- شرح مناجات خمسة عشر
مؤلف: فقيه ذوفنون آيتالله ملّا حبيبالله شريف كاشانی قدس سره
تصحيح و تحقيق: قاسم تركی
مقدمه
بار خدايا تو را سپاس میگوئيم از زمانی كه ما را خلق فرمودی مُهر عبوديت و بندگی و فقر نسبت به ذات اقدست را با دو دست رحمانيت و رحيميّتت بر هستی ما نقش فرمودی، «خمّرت طينة آدم بِيَدَی» ]عوالی اللئالی، ج 4، ص 98، حديث 138.[ و هدف از آفرينشمان را رسيدن به اين معرفت و عبوديت رقم زدی (وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). ]سوره مبارکه ذاريات، آيه 56.[. امّا بندگانت بدون مدد و عنايت كريمانهات چگونه میتوانند طی اين مسير كنند كه راهی است بعيد و طولانی و دريايی است ژرف و صراطی است حسّاس و دقيق؟ در روايت است: «يابن آدم، أكثر من الزاد إلی طريق بعيد، وخَفّف الحمل فالصراط دقيقٌ، و أخلص العمل فإنّ الناقد بصير». ]جواهر السنية، ص 162.[
و اگر راه وصال انسان را طولانی خواندی چون میدانستی كه او كفور و ناسپاس است (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) ]سوره مبارکه عاديات، آيه 6.[ وگرنه ذات مقدست از ما به ما نزديکتر است (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ) ]سوره مبارکه انفال، آيه 24.[ (وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ]سوره مبارکه ق، آيه 16.[ به هر حال حبّ و ذاتت بر كفران بندگان پرده پوشيد و عزّ ربوبيّتت آنها را مخاطب ساخت و به بارگاه انس و مناجات با حضرتت دعوت نمود (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ]سوره مبارکه غافر، آيه 60.[ و اين دعا و خواندن را عبادت ناميدی كه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِی سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ]همان.[
حضرت باقر العلوم عليهالسلام میفرمايند: منظور از عبادت در اينجا دعاست و همانا بالاترين عبادتها دعا كردن میباشد. ]الکافی، ج 2، ص 467، باب فضل الدعاء و الحث عليه، حديث 7.[
و حضرت سجاد عليهالسلام در صحيفه سجاديه میفرمايند: خداوندا دعای به درگاهت را عبادت ناميدی و ترک آن را مصداق استكبار شمردی و بر ترک دعا و عبادت وعده وارد كردن ذليلانه در جهنّم را فرمودی.
و بی توجهیات را مشمول حال انسانهايی قرار دادی كه از حقيقت دعا غافل و بیخبرند (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّی لَوْ لاَ دُعَاؤُكُمْ) ]سوره مبارکه فرقان، آيه 77.[، بلكه حقيقت و مغز عبادت را در لسان اوليائت «دعا» معرفی كردی «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» ]وسائل الشيعة، ج 7، ص 27، باب استصحاب الاکثار من الدعاء، حديث 9.[ چرا كه دعا ظهور عجز و ضعف و ناتوانی انسان است و برای رسيدن به معرفت حق، سزاوار است كه اين سير طی شود «وَ لَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إِلَی مَعْرِفَتِكَ إِلاَّ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِکَ» ]الصحيفة السجاديه، ص 417، فی مناجات العارفين.[ ای خدای جليل و ای رب الارباب ستايش ذات كبريايیات را سزاست كه راه چگونه دعا كردن و چه درخواست كردن را توسط انبيا و اولياء و معصومان به بندگانت تعليم فرمودی.
مناجات خمسة عشر بنابر آنچه علامه مجلسی در بحارالانوار فرموده در بعض كتب اصحاب از حضرت امام العارفين، سيد الساجدين و زين العابدين، حضرت علی بن الحسين بن علی عليهمالسلام روايت شده است. امامی كه حق تعالی اسماء و صفاتش را از چشمه قلب مطهّر او به جوشش درآورد و لسان مبارک او را مظهر نجوای عرشيان و فرشيان قرار داد تا بندگان را از آب حيات معرفت سيراب گرداند و گوش جان آنها را به نغمههای ملكوتی و جبروتی دعا نوازش بخشد و چشم دل و جان و سرّ وجود ايشان را به معارف مشهود حق روشن سازد و غير ايشان چگونه میتواند وصف يار كند و زبان به توصيف جانان بگشايد كه (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ)] سوره مبارکه صافات، آيه 159 و 160.[
رساله حاضر شرح شش دعا از پانزده مناجات معروف به خمسة عشر است كه به قلم فريد دهر و وحيد عصر حضرت آيت الله العظمی ملّا حبيب الله كاشانی، فرزند عالم جليل القدر، ملّا علی مدد ساوجی، صورت حيات يافته است. پيرامون پژوهش استناد اين مناجاتهای پانزدهگانه و سير تاريخی بروز و ظهور آنها نيازمند مقالی مناسب است كه اميدوارم در آينده فراهم شود.
اين اثر را بر اساس عكس نسخه موجود به خط مؤلّف كه در مركز احياء ميراث اسلامی به شماره 2/881 نگهداری میشود تحقيق و تصحيح كردهايم و ارجاعهای لازم پيرامون آيات، روايات و ديگر موارد را ارائه كردهام.
از آنجا كه پيرامون حيات و آثار اين فقيه ژرفانديش در مجموعه ميراث حوزه علميه اصفهان به تفصيل سخن رفته است، از آوردن شرح حال ايشان در اين مجموعه خودداری كردهام.
اميد است اين اثر مورد رضايت خدای سبحان و حضرت ولی عصر ـ ارواح من سواه فداه ـ قرار گيرد.
والسلام
حوزه علميه اصفهان ـ قاسم تركی
1/12/ 1391
بسم الله الرحمن الرحيم
إلهی لسانی، بثناء حضرته و متيّماً جنانی، بعلاء طلعته لا إله إلّا هو القديم الديموم، فصلّ اللهم يا حبيبی! علی من شرّفته بمقام جذبك و أدنيته من ساحة قربک، فإنَّك لأنت الله المهيمن الكريم و علی آله المجاهدين فی سبيلك الحق بالحق و المقتفين له ليلك الصدق بالصدق الذّين باحت بهم حقيقة أن لا إله إلّا أنت الفرد الحی القيّوم.
و بعد؛ فيقول الهادی إلی سبيل الإله، ابن علی مدد، حبيب الله: أنّ هذا شرح علّقناه علی الخمسة عشر من مناجاة علی بن الحسين سيّدالساجدين ـ صلوات الله عليه ـ فی كلّ حين مختصراً وجيزاً حاوياً علی حقايق لم يطّلع عليها إلّا الصافون و جامعاً له قايق لم يسلك إليها إلّا العارفون؛ و لكن لقد أجملنا فيه القول كإجمالنا فی شرحنا علی الدعاء الذی تعلّمه كميل بن زياد عن علیّ عليهالسلام لئلا يَمُلّ من مطالعته الطالب، فيخرج عمّا قصدناه من أسرار المطالب فها أنّا نحن لقد شرعنا فيما أردنا فانظروا فيه لعلكم تهتدون بما سطرناه.
المناجاة الأولی
قال عليهالسلام: إِلهی أَلْبَسَتْنِی الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِی، وَ جَلَّلَنِی التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتی، وَاَماتَ قَلْبِی عَظيمُ جِنايَتِی
لقد توجّه إلی بساط الأحديّة بوجهٍ من الوجوه الخلقيّة و هو مقام جملةٍ من درجات المعرفة التی هی الإذعان بوجود الحقّ الأزلی المتقدّس عن الشئونات النقصية، إذ معرفة الذات جلّ شأنه بما هو عليه من الكمال و الجمال مختصة بحضرة الأحدية فلا يمكن لأحدٍ أن يصفه حق الصّفة أو يعرفه حقّ المعرفة، ذلك ظنّ الذين جهلوا بما ظهر من أمر الله كما ظهر و أولئك هُمُ الغاوون. فدعاه عليهالسلام بما هو الخاصّ بجناب ذاتيّته و اللّايق بباب كينونيّته و هو الألوهية الجامعة لجميع مراتب الكمال و الحاوية لدرجات الجلال والجمال إذ ما من صفةٍ و اسمٍ إلّا و قد تطلق علی المراتب الكونيّة الحادثة بوجهٍ من الوجوه، كالوجه المفهومی سوی تلك الصفة فإنّها خاصّة بكبريائه لا تطلق علی غيره مطلقاً؛ كيف و تلك مشيرة إلی مقام جامعيّة الذات، لكمالات الصّفات و هی مختصّة بالحقّ ـ جلّ شأنه ـ و إلی مقام تقدّسه عن درك الأفهام و تنزّهه عن بلوغ الأوهام إلی ما له من المقام؛ كيف و اشتقاقها إنّما هو من الوَلَه و هو التحيّر سمّی بها نفسه لتحيّر العقول فی كنه معرفة ذاتيّته و تولّه الأفهام فی درك مقام كينونيّته؛ كيف و ذاتيّته لذاتيّة سازجيّة و كينونيّته لكينونيّة كافورية، لا إله إلّا هو الأزلی الحكيم.
و فی ابتدائه عليهالسلام بذلك الاسم، إشارة إلی أنّه لا ينبغی التوجّه إلّا إلی الموصوف بصفات الجمال و لايليق التبتل إلّا إلی المنعوت بنعت الجمال، إذ غيره خلق لم يكن فكان وحادث موصوف بالإمكان معروف بالذلّ و الهوان، فكيف يری العبد حاجته إلی من هو مثله فقير أم كيف يكشف عن مقصوده لدی من لا يقدر علی يسير، كيف و ما سوی الحقّ ـ عزّ شأنه ـ لا وجود له إلّا بجوده، فلا له أن يتصرف فی شیءٍ حتی فی وجوده، فينبغی أن يقبل علی الحقّ القديم بوجه التضرع و المسكنة و يتوجّه إلی بساطة الكريم باعتراف الهوان و الذلّة، فإنّه لهو الحق الذی لايقضی الحاجات إلّا هو و لايكشف عن البليات إلّا هو، إذ لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم.
و فی حذف آلة النداء إشارة إلی مقام تجرّده عليهالسلام عن التعلق بالأسباب بأن غمض عن كلّ شیءٍ سواه و انقطع عن كلّ شیءٍ إلی حضرته تعالی بحيث لم ير بينه و بين الحق واسطة تحجبه عنه لكمال قربه عليهالسلام بصفاء قلبه عن التعلّقات و الشئونات حتّی عرف أنّه ما من سبب إلّا و هو مسبّبه و ما من شیء إلّا و هو مشيّئه؛ كيف و هو السبب الأصلی الواقعی و هو العلّة لجميع العلل الممكنة.
و الحاصل أنّه عليهالسلام لكمال قربه لقد تجرّد عن الآلات إلی خالقها و عن الأسباب إلی جاعلها، فلم يعرف بينه و بين حبيبه حاجباً و إن كان هو الآلة، لمنافتها لمقام التوحيد الحقيقی الذی قد فاز به عباده الصالحون.
و يحتمل أن يكون الحذف لحفظ الأدب و مراعاته، إشارةً إلی أنّه تعالی أجلّ من أن يناديه العبد الذّليل؛ كيف و هو الله السلطان الملك المتفرد القديم و أن يكون للإشارة إلی أنّه تعالی ذات سازجی لا يمكن أن يتوجّه إليه بالنّداء فإنّه تعالی متقدّس من أن يعرفه شیءٌ و متنزّه من أن يصفه شیءٌ، فهو المعبود الذی لم يتوجّه إليه ندآء و لم يلق لجنابه ثناء؛ كيف و كلّ ذلك شأن من شئونات الحدوث، فكيف ينبغی أن يتوجّه به إلی بساط الوجوب، كلّا كلّا إنّه عزّ شأنه لأجلّ من أن يكون له اسم و أعظم من أن يتصوّر له رسم و أرفع من أن يتوجّه إليه بالنّداء و أكرم من أن يهدی إليه بالثناء؛ كيف و هو اللهالعزيز الجبّار.
و فی الإضافة إلی النفس الواحدة إشارة إلی ما هو فيه من مقام التوحيد و درجة التجريد.
و قد فصّلنا القول فی ذلك فی شرح دعاء كميل و إليه فليرجع الطالبون.
و إنّما أقبل عليهالسلام أوّلاً بالاعتراف بالذنب و الإقرار بالجرم للإشارة إلی عظمة المولی وذلّة العبد، فإنّ العبد إذا اعترف بخطائه و تقصيره فی أمر مولاه، فكأنّه قد صغّر نفسه بالتصريح و عرّفها ذليلةً محتاجّةً لايقدر علی شیء و عرف أنّ من يعترف لديه لهو مولی جليل يقدر علی كلّ شیء، فيقرّ بذنبه كی يرحمه و يصفح عن خطئته بكمال عطوفته، فالإقرار بالذنب متضمّن لأمور:
منها: تجليل المولی و تعظيمه.
