصر الدليل في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه علیه‌السلام: سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة، قبل الأذان أو بعده؟ قال: «قبل الأذان». ]وسائل ‌الشيعة 7: 322 الباب (11) من أبواب صلاة الجمعة و آدابها، ح 2[.

فما في جامع المقاصد من أنّ الّذي يقتضيه النظر أنّ النصّ إن إقتضى حصر الجواز في ركعتين اقتصر عليهما، و إلّا فلا ]جامع المقاصد 2: 35[، انتهى.

لايخفى ما فيه بعد إطلاق الصحيح المتقدّم، إلّا أن يمنع الإطلاق بعدم كونه في مقام البيان و فيه بُعدٌ.

و يمكن أن يكون المقام من قبيل التخصّص، لا التخصيص، بأن يقال: إنّ وقت الكراهة ركود الشمس ـ كما تقدّم ـ و لا ركود يوم الجمعة، كما في عدّة من الأخبار.

هذا، و في المقام غفلة واضحة للماتن في كتابه ]جواهر الكلام 7: 290[ و هي عدّه من الأخبار الدالّة على استثناء يوم الجمعة ما ورد في صلاة جعفر من أنّ «أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثمّ في أيّ الأيّام شئت، و أيّ وقت صلّيتها من ليل أونهار فهو جايز». ]وسائل‌ الشيعة 8: 56 الباب (4) من أبواب صلاة جعفر، ح 1[.

إذ صدر النهار أوّله، و الكلام في وسط النهار و إن كان الاستدلال بآخر الرواية فهو فاسد، إذ حاله حال سائر الإطلاقات الواردة في غيرها من أقسام الصلوات الّتي يجب تقييدها بما دّل على كراهة هذا الوقت.

ثانيها : أنّ المشهور ـ كما عرفت ـ كراهة الصلاة في جميع هذه الاُوقات.

و في المقام قولان آخران:

أحدهما : ]حرمة[ التنفّل بعد طلوع الشمس إلى الزوال إلّا يوم الجمعة، و نقل عنه ]المراد منه السيّد المرتضى، و في العبارة سقط[.

الحرمة في جميع الثلاثة الاُول ]جواهر الكلام 7: 287[ و هو في غاية الضعف.

و القول الآخر: عدم الكراهة في الثلاثة الاُول. نقل عن الصدوق، و مال إليه بعض المتأخّرين ]جواهر الكلام 7: 288[ نظراً إلى حمل روايات الكراهة على التقيّة، و فيه ما مرّ مراراً من ضعف هذا الحمل، و اشتراطه بأمور مفقودة في المقام.

و استدلّ عليه ]جواهر الكلام 7: 288[ بالتوقيع المروىّ عن العمري: «و أمّا ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس: إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان شيء مثل الصلاة، فصلّها و ارغم أنف الشيطان». ]وسائل ‌الشيعة4: 236 الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 8 و فيه: فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة[ و لكنّها كما ترى لاتعارض الروايات المستفيضة الّتي عمل بها جمهور الأصحاب، على أنّ خلاف الصدوق و من وافقه كالتوقيع مختصّ بالثلاثة الاُول، بل الاُوليين.

فما في حاشية السيّد الأُستاذ ـ دام ظلّه ـ من أنّ «في الحكم بالكراهة في المواضع المذكورة إشكال، بل الأقوى عدمها» لا أعرف للتعميم المذكور وجهاً إلّا أن يكون استفاد التقيّة من جميع الأخبار الواردة في جميع الخمس، أو أنّ المراد عدم الكراهة المصطلحة، و فيه بُعدٌ.

و قد وقع في المقام خطأ واضح لجماعة أوّلهم في ما أعلم كاشف الّلثام حيث قالوا: «إنّ المفيد بالغ في إنكار هذه الأخبار على العامّة في كتابه المسمّى بكتاب إفعل ولاتفعل» ]كشف اللثام 3: 90 ـ 91 و لكن ليس فيه ذكر للكتاب المزبور، و سبقه إلى ذلک النسبة السيّد محمّد صاحب المدارک في كتابه. مدارک الأحكام 3: 109[، و الكتاب المذكور ليس للمفيد، بل هو لأبي جعفر محمّد بن عليّ ابن‌النعمان المعروف بمؤمن الطاق، و السبب في هذا الخطأ اشتراک اسمهما وجدّهما، واللّه العاصم.