و منها: تحقير العبد و تصغيره.
و منها: إظهار أنّه يخشی و يخاف من عقوبة المولی.
و منها: إظهار أنّه يرجو عفوه و صفحه.
و منها: الاستغفار و الإقالة.
و منها: أنّه ليس سوی المولی من يفرّ العبد إليه من ذنبه و يستغفر منه لخطيئاته.
و قد وردت الأخبار المتظافرة دالّة علی أنّ الاعتراف بالذنب و الإقرار بالعيب وسيلة إلی رحمة الربّ و أنّه هو التوبة حقيقةً؛ و من يرجوها فليطلبها من الكافی] الكافی، ج 2، ص 426 ـ 427، باب الاعتراف بالذنوب و الندم عليها..[ و غيره.] وسائل الشيعة، ج 16، ص 58 ـ 60، باب وجوب اعتراف المذنب لله بالذنوب و استحقاق العقاب.[
قوله]عليهالسلام[: أَلْبَسَتْنِی ]الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلّتِی[
أی: أحْرَمَتْنی الخطيئات فی طريق محبتك عن مقام العزّة الدّائمة التی خصصتها بمن أتاك سالماً من شرّ نفسه معصوماً عن متابعة قضيّة هواه، فإنّه ما من عبد قد أطاعك و أتقاك فی معصيتك إلّا و قد خلّعته بثوب عزّتك و كرّمته بتاج شرفك و شرّفته بمقام جذبك و اذقته حلاوة قربك.
و ما من عبدٍ قد عصاك و خالف أمرك و اتبع هوی نفسه إلّا و قد وكّلته إلی نفسه فأضلّه الشيطان بوساوسه و أغرّه بغروره و صدّه عن سبيل الحق إليك و منعه عن طريق الإقبال عليك و أحرمه عن لذة مشاهدة طلعتك و أبعده عن ملاحظة أنوار قدّوسی وجهتك فظلّ مظلماً قلبه و بات ذاهلاً عن ربّه و أصبح محروماً عن حلاوة قرب خالقه و إن ذلک إلّا كمال المذلّة، ـ عصمنا الله عنها بحسن عصمته ـ .
قوله]عليهالسلام[: وَ جَلَّلَنِی ]التّباعُدِ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِی[
من تجليل الفرس و هو أن تلبسه جُلّه و تغطّيه به.
أی: و أذلّنی و قمصنی قميص الذلّة و المسكنة بعدی عن بساط حضرتك و حرمانی عن مشاهدة لقائك و خسرانی فی معصيتك؛ كيف و ما من معصية منّی إلّا و هی حاجبة بينی و بينك و مانعة من وصولی إليك و وقوفی بين يديك و إن ذلك إلّا كمال المسكنة وتمام الذلّة؛ كيف و أی ذلّة أشدّ من حرمان العبد عن مشاهدة لقاء مولاه و أی مسكنة أكثر من مسكنة عاشقٍ مَنَعَه الموانع عن حضرة من تولّاه.
و فی إضافة المذلّة و المسكنة إشارة إلی أنّ موصوفهما ليس إلّا الممكن، فهما من الصفات الخاصة به فلا يتصف به العزيز الذی خضعت لعزّته كلّ شیء و عنيت لسطوته كلّ شیء.
و فی الإضافة إلی النفس الواحدة إشارة إلی مقام عدل الرحمن، فإنّه يجزی كلّ نفس بما كسبت و لا يجزيها بما كسبته الأخری، فلذا: (]لاَ[ يَجْزِی وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَ لاَ مَوْلُودٌ ]فی المخطوطة: «المولود».[ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا.) ]سورة لقمان، الآية 33، (يَآ أَيُّهَا النَّاسُ آتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْمًا لاَ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَجَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ آللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ آلدُّنْيَا وَ لاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).[.
و إلی أنّ للمعاصی تأثيرات بحسب من اقترفها فتؤثر فی كلّ أحدٍ بقدر قابليّته لذلك الأثر، فيلبس العاصی ثوب المذلّة بقدره، فليتأمّل.
قوله]عليهالسلام[: وَ اَماتَ قَلْبی ]عَظيمُ جِنايَتی[
أی: و أغبر مرآة قلبی بغبار المعصية و كدّر صفائه بكدورات الجناية؛ و فيه إشارة إلی أنّ القلب كما يصفّی بالطاعات و العبادات و يحيی بماء التنبّه فی جميع الأوقات، كذلك يكدّر بالسيّئات و يموت بالخطيئات فلا يتّعظ صاحبه بمواعظ الأصفياء و لايتيقظ بكلمات الأولياء، فلا يهتدی إلی سبيل أهل الصّفاء بل يصدّه الشيطان عن طاعة الرحمن و حججه الراشدين إلی مسالك الإيمان.
قال الصادق عليهالسلام: إذا أذنب الرجل خرج فی قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت و إن زاد زادت حتی تغلب علی قلبه، فلايفلح بعدها أبداً. ]الکافی، ج 2، ص 271، باب الذنوب، ح 13.[
قال]عليهالسلام[: فَأَحْيِه بِتَوْبَةٍ مِنْكَ يا أَمَلِی وَ بُغْيَتِی، ]وَ يا سُؤْلِی وَ مُنْيَتِی[
لمّا اعترف بالتقصير و أقرّ بالذنب الكثير و طلب العفو ضمناً أراد أن يستقيل صريحاً تحققا للألحاح المطلوب.
فقال ]عليهالسلام[: فأحْيِهِ ]بِتَوْبَةٍ مِنْكَ[
أی: نوّر قلبی بأنوار طاعاتك و أزل عنه ما ترتّب علی معصيتی من الكدورات التی حجبته عن الفوز بتجليّاتك و أحرمته عن مشاهدة طلعة قدوسيّتك، فإنّی قد تبت إليك خالصاً مخلصاً لا أقصد إلّا وجهك، فاقبل توبتی حتّی أكون من الذين صفت قلوبهم وحيّت بمقام معرفتك و طابت نفوسهم بالمجاهدة فی سبيلك، و فيه إشارة إلی أنّ بالتوبة يزيل كدورة القلب فيصفّی كما كان أوّلا.
و قد وردت الأخبار الكثيرة علی أنّ التائب من ذنبه كمن لا ذنب له ]الكافی، ج 2، ص 435، باب التوبه، ح 10؛ عيون أخبار الرضا عليهالسلام، ج 1، ص 80، باب 31،ح 347، فيهما «التائب من الذنب».[ و هی دالّة علی ما ذكرناه البتة.
و الأمل: كالعمل، ضدّ اليأس و المراد به هنا المأمول فی جميع الأمور.
و البغية بالضمّ: الحاجة و المراد المطلوب، و بالكسر: الحال التی تطلبها.
و المنية بالضمّ: ما تتمنّاه و ترجوه من الخير.
و السئول بالضمّ: المسئول.
و كلّ تلك الألفاظ مرجعها واحد و قد أشار عليهالسلام بها إلی مقام عشقه، فإنّ العاشقين لايطلبون من المعشوق إلّا الفوز بخدمته و الاتصال بحضرته، فهو غاية أملهم و نهاية مقصودهم، ألا تری إلی من يحبّ السلطان، لايطلب إلّا قربه و لايرجو إلّا صحبته ولايرضی بالبعد عنه و إن كان له فيه الحكومة علی أهل بلادٍ.
و أمّا من قصرت همّته و دنت رتبته يرجو من السلطان أن يتحكّمه علی بلدة أو قرية، فالعاشق المخلص ليس له رجاء إلّا الوصول إلی المعشوق و الفوز بمكالمته و مصاحبته، فلايری غنيمةً إلّا فی مناجاة الحبيب و محاضرته و هذا هو مراد من يقول: «لا أدعوا إلّا ودعائی مستجاب قبل الدعاء»، لأنّ حاجته ليست إلّا أن يوفّق لمكالمة الحقّ، فإذا نطق بالدعاء و لهج بالثناء فقد قضت حاجته.
و أمّا القاصرون من أرباب الكون فلقصور همّتهم و انحطاط درجتهم لايطلبون من الحقّ إلّا الاستراحة مع الحور فی القصور أو غير ذلك من نقايص الأمور و مثل ذلك فی انحطاط الرتبة إنّما هو مثل من يطلب من السلطان حكومة البلدة.
فيا طوبی للعاشقين الذين لايرضون إلّا بقرب الحق و لايرجون إلّا الفوز بحضرته، فإنّه يتجلّی فيهم بصفة عطّافيته و يتطلّع فی قلوبهم باسم رأفته، فلهم جنة القرب والرضوان كما قال: (وَ رِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) ]سورة التوبة، الآية 72.[ و إلی ذلك أشار بقوله: «أعددت لعبادی الصالحين ما لاعين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر علی قلب بشر ]إلی آخر[؛ ] عوالی اللالي، ج 4، ص 101، ح 148؛ بحار الأنوار، ج 8، ص 92، الباب الثالث والعشرون، الأقوال فی طوبى لهم.[ و هنا تفاصيل تطلب من مظانّها.
قال عليهالسلام: فَوَعِزَّتِكَ وَ جَلالِكَ ما اَجِدُ لِذُنُوبِی سِواكَ ]غافِراً وَ لا أَری لِكَسْری غَيْرَكَ جابِراً وَ قَدْ خَضَعْتُ بِالإِنابَةِ إِلَيْكَ وَ عَنَوْتُ بِالإِسْتِكانَةِ لَدَيْكَ فَإِنْ طَرَدْتَنِی مِن بابِكَ فَبِمَنْ ألُوذُ[ وَ اِنْ رَدَدْتَنِی عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ اَعُوذُ لمّا توجّه إلی الحق بالاستغفار بعد الاعتراف و الإقرار، أقبل عليه بوجه التوحيد والتجريد مشيراً إلی الأمر كلّه بيد الحق لايعارضه شیء و لايتصرف فی ملكه شیء، بل هو ملجأ كلّ شیء و منجا كلّ شیء.
فقال ]عليهالسلام[: فَوَعِزَّتِكَ وَ جَلالِكَ
أی: فبعد ما عرفت إنّك لأملی و منيتی، أقسم بألوهيّتك التی قهرت تحت عزّتها كلّ شیء و بسلطانيّتك التی ذلّت لعظمتها كلّ شیء، فلا شیء إلّا و هو ذليل تحت عزّة ألوهيّتك و مقهور تحت عظمة سلطنتك.
قوله] عليهالسلام[: ما أَجِدُ ]لِذُنُوبِی سِواكَ غافِراً[
أی: ما أعرف أنا فی مقامی هذا بين يديك من استغفر لديه ممّا اقترفته من معصيتک؛ كيف و لايغفر الذنوب سواك لأنّك لأنت الإله المولی، فهل يستغفر العبد غير مولاه؛ كيف و لايقدر غيرك علی شیء حتّی يتصرّف فی أمر ذنوبی بالغفران، فلا يستطيع سواك علی شیء حتّی يقدم إلی بالاحسان؛ كيف كيف و أنت السلطان القادر الذی تفعل ما تشاء و تترك ما تشاء و لا رادّ لإحسانك أحد و لا معارض لحنانيّتك شیء؛ كيف و أنت علی كلّ شیء قدير.
و الكسر: ضدّ الصحّة و المراد هناك العقل بمتابعة النفس الأمارة، فإنّ من يتّبع هوی النفس يحرم عن مقامات العقل و درجات نوره، فيعمی عن نور المعارف الحقّة و فيصمّ عن الألحان الجذبيّة، فلا يحصل له السعادة بمقام القرب الرحمانی و الجذب السبحانی.
قوله ]عليهالسلام[: جابراً من الجبر و هو إصلاح المكسور و المراد به هنا الغفران و الصفح عن الذنوب التی كدّر بها العقل و إطفاء بها نوره.
قوله ]عليهالسلام[: وَ قَدْ خَضَعْتُ ]بِالإِنابَةِ إِلَيْكَ[
أی: و لمّا عرفت أنّ الأمر ليس إلّا بيدك، تغفر من تشاء و لا غافر سواک، فقد لبست قميص الخضوع و الذلّة لدی بابك، فقدمت إليك مفراً إلی جنابك راجعاً عمّا كنت فيه من معصيتك إلی طاعتك و قد فصّلنا القول فی الإنابة و الفرق بينها و بين التوبة فی شرح دعاء كميل و إليه فليرجع إن كنت طالباً.
قوله ]عليهالسلام[: وَ عَنَوْتُ
من عَنی الرجل، إذا خضع و ذلّ، و منه قوله: (وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ) ]سورة طه، الآية 111.[ أی: و ألبست علی نفسی ثوب العناء و الخضوع، فتوجّهت إليك بوجه التضرّع و المسكنة.
فَإِنْ طَرَدْتَنِی ]مِنْ بابِكَ[
أی: منعتنی من فيض باب رحمانيّتك الذی به يتوجّه إليك كلّ شیء.
فَبِمَنْ أَلُوذُ
أی: التجاء و ليس سواك ملجأ، بل إليك يلتجأ كلّ شیء؛ فكيف ينبغی أن يلتجأ إلی ما ليس له ملجأ إلّا أنت.
و يحتمل أن يكون المراد بالباب هو الأنبياء و الأولياء الذين هم أبواب الله، فلا يمكن الوصول إلی الحق إلّا بوساطتهم، كما ورد عليه أخبار كثيرة ]الكافی، ج 1، ص 193، باب أنّ الأئمة عليهمالسلام خلفاء الله فی أرضه و أبوابه التی منها يؤتی، ح 2؛ و انظر: الاعتقادات فی دين الإمامية، ص 94، باب الاعتقاد فی عدد الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام.[، فتأمّل.
قوله ]عليهالسلام[: وَ اِنْ رَدَدْتَنِی ]عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ[
أی: و إن احرمتنی عن ظلّك و رحمتك فمن يأوينی.
و الجناب بفتح الجيم: الفناء و ما قرب من محلّه القوم، كذا قيل.
قال عليهالسلام: فَوا أَسَفی مِنْ خِجْلَتِی وَ افْتِضاحِی ]وَ وا لَهْفاهُ مِن سُوءِ عَمَلِی وَ اجْتِرَاحِی، أَسْئَلُکكَ يا غافِرَ الذَّنْبِ الْكَبِيرِ وَ يا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ أنْ تَهَبَ لِی مُوبِقاتِ الْجَرَائِرِ وَ تَسْتُرَ عَلَی فاضِحاتِ السَّرائِرِ، وَ لا تُخْلِنِی فِی مَشْهَدِ الْقِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَ غَفْرِكَ وَ لا تُعْرِنِی[ مِنْ جَميلِ صَفْحِكَ وَ سَتْرِكَ.
لمّا تقدّم إلی الحبيب بالمكالمة و توجّه إليه بالمحاضرة و اجترء علی المخاطبة تذكّر ما اقترفته نفسه من معصيته و مخالفته و عرف ما ترتّب علی ذلك من البعد و الحرمان عن مقام الرشد، فتأسّف علی ما فات منه من كمال النفس و تهذيبها و قربها إلی الحق و تلهّف علی ما أُحرِم عنه من لذّات مشاهدة الربّ فی درجات الجذب.
فقال: فَوا أَسَفی
وا: من أداة الندبة، كقوله:
فواكبدی من هجر ]فی المصدر: «حب».[ من لا يجيبی
]و من عبرات ما لهنّ فناء[ ]تاريخ الإسلام، ج 6، ص 312.[
و الألف الموصولة بالآخر ألف الندبة يؤتی بها لإطالة الصوت، فإنّها مطلوبة فی المندوب.
و الأسف: الحزن و هو تألّم الباطن بما مضی و فات مطلقا سواء أمكن تداركه أم لا و له علی ما ذكره بعض العارفين ثلاث درجات:
الأولی: أسف العامة و هو الحزن علی التقصير فی الطاعة و الوقوع فی مهلكة المعصية و البُعد عن باب الحق ـ جلّ سبحانه ـ و علی ضياع الأيّام بالمخالفة و اختيار البطالة علی الطاعة.
الثانية: أسف أهل الإرادة و هو الحزن علی تعلّق القلب بالخلايق و عدم جمعيّته بالحضور مع الخالق و علی اشتغال النفس بالحيوة الدنيا و ملاهيها عن مقام الحضور، كما قال: (وَ إِذَا رَأَوْا تِجَارَهً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا ]وَ تَرَكُوکَ قَآئِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَهِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[). ]فی المصدر: «حب».[.
الثالثة: حزن الخاصة و هو التحزّن علی ما عرضهم فی وقت البسط و النشاط من إنشاء الأسرار و علی اعتراضات الأحكام و هی أن يخطر لهم خواطر الاختيار علی ما اختاره الله لهم، فيتحزّنوا لذلك علی أنّهم لم يتركوا الاختيار مع اختيار الحق حيث قصدوا طريقاً يسلكونه فی الله باختيارهم فاختار الله لهم طريقاً آخر يعلم أنّه أولی بهم و أليق.
و قيل: ليس للخاصة حزن لقوله: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ]سورة يونس، الآية 62.[ و ذلك لأنّ الحزن إنّما يكون مع التفرقة و الفقدان و هم أهل الجمعيّة والوجدان، فلا يحزنون علی أنفسهم بل قد يحزنون علی غيرهم، كحزن رسولالله صلی الله عليه و آله و سلم علی أمّته فی قوله: (فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفْسَکَ عَلَی آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). ]سورة الکهف، الآية 6.[
و جاء فی الحديث أنّ كلّ من سواه صلی الله عليه و آله يقول يوم القيمة: نفسی نفسی و هو يقول صلی الله عليه و آله و سلم: أمّتی أمّتي. ]الکافی، ج 15، ص 312، حديث الفقهاء، ح 486.[ انتهی محصّل كلامه.
و الخجلة: التحيّر و الدهش من الاستحياء.
قوله ]عليهالسلام[: مِنْ خِجْلَتِی
أی: بما ضاع منّی جوهرة العقل بمتابعة هوی عدوّه.
و الفضيحة: كشف العيب و هتك الستر.
قوله ]عليهالسلام[: وَ افْتِضاحِی
أی: بذنوب هتكت أستاری و كشفت عن عيوبی لدی خلقك أو افتضاحی لدی باب علمک، فإنّك لأنت مولای تری عملی و تعلم سوء فعلی، فيا بئس عبد اجترء علی معصية مولاه و هو يراه.
و التلهّف: التحيّر.
قوله ]عليهالسلام[: سُوءِ فِعْلِی ]فی الصحيفة السجادية، ص 401، الدعاء 182؛ بحارالأنوار، ج 91، ص 142، الباب الثانی و الثلاثون، مناجاة التائبين: «سوء عملی».[
أی: معصيتی إيّاك و مخالفتی لأمرك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ اجْتِراحِی
أی: اكتسابی للذنب و اقترافی للجرم.
و الذنب الكبير: هو معصية الخالق إذ هی كلّها كبيرة؛ كيف و هو السلطان الرقيب لايعزب عنه شیء، فمعصيته تعالی هو التهوين علی سلطانيته و هو من أكبر الكبائر، وعليه الحديث أيضاً. ]وسائل الشيعة، ج 15، ص 312، باب وجوب اجتناب المحقرات من الذنوب، ح 13 و فيه، «من كلامه صلی الله عليه و آله: لا تنظروا إلى صغير الذنب و لكن انظروا إلى ما اجترأتم».[
و يحتمل أن يكون المراد به هو الوجود الموهومی الحدوثی، فإنّه ذنب عظيم لدی الحق؛ كيف و المخلصون يجهدون فی الفناء فی قاموس هويته و إن ذلك إلّا لعدّهم ذلك الوجود ذنباً و هنا تفاصيل تطلب من أهلها.
و المراد بالعظم الكسير: هو العقل المكدّر بالمعاصی.
قوله ]عليهالسلام[: اَنْ تَهَبَ
أی: تغفر لی و لا تؤاخذنی.
و الموبقات: المهلكات.
و الجرائر: جمع الجريرة و هی الجناية سميت بها لأنّها تجر العقوبة إلی الجانی كذا قيل.
و فاضحات السرائر: هی المعاصی الخفيّة فی القلب من النيات الفاسدة و العقايد الكاسدة.
و مشهد القيمة: محضرها الذی يجرد فيه كلّ أحد من المكلفين.
و البرد: ضدّ الحرّ و يسمّی ما ينزل من السحاب شبه الحصی برداً لأنّه يبرد وجه الأرض، كذا قيل.
و أضاف البرد إلی العفو لأنّ العفو يبرد القلوب و يصفّيها و يعصمها عن حرّ النار و ضدّه حرّ السخط.
و يحتمل أن يكون المراد بالقيمة هو ابتداء ظهور كاملٍ فی أی عصر كان، فإنّه يجرد فيه كلّ من مضی برجوع حالاتهم من الشقاوة و السعادة و هنا تفاصيل قد أشرنا إلی بعضها فی بعض الرسائل.
فالمراد ببرد العفو، هو الهداية المسبّبة للعفو، فليتأمّل.
قوله]عليهالسلام[: وَ لا تُعْرِنِی
إفعال من عری الرجل، إذا تجرّد من الثوب فهو عريان.
قوله ]عليهالسلام[: وَ لا تُخْلِنِی
إفعال من خَلی يَخْلُو أی: و لاتحشرنی يوم القيمة عرياناً من ثوب ستّاريّتك للعيوب ولا تجعلنی فيه خالياً عن جميل عفوك عن الذنوب، فإنّك لأنت الله الفرد الستّار.
قال عليهالسلام: إِلهِی ظَلِّلْ عَلی ذُنُوبِی غَمامَ رَحْمَتِكَ ]وَ أَرْسِلْ عَلی عُيُوبِی سَحابَ رَأْفَتِكَ إِلهِی هَلْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الاْبِقُ إِلّا إِلی مَوْلاهُ، أَمْ هَلْ يُجيرُهُ مِنْ سَخَطِه أَحَدٌ سِواهٌ، إِلهِی إِنْ كانَ النَّدَمُ عَلَی الذَّنْبِ تَوْبَةً، فَإِنّی وَ عِزَّتِك مِنَ النّادِمينَ، وَ إِنْ كانَ الاْسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإِنِّی لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ، لَكَ العُتْبی حَتّی تَرْضی، إِلهِی بِقُدْرَتِكَ عَلَی تُبْ عَلَیّ، وَ بِحِلْمِكَ عَنِّی اعْفُ عَنّی[ وَ بِعِلْمِكَ بِی ارْفُقْ بِی
عاد عليهالسلام بذكر اسم المحبوب تلذّذاً و تبركّاً، فإنّ العاشقين يتلذّذون و يتبرّكون باسم المعشوق فلذا يحبّون تكراره.
قوله ]عليهالسلام[: ظَلِّلْ ]عَلی ذُنُوبِی غَمامَ رَحْمَتِکك[
أی: اجعل عليها ظلّاً من غمام رحمتك بأن لاتكشف عنها بل تسترها و تغفرها.
قوله ]عليهالسلام[: سَحابَ رَأْفَتِكَ
أی: ستّاريّتك و غفّاريّتك و فی الفقرتين استعارة.
قوله ]عليهالسلام[: ]إِلهِی[ هَلْ يَرْجِعُ ]الْعَبْدُ الاْبِقُ إِلّا إِلی مَوْلاهُ[
الاستفهام يتضمن الإنكار، أی: ليس للعبد الذليل مرجع إلّا إلی مولاه الجليل، لأنّه لايقدر علی أن يفرّ من مملكته و يخرج عن بلاد سلطنته.
و الاْبِقُ: الهارب و المراد العاصی.
قوله]عليهالسلام[: هَلْ يُجيرُهُ ]مِنْ سَخَطِه اَحَدٌ سِواهُ[
أی: لاينقذه من سخط المولی و غضبه أحد سوی المولی؛ كيف و لا رادّ لأمره و لا مانع من حكمه.
قوله] عليهالسلام[: إِنْ كانَ النَّدَمُ ]عَلَی الذَّنْبِ تَوْبَةً فَإِنِّی وَ عِزَّتِك مِنَ النّادِمينَ[
أی: الحزن و الأسف، قيل: الندم ضرب من الغمّ و هو أن يغتمّ علی ما وقع منه يتمنّی إن لم تقع إلی آخره ]الکشاف، ج 3، ص 560، مع اختلاف يسير.[.
و فيه إشارة إلی كفاية الندم فی تحقق التوبة و قد وردت علی ذلك الأخبار ]الکافی، ج 2، ص 426، باب الاعتراف بالذنوب و الندم عليها، ح 1.[ أيضاً.
و الحِطّ؛ الأِلقاء، يقال: حَطِّ عنّا وزرنا، أی: ألقه و افرغنا عن حمله.
]لَكَ[ الْعُتْبی ]حَتّی تَرْضی[
العُتْبی: كالحسنی، المؤاخذة و المعاتبة.