ثالثها: لابأس بقضاء الفرائض فيها، لعدّة من النصوص، فبها تقيّد إطلاق أدلّة المنع.

و ما يقال من أنّ تلک الأخبار لاتدلّ إلّا على الجواز، فلا تنافي الكراهة فجوابه أنّ تلک الأخبار ـ كما لايخفى على من راجعها ـ ناظرة إلى أخبار الكراهة، فهي حاكمة عليها، و لكن في الأخبار ما يدلّ على الكراهة أيضاً كالرواية السابقة في إخبار العدول، و المتقدّمة في قاعدة الإدراک، و الأرجح طرحها لمعارضتها بما هو أقوى منها من وجوه، فتأمّل.

و كذلک قضاء النوافل أيضاً للتصريح به في غير واحد من النصوص، و فيه: «إنّه من سرّ آل محمّد المخزون». ]وسائل ‌الشيعة 4: 244 الباب (39) من أبواب المواقيت، ح 14[.

و عن النهاية كراهة النوافل أداء و قضاء عند الطلوع و الغروب ]النهاية و نكتها 1: 282[، فليتأمّل.

و المشهور اختصاص الحكم بالمبتدأة (دون ذوات الأسباب كالزيارة و الطواف و الحاجة و نحوها) ممّا يحدث الأمر بها بحدوث أمر اختياري ـ كالزيارة ـ أو غير اختياري ـ كالحاجة ـ فصلاة جعفر ليس منها، كما احتمله الماتن مستنداً إلى عبارة مجملة لبعضهم، و هي: أنّه ما اختصّ بوضع من الشارع لا ما يفعله المكلّف من النافلة. ]جواهر الكلام 7: 290 ـ 291[.

هذا، و الحكم بالجواز في غير ما دلّ عليه النصّ بالخصوص لايخلو عن إشكال.

و استدلّ الماتن في كتابه على عموم الحكم فيها بوجوه أقواها إطلاق ما دلّ على شرعيّة ذوات الأسباب، و اعترف بأنّ التعارض بينه و بين دليل الكراهة من وجه، و لكنّه رجّح الأوّل بأمورٍ ضعيفة كالأصل و ما دلّ على رجحان أصل الصلاة، و نحو ذلک. ]جواهر الكلام 7: 293[.

(و) يختصّ الحكم بالابتداء في الصلاة (دون إتمام المبتدأة لو كان متلبّساً بها و دخل وقت الكراهة) و لكن قد مرّ في قاعدة الإدراک خبر عمّار في التفصيل بين الركعة و ما دونها، و صريحه الحكم بالقطع إن أدرک أقلّ من ركعة، و يحتمل التفصيل بين الفراغ من جميع السجدات اللازمة في تلک الصلاة و بين غيره، فيتمّ في الأوّل، و يقطع في الثاني، لما يظهر من بعض أخبار الباب من أنّ العلّة في كراهة الصلاة اشتمالها على الركوع و السجود. ]وسائل‌ الشيعة 4: 235 الباب (38) من أبواب المواقيت، ح 4[.

و قد ورد التعليل في عدم كراهة صلاة الأموات بذلک ]وسائل ‌الشيعة 3: 108 الباب (20) من أبواب صلاة الجنازة، ح 2[ و في رواية عمّار: النهي عن سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها ]وسائل ‌الشيعة 8: 251 الباب (32) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2[ . و يمكن أن يستفاد من مجموع ذلک كراهة السجود عند الطلوع و الغروب مطلقاً، واللّه أعلم. ]انتهى ما في النسخة الوحيدة للكتاب[.

دیدگاه‌ خود را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

اسکرول به بالا