قوله ]عليهالسلام[: لَكَ الْعُتْبی
أی: أنت الحقيق بأن تؤاخذنی و تعاتبنی فإنّك لأنت المولی تعاتب عبدك بما تشاء وتؤاخذ رقك بما تشاء، لايقدر أحد علی منع مؤاخذتك و دفع معاتبتک، فعاتبنی يا ربّ حتی ترضی فإنّی لا أحبّ إلّا رضاك فإن أثبتنی بثوابك فالمحبوب هو الثواب و إن عذّبتنی بعقابك فالمحبوب هو العقاب؛ كيف و العاشق يصبر علی كلّما يقدم إليه المعشوق، فلايجزع علی ما يتحمل منه فعذبكم عذب و سخطكم رضی.
قوله]عليهالسلام[: تُبْ عَلَیَ
أی: أقبل توبتی و ارجع إلی رحمتك علی كما رجعت عن مخالفتك.
قوله]عليهالسلام[: اعْفُ عَنِّی
أی: تجاوز عن سيّئاتی.
قوله]عليهالسلام[: وَ بِعِلْمِكَ اِرْفَقْ بِی
أی: إرحم علی بما تعلم مصلحته و افعل بی ما فيه مصلحتی، أو أنت تعلم عدم استطاعتی لاحتمال نقماتك فارفق بی فإنّك لأنت الرحمن الرحيم.
قال عليهالسلام: إِلهِی أَنْتَ الَّذی فَتَحْتَ لِعِبادِكَ ]باباً إلی عَفْوِكَ سَمّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ: (تُوبُوا إِلَی اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ]سورة التحريم، الآية 8.[، فما عُذرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ[ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ
أراد بيان كمال إحسانه تعالی إلی عباده العاصين.
فقال ]عليهالسلام[: أَنْتَ الَّذِی
أی: حتمت علی نفسك أن تغفر و تعفو عمّن عصاك إذا تاب من معصيته و رجع منها إلی الطاعة و ذلك من كمال رأفتك بعبادک.
و فيه إشارة إلی أنّ الذنوب مغفورة بالتوبة الصحيحة البتّة.
و قد دلّت بعض الأخبار علی أنّ الذنوب لو كانت بعدد رمل القفار و موج البحار، يغفرها الله عند التوبة و الاستغفار. ]أنظر بحارالأنوار، ج 73، ص 204، الباب الرابع و الأربعون، حديث 22.[
فسبحان من لم يصف مقام حنّانيّته شیءٌ و لم يعرف مراتب عطّافيّته شیء.
قوله ]عليهالسلام[: باباً إلی عَفْوِكَ ]سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ فَقُلْتَ: (تُوبُوا إلَی اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)، فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ[
أی: وسيلةً إلی غفرانك.
و التوبة النصوح: هو ما لا عَوْد فيه، علی ما دلّت عليه عدّة من الأخبار. ]الکافی، ج 2، ص 432، باب التوبة، ح 4.[
و العذر: مانع.
و الغفلة: ضدّ التنبيه. أی: فنعم الربّ أنت، حيث فتحت لنا أبواب خيرك و بئس العبيد نحن، حيث أعرضنا عن دخول بابك الذی لايؤتی إليك إلّا منه، فما أحسن رأفتك و ما أغفلنا عن الفوز برحمتك، و باب رحمتك لمن أتاك مفتوحة و جناب نعمتك لمن دعاك منجوحة.
قوله ]عليهالسلام[: ]إِلهِی إِنْ كانَ[ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ ]فلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ[
أی: هُو عبد لا يسعه إلّا طاعتك فقبيحٌ جرئته علی معصيتك.
قوله ]عليهالسلام[: فَلْيَحْسُنِ ]الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ[
أی: لأنّك أنت المولی المتعوّد بالإحسان إلی المسيئين و الغفران من ذنوب العاصين، لا إله إلّا أنت، الكريم العطوف.
قال] عليهالسلام[: إِلهِی ما أَنَا بِأَوَّلِ مَنْ عَصاكَ ]فَتُبْتَ عَلَيْهِ، وَ تَعَرَّضَ لِمَعْرُوفِکك فَجُدْتَ عَلَيْهِ، يا مُجيبَ الْمُضْطرِّ، يا كاشِفَ الضُّرِّ، يا عَظيمَ الْبِرِّ، يا عَليماً بِما فِی السِّرِّ، يا جَميلَ السَّتْرِ، اسْتَشْفَعْتُ بِجُودِكَ وَ كَرَمِكَ إِلَيْكَ، وَ تَوَسَّلْتُ بِجَنابِكَ وَ تَرَحُّمِكَ لَدَيْكَ، فَاسْتَجِبْ دُعآئِی، ولا تُخَيِّبْ فِيْكَ رَجآئِی، وَ تَقَبَّلْ تَوْبَتِی، وَ كَفِّرْ خَطيئَتِی بِمَنِّكَ وَ رَحْمَتِك[ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.
أخذ عليهالسلام فی بيان بعض إحسانه و إنعامه إلحاحاً منه فی الاستغفار حتّی يغفر له و يصفح عن ذنبه، فإنّه تعالی يحب المعترف بذنبه و المقرّ بنعمته تعالی كما عليه الحديث. ]الکافی، ج 2، ص 427، باب الاعتراف بالذنوب و الندم عليها، ح 6.[
قوله] عليهالسلام[: ما أَنَا بِأَوَّلِ ]مَنْ عَصاكَ فَتُبْتَ عَلَيْهِ[
أی: قد كان من عادة عبيدك أن عصوك لرجائهم برحمتك و قد كان من عادتك أن غفرت لذنوبهم لكمال عطوفتك و تمام رأفتک، فلست أنا أوّل من خالفك و اجترء عليك فی معصيتك، فغفرت له بل أنت المولی الجليل الذی من عادتك الإحسان إلی المسيئين والتوبة علی العاصين، حيث عصاك عبادك من قبلی فغفرت لهم بحسن عطوفتك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ تَعَرَّضَ ]لِمَعْرُوفِكَ فَجُدْتَ عَلَيْهِ[
أی: لست أنا أوّل من طلب إحسانك و ابتغی رضوانك فأقبلت عليه بوجه الجود والإنعام، بل قد كان قبلی جميع عبادك قد ابتغوا مرضاتك بالاستغفار، فجُدتَ عليهم بالغفران؛ كيف و ليس للمضطرّين الذين لا لهم سبيل إلی منجی و ملجأ ]فی مخطوطة: «ملجی و ملجأ»؛ و لعل الصحيح ما أدرجناه.[ إلّا أنت، فأنت مجيبهم إذا دعوك و المقبل عليهم إذا قرعوا بابك و اعتصموا بجنابك.
و أنت الذی يكشف السوء عن خلقك و تدفع الشر عن عبادك، فسبحانك سبحانك ما أعظم برّك و إحسانك إلی خلقک، فسبحانك لايخفی عليك شیء و لا يعزب عنك ستر، بل الأسرار كلّها لديك مكشوفة و الأستار لدی جنابك مهتوكة، لا إله إلّا أنت تستر علی عبادك عيوبهم، فلا تخفی عليك، فأنت الستّار الكريم، فما أجمل سترك و ما أرءف سترك.
قوله]عليهالسلام[: اسْتَشْفَعْتُ ]بِجُودِكَ وَ كَرَمِكَ إِلَيْكَ[
أی: قد أقبلت إليك بوجه التوحيد، بحيث لم أر لأحد أن يشفع لی لديك، بل عرفت أنّك أنت الذی تستحق أن أجعلك شفيعاً إلی جودك و كرمك؛ كيف و الخلق مثلی، خلقٌ محتاجون، خائفون عن نقماتك؛ فكيف يستطيعون أن يشفعوا لی لديك؛ فأنت شفيعی يا إلهی إلی غفرانك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ تَوَسَّلْتُ
أی: و جعلتُ جناب غفّاريتك و رحمانيتك وسيلة إلی الفوز بحضرتك.
قوله ]عليهالسلام[: بِجَنابِكَ
متعلق بقوله بعد ذلك: «فاستجب».
قوله ]عليهالسلام[: وَ لا تُخَيِّبْ ]فِيْك رَجائِی[
أی: و لا تكذّب فی رحمتك رجائی و لا تجعلنی محروماً عن رحمتك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ تَقَبَّلْ تَوْبَتِی
أی: و وفّقنی لمراعاة شرايط التوبة حتی تقبلها منّی.
قوله ]عليهالسلام[: وَ كَفِّرْ ]خَطيئَتِی بِمَنِّكَ وَ رَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ[
أی: اُسترها و اجعلها مغفورة.
قوله ]عليهالسلام[: يا رَبّ ]العالَمِين[
أی: يا من تربّی كلّ شیء بما هو مصلحته و بما يقتضيه استعداده و قابليّته؛ كيف و أنت الله العالم بكل شیء لا إله إلّا أنت العزيز الحكيم.
المناجاة الثانية: تسمّی بمناجاة الشاكرين
قال عليهالسلام: إِلهِی إِلَيْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمّارَةً، ]وَ إِلی الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَ بِمَعاصيكَ مُولَعَةٍ، وَ لِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بِی مَسالِك الْمَهالِكِ، وَ تَجْعَلُنِی عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِكٍ، كَثيرَةَ الْعِلَلِ، طَويلَةَ الأَمَلِ، إِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَ إِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيّالَةً إِلَی اللَّعِبِ وَ اللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَ السَّهْوِ، تُسْرِعُ بِی إِلَی الْحَوْبَةِ[، وَ تُسَوِّفُنِی بِالتَّوبَةِ.
لقد أقبل علی بساط الحقّ بوجه الشكاية عن نفسه معترفاً بشرّها و سوءها مقرّاً بلهوها و لعبها و قد تضمّن إقباله هذا الطلب التوبة و الغفران عن مقترفاتها و العصمة من مهالكها.
فقال ]عليهالسلام[: إِلهِی إِلَيْكَ أَشْكُو ]نَفْساً بِالسُّوءِ أَمّارَةً[
أی: أظهر لديك شكوای من نفسی التی لاتزال تأمرنی بالسّوء من فضايح الأعمال وقبايح الأفعال و لا تندم علی ما اقترفته ]فی المخطوطة: «افترفته». [و لا تحزن علی ما اجترحته لكمال بعدها عن جنابك و حرمانها عن فيض بابک، فالنفس الأمارة هی التی تأمر بالسّوء و لاتنتهی عنه ولا تندم عليه؛ و نقيضها المطمئنّة و هی خاصّة بالصالحين من عباده و هنا نفسان أخريان.
أحديهما: اللوّامة.
و ثانيهما: الملهمة و قد فصّلنا القول فی تلك الأقسام فی بعض الرسائل.
و المبادرة: المسارعة.
و الولوع: الحرص.
و التعرض للشیء: التقدم إليه، أی تأمر بأمر تستحق تابعه سخطك و غضبك.
قوله ]عليهالسلام[: تَسْلُك بِی
أی: تصدّنی عن مسالك الهداية إلی مسالك الغواية.
قوله ]عليهالسلام[: أَهْوَنَ هالِكٍ
أی: هالكاً لا تبالی لهلاكه لخذلانك إيّاه بالمعصية.
قوله ]عليهالسلام[: كَثيرَةَ الْعِلَلِ
حال من المستتر فی «تسلك»، فتأمل.
و الأظهر كونه صفة لقوله نفساً إذ ليس فی الإضافة اللفظية كسب فليتأمل، أی: نفساً كثرت عيوبها و عللها المترتبة علی بُعدها عن حضرتك.
و الجزع: ضدّ الصّبر.
و الميّالة: مبالغة من الميل و هو الشهوة.
و اللعب: ما لا ترتب عليه نفع و المراد به هنا هو عمل لايترتب عليه قرب الحق ورضوانه.
و اللهو: الغفلة و الاشتغال بالباطل عن الحق و المراد به هنا ما يلهيك عن ذكر الله من المال و الولد و نحوهما.
و المراد بالسهو هنا هو نسيانها لعالمه الروحانی الأوّلی الذی كان مشرفاً فيه بالقرب السبحانی.
قوله ]عليهالسلام[: تُسْرِعُ ]بِی إِلی الْحَوْبَةِ[
أی: تحملنی علی المسارعة إلی ما لاترضی.
و الحوبة بالفتح: مصدر، حاب الرجل إذا اكتسب الإثم فهی الإثم و الخطيئة.
قوله] عليهالسلام[: وَ تُسَوِّفُنِی ]فی المخطوطة: «توفنی».[، ]بِالتَّوْبَةِ[
أی: تأمرنی بالتسويف و تأخير التوبة عن وقت إلی وقت من وقت الأمر إذا جعل له الوقت.
قال عليهالسلام: إِلهِی إِلَيْكَ أَشْكُو عَدُوّاً يُضِلُّنِی ]وَ شَيْطاناً يُغْويْنِی قَدْ مَلَأَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِی وَ أَحاطَتْ هَوَاجِسُهُ بِقَلْبِی، يُعاضِدُ لِی الْهَوی، وَ يُزَيِّنُ لِی حُبَّ الدُّنْيا[ وَ يَحُولُ بَيْنِی وَ بَيْنَ الطّاعَةِ وَ الزُّلْفی.
لمّا أقبل عليه بوجه الشكاية عن الشيطان النفسی أراد أن يوجّه إليه بالشكاة ]فی الصحاح، ج 6، ص: 2394 مادة: «شكا»: شكوت فلانا أشكوه شكوی و شكاية و شكية و شكاة، إذا أخبرت عنه بسوء فعله بک. [عن الشيطان الجنّی؛ و يحتمل أن يكون مراده عليهالسلام الشكاية عن النفس فإنّها هی الشيطانة الحقيقية، بل ليس سواها شيطان عند جماعة من محققی القوم فالفصل إنّما هو لمراعاة استعدادات الأفهام و ستر السرّ عن العوام.
قوله ]عليهالسلام[: عَدُوّاً يُضِلُّنِی
أی: من لايريد صلاحی بل يريد فساد حالی و قد نطق القرآن بكون الشيطان عدواً للإنسان كما قال: (أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِی آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(. ]سورة يس، الآية 60. [
و يحتمل أن يكون المراد بالعدوّ إنساناً ضالّاً يصدّ الخلق عن سبيل الهداية و يضلّ الناس بغير علم.
و الإغواء: الإضلال و هو الإمالة عن الحق إلی الباطل.
و الوسواس: ما لا خير فيه و المراد به هنا هو محبة الغير و التعلق إلی ما سوی الحق.
و الهواجس: الخواطر و هی ما يخطر بالقلب، و المراد بها هنا هو ذكر غير الحق والتعلق بما سواه.
قوله ]عليهالسلام[: يُعاضِدُ ]لِی الْهَوی[
أی: يحملنی علی اتباع هوی النفس و ميلها.
قوله ]عليهالسلام[: وَ يُزَيِّنُ لِی ]حُبَّ الدُّنْيا[
أی: يعظّمه فی عينی.
قوله ]عليهالسلام[: يَحُولُ ]بَيْنِی وَ بَيْنَ الطّاعَةِ وَ الزُّلْفی[
أی: يمنعنی عن الطروق إلی جنابك و يحرمنی عن الفوز ببابك.
وَ الزُّلْفی: كالحسنی، القرب، و فيه إشارة إلی أنّ إطاعة النفس يبعدّ الرجل عن مقام القرب و تعمّيه عن مشاهدة أنوار الجذب كما أنّ إطاعة العقل يقرّبه إلی بساط الحق و يبصّره أنوار تجلّياته.
قال عليهالسلام: إِلهِی إِلَيْکك أَشْكُو قَلْباً ]قاسِياً[ مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً ]وَ بِالرّينِ وَ الطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَ عَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً وَ إِلی ما تَسُرُّها[ طامِحَةً.
أقبل بالشكاية أيضاً فإنّها متضمّنة للاستغفار و الاستعصام.
قوله ]عليهالسلام[: مُتَقَلِّباً ]فی المخطوطة: «منقلبا». [
أی: منكوساً كما ينكس قلوب أهل المعصية بالمعصية كما قال: (فَلَمَّا زَاغُوا ]فی المخطوطة: «أزاغوا». [أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) ]سورة الصف، الآية 5. [أی: أمالها و أنكسها.
و الرين: الحجاب الكثيف.
و الطبع و الختم بمعنی واحد.
و القلب المنكوس هو قلب المشرك و المطبوع هو قلب المنافق و عليه الحديث. ]الکافی، ج 2، ص 422 ـ 423، باب فی ظلمة قلب المنافق… ، ح 2. [
و لايخفی أنّ القلب إنّما يختم عليه بعد عرض الهداية عليه و إعراضه عنها، فحينئذ يطبع عليه، فلا يسلك صاحبه إلی الخير أبداً و هنا تفاصيل كثيرة قد أشرنا إليها فی بعض الرسائل.
قوله عليهالسلام: مِنْ خَوْفِكَ
متعلق بالبكاء، أی لا تبكی علی نفسه بكاء الخوف من عقابك و لا الشوق إلی ثوابك بل تطمح أی ترفع إلی ما يضرّها من متاع الدنيا و زخرفها.
قال عليهالسلام: وَ لا حَوْلَ وَ لا قُوَّةَ إِلّا بِقُدْرَتِكَ ]وَ لا نَجاةَ لِی مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا إِلّا بِعِصْمَتِكَ فَأَسْئَلُكَ بِبَلاغَةِ حِكْمَتِكَ وَ نَفاذِ مَشِيَّتِكَ أَنْ لاَ تَجْعَلَنِی لِغَيْرِ جُودِكَ مُتَعَرِّضاً، وَ لا تُصَيَرِّنِی لِلْفِتَنِ غَرَضاً وَ كُنْ لِی عَلَی الأَعْداءِ ناصِراً وَ عَلَی الْمَخازِی وَ الْعُيُوبِ ساتِراً وَ مِنَ الْبَلايَا واقِياً وَ عَنِ الْمَعاصِی عاصِماً بِرَأْفَتِكْ[ وَ رَحْمَتِكَ ]فی المخطوطة: «برحمتك». [يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.
لمّا شكی عن القلب المطبوع و عدم الشوق إلی الطاعة و الميل إلی المعصية طلب التوفيق منه علی الطاعات و ترك السيّئات معترفاً بأنّ ذلك بيده تعالی.
فقال ]عليهالسلام[: لاَ حَوْلَ
أی: لا حائل بينی و بين المعصية إلّا أرادتك و لا حائل لی علی الطاعة إلّا مشيتك فالكلّ من عندك، فوفّقنی علی طاعتك و اعصمنی عن معصيتك.
قوله] عليهالسلام[: وَ لا نَجاةَ ]مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا إِلّا بِعِصْمَتِكَ[
أی: ليس لی ما اعتصم به من شرور الدنيا و مهالكها و ما يترتب عليها من الضلالة والغواية إلّا عصمتك و حبل حفظك فبحبل عصمتك أثق فی جميع الأحوال.
قوله] عليهالسلام[: بِبَلاغَةِ ]فی المخطوطة: «ببلاغ». [حِكْمَتِكَ ]وَ نَفاذِ مَشِيَّتِكَ[
أی: بحكمتك البالغة و المراد بها علمه بمصالح كلّ شیء و المعاملة مع كلّ شیء بما فيه مصلحته علی الوجه الأتمّ الذی يعلمه.
قوله ]عليهالسلام[: وَ نَفاذِ مَشِيَّتِكَ
أی: بمشيتك النافذة الماضية و المراد بها إرادته التی قهر بها كلّ شیء فلم يستطع شیء أن يخرج عن تحت إرادته و مشيته فالكلّ مقهور تحت قدرته.
قوله ]عليهالسلام[: لاتَجْعَلَنِی لِغَيْرِ جُودِكَ ]مُتَعَرِّضاً[
أی: لا تخذلنی حتی أسلك فی مسالك الغواية فأحرم عن فيضك الذی يفوز الصافون العارفون و اجعلنی سالكاً فی مسلك الهداية حتّی أفوز بفيض ملاطفتك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ لاتُصَيِّرَنِی ]لِلْفِتَنِ غرَضاً[
أی: و احفظنی عن جميع الفتن الدنياوية والأخراوية و لاتجعلنی مغموماً بالفتن والبلايا.
و الغرض بالمعجمتين: الهدف الذی يرمی إليه.
قوله ]عليهالسلام[: وَ كُنْ لِی ]عَلَی الأَعْدآءِ ناصِراً[
أی: أيّدنی بنصرك الذی وعدته للمؤمنين بك حتی لايقدر أعدائی من الجاحدين لربوبيتك و المنكر لأمر رسالتك علی إقامة الحجج و البراهين علی مدّعاهم بل أيّدنی لأن أرفع حججهم بما علمتنی من البراهين و الدلايل.
و المخازی: جمع الخزی و هو الفضيحة و الهلاكة.
و الواقی: الحافظ من وقاه الله الشرّ إذا حفظه عنه.
و العاصم: الحافظ الواقی.
المناجاة الثالثة يسمی بمناجاة الخائفين
قال عليهالسلام: إِلهِی أَتُراكَ بَعْدَ الإيْمانِ بِكَ تُعَذِّبُنِی ]أَمْ بَعْدَ حُبِّی إِيّاكَ تُبَعِّدُنِی، أَمْ مَعَ رَجائِی لِرَحْمَتِكَ وَ صَفْحِكَ تَحْرِمُنِی، أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِی بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِی، حاشا لِوَجْهِك الْكَرِيمِ، أَنْ تُخَيِّبَنِی، لَيْتَ شِعْرِی أَلِلشَّقاءِ وَلَدَتْنِی أُمِّی أَمْ لِلْعَناءِ رَبَّتْنِی، فَلَيْتَها لَمْ تَلِدْنِی وَ لَمْ تُرَبِّنِی، وَلَيْتَنِی عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَنِی وَ بِقُرْبِكَ وَ جِوَارِكَ خَصَصْتَنِی، فَتَقِرَّ بِذلِکَ عَيْنِی[ وَ تَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِی.
لقد أتی الحق بالإيمان و المحبّة و التبتل و الرجاء لما عرف من أنّه تعالی لا يقطع فيضه عن الذی أتاه بتلك الصفة فاستفهم من الحقّ تعالی علی وجه المجاز إشعاراً بتحقق المقصد و ثبوت ما عرفه من أنّه تعالی لايعذّب المؤمنين المحبّين.
فقال: أَتُراکَ إلی آخره علی صيغة المجهول، أی: لست تعذّب بنار سخطك من آمن بك حقيقة الإيمان، لمنافاة السخط للإيمان.
و قد ذكرنا فی شرح كميل أنّ لكلّ عقيدة أثرا ]فی المخطوطة: أثرٌ و ما أدرجناه هو الصحيح. [يترتب عليها فإن كانت صحيحة يترتب عليها الفوز بمقام القرب و إن كانت فاسدة يترتب عليه الحرمان عن لذة الجذب، فالإيمان لايرتب عليه إلّا القرب، و الكفر لايترتب عليه إلّا البُعد الذی هو حقيقة النار، كما أنّ الأول هو حقيقه الجنّة، و هنا مباحث لطيفة تطلب من مظانها.
قوله ]عليهالسلام[: أَمْ بَعْدَ حُبِّی إِيّاك ]تُبَعِّدُنِی[
أی: ليست من عادتك أن تعذّب بنار فراقك و بُعدك من شرّفته بحبّك و أكرمته بجذبک؛ كيف و حبّك حقّ الحبّ ترفع الموانع التی تكون بينی و بينك، فتظهر لی أنوار طلعتك.
قوله ]عليهالسلام[: أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِی ]بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِی[
أی: لست تترك المستجير بعفوك و اللائذ بجنابك علی حاله أو تسلّمه إلی نقماتك؛ كيف و أنت المجير للمستجيرين و المعين للمضطرين.
قوله ]عليهالسلام[: أَمْ مَعَ رَجائِی ]لِرَحْمَتِكَ وَ صَفْحِكَ تَحْرِمُنِی[
أی: لست تحرم عن رحمتك من لايزال يرجوك فيها؛ كيف و قد حتمت علی نفسك أن لاتخيب من يرجوك و لاتحرم عن الإجابة من يدعوك.
قوله ]عليهالسلام[: حاشا ]لِوَجْهِكَ الْكَريمِ أَنْ تُخَيِّبَنِی[
أی: تقدّس و تنزّه ذاتك من أن تحرم عن فيض نعمتك من يرجوك و يحبك.
قوله ]عليهالسلام[: أَ لِلشَّقاءِ
أی: ليتنی كنت عالماً بأنّ ماهيتی هل فطرت بفطرة الشقاوة و البعد عن الحقّ.
وَ العَنا: التعب و المراد به الإتعاب الروحانية المضرة بالنفس.
قوله ]عليهالسلام[: ]أَ[مِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ ]جَعَلْتَنِی وَ بِقُرْبِكَ وَ جِوارِكَ خَصَصْتَنِی[
أی: حكمت علی بالسعادة فی الأزل و قضيت علی ماهيتی بالهداية.
قوله ]عليهالسلام[: وَ بِقُرْبِكَ ]وَ جِوارِكَ خَصَصْتَنِی[
أی: و بمقام معرفتك و طاعتك شرفتنی.
فَتَقِرَّ بِذلِكَ ]عَيْنی[
أی: فافرح و ابتهج بما حكمت علی و قضيت.
وَ تَطْمَئِنَّ لَهُ ]نَفْسِی[
أی: لذلك نفسی حتی لاتحزن علی ما هی عليه من الشقاوة.
قال عليهالسلام: إِلهِی هَلْ تُسَوِّدُ وُجُوهاً ]خَرَّتْ ساجِدَةً لِعَظَمَتِكَ، أَوْ تُخْرِسُ أَلْسِنَةً نَطَقَتْ بِالثَّناءِ عَلی مَجْدِكَ وَ جَلالِكَ، أَوْ تَطْبَعُ عَلی قُلُوبٍ انْطَوَتْ عَلی مَحَبَّتِكَ، أَوْ تُصِمُّ أَسْماعاً تَلَذَّذَتْ بِسَماع ذِكْرِكَ فِی إِرَادَتِكَ، أَوْ تَغُلُّ أَكُفّاً رَفَعَتْهَا آلاْمالُ إِلَيْكَ رَجاءَ رَأْفَتِكَ، أَوْ تُعاقِبُ أَبْداناً عَمِلَتْ بِطاعَتِكَ حَتّی نَحِلَتْ فِی مُجاهَدَتِكَ، أَوْ تُعَذِّبُ أَرْجُلاً[ سَعَتْ فِی عِبادَتِكَ
أكّد ما أسلفه من عدم تعذيبه تعالی للمؤمنين و المحبين بما هو قريب منه إلحاحاً له فی الدعاء التذاذاً بمخاطبة من هو المتفرد بالعلاء.
فقال ]عليهالسلام[: هَلْ تُسَوِّدُ وُجُوهاً ]خَرَّتْ ساجِدَةً لِعَظَمَتِكَ[
أی: لست تسوّد بسواد المعصية وجوهاً سقطت ساجدة لدی حضرة عظمتك؛ كيف و بالسجود لك تبيضّ الوجوه.
قوله ]عليهالسلام[: أَوْ تَطْبَعُ ]عَلی قُلُوبٍ انْطَوَتْ عَلی مَحَبَّتِكَ[
أی: تحكم بالطبع و الرين علی قلوب اشتملت علی حبّك و تنوّرت بجذبك.
قوله] عليهالسلام[: أَوْ تُصِمُّ
أی: عن سماع ألحان طواويس ]جمع طاووس کنايةٌ عن جزبة المعرفة و جمالها. [معرفتك.
قوله ]عليهالسلام[: فِی إِرادَتِكَ
أی: فی حبّهم لك و قصدهم لجنابك.
قوله ]عليهالسلام[: أَوْ تَغُلُّ ]أَكُفّاً رَفَعَتْهَا الاْمالُ إِلَيْكَ رَجآءَ رَأْفَتِكَ[
أی: أتجعلها مغلولة علی عنق صاحبها بعد ما رفعت إلی جناب رحمتك رجاءً للفوز بنعمتك.
قوله ]عليهالسلام[: حَتّی نَحِلَتْ ]فِی مُجاهَدَتِكَ[
أی: هزلت فی طريق المجاهدة التی أمرت صاحبها بها؛ و فی النسبة إشارة إلی الرياضة بغير ما أمر الله و رسوله، لايرتّب عليها السعادة الأخروية، فليتأمل.
قال عليهالسلام: إِلهِی لا تُغْلِقْ عَلی مُوَحِّديكَ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، ]وَ لا تَحْجُبْ مُشْتاقيكَ عَنِ آلنَّظَرِ اِلی جَميلِ رُؤْيَتِكَ، إِلهِی نَفْسٌ اَعْزَزْتَها بِتَوْحيدِكَ كَيْفَ تُذِلُّها بِمَهانَةِ هِجْرَانِكَ وَ ضَميرٌ انْعَقَدَ عَلی مَوَدَّتِكَ كَيْفَ تُحْرِقُهُ[ بِحَرَارَةِ نِيرانِكَ
أكّد النفی فيما أسلفه من عدم معاقبة المخلصين و الموحدين بالمخاطبة الإخبارية المتضمنة للدّعاء.
فقال ]عليهالسلام[: لا تُغْلِقْ ]عَلی مُوَحِّديكَ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ[
أی: ليس من عادتك أن تسدّ سبيل رحمتك علی من أتاك خالصاً عن غيرك، صافياً عن سواك؛ كيف و بابك مفتوح لمن دعاك مخلصاً و منجوح لمن أتاك موحّدا.
قوله ]عليهالسلام[: وَ لاتَحْجُبْ ]مُشْتاقيكَ عَنِ النَّظَرِ إِلی جَميلِ رُؤْيَتِكَ[
أی: و قد جرت عادتك علی أن لا تحرم عن أنوار طلعة قدّوسيّتك من اشتاق إلی ملاحظتها تشوّق العاشق إلی المعشوق؛ كيف و قد وعدت طالبيك الوصول إلی لذة طلعتك، حيث قلت: «من طلبنی وجدنی و من وجدنی أحبّنی و من أحبّنی عشقنی» ]لم نعثر علی الرواية بهذا اللفظ و لكن قريب منه فی «نفس الرحمن فی فضائل سلمان»، ص 331، و فيه: «قال الله تعالی: من أحبنی عرفنی، و من عرفنی عشقنی، و من عشقنی قتلته، و من قتلته فعلی ديته، و أنا ديته».[ إلی آخره و يحتمل كون الفعلين دعاء فهما مجزومان بـ «لا».
قوله ]عليهالسلام[: أَعْزَزْتَها بِتَوْحيدِكَ
أی: شرّفتها بمقام الإخلاص و الخلوص بحيث ما تعلقت إلّا بحبل رحمتك و ما نظرت إلّا إلی جميل طلعتك ففاز بمقام قرب حضرتك.
قوله ]عليهالسلام[: بِمَهانَةِ هِجْرانِكَ
أی: بمحابّة غيرك و موادّة سواك فإنّ الاشتغال بخلقك مُلْهٍ عن الاشتغال بك؛ كيف و لايجتمع حبّك و حبّ ]غيرك[؛]فی المخطوطة: «حبّك و حبّك».[ قلب واحد، كما لا يجمع الماء و النار فی إناء واحد.
قوله ]عليهالسلام[: انْعَقَدَ ]عَلی مَوَدَّتِكَ[
أی: استحكم فيك مودّته بالتبصير و التحقيق.
قوله ]عليهالسلام[: بِحَرارَةِ نيرانِكَ
أی: نيران عداوتك و الجرئة عليك.
قال عليهالسلام: إِلهِی أَجِرْنِی مِنْ أَلِيمِ غَضَبِكَ ]وَ عَظِيمِ سَخَطِكَ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ، يا رَحيمُ يا رَحْمنُ، يا جَبّارُ يا قَهّارُ، يا غَفّارُ يا سَتّارُ، نَجِّنِی بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذابِ النّارِ، وَ فَضيحَةِ الْعارِ، إِذَا امْتازَ الأَخْيارُ مِنَ الأَشْرارِ وَ حالَتِ الأَحْوالُ وَ هالَتِ الأَهْوالُ وَ قَرُبَ الْمُحْسِنُونَ وَ بَعُدَ الْمُسيئُونَ (وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ[، وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ]سورة آل عمران، الآية 25.[.
أقبل إلی الحق بوجه السّؤال و الطلب صريحاً بعد ما قدّم بذلك ضمناً.
فقال ]عليهالسلام[: أَجِرْنِی ]مِنْ أَليمٍ غَضَبِكَ وَ عَظيمِ سَخَطِكَ[
أی: أعصمنی من معصية توجب غضبك و من خطيئة تورث سخطك.
وَ الحَنّانُ: العطّاف من حنّت علی الشیء، عطفت عليه.
وَ المَنّانُ: المِنعام.
وَ الجَبّارُ: صاحب الجبروت و السلطنة.
وَ القَهّارُ: قاهر المهيات بالوجود.
قوله] عليهالسلام[: مِنْ عَذابِ النّارِ ]وَ فَضيحَةِ الْعارِ[
أی: من ألم نار الهجران عن بساطك.
وَ العارِ: العيب.
قوله ]عليهالسلام[: إِذَا امْتازَ ]الأَخيارُ مِنَ الأَشرارِ[
أی: عند ظهور الكاملين و قيام أمرهم أو فی القيمة كما قال: (وَ امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ]سورة يس، الآية.[.
قوله ]عليهالسلام[: وَ حالَتِ الأَحْوالُ
أی: و تغيرت الحالات من دهش صاحبها فی الخوف من عقابك و قيل: أی: رجع الحالات الدنياوية من السعادة و الشقاوة إلی حقايقها.
قوله ]عليهالسلام[: وَ هالَتِ الأَهوالُ
أی: افزعت المخاوف من حُشر فی ذلك اليوم.
قوله ]عليهالسلام[: وَ قَرُبَ
أی: إلی رحمتك و عفوك و إلی مشاهدة نور طلعتك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ بَعُدَ
أی: عن رحمتك و عن ملاحظة طلعة صمدانيّتك.
قوله ]عليهالسلام[: ما كَسَبَتْ
أی: ما عملته فی الدنيا من خير و شرّ.
و فی قوله: (وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ) ]سورة آل عمران، الآية 25.[ إشارة إلی أنّه تعالی يعامل مع كل نفس بما هو فی استعدادها من الشقاوة و السعادة، فإن كانت شقيّةً فحكمها البعد عن الرحمة، لأنّ ذلك هو جزاء الشقاوة، و إن كانت سعيدة، فحكمها القرب إلی بساط الحق لأنّ ذلك هو جزاء السعادة كما قال: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) ]سورة الزلزلة، الآية 7.[ إلی آخره؛ و إلی أنّه ما كان جعل الصفتين من فعل الجاعل بل كانتا مكمونة فی الماهيات أزلاً، فتأمّل.
المناجاة الرابعة تسمّی بمناجاة الراجين
قالَ عليهالسلام: يا مَنْ إِذا سَئَلَهُ عَبْدٌ أَعْطاهُ، ]وَ إِذا أَمَّلَ ما عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُناهُ، وَ اِذا أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَأَدْناهُ، وَ إِذا جاهَرَهُ بِالْعِصْيانِ سَتَرَ عَلی ذَنْبِهِ وَ غَطّاهُ وَ إِذَا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَبَهُ[ وَ كَفاهُ
أثنی علی الحقّ بتعداد بعض خصايصه و مراحمه.
فقال ]عليهالسلام[: يا مَنْ ]اِذا سَئَلَهُ عَبْدٌ اَعْطاهُ[
أی: أنت الذی حتمت علی نفسك أن تجيب كلّ من يسئلك بشرايط السؤال؛ فقلت: (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ]سورة غافر، الآية 60.[ و فيه إشارة إلی وجوب الدعاء عليك و وجوب الإمضاء والإجابة عليه، فإنّه كريم لا يخلف وعده ولكن لا يتحقق الامضاء بعد الدعاء إلّا بعد اشتماله علی شرايطه، و يحتمل أن يكون المراد بالسؤال سؤاله بحسب استعداده و بلسان قابليّته و بالإعطاء إعطائه كلّ ذی حق حقّه من الشقاوة و السعادة و غيرهما.
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِذا أَمَّلَ ]ما عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُناهُ[
أی: و إذا رجی ما عند الله من الرضوان بلّغه إليه بالتوبة و الطاعة.
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِذا أَقْبَلَ ]عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَ أَدْناهُ[
أی: و إذا عزم العبد علی أن يقبل علی الحقّ بوجه التوحيد يشرّفه بشرايف القرب و يكرمه بكرائم الجذب كما قال: «من تقرّب إلی شبراً، تقربت إليه» ]الأمالی، للسيد المرتضی، المجلس الثالث و العشرون، ج 2، ص 6.[ إلی آخره.
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِذا جاهَرَهُ ]بِالْعِصْيانِ سَتَرَ عَلی ذَنْبِه وَ غَطّاهُ[
أی: و إذا اجترء علی عصيانه لقلة حيائه، غفر الله له، ساتراً ذنبه عن الخلق حتی لايفتضح.
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِذا تَوَكَّلَ ]عَلَيْهِ أَحْسَبَهُ وَ كَفاهُ[
أی: و إذا فوّض جميع أموره إلی الحق عارفاً بأنّه كافيه، كفاه كما قال: (وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) ]سورة الطلاق، الآية 2 ـ 3.[ و قال: (أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ]سورة الزمر، الآية 37.[
أی: إذا عمل بشرايط العبودية و اعترف بمقام الربوبية.
و عن أبی عبدالله عليهالسلام: قال: «أوحی الله إلی داود عليهالسلام ما اعتصم بی عبد من عبادی دون أحد من خلقی عرفت ذلك من نيّته، ثم تكيده السموات و الأرض و من فيهنّ، إلّا جعلت له المخرج من بينهنّ؛ و ما اعتصم عبد من عبادی بأحد من خلقی عرفت ذلك من نيّته، إلّا قطعت أسباب السموات و الأرض من يديه و أسخت الأرض من تحته، و لم أبال بأی وادٍ يهالك» ]الکافی، ج 2، ص 63، باب التفويض إلی الله و التوکل عليه، ح 1، مع اختلاف يسير.[.
و عن علی بن الحسين عليهالسلام قال: «خرجت حتی انتهيت إلی هذا الحائط فاتكأت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر فی تجاه وجهی، ثم قال: يا علی بن الحسين عليهالسلام! ما لی أراك كئيباً حزينا؟ أعلی الدنيا؟ فرزق الله حاضر للبرّ و الفاجر، قلت: ما علی هذا أحزن و إنّه لكما تقول قال: فعلی الآخرة؟ فوعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما علی هذا أحزن و إنّه لكما تقول، فقال: ممّ حزنک؟ قلت: ممّا نتخوّف من فتنة ابن الزبير و ما فيه الناس، قال: فضحك، ثم قال: يا علی بن الحسين عليهالسلام! هل رأيت أحداً دعی الله فلم يجبه؟ قلت: لا، قال: فهل رأيت أحداً توكل علی الله فلم يكفه؟ قلت: لا، قال: فهل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثم غاب عنّی». ]نفس المصدر، ص 63 ـ 64، ح 2.[
قال عليهالسلام: إِلهِی مَنِ ]فی المخطوطة: «من ذا الذی». [الَّذِی نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِراكَ ]فَما قَرَيْتَهُ، وَ مَنِ الَّذِی أَناخَ بِبابِكَ مُرْتَجِياً نَداكَ فَما أَوْلَيْتَهُ، أَيَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً، وَ لَسْتُ أَعْرِفُ سِوَاكَ مَوْلی بِالإِحْسانِ مَوْصُوفاً، كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ وَ كَيْفَ أُؤَمِّلُ سِواكَ وَ الْخَلْقُ وَ الأًمْرُ لَكَ أَ أقْطَعُ رَجائی مِنْكَ وَ قَدْ أَوْلَيْتَنِی ما لَمْ أَسْئَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ أَمْ تُفْقِرُنِی اِلی مِثْلِی[، وَ أَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ
عاد عليهالسلام أيضاً ]لعله إشارة إلى قوله عليهالسلام المتقدم فی أول المناجات: «أثنی علی الحق بتعداد بعض خصايص هو مراحمه».[ فی بيان مرحمته تعالی إلی عباده و عطّافيّته إلی أهل بلاده.
فقال ]عليهالسلام[: مَنِ الَّذِی ]نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِراكَ فَما قَرَيْتَهُ[
أی: قد جرت عادة رحمانيّتك علی أن تقرّب إلی بساطك و تشرّف بقربك من قصد وجهك و نور زيارتك بالصدق.
و الملتمس: الطالب السائل.
و القری: الضيافة.
قوله ]عليهالسلام[: وَ مَنِ الَّذِی
أی: ليس من عادتك أن تحرم عن عطائك و تمنع عن باب هبتك من أقام لدی باب حضرتك مخلصاً لك نيّته و سريرته.
و الإناخة: الإبراك.
و الندی: المجلس.
و أولاه ]أَوْليتَهُ[: أعطاه
قوله ]عليهالسلام[: أَيَحْسُنُ
أی: أترضی يا ربّ أن لا تأوينی فی مقام قربك بعد ما تقرّبت إليك، فأرجع محروماً قانطاً عن رحمتك و أنت السيد الغفور الكريم، و لست أعرف سواك من يرحم الضعيف ويحسن إلی المسيئ.
قوله ]عليهالسلام[: وَ الْخَيْرُ كُلُّهُ
أی: و أمر كلّ خير بيدك، تؤتيه إلی من تشاء و تمنعه عمن تشاء.
قوله ]عليهالسلام[: الخَلْقُ وَ الأَمْرُ ]لَكَ[
أی: أنت مالك كل شیء و أنت السلطان فی جميع العوالم و إليك فليرجع العاصون وإيّاك فليؤمّل الراجون.
و المراد بالخلق هو عالم الشهادة و بالأمر هو عالم الغيب.
و قيل: الأول هو عالم الأجسام و الثانی هو عالم الأرواح و هنا تفاصيل كثيرة مذكورة فی المطولات.
قوله ]عليهالسلام[: ما لَمْ أَسْئَلْهُ ]مِنْ فَضْلِكَ[
أی: من الوجود و توابعه فكيف لا تعطينی ما أسئلك.
قوله ]عليهالسلام[: أَمْ تُفْقِرِنی إِلی مِثْلِی ]وَ أَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ[
أی: إلی من هو عبدك أيضاً أحدثته و أبدعته كما أحدثتنی و أبدئتنی.
قال عليهالسلام: يا مَنْ سَعَدَ بِرَحْمَتِهِ الْقاصِدُونَ، ]وَ لَمْ يَشْقَ بِنِقْمَتِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، كَيْفَ أَنْساكَ وَلَمْ تَزَلْ ذاكِرِی، وَ كَيْفَ أَلْهُو عَنْكَ وَ أَنْتَ مُراقِبِی، إِلهِی بِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ يَدِی وَ لِنَيْلِ عَطاياكَ بَسَطْتُ أَمَلِی، فَأَخْلِصْنِی بِخالِصَةِ تَوْحِيدِكَ[ وَ اجْعَلْنِی مِنْ صَفْوَةِ عَبيدِكَ.
السعادة بالرحمة هی الفوز بالقرب السبحانی و الفيض الرحمانی.
و القاصد: من يقصد بساط الحق مخلصاً خالصاً.
و الشقاوة: ضد السعادة، فهی بُعد العبد عن الحق بأحد الوجوه.
و المستغفر: من يرجع إلی طاعة الحق راجياً غفرانه.
قوله ]عليهالسلام[: كَيْفَ أَنْسيكَ ]وَ لَمْ تَزَلْ ذاكِرِی[
أی: لاينبغی لی أن أنسی ذكرك و أعرض عن بساط قربك و أنت ذاكری بنعمتك المتواترة علی فی جميع الأحيان.
قوله ]عليهالسلام[: كَيْفَ أَلْهُو ]عَنْكَ وَ أَنْتَ مُراقِبِی[
أی: لاينبغی لی أن أشغل عنك بغيرك مع علمی بأنّك أنت الرقيب علی فی جميع الأحوال، تری أفعالی و تعلم أعمالی.
قوله ]عليهالسلام[: بِذَيْلِ ]كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ يَدی[
أی: أتيتك مفوضاً أمری إليك و انقطعت عن غيرك كله و تعلقت بحبل كرمك و عفوك راجياً منك أن تشرّفنی بعطاياك و تكرمنی بجوائز حنّانيّتك.
قوله ]عليهالسلام[: فَأَخْلِصْنِی ]بِخالِصَةِ تَوْحيدِكَ[
أی: و اجعلنی صافياً عن شوائب الشرك و خالصاً عن التعلق بالغير.
قوله ]عليهالسلام[: مِنْ صَفْوَةِ ]عَبيدِكَ[
أی: من مختارهم و خيارهم الذين طهرت قلوبهم عن كلّ رجس و صفت أفئدتهم عن كلّ قذر.
قال عليهالسلام: يا مَنْ كُلُّ هارِبٍ إِلَيْهِ يَلْتَجِئُ ]وَ كُلُّ طالِبٍ إِيّاهُ يَرْتَجِی، يا خَيْرَ مَرْجُوٍّ وَ يا أَكْرَمَ مَدْعُوٍّ وَ يا مَنْ لا يُرَدُّ سائِلَهُ وَ لا يُخَيِّبُ آمِلُهُ، يا مَنْ بابُهُ مَفْتُوحٌ لِداعيهِ وَ حِجابُهُ مَرْفُوعٌ لِراجيهِ، أَسْئَلُكَ بِكَرَمِكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَی مِنْ عَطائِكَ بِما تَقَرُّ بِهِ عَيْنِی وَ مِنْ رَجائِكَ بِما تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِی وَ مِنَ الْيَقينِ بِما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَی مُصيباتِ آلدُّنْيا وَ تَجْلُو بِهِ عَنْ بَصيرَتِی غَشَواتِ الْعَمی، بِرَحْمَتِكَ[ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.
أقبل عليه بالثناء ملحّا فی الدعا.
فقال ]عليهالسلام[: يا مَنْ كُلُّ ]هارِبٍ إِلَيْهِ يَلْتَجِئُ[
أی: يا من هو الملجأ لكلّ من لا ملجأ له فإِنّه هو السيّد الذی يأوی إليه كلّ شیء و يفرّ إلی بابه كلّ شیء.
قوله ]عليهالسلام[: يا مَنْ لا يُرَدُّ ]سائِلُهُ[
أی: يعطی كلّ من يسئله بلسان الحال أو القال.
قوله ]عليهالسلام[: يا مَنْ بابُهُ ]مَفْتُوحٌ لِداعِيهِ[
أی: يا من لم يسدّ علی من يدعوه خالصاً باب إجابته، بل يجيب لكلّ من دعاه.
قوله ]عليهالسلام[: وَ حِجابُهُ ]مَرْفُوعٌ لِراجيهِ[
أی: ليس لمن يرجوه بخالص الرجاء حاجب عن حضرته.
قوله ]عليهالسلام[: بِما تَقَرُّ ]بِهِ عَيْنی[
أی: من رأفتك و عطوفتك علیّ.
قوله ]عليهالسلام[: وَ تَجْلُو ]بِهِ عَنْ بَصيرَتی غَشَواتِ الْعَمی بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ[
أی: و تكشف و ترفع عن قلبی حجب العمی عن أنوار طلعتك حتّی أدعوك صافياً و أرجوك معافياً.
المناجاة الخامسة تسمّی بمناجاة الراغبين
قال عليهالسلام: إِلهِی إِنْ كانَ قَلَّ زادِی فِی الْمَسيرِ إِلَيْكَ، ]فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنِّی بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَ إِنْ كانَ جُرْمِی قَدْ أَخافَنِی مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَإِنَّ رَجائِی قَدْ أَشْعَرَنِی بِالأَمْنِ مِنْ نَقِمَتِكَ، وَ إِنْ كانَ ذَنْبِی قَدْ عَرَّضَنِی لِعِقابِكَ فَقَدْ آذَنَنِی حُسْنُ ثِقَتِی بِثَوابِكَ، وَ إِنْ أَنامَتْنِی الْغَفْلَةُ عَنِ الأِسْتِعْدادِ لِلِقائِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْنِی الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِكَ وَ آلائِكَ، وَ إِنْ أَوْحَشَ ما بَيْنِی وَ بَيْنِكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ فَقَدْ آنَسَنی[ بُشْرَی الْغُفْرانِ وَ الرِّضْوانِ.
أقبل علی الحق بحسن ظنّه به مشيراً إلی أنّه هو الوسيلة للعاصی الذی قلّت طاعته وكثرت معصيته.
فقال ]عليهالسلام[: إِنْ كانَ قَلَّ
أی: لقد توجهت إليک بوجه الإلحاح متوكّلاً عليك متبتلاً إليك معترفاً بأنّ طاعتی قليلة و معصيتی كثيرة، و لكن قد حسن بک ظنّی أنّك تغفر لی و تعفو عن خطيئنی، و إن كان ذنبی أكثر من رمل القفار و طاعتی أقل من جناح البعوضة، فتوسّلت إليك بحسن الظن بعفوك.
و عن رسول الله صلی الله عليه و آله قال: «إنّ الله تبارك و تعالی يقول: لا يتّكل العاملون لی ]فی المصدر: ـ «لی».[ علی أعمالهم التی يعملونها لثوابی، فإنّهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم أعمارهم فی عبادتی، كانوا مقصرين غير بالغين فی عبادتهم كنه عبادتی فيما يطلبون عندی من كرامتی و النعيم فی جنّاتی و رفيع الدرجات العلی فی جواری؛ و لكن برحمتی فليثقوا و فضلی فليرجوا، و إلی حسن الظنّ بی فليطمئنّوا، فإنّ رحمتی عند ذلک تدركهم و مَنّی يبلغهم رضوانی و مغفرتی تلبسهم عفوی، فإنّی أنا الله الرحمن الرحيم و بذلک تسمّيت. ]الكافی، ج 2، ص 71، باب حسن الظنّ بالله، ح 1.[
و عن أبی عبدالله عليهالسلام: «أيّما عبد أقبل قبل ما يحبّ الله أقبل الله قبل ما يحبّ و من اعتصم بالله عصمه الله و من أقبل الله قبله و عصمه لم يبال لو سقطت السّماء علی الأرض أو كانت نازلة نزلت علی أهل الأرض فشملتهم بلية كان فی حزب الله بالتقوی من كلّ بليّة، أليس الله عزوجل يقول: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِی مَقَامٍ أَمِينٍ) ]سورة الدخان، الآية 51.[». ]الكافی، ج 2، ص 65، باب التفويض إلى الله و التوكل عليه، ح 4.[
قوله] عليهالسلام[: وَ إِنْ كانَ جُرْمِی ]قَدْ أَخافَنِی مِنْ عُقُوبَتِكَ فَإِنَّ رَجَائِی قَدْ أَشْعَرَنِی بِالأمِنِ مِنْ نَقِمَتِكَ[
أشار عليهالسلام إلی مقام المخلصين الذين تساوی رجائهم و خوفهم و لم يزد أحدهما علی الآخر مقدار خردل.
و عن الحارث بن مغيرة ]فی المصدر: «المغيرة».[ عن أبیعبدالله عليهالسلام قال: قلت: له ما كان فی وصية لقمان؟
قال: «كان فيها الأعاجيب و كان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك و ارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمک. ثم قال أبوعبدالله عليهالسلام: كان أبی يقول: إنّه ليس من عبد مؤمن إلّا و فی قلبه نوران: نور خيفةٍ و نور رجاءٍ، لو وزن هذا، لم يزد علی هذا و لو وزن هذا، لم يزد علی هذا». ]الكافی، ج 2، ص 67، باب الخوف و الرجاء، ح 1.[
قوله ]عليهالسلام[: قَدْ عَرَّضَنِی ]لِعِقابِكَ[
أی: جعلنی مستحقاً لعقوبتك و عذابك.
قوله ]عليهالسلام[: آذَنَنِی ]حُسْنُ ثِقَتِی بِثَوابِكَ[
أَی: أعلمنی.
و حسن الثقة: التوكل مع جمع الأسباب
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِنْ أَنامَتْنِی ]الْغَفْلَةُ[
أی: و إن أغفلنی سوء فطرتی عن التهيّأ للمسير إلی بساط لقائك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ إِنْ أَوْحَشَ ]ما بَيْنِی وَ بَيْنَكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَ الطُّغْيانِ[
أی: و إن حجب ما بينی و بين ساحتك و جعلنی مستوحشاً من طاعتك.
و فيه إشارة إلی أنّ المعصية حاجبة بين العبد و ربّه و مانعة عن وصوله إلی مقام القرب الصمدانی.
و الْبُشری بالضم: البشارة.
قوله ]عليهالسلام[: ]أَسْأَلُكَ[ بِسُبُحاتِ وَجْهِكَ
أی: بجلال ذاتك و عظمته من أن يدرك شیء و يصفه شیءٌ.
قوله ]عليهالسلام[: بِأَنْوارِ قُدْسِكَ ]وَ أَبْتَهِلُ إِلَيْكَ بِعَواطِفِ رَحْمَتِكَ وَ لَطائِفِ بِرِّكَ، أَنْ تُحَقِّقَ ظَنِّی بِما أُؤَمِّلُهُ مِنْ جَزيلِ إِكْرامِكَ، وَ جَميلِ إِنْعامِكَ فِی الْقُربی مِنْكَ، وَ الزّلْفی لَدَيْكَ وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إِلَيْكَ، وَ ها أَنَا مُتَعَرِّضٌ لِنَفَحاتِ رَوحِكَ وَ عَطْفِكَ، وَ مُنْتَجَعٌ غَيْثَ جُودِكَ وَلُطْفِكَ[.
أی بتجلّيات ذاتك فی كلّ شیء التی لم يدرك كنهها شیء و لم يصف كيفوفيّتها شیء، و يحتمل أن يكون المراد الأنبياء و الأولياء، فإنّ الله تعالی يتجّلی فيهم بصفة نورانيّته، فهم مجالی صفاته و مظاهر أسمائه و مرائی ذاته و هم آل الله الذين من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و من عبدهم فقد عبد الله.
و الابتهال: التضرّع فی السؤال.
و العطف: الشفقة.
قوله ]عليهالسلام[: أَنْ تُحَقِّقَ
أی: تكرّمنی بكرائم رحمتك و تشرّفنی بمقام نعمتك حتی لا أكون من الذين ضاعت آمالهم.
و القربی و الزلفی: بمعنی واحد.
قوله ]عليهالسلام[: وَ التَّمَتُّعِ
أی: التلذّذ بمشاهدة أنوار قدسک فی كلّ شیء.
قوله ]عليهالسلام[: لِنَفَحاتِ
أی: لهبّ رياح قربك.
و المنتجع: الطالب للمعروف.
قوله ]عليهالسلام[: فَارٌّ
أی: تائب عمّا أوجب غضبك من المعصية و الطغيان عاملاً لعمل صالح يوجب رضاك.
قوله ]عليهالسلام[: هارِبٌ
أی: ليس لی ملجأ إلّا أنت فإليك ألتجأ و بك أستعين فی مسيری إليك.
قوله ]عليهالسلام[: أَحْسَنَ مَا لَدَيْكَ
أی: بحسب استعدادی و قابليّتی لفوزی بلذّة القرب، لاختلاف مقامات القرب باختلاف الاستعدادات، فالقرب الذی به يفوز العوام و يحسبونه أحسن من كلّ شیء غير القرب الذی يفوز العلماء و هكذا.
و المعوّل: المعتمد.
قوله ]عليهالسلام[: ما بَدَأْتَ
أی: و اجعلنی فائزاً لمقام قدسك و وفّقنی للفوز بجناب قربك، فإنّك لقد عزّت خلقی لتلك الغاية و ابدعتنی لذلك الغرض، حيث قلت: (وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ) ]سورة الذاريات، الآية 56.[.
قوله ]عليهالسلام[: فَلا تَسْلُبْهُ
أی: لاتخذلنی حتی أعمل بمعاصيك، فاحرم عن مقام قربك و البعد عن بساط عزّ عبوديّتك.
قوله ]عليهالسلام[: وَ ما سَتَرْتَهُ
أی: و لا تفضحنی عنه خلقك بكشف الستر عن معايبی التی أخفيتها تحنّناً علیَّ.
قوله ]عليهالسلام[: فَاغْفِرْهُ
أی: بتوبتی و إنابتی.
قوله ]عليهالسلام[: إِسْتَشْفَعْتُ
أی: أجعلك وسيلة إلی عفوك، إذ غيرك إنّما يكون مثلی ذليلاً تحت أمرك و مقهوراً بحكمك، فلا ينبغی لی أنّ أجعله شفيعاً إليك و أقدّمه وسيلة إلی ما لديك.
و الرغبة: الحرص و الطمع و تستعمل فی السؤال و الطلب.
و الوبل بالفتح و السكون: جمع الوابل و هو المطر الشديد.
و الطول بالفتح: الفضل و النعمة.
و الإغمام: جمع الغمام و هو السحاب الأبيض.
و المرضاة: ما فی رضی الخالق من محاسن الأعمال.
و الجناب: الفناء.
و الوارد: ضدّ الصادر، يقال: ورد الماء إذا قصده و أتاه و صدر عنه إذا رجع.
و الشريعة: مورد الماء للاستسقاء.
و الرفد: العطاء و العون.
و الالتماس: الطلب.
و السنیّ: كالشريف وزناً و معنی من سنی الشیء اذا أعلی و أضاء.
و الوافد: الوارد و قيل: الماشی.
قوله ]عليهالسلام[: مُريداً وَجْهَكَ:
أی: لا أقصد فی سلوكی إليک غيرك؛ بل أنت مقصدی فی سيری هذا.
و الطارق: الآتی فی الليل، قيل: سمّی بذلک لاحتياجه إلی دقّ الباب.
و المستكين: المقرّ بالاستكانة و هی الذلّة.
قوله ]عليهالسلام[: ما أَنْتَ أَهْلُهُ
أی: تستحقه من العفو و الغفران.
المناجاة السادسة يسمّی بمناجاة الشاكرين
إِلهِی أَذْهَلَنِی عَنْ إِقامَةِ شُكْرِكَ تَتَابُعُ ]فی المخطوطة: «ينابع»، و ما أدرجناه من المصادر.[ طَوْلِكَ، ]وَ أَعْجَزَنِی عَنْ إِحْصَاءِ ثَنائِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ وَ شَغَلَنِی عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوائِدِكَ، وَ أَعْيانِی عَنْ نَشْرِ عَوارِفِكَ، تَوالِی[ أَياديكَ.
توجّه إلی الحق بوجه الإقرار بالتقصير عن شكر نعمائه.
فقال ]عليهالسلام[: أَذْهَلَنِی
أی: اغفلنی عن أداء شكرك قدر ما استطيعه كثرة احسانك إلی بأن كرّمتنی بفضلك و نعمتك فتواترت علی من جنابك آلاءٌ لاتحصی و نعماء لا تعدّ فغرّتنی تلك النعم واغفلتنی عن شكرك و طاعتك، فإنّ العبد إذا أقبل إليه مولاه بوجه اللطف و الشّفقة قد يغرّ، فلا يبالی عصيانه لحسن ظنّه به.
قوله ]عليهالسلام[: وَ أَعْجَزَنِی
أی: كثرة فضلك علی عبدك الذليل الذی لايقدر علی شیء لقد حملته علی الإقرار بالعجز عن أداء شكرك و احصاء ثنائك و استقصاء نعمائك؛ كيف و لايقدر علی شكر نعمة حقيرة انعمت بها عبدك الذليل الأذلّ أحد من خلقك و لا يستطيع علی إحصاء ثناء وجهك أحد من عبادك؛ كيف كيف و هم خلق أذلّاء لايدركون كنه رأفتك و لا يبلغون مقام رحمتك؛ كيف و قد جلّت نعمتك من أن يشكرها أحد و تعالت علواً كبيراً.
منابع تحقيق
1ـ الاعتقادات فی دين الإمامية، تحقيق: عصام عبدالسيد، الطبعة الثانية، نشر: دار المفيد، بيروت، 1414 ق.
2ـ الأمالی، السيد المرتضی، تحقيق: السيد محمد بدرالدين النعسانی، الطبعة الأولی، نشر: مكتبة آية الله المرعشی النجفی، 1325 ق.
3ـ بحارالأنوار، العلامة المجلسی، تحقيق: إبراهيم الميانجی و محمد باقر البهبودی، الطبعة الثانية المصححة، نشر: مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ق.
4ـ تاريخ الإسلام، الذهبی، تحقيق: د. عمر عبدالسلام تدمری، الطبعة الأولی، نشر: دارالكتب العربی، بيروت، 1407 ق.
5ـ الصحاح، الجوهری، تحقيق: أحمد عبدالغفور العطار، الطبعة الرابعة، نشر: دارالعلم للملايين، بيروت، 1407 ق.
6ـ الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين عليهالسلام، تحقيق: السيد محمدباقر الموحد الأبطحی، الطبعة الأولی، نشر: الإمام المهدی عليهالسلام و مؤسسة الأنصاريان، قم، 1411 ق.
7ـ عوالی اللئالی، لإبن أبی الجمهور الأحسائی، نشر: سيّدالشهداء عليهالسلام، قم، 1405 ق.
8 ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام، الشيخ الصدوق، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمی، نشر: مؤسسة الأعلمی، بيروت 1404 ق.
9ـ الكافی، لثقة الإسلام الكلينی، تحقيق علی أكبر الغفّاری، الطبعة الثامنة، طهران، نشر: دارالكتب الإسلاميّة، 1375 ش.
10ـ الكشّاف، جارالله الزمخشری، إعداد: عبدالرزّاق المهدی، نشر: دار إحياء التراث العربی و مؤسسة التاريخ العربی، بيروت، 1421 ق.
11ـ نفس الرحمن فی فضائل سلمان، ميرزا حسين النوری الطبرسی، جواد القيومی، الطبعة الأولی، نشر: مؤسسة الآفاق، 1411 ق.
12ـ وسائل الشيعة، الشيخ حرّ العاملی، الطبعة الثالثة، نشر: مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام، قم، 1416ق.